“عرض وقراءة” في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) (15- 18)
بدر موسى
21 May, 2022
21 May, 2022
عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها
(15- 18)
بقلم بدر موسى
لقد ظهر جليًا الخلل في فهم البروفيسور فدوى لمعنى أن يكون للحزب الجمهوري موقفًا سياسيًا قويًا راسخا ومبررا، ومشروحا شرحًا وافيًا، بخصوص مقاطعة ورفض المشاركة في أي انتخابات عامة. وقد ظهر في تبريرها لإهمال الأطروحة الرابعة التي أشرفت عليها، والتي جاءت بعنوان: (انتخابات وبرلمانات السودان مايو 1965 - مايو 1969 رسالة ماجستير جامعة الخرطوم 2011). عن هذه الأطروحة، كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "لم تذكر الحزب الجمهوري في خلفيتها التاريخية لأن هدى ذكرت فقط الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية التي تناولتها في بحثها ولا يوجد دور للحزب الجمهوري في ما تناولته".
هنا كتب عبدالله يقول:
(تناولت الأطروحة ضمن الفصل الأول، وفي عناوين جانبية: مؤتمر الخريجين، الأحزاب السودانية 1945- 1954، والمجلس الاستشاري، والأحزاب الاستقلالية، وغيرها من الموضوعات. وتناولت ضمن الفصل الثاني، وفي عناوين جانبية كذلك: ميثاق أكتوبر، والخلافات بين حكومة أكتوبر والأحزاب السياسية، انتخابات أبريل 1965 بين المعارضين والمؤيدين لإجرائها، وغيرها من الموضوعات. وتناولت ضمن الفصل الثالث: مشكلة الجنوب بعد اندلاع ثورة أكتوبر 1964 وقبل إجراء الانتخابات التكميلية، وغيره من المحاور. وتناولت ضمن الفصل الرابع: التعديلات التي ادخلتها الجمعية التأسيسية على الدستور، والمشكلة الدستورية وحل الحزب الشيوعي، اللجنة القومية للدستور... وغيرها من المحاور... إلخ.
الشاهد أن في كل هذه المحاور كان للأستاذ محمود والحزب الجمهوري حضور ودور كبير. ويكاد الباحث يجد للأستاذ محمود والجمهوريين مواقف مقاومة موثقة، أو نشر كتاب أو كتب أو توزيع مناشير ... إلخ، في أي محور من المحاور آنفة الذكر، وقد وردت إشارات كثيرة آنفاً. إلى جانب المواقف المغايرة عن الأحزاب في مؤتمر الخريجين، كما وردت الإشارة آنفاً، أو في المجلس الاستشاري لشمال السودان، كما ورد آنفاً. كما أن قضية محكمة الردة نوفمبر 1968 من أكثر الموضوعات التي كان يجب أن يتم تناولها في هذه الأطروحة. خاصة وأن الأطروحة في الفصل الخامس وقفت عند الجمعية والدستور، حتى مايو 1969. وقد ورد الحديث عن دور الحزب الجمهوري في مقاومة المجلس الاستشاري لشمال السودان. كما أن الحديث عن الأحزاب السودانية والمجلس الاستشاري ومشكلة الجنوب وقضية الدستور... إلخ لا يشترط أن يكون الحزب مشاركاً في الانتخابات البرلمانية. وفي كل تلك المحاور كان للأستاذ محمود بيانات ومناشير وكتابات منشورة ومتوفرة في دار الوثائق القومية. من المهم الإشارة إلى أن الحزب الجمهوري عبر عن رأيه بشأن عدم المشاركة في الانتخابات والبرلمانات، ولكنه لم يغيب نفسه وإنما أعلن عن منهجه في سعيه لنشر وتسييل مبادئه، و"التزام جانب الحق والعمل على الإسهام في تنوير الشعب". فالسياسة عنده ليست تهريج وكراسي حكم... إلخ، وإنما هي "تدبير أمر الناس بالحق وبميزان"، من خلال البرامج والخطط والمذاهب والمواقف، وتنوير للشعب وتنمية وعيه بحقوقه وحريته... إلخ. فقد جاء في خاتمة البيان الذي أصدره الحزب الجمهوري في يوم 21 فبراير 1953م بعنوان: "بيان من الحزب الجمهوري - الاتفاقية الانجليزية المصرية"، "إن الجمهوريين لن يشتركوا في انتخابات ولا برلمان ولكنهم سيوسعون مبادءهم إذاعة وشرحاً وتبييناً حتى يعتنقها السودانيون قاطبه فيبلغوا بها أسباب الحرية". وقد كتب الأستاذ محمود بصحيفة أنباء السودان، في يوم 4 أكتوبر 1958، ضمن حديثه عن: "نحن شعب بلا سياسة"، قائلاً: "أما أنت فما شئت وأما أنا فما أرضى لهذا الشعب أن يظل غنيمة باردة لتضليل هذه الأحزاب الفاسدة الجاهلة وإني للخلاص لعامل وعلى الله قصد السبيل". وعن فهم الجمهوريين للسياسة جاء في افتتاحية العدد الأول من صحيفة الجمهورية بتاريخ 15 ينار 1954م، كما ورد آنفاً: "الجمهوريون حزب سياسي ولكنهم لا يفهمون السياسة على أنها اللف والدوران .. وإنما يفهمونها على أنها تدبير أمر الناس بالحق وبميزان.
أسباب التغييب والاقصاء
خلص عبدالله مما تقدم ذكره وتفصيله إلى أن: (أمر التغييب والإقصاء للأستاذ محمود ومشروعه، في تاريخ السودان السياسي، لا يتصل كله بالنية كما ذهبت إلى ذلك البروفيسور فدوى، قائلة: "لو كان لعبد العظيم نية مبيتة في إقصاء الأستاذ محمود أو لمشرفته لما أورد ما ذكرته". فالأمر لا يرجع كله إلى النية المبيتة، وإنما هناك أسباب عديدة، أوجزتها في كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، وقلت: "تكاد تخلو جل قوائم مصادر ومراجع دراسات الأكاديميا السودانية، من اسم الأستاذ محمود ومن كتبه وكتب تلاميذه". فالأمر هنا أبعد من أن يكون مرتبطاً بالحرية الأكاديمية،... أيضاً من المهم الإشارة إلى أن الإغفال والتجاهل لم يكن كله متعمداً ومقصوداً، فبعضه يعود لضعف التدريب الأكاديمي، ولغياب اعمال الحس النقدي. وهو أمر موروث في الأكاديميا السودانية، يعود إلى طبيعة الجرعة التعليمية في نظام التعليم الذي أسسه المستعمر في بواكير القرن العشرين. فهو تعليم كان يهدف، كما ورد آنفاً، إلى تخريج الكتبة والفنيين، وليس صناعة قادة المستقبل. نتج عن ضعف التدريب الأكاديمي الاستمرار في حالة اللا إعمال للحس النقدي، وضعف الاتصال بالمصادر ومظانها، وبالوثائق واستنطاقها".
يتضح مما تقدم في هذا المقال، أن التغييب كان نتاجاً لعدم الإلمام والمعرفة بنشاط الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، إلى جانب ضعف الاتصال بالمصادر ومظانها، وبالوثائق واستنطاقها. وفي هذا تتفق معظم الدراسات الأكاديمية وكتب مؤرخي الحركة الوطنية وكتب أساتذة تاريخ السودان السياسي. أما الطلاب فلم يكونوا سوى الضحية، كما ورد آنفاً. فأسباب التغييب والإقصاء عديدة، فما ينطبق على دراسات الفقهاء، مثلاً ربما لا ينطبق على كل دراسات التاريخ السودان السياسي، فدراسات الفقهاء كان العمد فيها واضحاً، بينما دراسات التاريخ السياسي كان الأوضح فيها عدم الالمام، وليس النية المبيتة، على الأقل في حالة البروفيسور فدوى وطلابها. الشاهد أنني خصصت للتغييب والتهميش والتجاهل، وبأسبابه العديدة، ستة فصول من كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، كما وردت الإشارة آنفاً.
أيضاً كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "أوكد أن مجموعة الطلاب الذين أشرفت وأشرف عليهم ليس ضعيفي [ليسوا ضعيفي] الصلة - كما أورد المؤلف - بفهارس ومصادر الدراسات السودانية في دار الوثائق القومية. ولو أعاد المؤلف النظر في قائمة المصادر والمراجع لتلك الأطروحات لوجد أن دار الوثائق القومية تتصدرها وكانت سكناً بالنسبة لهم إبان إعداد أطروحاتهم. ولم يكن ذلك بسبب ضعف التدريب الأكاديمي حيث ذكر مؤلف الكتاب في ص 1064 ... وإنما بسبب تدريب الطالب على التقيد بالموضوع الذي يبحث فيه فأخرج هؤلاء الطلاب أطروحات موثقة ومتوازنة وجيدة استوفت مستلزمات البحث العلمي الأكاديمي الجاد".
سأواصل في الحلقة القادمة...
bederelddin@yahoo.com
/////////////////////
(15- 18)
بقلم بدر موسى
لقد ظهر جليًا الخلل في فهم البروفيسور فدوى لمعنى أن يكون للحزب الجمهوري موقفًا سياسيًا قويًا راسخا ومبررا، ومشروحا شرحًا وافيًا، بخصوص مقاطعة ورفض المشاركة في أي انتخابات عامة. وقد ظهر في تبريرها لإهمال الأطروحة الرابعة التي أشرفت عليها، والتي جاءت بعنوان: (انتخابات وبرلمانات السودان مايو 1965 - مايو 1969 رسالة ماجستير جامعة الخرطوم 2011). عن هذه الأطروحة، كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "لم تذكر الحزب الجمهوري في خلفيتها التاريخية لأن هدى ذكرت فقط الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية التي تناولتها في بحثها ولا يوجد دور للحزب الجمهوري في ما تناولته".
هنا كتب عبدالله يقول:
(تناولت الأطروحة ضمن الفصل الأول، وفي عناوين جانبية: مؤتمر الخريجين، الأحزاب السودانية 1945- 1954، والمجلس الاستشاري، والأحزاب الاستقلالية، وغيرها من الموضوعات. وتناولت ضمن الفصل الثاني، وفي عناوين جانبية كذلك: ميثاق أكتوبر، والخلافات بين حكومة أكتوبر والأحزاب السياسية، انتخابات أبريل 1965 بين المعارضين والمؤيدين لإجرائها، وغيرها من الموضوعات. وتناولت ضمن الفصل الثالث: مشكلة الجنوب بعد اندلاع ثورة أكتوبر 1964 وقبل إجراء الانتخابات التكميلية، وغيره من المحاور. وتناولت ضمن الفصل الرابع: التعديلات التي ادخلتها الجمعية التأسيسية على الدستور، والمشكلة الدستورية وحل الحزب الشيوعي، اللجنة القومية للدستور... وغيرها من المحاور... إلخ.
الشاهد أن في كل هذه المحاور كان للأستاذ محمود والحزب الجمهوري حضور ودور كبير. ويكاد الباحث يجد للأستاذ محمود والجمهوريين مواقف مقاومة موثقة، أو نشر كتاب أو كتب أو توزيع مناشير ... إلخ، في أي محور من المحاور آنفة الذكر، وقد وردت إشارات كثيرة آنفاً. إلى جانب المواقف المغايرة عن الأحزاب في مؤتمر الخريجين، كما وردت الإشارة آنفاً، أو في المجلس الاستشاري لشمال السودان، كما ورد آنفاً. كما أن قضية محكمة الردة نوفمبر 1968 من أكثر الموضوعات التي كان يجب أن يتم تناولها في هذه الأطروحة. خاصة وأن الأطروحة في الفصل الخامس وقفت عند الجمعية والدستور، حتى مايو 1969. وقد ورد الحديث عن دور الحزب الجمهوري في مقاومة المجلس الاستشاري لشمال السودان. كما أن الحديث عن الأحزاب السودانية والمجلس الاستشاري ومشكلة الجنوب وقضية الدستور... إلخ لا يشترط أن يكون الحزب مشاركاً في الانتخابات البرلمانية. وفي كل تلك المحاور كان للأستاذ محمود بيانات ومناشير وكتابات منشورة ومتوفرة في دار الوثائق القومية. من المهم الإشارة إلى أن الحزب الجمهوري عبر عن رأيه بشأن عدم المشاركة في الانتخابات والبرلمانات، ولكنه لم يغيب نفسه وإنما أعلن عن منهجه في سعيه لنشر وتسييل مبادئه، و"التزام جانب الحق والعمل على الإسهام في تنوير الشعب". فالسياسة عنده ليست تهريج وكراسي حكم... إلخ، وإنما هي "تدبير أمر الناس بالحق وبميزان"، من خلال البرامج والخطط والمذاهب والمواقف، وتنوير للشعب وتنمية وعيه بحقوقه وحريته... إلخ. فقد جاء في خاتمة البيان الذي أصدره الحزب الجمهوري في يوم 21 فبراير 1953م بعنوان: "بيان من الحزب الجمهوري - الاتفاقية الانجليزية المصرية"، "إن الجمهوريين لن يشتركوا في انتخابات ولا برلمان ولكنهم سيوسعون مبادءهم إذاعة وشرحاً وتبييناً حتى يعتنقها السودانيون قاطبه فيبلغوا بها أسباب الحرية". وقد كتب الأستاذ محمود بصحيفة أنباء السودان، في يوم 4 أكتوبر 1958، ضمن حديثه عن: "نحن شعب بلا سياسة"، قائلاً: "أما أنت فما شئت وأما أنا فما أرضى لهذا الشعب أن يظل غنيمة باردة لتضليل هذه الأحزاب الفاسدة الجاهلة وإني للخلاص لعامل وعلى الله قصد السبيل". وعن فهم الجمهوريين للسياسة جاء في افتتاحية العدد الأول من صحيفة الجمهورية بتاريخ 15 ينار 1954م، كما ورد آنفاً: "الجمهوريون حزب سياسي ولكنهم لا يفهمون السياسة على أنها اللف والدوران .. وإنما يفهمونها على أنها تدبير أمر الناس بالحق وبميزان.
أسباب التغييب والاقصاء
خلص عبدالله مما تقدم ذكره وتفصيله إلى أن: (أمر التغييب والإقصاء للأستاذ محمود ومشروعه، في تاريخ السودان السياسي، لا يتصل كله بالنية كما ذهبت إلى ذلك البروفيسور فدوى، قائلة: "لو كان لعبد العظيم نية مبيتة في إقصاء الأستاذ محمود أو لمشرفته لما أورد ما ذكرته". فالأمر لا يرجع كله إلى النية المبيتة، وإنما هناك أسباب عديدة، أوجزتها في كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، وقلت: "تكاد تخلو جل قوائم مصادر ومراجع دراسات الأكاديميا السودانية، من اسم الأستاذ محمود ومن كتبه وكتب تلاميذه". فالأمر هنا أبعد من أن يكون مرتبطاً بالحرية الأكاديمية،... أيضاً من المهم الإشارة إلى أن الإغفال والتجاهل لم يكن كله متعمداً ومقصوداً، فبعضه يعود لضعف التدريب الأكاديمي، ولغياب اعمال الحس النقدي. وهو أمر موروث في الأكاديميا السودانية، يعود إلى طبيعة الجرعة التعليمية في نظام التعليم الذي أسسه المستعمر في بواكير القرن العشرين. فهو تعليم كان يهدف، كما ورد آنفاً، إلى تخريج الكتبة والفنيين، وليس صناعة قادة المستقبل. نتج عن ضعف التدريب الأكاديمي الاستمرار في حالة اللا إعمال للحس النقدي، وضعف الاتصال بالمصادر ومظانها، وبالوثائق واستنطاقها".
يتضح مما تقدم في هذا المقال، أن التغييب كان نتاجاً لعدم الإلمام والمعرفة بنشاط الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، إلى جانب ضعف الاتصال بالمصادر ومظانها، وبالوثائق واستنطاقها. وفي هذا تتفق معظم الدراسات الأكاديمية وكتب مؤرخي الحركة الوطنية وكتب أساتذة تاريخ السودان السياسي. أما الطلاب فلم يكونوا سوى الضحية، كما ورد آنفاً. فأسباب التغييب والإقصاء عديدة، فما ينطبق على دراسات الفقهاء، مثلاً ربما لا ينطبق على كل دراسات التاريخ السودان السياسي، فدراسات الفقهاء كان العمد فيها واضحاً، بينما دراسات التاريخ السياسي كان الأوضح فيها عدم الالمام، وليس النية المبيتة، على الأقل في حالة البروفيسور فدوى وطلابها. الشاهد أنني خصصت للتغييب والتهميش والتجاهل، وبأسبابه العديدة، ستة فصول من كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، كما وردت الإشارة آنفاً.
أيضاً كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "أوكد أن مجموعة الطلاب الذين أشرفت وأشرف عليهم ليس ضعيفي [ليسوا ضعيفي] الصلة - كما أورد المؤلف - بفهارس ومصادر الدراسات السودانية في دار الوثائق القومية. ولو أعاد المؤلف النظر في قائمة المصادر والمراجع لتلك الأطروحات لوجد أن دار الوثائق القومية تتصدرها وكانت سكناً بالنسبة لهم إبان إعداد أطروحاتهم. ولم يكن ذلك بسبب ضعف التدريب الأكاديمي حيث ذكر مؤلف الكتاب في ص 1064 ... وإنما بسبب تدريب الطالب على التقيد بالموضوع الذي يبحث فيه فأخرج هؤلاء الطلاب أطروحات موثقة ومتوازنة وجيدة استوفت مستلزمات البحث العلمي الأكاديمي الجاد".
سأواصل في الحلقة القادمة...
bederelddin@yahoo.com
/////////////////////