حول حق الانتفاع بالمعلومات

 


 

 

يُعْرَفُ حق الوصول للمعلومات بأنه إعطاء الحق لكل من المواطن، والأجنبي المقيم، والشخص الطبيعي، والشخص الاعتباري بالوصول إلى المعلومات الموجودة لدى القطاع العام والإطلاع عليها، مع توفر جانب من القيود المحدودة التي تتوافق مع متطلبات الفكر الديموقراطي الذي يحترم القوانين والتشريعات وحقوق الإنسان. وتاريخياً، يعود الحق في الوصول إلى المعلومات إلى أكثر من قرنين سابقين. وتُعَدُّ دولة السويد هي الدولة الأولى في اِبْتِدَار توفير المعلومات بموجب قانون حرية الصحافة. ثم تبع ذلك ظهور الحركة المناصرة للدخول إلى قاعدة المعلومات متماشية مع التوجه العالمي المعاصر من أجل ترسيخ حقوق الإنسان والتي إستقت مصدرها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما تم اعتماد يوم 28 سبتمبر من كل عام يوماً دولياً لتعميم الانتفاع بالمعلومات .

يسهم وجود الضمانات الدستورية والتشريعية والسياسية للوصول العام إلى المعلومات في أوقات الأزمات لإنقاذ الأرواح وبناء الثقة والمساعدة في صياغة سياسات مستدامة لإدارة الازمات والتخفيف منها. كذلك يساعد حق الانتفاع بالمعلومات في خلق بيئة إيجابية لتطوير المشاريع للفئات الضعيفة من المجتمع من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للفئات الاضعف في المجتمع مثل ذوي الاحتياجات الخاصة والمهمشين، كذلك في محو الأمية الإعلامية والمعلوماتية، بالإضافة إلى دور الثقافة الإعلامية والمعلوماتية والوصول المفتوح لتمكين المواطنين ذوي الإطلاع الجيد من اتخاذ القرارات المستنيرة مثل التصويت عند ممارسة حق الاقتراع على المستوى التمثيلي النقابي أو السياسي. ويدعم التعميم الشامل للمعلومات حق لكل شخص في طلب المعلومات وتلقيها ونقلها. وهذا الحق هو جزء لا يتجزأ من الحق في حرية التعبير. لذلك يعد دور المجتمع المدني والإعلام في تنوير الجمهور بالقضايا ذات الاهتمام، مع مراعاة القدرات المختلفة للأفراد في البحث عن المعلومات وتلقيها. وبالتالي فإن التعميم الشامل للمعلومات يرتبط ارتباطا وثيقا بالحق في حرية الصحافة.إن ّنشر المعرفة الشاملة هي الطريق لتحقيق التنمية إذ تدعم البراعة البشرية، والابتكار الفني، وتترك آثارا دائمة وإيجابية في التعليم والازدهار الاقتصادي والدمج الاجتماعي وحماية البيئة.


ويرتكز مفهوم المعلومات لدى القطاع العام على القوانين والمراسيم واللوائح والقرارات، وكذلك على التقارير والدراسات والإحصاءات واالمراسلات والمعلومات حول الخدمات العامة والقرارات والتعاميم والمذكرات والعقود والمناقصات العمومية والموازنات والمشتريات العمومية. ويمكن أن تكون المعلومة في صورة ورقية أو إلكترونية، إذ أن العالم الآن يتسم بغلبة نظم المعلومات والاتصالات التكنولوجية الحديثة، ويصعب معه الانخراط في مواكبة عصر المعلومات دون تمكين المواطنين من حقهم في الحصول على المعلومة، كما لا يمكن أن يتحقق هذا دون إقرار الدول لشعوبها ممارسة هذا الحق من خلال الدساتير والتشريعات والقوانين، بالإضافة إلى المواثيق التي تضعها الدولة لحق حصول الأفراد على المعلومات والبيانات من المصادر المختلفة.

ولم تترك الشرعنة الدولية حق الوصول الى المعلومات والبيانات بدون أيِّ تعريف واضح. فقد عرّفت الأمم المتحدة حق الوصول والحصول على المعلومات بأنَّه عبارة عن حق الإنسان في أي دولة في الوصول الى المعلومات التي تحتفظ بها الجهة العامة، وذلك بشكل آمن ومطمئن. وأكدت الأمم المتحدة كذلك على واجب هذه الجهة العامة في توفير هذه المعلومات الكاملة للمواطن. فالمتعارف والمتفق عليه هو أنَّ تضمن الدولة للفرد حق الحصول على المعلومات بأشكالها المتنوعة وبمجالاتها المختلفة، بالإضافة إلى ضرورة أن يتعامل الفرد مع المعلومات بشكل آمن، دون إحداث أي نوع من الفوضى أو زعزعة أمن الدولة بشكل عام.

كذلك يثمن المجتمع الدولي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال المواثيق والاتفاقيات، ويعد الحق في المعرفة واِستَقاءَ المعلومات من حقوق الإنسان، حيث لكل فرد الحق في المشاركة الثقافية، والتمتع بفوائد التقدم العلمي والتكنولوجي، وهو ما يدخل في نطاق طلب المعرفة والتماس المعلومات. كذلك يُعَنِّي المجتمع الدولي باحترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي، وهو ما يقدم في العلوم والبحوث العلمية التي تخدم التنمية في كثير من الدول عبر نشر ثقافة المعلومات وصولاً لمجتمع المعرفة والمشاركة في صنع القرارات.

لقد بات من الضروري فهم الإطار القانوني لضبط حق الوصول على المعلومات وضمان ممارسته بروح من المسؤولية والمواطنة الملتزمة وذلك لتحقيق وتعزيز إنفتاح القطاع العام على المجتمع بمكوناته المختلفة في الدولة. وهذا مما من شأنه أن يفضي لتوفير بيئة عامة تتوفر فيها الشفافية ومحاربة للفساد وترسيخ لمبادئ الحوكمة، مع الاحتفاظ بالطبع بالاستثناءات المشروعة.

ومن أهم أمثلة الاستثناءات المشروعة والمتفق عليها دوليا هي الأسرار والوثائق المحمية بموجب أي تشريع خلاف قانون حق الوصول للمعلومات . وكذلك تشمل الاستثاءات الوثائق المصنفة على أنها سرية وحمية ،والتي يتم الحصول عليها بإتفاق مع الدول الاخرى ،والأسرار الخاصة بالدفاع الوطني أو أمن الدولة أو سياستها الخارجية. كذلك تضمن تلك الاستثناءات المعلومة التي تتضمن تحليلات أو توصيات أو اقتراحات أو إستشارات تُقدم  للمسئول قبل أن يتم اتخاذ قرار بشأنها، والمراسلات والمعلومات المتبادلة بين الإدارات الحكومية المختلفة.

وحق الوصول للمعلومات في السودان مكفول بموجب القانون الصادر عام 2015م. ويرى البعض أن ذلك القانون يواجه بعض العوائق المتمثلة في درجة التزام الدولة بتوفير المعلومات لعدم تهيئة البيئة السياسة الديموقراطية الكاملة، ووجود بعض القيود في التفسيرات الواسعة لهذا الحق، إضافة لسوء مستوى الأداء في الخدمة المدنية المتمثل في طريقة حفظ المعلومات، ووجودها لدى أكثر من طرف مما يصعب معه تحديد الطرف المناط به تقديم المعلومة عند طلبها، ويجعل تحديد الإدارة المعنية بتسليم المعلومات بصورة واضحة أمرا عسيرا. كذلك تشمل تلك العوائق عدم التأكد من دقة المعلومات المنشورة وجودتها، وعدم توفر أو ضعف الامكانيات التكنولوجية والبنية التحتية للتقنية في السودان مثل جودة شبكة الاتصالات واستمرار الامداد الكهربائي. وكل هذا يفضي إلى بطء في تطبيق القانون على الواقع العملي. كذلك من غير المستبعد وجود أنواع من المقاومة للتغير والتحول إلى الأنظمة الدولة الحاكمة.

إن الوصـول إلـى بنـاء منظومـة للنزاهـة تحظـى باحترام المواطنيـن فـي القطـاع العـام والخـاص، والهيئـات المحليـة والمنظمـات المحلية والعالمية والمجموعات المهنية ، تتطلب وجود آليات للتنفيذ تساعد في تحجيم الفساد من خلال أنظمة حاكمة تلزم هذه المنظومة بأحكام القوانين المحلية والدولية، وتوفر آليات للنزاهة واضحة من خلال الشفافية وتوفير المعلومات. وينبغي أن تتماشى وســائل الشــفافية ومتطلباتهــا مع المساحة التي يفرضها القانون والتي تقلص المساحة المتاحة للمسئولين والشخصيات العامة والسياسيين وأصحاب المصلحة، لصالح المواطنين، من خلال توفير معلومات عن أهداف المؤسسات العاملة في القطاع العام والخاص وفلسفة عملها وبرامجها، وهياكلها التنظيمية وميزانياتها وإتاحتها للمواطنين في إطار سياسة للنشر مصاغة وفقا للقوانين المعنية بذلك.

نختم القول بأن عــدم تفعيــل حــق حريــة الحصــول علــى المعلومــات فــي القطــاع العــام السوداني يؤدي إلــى إضعــاف الشفافية والتأثير على مستويات النزاهـة بدرجـة كبيـرة مما يؤدي إلى زيـادة انتشـار الفسـاد فـي القطـاع العـام بدرجـة كبيـرة وعدم القدرة على المســاءلة، بسـبب الافتقار إلـى المعلومـة اللازمة لجمع الأدلة ومـن ثـم إفلات الفاسـدين مـن العقـاب. إن التطبيق الفعلي لقانون ضمان حق الوصول للمعلومات سيزيد من شفافية مؤسسات الدولة، وقابليتها للمحاسبة، ويقلل من فرص الفساد، وسيخول للمواطنين مراقبة وتتبع وتقييم أداء هذه المؤسسات، حيث يتوافق هذا مع مطالبات إجهزة الدولة بتحسين كفاءة الإدارة في مجال تقديم المعلومات وجودتها و تأهيل للموارد البشرية بالمؤسسات والهيئات في القطاع العام لتعزيز ثقة المواطنيين في مؤسسات الدولة ونزاهتها، وأن تقدم للجميع بطريقة متساوية وإشراك المواطنين في مكافحة الفساد من خلال التواصل عبر تداول المعلومات.

كذلك من الواجب الاهتمام بالقوانين المتناغمة الأخرى لتوفر المعلومات مثل قانــون المطبوعــات والمنشــورات، بحيث لا تضع قيوداً واستثناءات علــى حريــة التعبيــر ممــا يضعــف حريــة الحصــول علــى المعلومــات. ويذكر أن قانون المركز القومي للمعلومات السوداني 2010م الذي صدر بديلا عن قانون1999م قد أصبح أكثر تناغما مع قانون حق الوصول إلى المعلومات، والذي يجب أن يعزز من خلال إنشــاء مؤسســة عامــة تتمتــع بالإستقلال المالــي والإداري، حيث تعنى بـإدارة وتنظيــم حريــة الحصــول علــى المعلومــات وأن يديرهــا المفــوض العــام للمعلومــات، في ظل توفر إرادة سياسية ديمقراطية حقيقة.

وينبغي أن تقيم الدولة جهازا لمفوضية للشفافية والمعلومات، توفر لها الصلاحيات المناسبة لإتاحة المعلومات، وتأمين حرية العاملين والمسؤولين في النشر وللإفصاح عن البيانات والمعلومات المتعلقة بأعمالهم العامة. هذا فضلاً عن إيجاد نظام دقيق للمحافظة على البيانات والمعلومات في الوثائق من العبث المتعمد والإهمال.  كذلك من مهام الجهاز المقترح تحديد مواعيد مناسبة للرد على طلبات المعلومات وألا يشترط فيها تكلفة لتقديم المعلومات. فمثلاً لا يتناسب طلب معلومات لغرض البحث العلمي مع طلب معلومات لإنشاء مشروعات استثمارية. كذلك يجب كفالة حق أصحاب المصلحة في التظلم والشكوى للسلطات العليا، مع إيجاد نظام قضائي مستقل للتظلم والطعن أمامه عن مخالفة نظام الشفافية، وإن لزم الأمر التعديل في التشريعات بما يعزز حق الوصول إلى المعلومات، والمشاركة في المراقبة على مستوى أداء الدولة  بحسبانها أحد أدوات الرقابة (الشعبية) الموازية .



nazikelhashmi@hotmail.com

 

آراء