نظرات في كتاب: دليل الثقافة المادية لقبيلة الأما

 


 

 

بوتيرة متسارعة، انطمرت ثقافات ولغات الجماعات السودانية الأصيلة، سيما في الربع الأخير من القرن المنصرم، لصالح الثقافة العربية، والمستحدثات الأخرى، وهذا الانطمار تقصدته بعض الجماعات الأصيلة وأرادته، عيافةً من ثقافتها وانهزامًا، وقاومته أخرى، محبةً في إرثها وانتصارًا، فمن تقصدته كان الانطمار فيها أكبر، والوتيرة أسرع، ومن قاومته حدَّت مقاومتها من أثره، وهدَّأت من وتيرته، حتى أتت لاحقًا هبَّةٌ تأصيليةٌ عارمة، من طوائف من أصحاب الثقافات السودانية الأصيلة، يحيون ما اندثر، ويستعملون ما أهمل، ويصطنعون ألفاظًا لما استجد، منتزعةً من إرثهم ولغتهم ودوائر معاني ألفاظهم، ويسجلون ويدونون ويوثقون، حميةً لثقافتهم أنْ تزرى، وأمانةً لخلفهم تُؤدى، وشهادةً لهم للتاريخ أنَّهم قد فعلوا وسعهم، والتاريخ وحده له الحكم والكلمة، غير أنَّ إفادة أخرى لم تغب عنهم، وهم يفعلون ما يفعلون، وهي أنَّ لهذا التراث، ولهذه التقافة قيمة إنسانية جديرة بأنْ تُعرَّف، وقيمة علمية قمينة بأن تكتشف، فهم بهذا اتاحوا للباحثين سبيل المقارنات والمقاربات العلمية، يستدلون بها على المنزع الواحد، أو التناسل المثري، أو التثاقف المشترك بين الجماعات الثقافية السودانية.
نقول هذا نوطئ به قولنا على احتفائية جمعية دسول الثقافية وهي تدشن كتابها "دليل الثقافة المادية لقبيلة أما(النيمانج) – بجبال النوبة"، وأنا أشرُف أن أسندت إليَّ كتابة مقدمته، وهو شرف أزهو به واتبختر، فالكتاب انتدبتْ لوضعه جماعة من كهنة التراث وسدنته، من ثمانية رهط ما جارت العربية على مكنتهم من لغة أهلهم، فلم ترتج معانيها في أفئدتهم أو تتداخل، يتقدمهم وعاءٌ من أوعيتها، بحرٌ في لسانها ومعارفها، وعادات أهله وميرثهم، ألا وهو الأكاديمي الدكتور عبد الله عبد الله جهدية، فحسبه أنَّه صاحب أهم كتاب كتب عن قبيلته، لا يلاحقه في ذلك أجنبيٌ ولا يطاوله وطني، وهو كتاب "التاريخ الاجتماعي لقبيلة أما"، وكنت كتبت عرضًا له، في الصحافة والمواقع الإلكترونية منبثٌ ما تزال تومض قدحاته، وما أشفاني عرضي هذا، ففي النفس همس أني ما أوفيته، لكن ما لذاك منال، إلا أن استنسخه نسخًا، فأكون طابعًا ناقلًا، أو أضعه متنًا وأضع عليه الحواشي والفوائد شرحًا وتزيدًا، وذاك عهد صناعة قد ولت، وطريقة في التصنيف قد مُلَّت. ونعود لجهدية فقد أعانته النشاءة الأولى والصبا والشبابة اللائي لم يبرح فيهن مضارب أجداده على الثمالة من تراثهم، والتفنن في لسانهم، فهو (أماوي) حتى في مشيته ونكتته وطريقة كلامه وسلامه وغضبه ومنطقه، لم تتألفه منازع العروبة الضاربة ببجرانها حوله، ولم يلطافه سمت المدينة المتقعد فيه، حتى رُسِم كاهنًا في لغة أهله وثقافتهم وإرثهم ، ثم أحكمه تسلحه بالعلم واتصافه بالجلد في تحصيله، وانتشاره بين الناس، وجلوسه على أقدام الرواة، على تلقف كل شاردة وواردة، فكان هو هو، اصطنع نفسه بنفسه.
وجمعية دسول صاحبة المبادرة، جمعية اختصت بالعمل الثقافي إحياءً وجمعًا وشرحًا، واسمها مأخوذ من أهم مواسم الطقوس عند قبيلة أما.
الكتاب:
يقع الكتاب في (160) صفحة من الحجم الكبير، غطى اللون البني المتدرج نصفه الأعلى في شكل نصف دائرة، وهو لون الأرض والخشب والحجر، ويرمز إلى السعادة والموثوقية والأناقة والأمن والالتئام والوطن، والاستقرار والدفء والصدق، ويرمز أيضًا إلى الصمود والبساطة والود والاعتمادية والصحة، هذا ما يقوله أصحاب علم السيمياء، فاختياره إذن مُتَقصَّد، ثُمَّ وليه اللون الأصفر ومن معانيه الثراء إذ أنه لون الشمس والذهب، ومن دلالاته الاعتزاز بالنفس، ثم يأتي اللون البني أيضًا في أسفل الصفحة دون فاصل أنما يتداخل مع اللون الأصفر الذي يعلوه، وتوسطت الكتاب صورة امرأة من قبيلة (أما) في كامل زينتها التراثية، فعلى جبينها يستدير عقد من سكسك، تنسدل من وسطه خيوط انتظمت سكسكًا تتدلى أعلى العينين، وعلى جيدها تكتظ عقود من سكسك بأنواعه، ثم تنسدل منها خيوط من سكسك أخرى تمتد حتى قريبًا من البطن، ثم تتمنطق المرأة بحلق سكسك حول بطنها، وتنسدل منها خيوط سكسك أخرى إلى أسفل من ذلك.
يجيء اسم الجمعية أعلى الصفحة مكتوبًا باللغة العربية، ثم بلغة (أما) بالحرف اللاتيني المنمط، ويحتضن العنوان شعار الجمعية من الطرفين. ثم تأتي تحت ذلك عبارة "التراث المادي لقبيلة أما(النيمانج) بجبال النوبة" وقد كتب باللون الأبيض باللغتين. أما أسفل صورة المرأة فكتب باللون الأسود العنوان الرئيس "دليل الثقافة المادية لقبيلة الأما-الجزء الأول"، وفي كل تلك الألوان دلالات، نكتفي فيها بما أسلفنا، مخافة الانصراف عن الجوهر.
مهَّد الكتاب في تمهيده بتعريفٍ لمفهوم التراث المادي، وهو تعريف جيد في مستهله، مضطرب في مختتمه، إذ إنه زج إليه الشعر والغناء والحكاية والأمثال، وهذا تراث غير مادي، ولعل اضطرابًا وقع في بناء الجملة أو الطبع أدى لهذا الخطأ البدهي، وما أظنه يغيب عنهم.
قبيلة الأما- مدخل تعريفي
عرَّف هنا القبيلة فأوجز وأبان، فهمي من سكان السودان القديم، وذكر هجراتها من وادي النيل إلى شمال كردفان ثم هجراتها الداخلية حتى تموضعها في مكانها الحالي، ثم ذكر مجموعاتها الثلاث وهي: مجموعة (أما) ومجموعة (المندل) ومجموعة (أفتي) بجبل الدائر بشمال كردفان، فكل هذه المجموعات الثلاث تتحدث لغة واحدة تنتسب إلى عائلة اللغات السودانية الشرقية المنحدرة من عائلة اللغات النيلية الصحراوية كما أبان الكتاب.
تعريف موجز للغة (أما):
أراد الواضعون تحت هذا العنوان الحديث عن الحرف الذي استخدم في كتابة كلمات لغة (أما) التي وردت في هذا الكتاب، وهي التي تكتب بها لغتهم الآن، فلغة (أما) لغة نغمية، فقد تجد ثلاث كلمات مثلًا لفظها يكاد يكون متطابقًا، لكن نغمة أصواتها أو مستوى صوتها يفرِّق بينها في المعنى(عالي، متوسط، سافل)، وقد كتبت لغتهم بالحرف اللاتيني المنمط، وكان مبدأ كتابة لغتهم قد استهله العلامة استيفنسون أواسط ثلاثينيات القرن المنصرم بالحرف اللاتيني، لكن الحرف الجديد أدنى إلى تمكين قارئه من تحقيق صحة النطق، إذ إنه حوى جميع أصواتهم، واصطلح لأحوال الحروف الحادة والرخيمة ومستوياتها من حيث العلو والتوسط والاستفال، وكنت درست تلك الحروف وتعجبتُ لدقتها في انطباق صورة الكلمة مع نطقها، وغير الناطقين بلغة (أما) يستطيعون نطقها إذا ما درسوا كتاب أبجديتها، لكن عليهم تمرين أسماعهم وألسنتهم على قضية العلو والتوسط والاستفال في الأصوات، فهي مرهقة حقًا، ولا نظير لها في العربية، وهناك حرف عربي منمط وُضع لكتابة اللغات الإفريقية، لكني لم أدرسه حتى أفاضل بين النمطين، إلا أنَّ الأكثرية الكاثرة درست الحرف اللاتيني وصارت تجيده وأصبح واقعًا. وفي نهاية هذا العنوان وضع المصنفون جدولًا يساعد القارئ على قراءة الألفاظ المكتوبة بلغة (أما) بالحرف اللاتيني المنمط، أظن أن فيه غنىً وكفاية، هذا بالاضافة إلى كتابة ألفاظ لغة (أما) بالحرف العربي مع إحداث مقاربة لبعض الأصوات المنعدمة في العربية.
نبذة عن جمعية دسول:
هنا فصل عقد عن جمعية دسول صاحبة هذا المشروع، فهي من أبرز الجمعيات نشاطًا في المحور الثقافي، فقد عقدت مئات المنتديات في شأن اللغة والأدب والتراث والتاريخ، وأسهمت في تعليم عدد وافر من أبناء (أما) لغتهم كتابةً وقراءةً وتحدثًا، ولها تمثيل في المهرجان الثقافي لتراث جبال النوبة، ولعل من أبرز أعمالها التي صرنا نراها حيَّة وندهش لها، ابتداعها لطقس الحنة النوبية في الزواج، فقد ارتدوا قَصَصًا في التاريخ، ينقبون عن كيفية احتفالات الزواج في ماضيهم، عهد بكارة ثقافتهم كيف كان، فاستحضروا طريقة سلام الأقران، واستحضروا طقوس التطهر والتبرك بالماء، وقصروا الأغاني التي تغنى في الزواج على أغانيهم وبلغتهم، واستحضروا طائفة من رسومهم كما يستحضر الكجور الأمطار تراها تهطل، أو الأرواح تراها تنطق، بذات الصوت وذات الطريقة، ثم أصبغوا عليها ما يواكب العصر من تفنن في الملبس الإفريقي ونحو ذاك، كأن مبدأ الأمر شيئًا أشبه ببقعة صغيرة بيضاء في ملاءة سوداء، ثم بدأ ينتشر، والله وحده يعلم إلى أين تسعى بالأمر الغاية، ومن أهم مبادراتهم مبادرة إحياء الأسماء الأصيلة التي هُجرت، وهذا ميدان قاسي المعترك، شديد المقاومة، تقحمه بعضهم وما استمسك ففر من وطأة ارفضاض المجتمع والنسوة وضغطهن، وقليلٌ اصطبر جمره، وناضله آخرون مبدأً ولم يتقبلوه ولم يساوموا في ذلك ولم يماروا، ولا ندري خواتيمه إلى أيٍّ تتجه، لكنَّ رايته مازالت خفيضة، وكفته حتى الآن مرجوحة.
الفصل الأول- بيت الأما
شمل هذا الفصل ذكر أسماء كل أجزاء البيت بلغة (أما) وشرحها بالعربية، إما بإيجاد مقابلها أو بالوصف، وقد بُدِئ من الطريق الذي يؤدي إلى البيت، والمزرعة الصغيرة الملحقة به (الجبراكة)، وما يزرع فيها من محاصيل، والحوش وسوره وبما يسوَّر، وقد وردت أسماء بعض الأشجار التي تتخذ في البناء باللغة العربية وأهملت أخرى أي ذكرت بلغة (أما) دون أن يوضع لها مقابلها بالعربية، وفي هذا قصور، كما أوردت أكثر الأسماء العربية بالعربية المحلية، وكان من المنبغي أن تورد بالفصحى والإنجليزية لو أمكن، حتى يفيد غير السوداني منها، وقد وردت أنواع الأبواب أو المداخل وما يوضع عليها، والسقيفة (الراكوبة) والأشجار التي تصنع منها، ولم يهمل حتى الحجر الذي يكون في شكل حوض لسقاية الدواجن، واللوح الخشبي الذي تقطع فيه اللحوم، وهو في العربية يقال له الوضم، ومن ذلك قولهم (فلانٌ مثل لَحْمٍ على وَضَم : أي ضائع)، وقول رؤبة بن العجاج:
دَقّاً كَدَقِّ الوَضَمِ المَرْفَوشِ أَوْ كَاحْتِلاقِ النُورَةِ الجَمُوشِ
ثم بدأ في سقيفة الرجل (القطية) يصف أجزاءها ومما تصنع، وقطية المرأة، ثم التفت إلى الفخاريات فعدد أنواعها وأسماءها إلى حوالى(12) نوعًا وأكثر من 17 نوعًا من الأواني، ومن تلك الفخاريات التي ذكرها (أباري) وذكر أنها البرمة التي تحوي العجين، وهي (التيبار) في عربية أهل السودان وكان أوفق أن يذكر اسمها هذا في الشرح، وقد رجح عندي أن أكثر ما ورد من هذه الفخاريات موجود في شمال ووسط السودان نحو الكَتوش الذي يخمر فيه العجين والكلول الذي يسخن فيه اللبن، والدلوك جك الفخار الذي يشرب به الماء، والدوراية التي يصنع فيها الإدام، والتنجرة التي تعاس فيها العصيدة وغير ذلك، فهنا وضع الاسم بعربية السودان أوفق.
الفصل الثاني: خصص للطعام ومكوناته بدءً من العصيدة بأنواعها التي بلغت 9 أنواع، ثم الأكلات التي تصنع من السمسم، ثم أنواع العسل، وهناك عسلٌ ينتجه غير النحل يقال له (شِيمِل) بلغة (أما)، هكذا أوردوه بلغة (أما) دون مقابله العربي ولا بد أن يكون له مقابل بالعربية، وأظن أن عرب السودان يطلقون عليه لفظ (الغرير)، أو نحو هذا، ثم ذكروا المدائد حيث أحصى المصنفون 9 أنواع منها، ثم النبيذ ومراحل صنعه حتى مخلفاته، ثم عدد الإدام والأطعمة وأحصوا منها 22 طعامًا
الفصل الثالث:
خُص للأدوات والمواد المستخدمة في الطقوس والأسبار والمناسبات، نحو الأدوات المستخدمة في العقيقة وأسبار العبور والختان وسبر الدخان وسبر الثور وسبر التتويج وأسبار التطهر وسبر إنزال المطر وأسبار الزراعة والحصاد والزواج، وهذا فصل يطلعك على عقائد القوم القديمة، فهنا يذكرون الآلة مع ذكر استخداماتها وعاداتهم وتقاليدهم التي تستخدم فيها.
الفصل الرابع
اختص بأدوات الزينة والأزياء التي كانوا عليها، وفصلوا زينة المرأة عن زينة الرجل، فللرجل ريش ذيل الديك والقرون والأساور المضفورة من بعض الحشائش، وما يلبسه الفارس في خصره من جلد منظوم بالسكسك، وما يضعه على الرأس وما يصنع من النحاس ويلبس على الساعد، وما يربط على العضد، وما يستر به الرجل عورته من قماش، ولم ينسوا التراب الجيري الذي يمسح به الشباب أجسامهم، ولباس الحداد للرجل وهو عبارة عن قطعة بيضاء تربط في الوسط، والبياض هو ما عليه حداد السودان، فتأمل.
ومما يلفت النظر أن القاتل يلبس خرزًا بحجم كبير ولونه أحمر للدلالة عليه، وهذا نوع من العقوبة، فالإعدام عندهم منعدم، لكن جزاء القاتل النفي، ومثل هذا التشهير، فالزينة هنا لوظيفة.
كما خصت المرأة بزينتها، ومن ذلك الذنب الذي تربطه المرأة النفساء في عنقها ويتدلى خلفها يعطيها الأولوية في كل شيء حتى تعود باكرًا لرضيعها، وهنا تتبين وظائف الزينة، والوشم على جسم المرأة وخدها زينة، لكنه دلالة على بلوغها مرحلة محددة مع جيلها، ومن زينة المرأة زينة العروس، وما تلبسه المرأة المتزوجة، وما تلبسه غير المتزوجة، ثم عدد المصنفون أنواع وأشكال مشاط المرأة التي أربت على 18 طريقة، ولعل في هذا مندوحة لإحياء بعض تلكم الطرق كنوعٍ من الموضة، وإسهامًا للقبيلة في ثقافة البلاد.
استقل المصنفون بعنوان لزينة الكجور والسلطان الذي تفترض فيهما العظمة، وهو فصل يستوحشك ويشوقك، لما فيه من غرابة الملبس والأوات الخاصة بالكجرة والسلطان، من عصا وخاتم له قدرات خارقة، ومادته يفاد منها في أي إنتاج سينمائي أو تلفزيوني متعلق بتلك البيئات، فلا يتكلفون شطط البحث عن شكل ملابس القوم وأزيائهم، ثم أعقبه بفصل عن زينة الحيوانات ككلب الصيد والحصان والحمار،
أما الفصل الخامس فخُصَّ بالآلات الموسيقية، وقد قسمها المصنفون إلى ثلاثة أنواع، الطبول والإيقاعات، وآلات النفخ، والآلات الوترية. وقد رأيت أن أكثرها موجود في البيئات السودانية المختلفة، وكان يندب أن يشار لذلك أو توضع أسماؤها السودانية
الفصل السادس:وهو خاص بالأسلحة والصيد، وقد بدأ بالعصا القتالية وهي نوع بدائي من الحراب الخشبية بطول متر ونصف برأسٍ مسنن تتخذ كحربة وبعضها رأسه مستدير، ثم بالنشاب وسهامه ذات الرؤوس الحديدية، ثم الفؤوس البدائية التي تصنع رؤوسها من الحجارة ، ثم الأسلحة البيضاء بأنواعها من سيوف وحراب ومُدى، واستوقفني فيها السيف ذي الرؤوس الثلاث، ثم الأسلحة النارية والبارود وصناعته.
الفصل السابع: أدوات الطب
وهنا تجد كل ما كانوا يستخدمونه في علاج أمراضهم من نتاج الأشجار وجذورها، أو بعض التراكيب أو من الحيوان، وشمل حتى ما كانوا يستخدمونه في تحنيط وحفظ الجثث، وبيطرة الحيوان، كما شمل أدوات التطبيب من حجامة ومشرط وجبيرة وقطع أخرى تستخدم في الجراحة البدائية، وفي هذا الفصل تندهش لما بلغه الطب عندهم ، فمعظم الأمراض معروفة ولها وصفة دواء، أو طريقة جراحة، وإنه ليؤسف أن تتبدد هذه المعارف من أيدي الخلف والمجتمع السوداني
الفصل الثامن: أدوات الكيف، وفيه تناول الدليل التبغ (النشوق)، كيفية صنعه وتشكيله في شكل أقراص أو شكل مستطيل أو مكور، وتناول الدليل أدواته كالغليون، وأوعيته التي تصنع من شجر الدوم (الحقة).
الفصل التاسع: البيئة الطبيعية النباتية: وفيه تناول الدليل المنتجات الغابية والزراعية التي تستخدم كالذرة بأنواعها التي أربت على 11 نوعًا، مرورًا بكل المنتجات الزراعية والغابية ثم الأدوات الزراعية.
ألحق الدليل بطائفة من الصور التي اتيحت لبعض ما ورد في الدليل، وكان أخلق أن توضع أمام موادها، ثم ذيل بتراجم لبعض شخصيات القبيلة
هذا عرض سريع لهذا الدليل، ولو كنت في فجوة من وقتي وفراغ لجعلت عرضي هذا حلقات متسلسلة، أقف على كل ما ورد وأضع ملاحظتي فيه إن وجدت وأضع ما يقابل المعاني بالفصيحة والعامية إن أهملت، لكنني إنما تقصدت التنويه به.
إن هذا الدليل يقع في حقل معاجم المعاني، وهو أساس متين لطبعات لاحقات، تثبت ما ندَّ عن الواضعين، وتحقق ما اضطرب عندهم، وينبغي أن ينضاف إليهم مختصون في كل الجوانب التي غطاها الدليل، فلا بد من مختصين بأنواع الأشجار مثلاً، ليضعوا لنا أسماءها العلمية والعربية والسودانية، وهذا يقال في بقية الجوانب، ويتأكد أن تكتب المعاني بعربية السودان أيضًا، لنرى مدى انطباق تلك الموروثات مع موروثات بقية ثقافات السودان، وهنا ينبغي الاستعانة بخبراء التراث السوداني في هذا، إلى جانب العربية الفصيحة لتتسع دائرة الإفادة للعرب، ولا بد أن توضع صور المواد التراثية هذه أمام مادتها، وبصور ملونة، فالوصف مهما دقَّ لا يغني عن الصورة، ويجب أن يلاحظ ترتيب المادة في الفصل الواحد هجائيًا لسهولة الوصول إليها، كما هو معمول به في المعاجم، كما يجب توافر العديد من المعاجم للمصنفين للاستعانة بها.
وفي النهاية يجب توافر هذا الدليل في المكتبات الجامعية ليفيد الباحثين وطلاب العلم. وليت الدولة تقوم على دعم مثل هذه الجهود، فقد اقتطع المصنفون من وقتهم ومالهم الكثير ليقدموا لنا هذا الجهد الضخم، وموَّل آخرون نفقات طباعته البهية وهم يتهللون، فلهم الشكر على ما أفادوا للعلم ولتراث مجتمعهم وبلادهم

--
قاسم نسيم حماد حربة
gasim1969@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء