خطورة استنساخ مليشياتٍ مسلحةٍ جديدة داخل العاصمة!

 


 

 

الأنظمة الشمولية والدكتاتورية بطبعها ميّالة إلى التشبث بالسلطة وإطالة أمد بقائها، مهما كلفها ذلك من ثمن، حتى لو كان ذلك الثمن هو تدمير البلاد و"تشليعها طوبة طوبة".
وهو ما يدفعهم إلى افتعال أزماتٍ يتم بموجبها إضعاف المؤسسات القومية القوية التي يُتوقع منها اعتراض بعضاً من سياساتهم الاستعباطية، عبر صنع أجسام موازية، تصبح أكثر ولاء لهم منه للوطن.
فمثلما استعان نظامُ رئيس الوزراء الأسبق الراحل الصادق المهدي بالسُذّج من بعض أبناء القبائل الرعوية في تكوين أول نواة لمليشيات مسلحة مدعومة حكومياً في دارفور، لأغراض تخالف ظاهرُها باطنَها، فقد عمد نظام المؤتمر الوطني عبر لجنته الأمنية في الاستعانة بذات المليشيات وتطويرها على حساب القوات المسلحة، حتى باتت الأخيرة تتحاشى اعتراض تلك العصابات الاجرامية، فتقفُ موقف متفرج أمام جرائمها البشعة ، كتلك التي حدثت في مذبحة فض الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، والتي نستشرف ذكراها الثالثة هذه الأيام 29 رمضان الموافق 3 يونيو 2019 ، ولا تزال لجنة تقصي الحقائق بشأنها عاجزة عن تسميّة الفاعلين الذين ما فتئوا يستمرأون قتل المواطن السوداني بكل حقدٍ ووحشية، دون أي حسيب!
وما مجزرة "كرينك" بغرب دارفور مطلع الأسبوع الحالي منّا ببعيد. حيث أقدمت مليشيات الجنجويد على ارتكاب مجزرة بشعة بحق مدنيين عُزّل، راح ضحيتها أكثر من 201 قتيل و 118 جريح وعدد غير معلوم من المفقودين، حدث كل ذلك على مرآى ومسمع من ما تُسمى بقوات الشعب المسلحة.
* فإذا كانت مهمة مليشيات الجنجويد في دارفور تتمثل في القتل والنهب والاغتصاب والحرق، على ظهور الخيل والجمال، ولاحقاً سيارات ودراجات نارية (مواتر) مع آليات قتالية تضاهي قوة ومقدرات القوات المسلحة، بجانب الدعم اللا محدود من كل أجهزة الدولة الأمنية والدفاعية، بغية تهجير المواطنين عن قراهم والاستيلاء عليها عبر القوة المفرطة، وتوطين وافدين جدداً وتمليكهم تراب غيرهم؛ فإن مهمة عصابات ٩ طويلة التي تتسلح ب" لسواطير أو المسدسات+مواتر"، مع تواطؤ و تقاعس القوات الشرطية عن أداء واجبها تجاههم، بل وإعانتهم في بعض الأحيان؛ ترمي إلى انتزاع الإعتراف من المواطن السوداني بشرعية حكومة عملاء النظام المتواري، وقبلها تمزيغ صورة "المدنية" في الاذهان، وقتل الروح الثورية في الشعب السوداني الذي باتت الثورة جزء من ثقافته حتى في أغاني الأعراس وهدهدة الأطفال.
* إن القارئ لواقع صناعة العصابات في السودان؛ يدرك بوضوح أن العصابات التي ظهرت فجأة في العاصمة السودانية الخرطوم، و اصطُلِح على تسميتها ب"٩ طويلة"؛ ما هي إلا نسخة خرطومية مصغرة لعصابة الجنجويد التي ظهرت إبداءاً في إقليم دارفور وجنوب السودان، وتمرحلت تحت عدة مسميات لذات الغرض.
فمهما تنوعت الأسماء؛ تظل المهمة واحدة. ومهما اختلفت الأزمان والأماكن؛ يبقى الغرض واحد. ومهما تعددت المأمورين، فالآمر واحد، ومهما تباينت الوسائل والتكتيكات؛ فإن الهدف واحد.
وبما أن أغلبية آراء المراقبين تتجه بشدة إلى أن للّجنة الأمنية البشيرية الإنقلابية الحاكمة الآن يدٌ في صنع عصابات "٩ طويلة" مثلما لها يدٌ في صناعة مليشيات الجنجويد في دارفور إبان النظام"القاعد" ؛ فإن كلا العصابتين تلتقيان في كونهما صُنعتا لذات المهمة والهدف، والذي يتجلى في ترويع الآمنين، وقمع الشعب السوداني وإذلاله، حتى يظل سجيناً حبيساً طيلة حياته بين جدرانَي الجوع والخوف، ما يعني بالضرورة الانشغال عنهم وإفساح المجال للِّصّ الأكبر في استمرارية مصادرة إرادة الشعب، وحريته ونهب وطنه وموارده وأرضه وعرضه وجميع ممتلكاته دون أية مقاومة.
لكن الأخطر من ذلك كله في صناعة تلك المليشيات، هو ضرب النسيج الاجتماعي وتمزيغ الشعارات المناهضة للعنصرية، من خلال دفع المواطن للاعتقاد والتصديق بأن غيره إما "تسع طويلة؛ أو جنجويد" إستناداً للانتماء الاثني والقبلي.. وهي ثغرات لها تبعاتها الخطيرة جدا في ضرب النسيج الاجتماعي -الهش أساساً- وفتح شلالات الدم في الخرطوم مثلما حلّت بالمجتمع الدارفوري.

أحمد محمود كانِم

لندن/ 30 ابريل 2022
أقلام متحدة
amom1834@gmail.com

 

آراء