استهبال سيادي بنكهة الثورية
المعز عوض احمدانه
7 April, 2022
7 April, 2022
أوردت وكالة السودان للأنباء (سونا) بتاريخ 4 أبريل 2022 الخبر التالي: (أعلن الدكتور الهادي إدريس عضو مجلس السيادة رئيس الجبهة الثورية عن وضع الجبهة الثورية لخارطة طريق للقاء كل المكونات السياسية خلال اليومين القادمين وذلك خلال مبادرة الجبهة الثورية لحل الأزمة السودانية تحت شعار السودان أولاً(.
لاحظ ماذا يقول الخبر.. يقول أن رئيس الجبهة الثورية الذي هو عضو في مجلس السيادة الإنقلابي قد طرح مبادرة لحل الأزمة السودانية والتي هي في الأساس قد نشأت نتيجة لإنقلاب العسكر على مؤسسات الثورة.. ونشأت نتيجة لهذا الإنقلاب الذي يسعى بكل طاقته لتصفية الثورة وتصفية مكتسباتها ولقتل حلم الدولة المدنية الديمقراطية وتأسيس دكتاتورية عسكرية.. والدكتور الهادي إدريس وكل زمرة الجبهة الثورية شركاء أصيلين الآن مع الإنقلابيين في حكم البلاد وبالتالي هم شركاء أصيلين في الإنقلاب وداعمين ومؤيدين ومنافحين له.. فكيف يقدمون مبادرة لحل الأزمة التي هم شاركوا في صنعها وبقوة؟.. من يدري ربما يريدون أن يطبقوا علينا قول الشاعر أبي نواس: وداوني بالتي كانت هي الداء.
ولاحظ أنه بعد أن فشل مخطط الإستيلاء التشاركي للقوى المسلحة صاحبة السلاح والعتاد على السودان وعلى ثروات السودان وأوشك أن يسقط سقوطه المدوي بسبب الصمود الأسطوري للشارع السوداني وبسبب البسالة والشجاعة المنقطعة النظير والإقدام المذهل للشباب الثائر الحر في وجه الآلة القمعية والنظام الدموي خرجت إلينا الجبهة الثورية وكأنها قد جاءت إلينا لتوها من وراء البحار ومن جزيرة الواقواق لتقدم مبادرة لحل الأزمة السودانية وتحت شعار السودان أولاً.
يا سادتي هل مرَّ عليكم قبل هذا استهبال كهذا الإستهبال بهذه اللزاجة والبلادة وثقل الدم؟.. مجموعة هي نفسها تمثل وتجسد الأزمة السودانية ذاتها بشحمها ولحمها أو على أقل تقدير تمثل ضلعاً أصيلاً فيها ورقماً معتبراً لا يمكن تجاوزه تأتي لتقدم مبادرة للحل.. ثم لاحظ أنها بعد أن شاركت الإنقلابيين لسرقة الجمل بما حمل ولسرقة السودان بأهله وأرضه ومائه وسمائه وبعد أن أيقنت بالفشل ولاحت علائم السقوط البين أمام ناظريها طلعت من مكمنها لتطرح لنا مبادرة تحت شعار السودان أولاً.
وتعالوا نرجع لنقرأ باقي الإستهبال حيث قال خبر وكالة السودان للأنباء: (وأوضح الهادي (لسونا) أن الحوار الذي تتبناه الجبهة الثورية لحل الأزمة السودانية يتم في مرحلتين وأهمها الجزئية التي تسبق المرحلة الأولى وتم تسميتها إجراءات بناء الثقة وتهيئة المناخ وهي ثلاثة إجراءات، أولها اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسين من قوى الثورة، لا سيما أعضاء لجنة التمكين السابقين ووقف العنف ضد المتظاهرين السلميين ورفع حالة الطوارئ وتشكيل لجنة محايدة لتقصي الحقائق لكشف من يقتل المتظاهرين والجهة التى تسببت في ذلك).
هل تعلم يا دكتور الهادي ادريس أن أرضية إجراءات بناء الثقة وتهيئة المناخ قد ارتفعت جداً وحلقت بعيداً في السماء مقارنة بالدرك السحيق الواطي الذي تقف عليه؟.. هل تعلم أن إجراءات بناء الثقة وتهيئة المناخ الآن تبدأ بمغادرة جميع الإنقلابيين للمشهد؟.. فعلى الإطلاق لن تكون هناك أي ثقة في أي انقلابي.. كيف وهو في أية لحظة يمكنه أن يقلب الطاولة بكل ما فيها ويكشر عن أنيابه ويخرج سلاحه ثم لا يبالي أن يستهدف مباشرة رؤوس الثائرين المحتجين.
وهل تعلم يا دكتور أن كثيراً من الناس كانت تنظر إليكم فيما مضى بإعتباركم قادة للثورة الشعبية المسلحة ضد الهيمنة الأحادية في الخرطوم وأنكم كنتم تقودون هذه الثورة لأجل أن يتحرر الشعب السوداني من بطش الدكتاتورية والتسلط والإستبداد ثم لأجل المساهمة في إقامة نظام ديمقراطي تعددي ليكون السودان بحق وحقيقة لكل السودانيين.. لكن للأسف اكتشف الناس ويا لبؤس ما اكتشفوا أنهم كانوا مخدوعين حين ظنوا أن ثورتكم المسلحة هي بالفعل ثورة.. حيث انجلى غبار الإنقلاب عن عورات جسام كانت تسترها غشاوات الوهم والخداع والخيال الفطير.
بصراحة هذا الإنقلاب كان محرقة بمعنى الكلمة لهذه الحركات الإرتزاقية التي (ناضلت) وتمردت وقاتلت لأجل أن يصل فقط قادتها للسلطة فيتولوا أعلى المناصب فيها ثم بعد ذلك يكون همهم الأول والأخير إستدامة هذا الوضع إلى أبد الآبدين لا ديمقراطية ولا تعددية ولا دولة مؤسسات ولا دولة قانون ولا دولة حديثة تكون السلطة العليا فيها للشعب بحق وحقيقة ولا أي شيء من هذا.. هذه كلها كانت مجرد شعارات جوفاء ليس وراءها ثمة ايمان ولا عقيدة.. بدليل أنهم ساندوا ودعموا الإنقلاب بعد أن ضمنوا أنه قد قسم لهم أنصبة لها وزن ومقادير شهية من كيكة السلطة والتي هي كل المبتغى عندهم وغاية ما يتمنون.
ثم انظر وتأمل هذا الإستهبال وكأن أفراد الشعب السوداني تعلو رؤوسهم القنابير حين يقول: (وقف العنف ضد المتظاهرين السلميين ورفع حالة الطوارئ وتشكيل لجنة محايدة لتقصي الحقائق لكشف من يقتل المتظاهرين والجهة التى تسببت في ذلك).. يعني الجبهة الثورية ودكتورها الهادي ادريس وهم حكومة يطرحون خارطة طريق لمطالبة الحكومة التي هم جزء أصيل وشريك أساسي ورئيسي فيها لوقف العنف ضد المتظاهرين السلميين ورفع حالة الطوارئ وتشكيل لجنة محايدة لتقصي الحقائق لكشف من يقتل المتظاهرين والجهة التى تسببت في ذلك.. لا مجال، لا مفر، قطع شك تعلو رؤوسنا قنابير .
ثم يتابع الخبر فيقول: (وقال دكتور الهادي أن تلك الإجراءات المعني بها المكون العسكري وعليه أن يشرع في اطلاق سراح المعتقلين ورفع حالة الطوارئ لبناء الثقة والدخول في حوار بناء بين أطراف الوثيقة الدستورية، الحرية والتغيير والمكون العسكري وأطراف السلام و لجان المقاومة وكل قوى الثورة الحية لتشكيل الحكومة وذلك لمعالجة الأزمة التي أفرزتها القرارات الأخيرة والعودة للوثيقة الدستورية والمسار الديمقراطي).. والمعنى نعم نحن موجودون في الحكومة وفي أعلى مستويات السلطة وكل شيء لكن لا دخل لنا بتاتاً بهذه الإجراءات.. وطبعاً المطلوب مننا نحن أصحاب القنابير أن نصدق ذلك.
وطالما لا دخل لك يا دكتور بهذه الإجراءات ما هي اذن فائدة وجودك في الحكومة ومجلس السيادة؟.. اذا كنت لا تهش ولا تنش فما هي الغاية من كونك شريك في هذا النظام الإنقلابي المسخ؟.. يتم وأد التحول الديمقراطي ويتم القضاء على حلم الحكم المدني ودولة المؤسسات والقانون وانت سيادتك جالس.. وتجري اجراءات تصفية الثورة تحت سمعك وبصرك وانت بسلامتك جالس.. ويتم قمع المواكب وقتل الشباب بالرصاص واغتصاب البنات وانت جالس.. يتم التأسيس لنظام دكتاتوري عسكري متوحش وانت جالس.. والنظام القديم يلملم أطرافه ويستعيد أماكنه تحت سمع وبصر العالم وأنت جالس.. واذن لا مفر ولا مناص من احتمالين أحلاهما مر.. إما أن تكون مغفلاً على قدر كبير من الغباء قد أفلح المكون العسكري في إلهائك بالكراسي والمناصب فانشغلت بها وتركت الجمل بما الحمل.. وهذا الاحتمال أنا أستبعده.. وإما أن تكون شريكاً أصيلاً في كل ما يجري وما يتم.. وهذا هو الراجح.. واذن لا داعي للإستهبال والضحك على الذقون.
ويا له من استهبال واستخفاف حينما تدعو لحوار بين قوى الثورة الحية لمعالجة الأزمة التي افرزتها القرارات الأخيرة والعودة للوثيقة الدستورية والمسار الديمقراطي.. يا دكتور أولاً هذه القرارات اسمها انقلاب والعالم كله سماها بذلك.. وثانياً هذه الأزمة أنت أحد صناعها ومؤيديها وداعميها.. وأنا أقصد الجبهة الثورية بكل مكوناتها والتي انت رئيسها.. يا دكتور بينما الشباب الثائر يتم قتله بدم بارد في الشوارع ويصب على رأسه الرصاص صباً أنتم تجلسون تنظرون ببرود قاتل وتلتزمون الصمت ثم تنقل لنا الكاميرات جلساتكم وأنتم تتبادلون الإبتسامات والضحكات وكأن شيئاً لم يكن.. هل حقاً أنتم مناضلون؟.. أي نضال هذا؟.. تباً والله وتعساً لهذا النضال الذي يشارك في وأد الديمقراطية وفي تصفية الثورة ولا يبالي بالدماء العزيزة والغالية لزهرة شبابنا والتي سالت على شوارعنا وسقت أرضنا.
وأنا أقول هذا الكلام ويعتصرني الألم وحزين جداً لأنني كنت في ما مضى مخدوعاً لدرجة أنني كنت أفتخر بأن الجبهة الثورية وغيرها من الحركات الحاملة للسلاح تمثل الخط والجناح المسلح لمقاومة الشعب السوداني للدكتاتورية والإستبداد رغم كوني لا أميل لهذا الإتجاه بينما هناك خط وجناح آخر سلمي تمثله أحزاب المعارضة بالداخل.. أي أن هذه المقاومة كانت تسير بجناحين وفي خطين متوازيين.. وهذا دليل على أن الشعب السوداني شعب حر كريم لا يرضى الضيم ولا يقبل الخنوع والمذلة.. هكذا كنت أنظر إلى الجبهة الثورية هذه النظرة وأضع لها هذه الصورة البهية المشرقة لكنها للأسف احترقت تماماً وتلاشت بعد الإنقلاب المشؤوم لتحل محلها صورة أخرى مغايرة سوداء معتمة.
وأخيراً جاءت خاتمة الخبر كالتالي: (وأكد عضو السيادي أن الغرض النهائي من المبادرة هو إنقاذ البلد وانتشاله من الإنهيار الوشيك و ضرورة الإسراع في تنفيذ المبادرة لقطع الطريق على عودة المؤتمر الوطني وسيادته على المشهد وحتى نتمكن من تحقيق الانتقال الديمقراطي).. وطبعاً راعي الإبل في صحراء بيوضة يعلم أن عودة المؤتمر الوطني تجري على قدم وساق مباشرة منذ وقوع الإنقلاب لكن هذا العضو السيادي لا يعلم.. فأستميحك عذراً أيها القاريء الكريم في أن لا أسترسل في الحديث تعليقاً على هذا الكلام وأتركك لوحدك تتأمل في هذا الإستهبال السيادي.
almoaz2004@hotmail.com