ما كل من تبرئه المحاكم برئ

 


 

 

بشفافية -
يقول القانونيون أن قرينة البراءة تعد أحد أبرز مقومات المحاكمة العادلة، وقرينة البراءة مبدأ قانوني يعتبر الشخص بريء ما لم تثبت إدانته، وبعبارة أخرى فان عبء الإثبات يقع على من يدعي ويتهم (بفتح الياء وكسر الهاء)، وليس على من يتهم (بضم الياء وتسكين التاء) أو ينكر، وفي الكثير من الدول يعتبر افتراض البراءة حقا قانونيا للمتهم في المحكمة، وهو حق إنساني دولي بموجب إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان، وبافتراض البراءة، فإن عبء الإثبات القانوني يقع بالتالي على النيابة أو الشاكي، حيث يجب عليهما جمع وتقديم أدلة مقنعة إلى الحقيقة. وهكذا فإن الأمر الواقعي لدى القاضي مقيَد بأمر من القانون للنظر فقط في الأدلة الفعلية والشهادات المقدمة في المحكمة، ويجب على الادعاء أن يثبت في معظم الحالات أن المتهم مذنب بما لا يدع مجالا للشك، فإذا بقي شك معقول، فيجب تبرئة المتهم، ولكون المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ينبغي أن لا يطلب منه الدفاع عن نفسه دحضا لادعاءات الإتهام، إذ لا يقع عليه عبء إثبات براءته، وان من يطلب منه ذلك الإثبات هو من ادعى الاتهام، فاذا ما خلت أوراق القضية المعروضة أمام القاضي من أى دليل يقينى وجازم على ما نسب إلي المتهم من اتهام يتم تبرئة المتهم،
فالقاضي لا يحكم الا بما هو معروض عليه في لائحة الاتهام من أدلة وحيثيات، و مقدرة الشاكي على اثبات التهمة، فاذا عجز الشاكي عن اثباتها لأي سبب رغم صحة الجريمة، فلا يملك القاضي الا ان يحكم ببراءة المتهم، وهذا نهج لا يحقق العدالة ولا يظهر الحقيقة في بعض الاحيان، ومنها ما انا بصدده من بعض قضايا الفساد المرتكبة خلال النظام البائد، التي أصدرت بعض المحاكم قرارات بالبراءة في بعضها، وفى بعضها الآخر صدرت احكام باعادة الاملاك والممتلكات المصادرة بواسطة لجنة ازالة التمكين ومصادرة الأموال المنهوبة التي جمد اعمالها الانقلابيون..
يمكن تصنيف الفساد المرتكب خلال العهد المباد الى نوعين، نوع أقل شأنا وخطرا هو ذلك الذي يستطيع أى مراجع مالي مبتديء كشفه، فمن فرط بساطته وغشامة مرتكبه هو أنه يترك دليلا عليه، أما النوع الثاني فهو الأخطر والأكثر فتكا بالمال العام، وهو ذاك الفساد الذي لا تطاله يد المراجعة ولو طالته لن تجد دليلا عليه وفق التعريف القانوني لـ(الادلة)، ومرتكب وهذا هو الفساد يعتبر فاسد حويط وحريف لا يترك أي دليل يذهب به الى سوح القضاء، واذا تمت مقاضاته سيخرج من فساده بالبراءة، ولكن من حكمة الله أن جعل لمثل هذا الفساد دلائل وإشارات وأمارات وعلامات أخرى تدل عليه،
فالدنانير دائما ما تأبى إلا أن تطل برأسها على قول الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي إعتبر في القصة الشهيرة مع احد عماله مجرد إطلال الدراهم والدنانير دليلا يستوجب المحاسبة والسؤال، ولكن المشكلة مع هذا النوع الخطير من الفساد أن المحاكم تطالب بالدليل والبرهان، علما بأن هذه الادلة والبراهين التي تطالب بها المحاكم، كانت حكرا على هؤلاء الفاسدين المتنفذين خلال العهد المخلوع، ولا يعلم أحد سواهم ما ستروا وما أخفوا والدليل (خلوها مستورة)، اللهم إلا إذا إختلف اللصوص أو إنتابت أحدهم صحوة ضمير، فلا يكفي عند المحاكم أن تطل الدنانير بأعناقها ولا تكفيها كل المظاهر التي تكاد تجعل كل مفسد يقول خذوني بما امتلك من الارصدة البنكية وإبتنى من العمائر والفلل الفاخرة والمزارع الواسعة وامتطى من السيارات الفارهة وبنى بالزوجات الجميلات ما حدده سقف الشرع أو أقل قليلا وهو الذي إلى عهد قريب لم يكن شيئا مذكورا إلا من وظيفة حتى هي لم يرتق اليها بالطريق المشروع، كل ذلك للأسف لا يكفي عند المحاكم لينهض دليلا على الفساد..ولهذا نقول ليس كل من تبرئه المحاكم برئ..
الجريدة
//////////////////////

 

آراء