السادسِ المنصورِ من أبريــل .. لماذا هذا اليوم دون سواه؟

 


 

 

بــهدوووء-
لطالما يحتفي كثير من السودانيين بيومِ ميلادهم الموافق للسادس من أبريل، هذا التاريخ المجيد الذي يعطيه كثيرون عناية هامة منذ نعومة أظفارهم ليبتزوا به أندادهم، كذلك نحن مفتونٌون بهذه البلاد في لحظات ميلادها المجيدة، تحرير الخرطوم على يد الإمام محمد أحمد المهدي، وإعلان الإستقلال من داخل البرلمان ورفع العلم على سارية سرايا المستعمر، إسقاط نظام الجنرال إبراهيم عبود في أم الثورات، ثم عزل الجنرال جعفر نميري إبان انتفاضة مارس أبريل صبيحة السادس من نيسان أبريل في العام ١٩٨٥، ومارس مُمسٖك بكتف أبريل يهتدي به في سنين التيه والضياع.
هذا التاريخ لم يكن ذو أهمية إلا في دوائر ضيقة على أهمّيته، فهو يشكل إحدى لحظات التحرر الفارقة في تاريخ شعبنا، ولكن لطالما قلت أننا بحاجة لإعادة تعريف هذا التاريخ وتكثيف معناه في النفوس، وكثيرا ما تمنينا من الله ذلك، حتى تعانقت أرواح السودانيون وائتلفت أفئدتهم في ذكراه العطرة من العام ٢٠١٩، لتنفتح كنوز معانيه ودراريها.
قرأت أن أحد المعتقلين علق ومعه مجموعة بداخل الزنازين في السادس من أبريل بينما تعالت الهتافات وكانت تطوق الحواس الزغاريد قائلا :(هذا شعبٌ عظيم وهذا تاريخ اعظم)، فابتسمت وقلت لنفسي : الحناء إن لم تكرر (ما بتشيل) ، وقد طبق السودانيون الحناء في عرس السودان الوطن الواحد على أبواب الوادي المقدس، واستقبلهم حامد وبقية رفاقه استقبالا يليق ببهاء الحشود وشرف العسكرية. إذن فلم السادس من أبريل دون سواه؟
‏ليس لرمزية إسقاط نميري الموضوعة في الإعتبار، فلقد أعدنا تعريف التاريخ من جديد، حتى باتت دلالة السادس من أبريل مرتبطة بثورتنا لا بالإنتفاضةِ وبيان الراحل سوار الدهب، وإن كانت لأكتوبر ليلة متاريس، فلديسمبر ليالٍ طِوال، طوقها الشعب السوداني بمتاريسٍ شامخاتٍ عفرتها الدماء وروتها الدموع. بل لأنه كان تتويجا لمخاض البسالات العسير لقرابة الأربعة أشهر، عملت لجان الأحياء بجد لمناشدة الشارع، أعدّ النظامُ كل آلته القمعية لتعويقه وكسرِ شوكة المقاومة من خلاله، لم يخطر ببال أحدٍ أن ينجح، حالة من الإحباط والترقب تملأ القلوب والعقول، بيد أنّ كل ثائرٍ وضع على عاتقه مهمة إنجاحه، من التعبئة وحتى الخروج ولو مات وحيدا، فكان موكبا مدويا أفزع قيادات النظام البائد وفلوله وقض مضجعهم، كانت المليونية الأولى التي جسدت الرقم بكتلته الحرجة، عشرات بل مئات المواكب جاءت من كل فجٍّ عميق، الجميع وضع على عاتقه مسؤولية تحقيق الشعارات التي حدت الثوار منذ بدايات الثورة في أرض الواقع، والوصول بها إلى نهاياتها:
فكانت مواكب ما بتتراجع تاني
لم تكن مجرد مواكب تُعلِن عن نفسها وتنسحب من باب الكر والفر كما اعتادت، فالوجهة هي ساحة القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، وينبغي أن تصل ولو على أرواح الثوار، وقد كان..
(الليلة تسقط بس .. رص العساكر رص)
وقد حدث تراص العساكرُ في متواليات لا نهائية، بهراواتهم، وبنادقهم، وشتى وسائل التنكيل، ولكن هيهات، فالثوار قرروا أن يحققوا هذه المعادلة الصفرية عملياً، وقد كان ذلك ببلوغهم بغيتهم، وتتويج ذلك المشهد بالإعتصام الباسل

لقد حفر هذا اليوم ملامح الهلع في وجوه الطغاة، وما انفك يُزاوِلُ أذهانهم ويُرْعِشُ قلوبهم ويحبِسُ أنفاسهم، فكما ظللت أقول وأكرر بأن السادس من أبريل كان هو اليوم الذي جاء فيه الديسمبريون بالخوف على هيئة كبش ونحروه على تخومِ قيادةِ الجيش مرة وإلى الأبد، ولذلك فسيظل شبحا يطاردهم ويقض مضاجعهم، سيظهر لهم في كل حين، في كل زغرودة، وكل عينٍ حادِرة، وكل وسطى مرفوعة، وكل علامة نصر، في الصدور العارية، في الإستخفاف بكرتهم الوحيد الذي يتشبثون به، كرت التنكيل والتخويف وبث الرعب، وهيهات مِنّهم ذِلّة. إذن فكل مليونية لاحقة وبكل ما فيها من بسالات أضحت معتادة وغير مفاجئة ماهي إلا إحدى مكاسب السادسِ المنصورِ من أبريل.
أخيرا فقد تعاهد أبناء هذا الوطن على أنهم الجيل الذي سيدفع ضريبة طَي صفحة الإنقلابات العسكرية، وهم سيستكملون المسير غير عابئين بالتعب، إذ لا يمكنهم الإستلقاء أثناء المعركة، وتواثقوا في ليلةٍ بألفِ ليلةٍ وليلة على أنّ السادِس مِن أبريل ليسَ سِدرة منتهى، بل هو درَجٌ سامٍ يخطوهُ بوُسْعٍ وثبات نحو تمام الوصول، وسيصلُون إن شاء اللهُ تحقيقاً لا تعليقاً.
أيها الشهر الأنيق هل يسترد الإنسان السوداني فيك بعضاً من قيمته وكرامته المهدرة فى الداخل والخارج ليصبح إنساناً جديداً بكامل حقوق الإنسان , ومواطناً بكامل حقوق المواطنة ؟
ماذا تحمل لهذا الوطن الذى أشتاق للفرحة .. للنصر للإنصاف، للحرية؟هل يمكن أن تسمح روزنامتك المتخمة بموعد مع الناس بموعد مع التغيير والإصلاح .. بموعد لمصالحة مؤجلة، وتغيير حقيقى بات هو الأمل فى إصلاح العطب الذى أصاب البوصلة فى الوقت الحرج ؟ أبـريــل 2022 هـل تسمــعـنا ؟

mido34067@gmail.com
///////////////////////

 

آراء