حول إنتصاب القونة ودموع الأفندي المُمزَّق! (مدخل إلى أنثروبولوجيا المغنى والتطريب ضمن المشهد السوداني) 

 


 

 

كان من الضروري البحث في "أصل" الاسم/التوصيف "قونة" لما قد يُرفدنا به مثل هذا المبحث من دلالات تاريخية أو اجتماعية أو ثقافية، أو غيرها ، تُقربنا من التعرُّف عن كثب على هذه "الحالة" التطريبية الصاعدة و المتصاعدة ضمن مشهد المَغْنَى و التطريب في السودان؛ و لكننا حتى لحظة هذه الكتابة لم نحصل على "تعريف" شافٍ و مُحكم يُمكن الإعتماد عليه في مقاربتنا الأولية هذه. و كل ما وجدناه في هذا المنحى لا يعدو أن يكون تخمينات كسولة لم يُبذل أصحابُها أي مجهودات شاخصة من شأنها أن تُعين على سبر غور الدالة "قونة" بصورة أفضل. ومن ضمن هذه التخمينات محاولة البعض الربط ما بين القونة و القون (حارس المرمى) في كرة القدم. و بحسب هؤلاء، فإن المطربة قد لُقِّبَت بالقونة لأنها تقف أمام عازف الأورغن تماماً كما يفعل القون في لُعبة كورة القدم، و لكن في هذه الحالة يُصعب إدراك وجه الشبه بين الأمرين.  و بالمثل هناك من رأى بأن المُطربة قد وُصفت بالقونة للإشارة إلى "أردافها" لكننا لم نجد أي رابط  بلاغي أو ثقافي معقول يُؤكد مثل هذا الزعم أيضاً. و لعل من أكثر التخمينات التي توقفنا عندها هو ذاك الذي يري أن الدالة "قونة" ربما هي صيغة المؤنَّث من "القوني" و هو مُقريء  أو مُرتِّل القرآن في المناسبات العامة،  خاصة في بعض بلدان غرب أفريقيا. و لذا نلاحظ أنه ومع إختلاف السياقات إلا أن هناك "شُبهة" ما  تربط ما بين وظيفتي القونة و القوني و بذا يصبح هذا التخمين هو الأكثر قوة و لكن تعوزه الحصافة البحثية الصارمة. إذن، في ظل غياب تعريف منهجي يمكن الركون إليه في معالجة الدالة المعنية، لا نجد أمامنا إلا القفز مباشرة إلى القونة خارج دوائر اللغة الميتة و الباردة و ولوج حلبات المغنى و التطريب الحية و الحيوية حيث تنتصب "قونتُنا" مليئة بالثقة و القدرة على تحريك الساكن و المسكوت عنه في معجبيها (أو بالأحرى مشاركيها) من الجنسين (أو ابعد من هذا التوصيف الثنائي)، و من مُختلف الأعمار و الإنتماءات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية في طقس تطريبي كامل الدسم! ولا ينحصر معجبو القونة على هؤلاء النفر الذي يحُج إليها بدمه و لحمه من كل "فج عميق"  ليلتحم بها في منصات الرقص و الطرب، ولكن ذلك أيضاً يُشمل الآلاف من "المُكسرين/ات" اللائي و الذين يلجون حلبات القونات عبر تطبيقات اليوتيوب  والهواتف الذكية وغيرها! و لذا يُمكن القول بأن القونة قد إستطاعت أن تُحلّ مكان القلب في فضاء المغنى و التطريب في السودان. لكن هذا الصعود للقونة و الحيوية الكثيفة التي قدمتها لهذا الفضاء لم يُعجب الكثيرين، و بخاصة في أواسط دوائر "الأفندية" و لربما كان ذلك بسبب الخوف أو الغيرة أوبسبب إنتفاخ الذات الكاذبة و الممزّقة للافندي!

لقد إنبرى أفندينا المذكور يوزع الشتائم للقونة مُقتبساً من قاموس "الأيديولوجية الأفندوية" و التي يستخدمها كلما أراد أن يقلل ممن يختلف مع تصوراته الخاصة فيما يجب أن تكون عليه الحياة "العادية" أو "المقبولة"، و تنهض الأيديولوجية الأفندوية على مرتكزات كاذبة تتوسل "الأخلاق" و "القيم النبيلة" و "عاداتنا السمحة"، إلخ. و يتضح كل ذلك جليّاً في حرب الأفندي الشعواء ضد القونة، بصفة خاصة، و ضد كل ما لايتماشى مع حيثيات بُرجه العاجي المزعوم. فلا تكاد تتصفح أي موقع يتحدث عن القونة إلا وتجد أطناناً من الشتائم و محاولات مستميتة و يائسة تسعى إلى نبذ القونة و رميها خارج حلبة الفن وذلك عن طريق وسم غنائها أو أدئها بالـ"هابط"، أو عدم "إلتزامها بالحد اللائق من شروط الفن". فعلى سبيل المثال، لخص أحد الأفندية ما ذكرنا أعلاه عن القونة في قوله:  (إقتباس)" هي مغنية تقدّم فاصلا غنائيا في المناسبات الخاصة مصحوباً بالرقص المثير والإيقاع الحار دون التقيد بالكلمات او الموسيقى أو حتى بالحد الأدنى من شروط الغناء وواجباته، ودون مراعاة للمكان، فقط هي تتغنى وتطلق العبارات المسيئة والجارحة والخادشة دون حياء او اهتمام، ويحدث ذلك وسط موجة من الهياج يدخل فيها الحضور، وحالة من الرفس والتنطيط بفعل الموسيقى الصاخبة والمتواترة الممتدة دون توقف، ودون توقف هذه نعني بها انها قد تستمر لقرابة الساعتين دون ان يتوقف العزف ولو ثانية او ان تمتد اغنية قرابة الساعة في ثلاث كلمات، كحال أن تمسك المغنية في كلمتين (يا عمر أقول ليك.. يا خالو أقول ليك.. ياحيدر أقول ليك)، فتصبح جملة “أقول ليك” هذه هي الاغنية."(إنتهى) (التصحيف من عندنا).

هذه الإقتباس يكشُف على نحو جلي  "أسلحة الدمار الشامل" التي تأتي مباشرة من  قاموس الافندي و هي عبارة عن تعابيرهُتافية و غامضة تُطلق هكذا على عواهنها حتى دون أن يحاول هذا "الإله" الأخلاقوي الصغير أن يرفدنا بدلالاتها المحددة مثل "دون التقيد بالكلمات أو الموسيقى"؛ أو "الحد الأدنى من شروط الغناء و واجباته"؛ أو عبارات "مسيئة و جارجة و خادشة" وهكذا. و أكثر من ذلك أيضا نلاحظ كيف أن هذا الافندي لم يتوقف للحظة ليسائل نفسه عن سبب  إمتداد الأغنية إلى ساعة من الزمن تتكرر خلالها فقط "ثلاث كلمات" و مع ذلك يستمر المشاركون في "الرفس و التنطيط" – بحسب قوله- دون كلل أو ملل؟ للإسف،  لا يتوقف الافندي لمراجعة ما يشاهده لأنه في قرارة نفسه يعتقد جازماً بأنه يمتلك حقاً مُقدساً يهبه وصاية كاملة على الكل تُخوّل له محاكمة الآخرين كيفما يشاء!! نقول للأفندي المتعالي باعمدة مُتخيّلة،  ليست الأغنية/الكلمة هي الشرط الأوّل و الأخير للطرب. فالاغنية لا تعدو أن تكون مجرد شذرة واحدة من شذور طقس الطرب كبنية متكاملة و لحظة إلتحام تجمع بين الإيقاع و النغم و لغة الجسد و المطربة والجمهور المشارك.

و كذلك نقول، بأن القونة ليست "ظاهرة" و ليست "دخيلة" كما يحاول الكثيرون توصيفها إستهجانا أو خُبثا للتدليل على غربتها و حداثتها و صعودها كنبت بلا مرجعيات تاريخية أو إجتماعية أو ثقافية إيذاناً ببدء محاربتها و نبذها كـ"شخصية" غير إعتبارية وافدة إلينا من "مكان" "غير معروف/غير مُحبّب" و بالتالي فهي "لا تشبهنا" وبل هي معادية "لقيمنا" و "عاداتنا" و "معاييرنا" و"مُثلنا"، إلخ. و للحق نقول، هذا التوصيف ذو الصبغة السلطوية/السياسية من شأنه أن يُعطي أصحابه مُتنفّسا أخلاقياً مُتخيّلا و إحساسأً بالإنتماء  الكاذب إلى معسكر "الخير" المزعوم و الذي ليس هو سوى "حيز آيديولوجي" آمن إجتماعياً وربما دينياً كثيراً ما يجنح الأفندي إلى الإحتماء تحت ظلاله الهشّة كذباً، لأن أفندينا_هذا الإله الأخلاقوي الصغير_  لا يهُمهه في نهاية المطاف سوي صورته المُنعكسة في مرآة خطاب إجتماعي مُنافق حيث يتم رسمها و تحنيطها و من ثمّ تُعلق هناك حتى يراه الكُل و لكنه و في تلك اللحظة بالذات  ينسحب "هو" خلسة إلى مواخير صوره الأُخرى يغتنم و يلتهم كل الفُرص الآمنة للإنخراط في ممارسة ذات الأفعال و الطقوس التى يُدينُها و يرفضها تحت شمس "السوق" الاجتماعي المقبول بما في ذلك الإستمتاع حتى الثمالة بالطقس التطريبي للقونة. ما أعجبك من كائن أيها النرجسي ذو الشخصيات و الوجوه العديدة والمتعددة تلك التي تنمو سرطانياً بالدقيقة و بالثانية حسب متطلبات السوق الاجتماعي وخطابه السائد!

نقول،  القونة كحالة هي حاضرة ضمن مشهد المغنى والتطريب في السودان حيث لا يُمكن نكران قوتها و قدرتها على تجييش أهل الطرب و بالتالي فهي كحالة تطريبية جائشة تنتمى إلى حيز ثقافي وإجتماعي أصيل، و هو الحيز الذي تفنّن "افندينا النرجسي" في وسمه بـ"أغاني البنات"  في خُطوة محسوبة لمُحاصرته آيديولوجياُ حتى يتسنى له تتفيهه و تحقيره و التقليل من قيمته ومن شأنه و من ثم إنتباذه و نفيه من مشهد الغناء و الطرب السائدة و ليس من أجل إعطاء صاحبات الحق حقهن الفني و الأدبي المُتميّز. و "أغاني البنات" _كحبل سُري خصب و خالد_أيها السيدات و السادة، خاصة، بالنسبة، لنا نحن الذين تربينا و ترعرعنا في أطراف الريف السوداني حيث تنعدم وسائل التواصل غير المباشرة أو تنحصر لدى القليليين من ذوي الحُظوة والإمتيازات، نقول في تلك الشروط التاريخية الصعبة شكّلت "أغاني البنات" وجداننا لأنها ببساطة كانت تتغنى بصور و مواقف و حالات تُعبرتماماً عن أحلامنا و تطلعاتنا و مُحيطنا الإجتماعي و الثقافي و المعرفي (الريفي، إذا لزم التأكيد) و عن حالات الوجد و التشاكي و الحنيّة و الاشواق، إلخ. و "أغاني البنات" كانت أيضاً تتغنى و تتغزل في المدن و القُرى وفي وظائف إجتماعية أو سياسية أو أمنية كالمُدرس، والدياشي (دياشي زمان )، و سائق اللوري، و الطبيب، إلخ، و هي كما ترون وظائف فاعلة في حياة المجتمع و لذا كنا نتفاعل معها أيّما تفاعل. و هنا أيضاً لابد من الإشارة إلى أن "أغاني البنات" تحمل صفة قلّ أن تجد لها مثيلاً في صور الغناء الأخرى، ألا و هي قدرتها على التفاعل والتكاثر و المشاركة غير المحدودة، حيث تتمكن المغنيات/المطربات في كل مدينة و قرية إستبدال أسماء الأماكن و الأشياء الخاصة بهن و إحلالها في مكان الأسماء والأماكن الأخرى التي تأتي إليهن مع النسخة الأولى و بالتالي تُصبح لها قدرة "تمكينية" تُعطي المطربات القدرة على التحرير النصي و إعادة الإنتاج السياقي/الزمكاني. هذه القدرة التفاعلية الحرة لها  قيمة اجتماعية و فنية هائلة و عظيمة! و هناك صفة أخري تُميّز "أغاني البنات" و تزيد من درجات التطريب و المشاركة الجماعية، و هي تلك اللحظة التي نشاهدها بكثرة ضمن أداء القونة المُتمثّلة في الإصرار و القدرة على إدراج المشاركين لها ضمن "خطاب التطريب" في لغة بسيطة و سهلة و ذلك بذكر الاسماء أو الإنتماءات الثقافية أو الجهوية للمشاركين، إلخ، حيث يشعر المشاركون بأنهم حاضرون ضمن اللحظة الحيوية للتطريب و ليسوا غرباء عنها كما هو الحال مع أشكال الغناء الأُخرى! هذه اللحظة التطريبية الفريدة للقونة تستمد أصالتها من إرث في الغناء والتطريب لدى الكثير من المجموعات الثقافية أو الجهوية المنتشرة في بلاد السودان حيث تتميز تلك اللحظة بالأداء و المشاركة الجماعية، من ناحية، و كذلك بتحقيق الإرتباط النهائي للجملة الفنية حيث تندغم الكلمة مع اللحن مع الأداء إندماغاً لا يمكن الفصل بينها و لا ينبغي، من الناحية الأخرى؛ و حيث يمتزج و يختلط الكل في حالة أقرب إلى الجذب الصوفي في وحدة نادرة و فاعلة ربما لا و لن تجد لها مثيلاً في أشكال الطرب الأخرى خاصة تلك التي أقحمها الأفندي إقحاماً و سوّقها لتصبح "بقدرة قادر" في صدارة النشاط التطريبي الرسمي كـ" جلسة الإستماع" و التهويمات الصفوية الأخرى تلك التي تأبى أن تهضمها "المعدة الشعبية" المجبولة على المشاركة الجمعية و الجماعية الكاملة.

نقول،  و "الأغنية" كمُنتج و ممارسة آنثروبولوجية،  تدخل الذاكرة الجمعية ليست ككلمات منفصلة عن لحنها أو عن أدائها و أحياناً كثير حتى عن مؤديها/تها لتبقى هناك كمستودع لأحاسيس و مشاعر و لحظات فريدة بإمكاننا استعادتها أو الإستمتاع بها كلما إستمعنا إليها. و هذه الخدمة أو الوظيفة الاجتماعية و الجمعية التي تقدمها "الأغنية" كطقس جمعي كثيف يتمتع بالأمانة و الحيوية و الحية هي من أعظم وظائف الغناء و هي كذلك موجودة بغزارة شديدة ضمن "غناء البنات" و غناء القونات.

و هنا لابد من التأكيد بأننا في هذا المُقام لا نحاول بأي صورة من الصور تبخيس أحلام و طموحات أو حتى أوهام "سيد أفندي" و التي تأتي من مفاهيم "الأدب الرفيع" التي لربما قد وفدت إلينا من العصر الفكتوري (من الملكة فكتوريا)، ولكن ما نود فضحه هنا هي تلك الصفوية النافية التي ميّزت ليس فقط منظور "الأفندي المُتسلط" حول الفن و الطرب/التطريب و لكنه شمل جُل مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، إلخ. فسيادة الأفندي المزعومة هي حالة فريدة من الشمولية و الدكتاتورية غير المرتبطة بمشروع ديني أو سياسي محدد، و  لكنها تتناسل نحو "عود أبدي" و تنوجد في حالة شوق دائم إلى مصدرها الأول، أي آيديولوجيا  مشروع "حداثة" الرجل الابيض الآنجلوساكسوني الناهضة على مشروع "تطوّري" أُحادي النظر و إقصائي يبدأ من النقطة (أ)(والتي هي في الغالب "المكان" الغامض الموسوم بـ"إفريقيا") و تنتهي بالنقطة (ب) حيث موطن هذا الآنجلوساكسوني الابيض السعيد.) و في هذه الرحلة الاسطورية (الآيديولوجية) تصبج رؤى و منظورات و قيم الآنجلوساكسوني هي مفتاح التقدم و هي الحقيقية الكاملة و هي كذلك وليدة العلم والمعرفة و التحضر الإنساني و بالتالي يجب عليها  أن تتحكم و  تسود و حتى لو كان ذلك بالقوة سواءاً كانت ناعمة (الآيدولوجيا و أهلها_ من نظام تعليمي و أئمة مساجد و وسائل الأعلام المختلفة) أو مُفرطة (جيش و شرطة و أمن‘إلخ)! فمن أين إذن لأفندينا هذه القدرة الهائلة على النفي و الإقصاء؟ ألاجابة: من حداثة الرجل الأبيض الناعمة التي تُلقن له من خلال أكثر مؤسساتها إخلاصاً و خطورة  و هي المؤسسة التعليمية التلقينية. و للأسف، فما يُسمى بالتعليم "الحديث" لا ينظر الكثيرون إليه كآيديولوجيا ترتبط عضوياً بالسلطة الغاشمة و إعادة إنتاجها و لكن يعتبرونه الوسيلة الوحيدة و الأكيدة للوصول إلى مكامن "الحق" و "الحقيقة" و تحقيق المجتمع الفاضل، و لذا فكل من أو ما يأتي  من ضمن "العلم" يصبح مقدساً و مقبولا و يشمل ذلك "العاملين عليه/أهل التكيّة" و بخاصة أفندينا المُمزق "ابو دموع رقراقة"! نقول، التعليم التلقيني هو أخطر أداة لسلب الذات و إغترابها، بحيث يصبح الإستلاب و الإغتراب من المكونات الأساسية للذات الافندوية المتهافتة و غير المُتسقة!

و أفندينا هو المُنتج الأول و الأخير للتعليم كآيدولوجية إقصائية. وأفندينا هو حرفيّاً "نسخة كربونية" من الرجل الآنجلوساكسوني الأبيض  و لذا كانت و لا تزال مهمتهه _بوعي منه أو بدون ذلك - هي إعادة إنتاج و تسييد المخطط الكولونيالي قديماً و حديثاً (Blue Print) كبداية و نهاية للتاريخ لتصبح عدمية لا مفر منها! نعم، إستطاع الأفندي بوشيجة إمتلاكه للمعرفة الحقة و الحقيقة الكاملة و الاُوحادية، إستطاع أن يفرض  تصورأً خياليّاً لإنسان السودان و للقيم النبيلة التي تتحكم فيه (أي إنسان السودان المثالي) و إحتقر القيم المحلية المتنوعة والراسخة  على اعتبار أنها خرافات و أنها غير علمية، أو أنها تُجانب ألأنساق الأخلاقية السائدة و معايير المجتمع السليم، إلخ، وبالتالي يرى في نفسه هو صاحب الحق في الدعوة إلى ضرورة التخلص منها و من كل من يدافع عنها أو يُعبر عنها، و هكذا يضع "الأفندي الكربوني" الهوية و الهوى اللبنة الأولى في الطريق المُعبد نحو الإبادة الجماعية (معنويّة و ماديّة) لكل ما هو مُختلف و لكل ما هو مغاير و لكل ما لا يتسق مع ذوقه المتعالي والمُؤسس_بحسب زعمه_ على قيم الخير و الحرية و الحق و الحقيقة الكونية/المُطلقة والتي تنسحب على جميع مناحي الحياة السياسية و الثقافية و الإقتصادية و الفكرية. و إذا أردت أن تتعرف عن كثب على حجم ترهات و نرجسية أفندينا الهُمام حامي الأخلاق والقيم النبيلة فما عليك إلا أن تتبع أداءه في ما تُعرف بمنصات التواصل الاجتماعي حيث يحتفل و بل يتلذذ بـ"علميته" المزعومة تتبعه من الخلف جوقة  من الجوعى و التائهين من الذين و اللائي يرتدون زي الافندي حتى يتسنى لهم تسول حفنة أو شذرة من شذور "المعرفة الحقة" التي أُنعم بها على الأفندي من قبل جهاز الدولة (هذه المؤسسة الاستعمارية) متمثلة في أداتها الآيديولوجيا – التعليم التلقينى - التي ما فتأت تُشجع على و تُزكّي من أهمية و نرجسية و تعالي و صفوية منتوجها الخراب_الأفندي الكربوني الهوية. و ما فشل الدولة السودانية، هذا الفشل الماثل، هذا الفشل الكارثي و المرئي ليس هو إلاّ  دليلاً قويّاً على تهافت الأفندي و على عدم قدرته بل عدم تأهله على إدارة التركة الاستعمارية – الدولة- و ذلك بسبب أنه لا يعدو أن يكون مجرد نسخة كربونية تتشدق بما لا تستطيع أن تجعله واقعاً ملموساً سواءاً كان ذلك على المستوى الشخصي أو العام. للقونة قدرة مشهودة على تمثُّل واقعها الذي تعيش فيه و التعبير عنه (إختلفنا معها أو إتفقنا معها شئنا أم أبينا) و هي المُستحقات التي فشل أفندينا الممزق و التائه في الإيفاء باستحقاقاتها ضمن واقعه المقموع  و المُتخيّل و ذاته الممزقة و غير المُتسقة!

هاملتون، 3/ابريل/ 2022


zalingy@gmail.com

 

آراء