تطابق مذهل بين ما حكي وما أنا عليه الآن وكانني داخل قصر المرايا !!..بقلم: حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي
بدون مقدمات ودون سابق معرفة بي ولم يبادر حتي بتحية أو مجاملة وجاءت كلماته منسابة مثل شريط الذكريات :
( تخرجت في المدرسة الثانوية والي المرحلة الوسطي مباشرة معلما تحت التدريب وبعد خمسة سنوات من النضال في دنيا الطباشير والتحضير والتوجيه من قدامي المعلمين استدعتني ام المعاهد بخت الرضا للصقل والإعداد المستقبلي لاشرف مهنة وجدت علي مر التاريخ مهنة التعليم مفتاح كل خير ومنبع كل فضيلة بل هي الحياة الطيبة بمعناها الواسع وعيشها الرغيد ) !!..
قلت اقاطعه لاعرفه عن كثب ولاسبر غور اقتحامه لخصوصيتي ولماذا اختارني من بين كل بني البشر ليجعلني حائط مبكاه ومستودع سره وساحة فضفضته من آلام تراكمت عليه مع كرور السنين ولكنه واصل كالشلال الهادر وهذه المرة أصبح صدره يعلو ويهبط وكأنه قدر يغلي ولصوته ازير مثل الطائرات المقاتلة في سماء المعركة :
( في أوائل الثمانينات وبعد خدمة دستة من السنين كانت الموضة شد الرحال الي الخليج لتحقيق الحلم والعودة بالسيارة والدولار والزواج وهذه الأشياء تتحقق للبعض وزيادة والغالبية تكتفي من الغنيمة بالاياب وبعضهم لا يعودون ويطويهم النسيان ) !!..
تدخلت هذه المرة بهجمة سريعة وسألته قبل أن يلتقط أنفاسه ويواصل بثه على الهواء مباشره !!..
( طيب يا اخا العرب من أي فئة مغتربة انت هداك الله وحفظك من كل شر وبلاء ) ؟!
قال ولهجته امتزج فيها الرضا المشوب ببعض الحزن والاسي :
( عدت الي بلادي الحبيبة وعموم الخليج كان غاضبا علي السودان لأن ولي الامر وقف مع صدام فكان الطرد وكانت البهدلة لكل من يحمل وثيقة سفرنا الخضراء التي أصبحت تثير الرعب في كل مطارات الغرب !!..
والمعاكسة كشرت عن أنيابها لي في ارض الوطن ورفض طلب تقدمت به للرجوع للتدريس في المرحلة المتوسطة وافهموني اني بعدت عن التدريس لمدة أكثر من خمسة سنوات وعلى حسب القانون اعتبر فاقدا للصلاحية مع اني كنت معلم لغة إنجليزية وعملت بالخليج مترجما في شركة عابرة للقارات وبهذا تكون لغتي قد تمتنت وقوي عودها وصرت أصلح للتدريس في الجامعات والمعاهد العليا ولكن الإدارة في بلادي تفهم ماحفظته من قوانين ولا تهتم بالمستجدات وحسن التصرف واكتساب الخبرات ) !!..
واردف قائلا :
( وحتي ملف خدمتي راح في خبر كان وتقريبا بعد قيام الحكم اللامركزي وتقطيع وزارة التربية اربا اربا وتشتيتها في الولايات صار كل شيء هايص ولايص واهتزت الترقيات وضاعت البدلات وفوائد ما بعد الخدمة والمعاشات تحولت إلى الغاز وغموض من طراز الطلاسم وضرب الاخماس في الأسداس !!..
( تصور يا اخي العزيز أن فصلي من الخدمة جاء في اقل من شهر ولم يوجه لي اي إنذار بالعودة إلى العمل ومن ثم عمل مجلس تأديب يفصل في القضية في غيبتي إذا لم أمثل أمامه في ظرف خمسة عشر يوما ولكن كل قوانين الخدمة المدنية هذه ضرب بها الحاكم الديكتاتور عرض الحائط وتم التسيس في كل شيء وضاعت حقوق موظف الحكومة الذي كان جوهرة فحولوه الي صخرة صماء ) !!..
شددت الرحال للمدارس الخاصة وايضا كانت مثل الوزارة بعد أن عبث بها العابثون لا حقوق بعد الخدمة ولا مرتبات وبدلات مجزية وحتي الفطور وكباية الشاي من جيب المعلم ولا تأمين صحي وبعد خدمة طويلة ممتازة يذهب المعلم الي بيته وبستكثرون عليه الزيارة ) !!..
المهم هذا المعلم المازوم أخرج كل الهواء الحار وقال :
( لم افكر في منزل ومع الأسرة الكبيرة وجدت مساحة الماوي ومن التدريس الخاص كانت السترة وتعاملت مع الدروس الخصوصية بروح العطف بعيدا عن التجارة والاستغلال وصرت اسعد انسان في العالم ورصيدي هذه النجاحات التي يحققها تلاميذي في شتي أنحاء المعمورة ) !!..
عندما فرغ من إفادته أمامي استدار وانطلق لايلوي علي شيء وحتي ملامحه لم أتأكد منها ولا اعرف له عنوانا وجاءت كلماته متطابقة تماما مع قصتي التي لم ارويها إلا لنفسي ولم اجد تفسيرا لهذا التطابق المذهل إلا أن أكون واقفا أمام مرآة ضخمة من غير أن ادري وانا متاكد أنني لم اكن احلم لا يقظة أو مناما !!..
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com
///////////////////////////
( تخرجت في المدرسة الثانوية والي المرحلة الوسطي مباشرة معلما تحت التدريب وبعد خمسة سنوات من النضال في دنيا الطباشير والتحضير والتوجيه من قدامي المعلمين استدعتني ام المعاهد بخت الرضا للصقل والإعداد المستقبلي لاشرف مهنة وجدت علي مر التاريخ مهنة التعليم مفتاح كل خير ومنبع كل فضيلة بل هي الحياة الطيبة بمعناها الواسع وعيشها الرغيد ) !!..
قلت اقاطعه لاعرفه عن كثب ولاسبر غور اقتحامه لخصوصيتي ولماذا اختارني من بين كل بني البشر ليجعلني حائط مبكاه ومستودع سره وساحة فضفضته من آلام تراكمت عليه مع كرور السنين ولكنه واصل كالشلال الهادر وهذه المرة أصبح صدره يعلو ويهبط وكأنه قدر يغلي ولصوته ازير مثل الطائرات المقاتلة في سماء المعركة :
( في أوائل الثمانينات وبعد خدمة دستة من السنين كانت الموضة شد الرحال الي الخليج لتحقيق الحلم والعودة بالسيارة والدولار والزواج وهذه الأشياء تتحقق للبعض وزيادة والغالبية تكتفي من الغنيمة بالاياب وبعضهم لا يعودون ويطويهم النسيان ) !!..
تدخلت هذه المرة بهجمة سريعة وسألته قبل أن يلتقط أنفاسه ويواصل بثه على الهواء مباشره !!..
( طيب يا اخا العرب من أي فئة مغتربة انت هداك الله وحفظك من كل شر وبلاء ) ؟!
قال ولهجته امتزج فيها الرضا المشوب ببعض الحزن والاسي :
( عدت الي بلادي الحبيبة وعموم الخليج كان غاضبا علي السودان لأن ولي الامر وقف مع صدام فكان الطرد وكانت البهدلة لكل من يحمل وثيقة سفرنا الخضراء التي أصبحت تثير الرعب في كل مطارات الغرب !!..
والمعاكسة كشرت عن أنيابها لي في ارض الوطن ورفض طلب تقدمت به للرجوع للتدريس في المرحلة المتوسطة وافهموني اني بعدت عن التدريس لمدة أكثر من خمسة سنوات وعلى حسب القانون اعتبر فاقدا للصلاحية مع اني كنت معلم لغة إنجليزية وعملت بالخليج مترجما في شركة عابرة للقارات وبهذا تكون لغتي قد تمتنت وقوي عودها وصرت أصلح للتدريس في الجامعات والمعاهد العليا ولكن الإدارة في بلادي تفهم ماحفظته من قوانين ولا تهتم بالمستجدات وحسن التصرف واكتساب الخبرات ) !!..
واردف قائلا :
( وحتي ملف خدمتي راح في خبر كان وتقريبا بعد قيام الحكم اللامركزي وتقطيع وزارة التربية اربا اربا وتشتيتها في الولايات صار كل شيء هايص ولايص واهتزت الترقيات وضاعت البدلات وفوائد ما بعد الخدمة والمعاشات تحولت إلى الغاز وغموض من طراز الطلاسم وضرب الاخماس في الأسداس !!..
( تصور يا اخي العزيز أن فصلي من الخدمة جاء في اقل من شهر ولم يوجه لي اي إنذار بالعودة إلى العمل ومن ثم عمل مجلس تأديب يفصل في القضية في غيبتي إذا لم أمثل أمامه في ظرف خمسة عشر يوما ولكن كل قوانين الخدمة المدنية هذه ضرب بها الحاكم الديكتاتور عرض الحائط وتم التسيس في كل شيء وضاعت حقوق موظف الحكومة الذي كان جوهرة فحولوه الي صخرة صماء ) !!..
شددت الرحال للمدارس الخاصة وايضا كانت مثل الوزارة بعد أن عبث بها العابثون لا حقوق بعد الخدمة ولا مرتبات وبدلات مجزية وحتي الفطور وكباية الشاي من جيب المعلم ولا تأمين صحي وبعد خدمة طويلة ممتازة يذهب المعلم الي بيته وبستكثرون عليه الزيارة ) !!..
المهم هذا المعلم المازوم أخرج كل الهواء الحار وقال :
( لم افكر في منزل ومع الأسرة الكبيرة وجدت مساحة الماوي ومن التدريس الخاص كانت السترة وتعاملت مع الدروس الخصوصية بروح العطف بعيدا عن التجارة والاستغلال وصرت اسعد انسان في العالم ورصيدي هذه النجاحات التي يحققها تلاميذي في شتي أنحاء المعمورة ) !!..
عندما فرغ من إفادته أمامي استدار وانطلق لايلوي علي شيء وحتي ملامحه لم أتأكد منها ولا اعرف له عنوانا وجاءت كلماته متطابقة تماما مع قصتي التي لم ارويها إلا لنفسي ولم اجد تفسيرا لهذا التطابق المذهل إلا أن أكون واقفا أمام مرآة ضخمة من غير أن ادري وانا متاكد أنني لم اكن احلم لا يقظة أو مناما !!..
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com
///////////////////////////