ويرحل منصور: في الذكرى الثانية لرحيل منصور خالد

 


 

 

وان كان لابّد من كتابة ، فلتكن عن منصور في هذا اليوم الذي غطيت فيه لحظة الفكر والسياسة بكافة جدلها في السودان ، غطى بالثرى ، جدل السياسة و الممارسة و تناقضاتها ، وكان لابد من رثاء لمنصور خالد يليق بالاختلاف الذي بيننا وشكل من خلال كتاباته فكانت هذه الكلمات.
يصيبني الحزن العظيم عندما يموت شيخ أو معلم في مدينة أو قرية كان منارة للطلاب وقبلة للتعليم، أو تموت جدة عجوز كانت تسطر تاريخ الماضي لأحفادها ليعلموا من هم في زمن باتت الذات مرتعا خصبا للخطف والاغتراب، فكيف بي اسمع نبأ وفاة دكتور: منصور خالد.!!.
نحن نرثي أصدقائنا حينما يموتون ولكني لا أرثي موقفاً سياسياً ،هكذا ننعي منصور خالد ، مثقفا وسياسي عاش غمار التجربة الوطنية منذ أن كان سكرتيرا في مكتب رئيس الوزراء ابان فترة الاستقلال وحتى نهاية تلك الفترة التي تلتها وما تلتها من أحداث ، وريدا رويدا بدا منصور في ازقة السياسية السودانية كما الفانوس الذي عصفت به رياح الشتاء اختفى حتى ما عاد يمكنه التواصل مع محيطه، ففي أواخر أيامه بدى وكأن منصور قد اتعبته تكاليف الحياة حتى صار يحتاج إلى ترجمان ، منصور الذي يقول في أواخر أيامه انه ما عاد يمكنه التفاعل مع المجتمع فلقد فقدت القيم من جراء الشمولية ،وتحول الناس إلى فقه الاستباحة بحيث يقبلون بكل شيء ، وهو ما يتحقق الآن حيث نقبل بكل شيء من نخبة تصل إلى هامات العمل العام و عيش الناس ولكنها تفشل.
منصور كان يجلس دائما من خلف (مايكات) الإذاعة والتلفزة هادئا كعادة الدبلوماسي المحنك فاقد كانت نظرته دائما للقضايا ( أن لا شيء ينهي هذه الخلفات سوى الدبلوماسية الهادئة والحوار ) الدبلوماسية التي قادته إلى التقلب بين السياسية والعمل في المنظمات العالمية، يجتر في مخيلته كل هذه الإخفاقات المستمرة محاولا أن يضع اصبعه على الجرح، فنجح أو فشل ليست هذه مهمتنا فكما يقول هو: لا أحب الإجابة عن هذا النوع من الأسئلة، لأن فيها تقييم لشخص وتقييم لمواقف ولا يمكن أن أقول فيها كلاماً عابر. منصور كاتبا ومحاورا طالما كان الهدوء هو فطرته التي تقتل تشنج الآخرين.
الحوار الذي انعدم مع السياسي الذي تختزل سيرته مسيرة الدولة الوطنية ففي حواره الذي يقدمه الأستاذ علي الظفيري على قناة الجزيرة (برنامج المقابلة ) يقول: (أردت أن ابحث تاريخ الدولة السودانية الوطنية الحديثة، فلم أجد الا منصور خالد ذاك الشخص الذي يعبر عن مسيرتها)، وبالتأكيد منصور الذي يصوب ساهمه على النخبة الوطنية الحديثة سيرته تعكس هذا التناقض الذي تعيشه الدولة الوطنية ونخبتها (المدمنة للفشل). في العام 1931 بينما صدح بكاء منصور خالد يملأ بيت الماجدية في ضواحي أم درمان، كان تاريخ الصراع قد بدأ في التشكل، ففي ذات العام اضرب خريجو كلية غردون من جراء خفض المرتبات وهي النتيجة التي حصلتها النخبة من جراء هزيمة ثورة 1924م، بالرغم من أن الاضراب كان موجة شكلت الشعور الوطني، الا أنه كان مدخلا لقوى طائفية شكلت فيما بعد جدل التاريخ السودان الحديث طوال السنوات التالية حتى تاريخنا هذا، ومن الغريب أن يشهد ذات اليوم الذي فيه رحل منصور (خلاف القوى السياسية داخل قوى اعلان الحرية والتغيير) بتجميد حزب الامة لعضويته داخل قوى الإعلان.
بهذا يكون منصور ما بين 1931م وما بين 2020 م شاهدا على صراعات النخبة التي قال خلدها في جدليته التي اثارت ما اثارت حولها من نقاشات امتدت حتى بعد كتابته للكتاب الذي انقسم على جزئين " النخبة السودانية وادمان الفشل " والذي بداها "بسيسيف " وكأنه يرى انها دوامة الكآبة على الدولة و المجتمع ، التي ما انفكت تجتر فشلها المستمر وتثبت للتاريخ أنها النخبة التي أدمنت الفشل وأدمنت الضياع ، وما لبثت كل مرة تقف على الاطلال مذكرة بديار الاولين ، تاركة المستقبل للأسئلة ، التي غيبتها عن مخيلتها طوال خمس وستون عاما من الحكم الوطني.
أي حزن نشيع به منصور وهو الذي يذهب وحيدا بعصاته التي اتكل عليها أواخر أيامه، في مؤتمر الدين و الحداثة والذي أبت يد الشمولية و النظام السابق الا أن تمنع منصور من الحديث حول الأستاذ محمود محمد طه كما أنها لم تحترمه ، كنت أتمنى لو يعلن الحداد على سيرة المثقف منصور ولكن يبدو أن الفشل أيضا يلاحق من نقدهم منصور خالد حتى بعد وفاته ، فلا خلاف أن منصور قد اثار غبار المعارك كثيرا ، وكيف لا وهو الذي دونت فيه المقالات على يد أعتى المثقفين دكتور عبدالله على إبراهيم ، في كتابه (و منصور خالد) لنشهد اعظم نقد يسجله المثقفين في تاريخ الحياة السياسية ، ترى كيف استقبل عبد الله على إبراهيم نبأ وفاة خصمه العظيم ، فلا افجع الله السودان في كتابات تسطر تاريخنا الحديث و الوطني فبين منصور وعبد الله درسا نتعلمه في مسيرة العمل السياسي و المعرفي، الا رحم الله منصور خالد واسكنه فسيح جناته.
أخــر الهدوووء:-
- الحديث عن إطلاق حوار سياسي قنبلة دخان ، لا أكثر ، هناك انهيار اقتصادي خطير جدا ، والبلد مقبلة على كارثة ، والأرض تميد تحت أقدام النظام الانقلابي ، مع عجز وفشل واضحين، فيحاول كسب الوقت ، وتخدير الآلام بالأوهام ، باختصار ، النظم ذات الطابع العسكري غير قابلة للإصلاح أو الحوار بطبيعة تكوينها. تاريخيا ، تنتهي نظم الانقلابات العسكرية بأحد طريقين : هزيمة عسكرية فادحة ، أو انهيار اقتصادي ، في السودان نقترب من السيناريو الثاني ، بدأ العد التنازلي ، هي مسألة وقت ، لكن المسار حتمي ، وسيتعين على الجيش وقتها تقديم اعتذار صريح للشعب ، والتعهد ( علنا) بعدم خروجه من ثكناته مرة أخرى.
- الحركة الاسلامية التي حلها أهلها بعد انقلاب ١٩٨٩م، و أعطوا كل شيخ من شيوخها مصحفاً و قالوا له شكر الله سعيك..!!
ثم أقاموها (كالزومبي) دون وجود شرعي قانوني أو سياسي و بلا تسجيل لدي مسجل الاحزاب أو المنظمات الطوعية .. و ظلوا يلوحون بها في وجه بعضهم البعض .. هاهي تنبعث مجدداً لتلتف علي حل المؤتمر الوطني باسم (التيار الاسلامي العريض)، الحركة الاسلامية تنظيم ارهابي بنظر الثورة السودانية. و الحركة الاسلامية هي النواة التي تختبئ داخل المؤتمر الوطني و هي الفاعل الرئيسي فيه و المستفيد الأساسي منه و من حكم الأخوان.. و تسريبات اجتماعات الاسلاميين بالبشير في اخريات ايامهم تثبت ذلك.
- الأمر يحتاج من الجميع للتعامل الجدي مع (حميدتي )، بلا شك الرجل ظاهرة عابرة في تاريخ السياسة السودانية الحديث ..لن يترك أثراً باقياً في تربة هذا الوطن علي المدي الطويل ..لكنه قطعاً من أكبر المهددات الراهنة للأمن القومي السوداني الذي لم يشهد في تاريخه القريب هذا التداخل الخطير بين مهام الجيش السوداني والقوات النظامية الأخرى التي يسعي حميدتي لابتلاع أدوارها ووظائفها بطريقة باتت مزعجة إن لم تكن مخيفة وعليه في حال تمت الإجابة علي السؤال المعلّق : هل نحن إزاء رجل تحكم حركاته وسكناته مؤسسة الجيش السوداني العريقة أم نحن نعايش طموح رجل يريد أن يتحول لرئيس سوداني علي كتف العسكر وعمامة وجلابية الإدارات الأهلية وكثير من المال والذهب والرجال؟!
صدق، أولا تصدق .. عندما تأكد الإسلاميون من عزم نميري التنكيل بهم والتخلص منهم بتوصية وتوجيهات أمريكية حملها إليه جورج بوش الأب في مارس ١٩٨٥، يومها رتب الإسلاميون صفوفهم وقرروا التخلص من جعفر نميري الذي نكص عن تحالفه معهم .. التاريخ لايمكن تجاوزه ..ولكن يمكن التذكير به.

mido34067@gmail.com
/////////////////////

 

آراء