الحاضرون لحوار المبعوث الأممي … قاصمون لظهر بعير الانتقال..!!

 


 

 

أولى جلسات الحوار الفولكري جاءت باهتة بسبب غياب المناهضين لحلفاء الإنقلابيين (الحاضرين بحماس لليوم الافتتاحي)، خرجت تصريحات رموز الحلف المساند للإنقلاب يائسة تدعوا الممانعين للمشاركة، وقطعت جهيزة ولدلبات قول كل خطيب باستيئاسها من مشروع الحوار بدون إشراك الآخرين، يبدو أن فولكر وصديقه لبات لم يستوعبا حكمة المثل السوداني: (لو قال لك أحدهم أنك بلا رأس وجب عليك تحسس جمجمتك). لقد حشد الطاغية المعزول من قبل الحشود الحاشدة لما أسماه حوار الوثبة، قبل سنتين من عزله، ولم يجني غير الثمار المحشوّة بالديدان لمخرجات تلك التظاهرة الإنتهازية الجامعة للوصوليين من داخل وخارج جغرافيا الوطن الحبيب، إن بلاد السودان ذات الاتجاهات المتعددة والأمزجة المتنوعة لن يجتمع أهلها على كلمة سواء، ولن يسوقها أجنبي كان أم وطني إلى برٍ آمن، وذلك لتوطّن حالة الفرقة والشتات واستشراء داء البغضاء بين مكوناتها السياسية والإجتماعية، ولسبب جوهري آخر، هو تمكّن الأجندة الأممية الداعمة للتشرذم والتشتت، وبالرجوع إلى الوراء قليلاً نلحظ التسويف والتماطل الذي صاحب جهود المبعوث الأممي، إبّان توتر العلاقة بين رئيس الوزراء الحبيس ورئيس الإنقلاب الكبيس، حينها لم يكن فولكر حريصاً ذلك الحرص المضمّد للجراح والمُعيد لرئيس وزراء الانتقال معززاً مكرماً، كانت رحلاته الماكوكية بين الرئيس الحبيس والإنقلابي الرئيس مجرد طبطبات على سطح الجبيرة.
النقطة الفاصلة في حتمية فشل هذا الحوار المغصوب، هي تصريح المبعوث الأممي الموغل في الدكتاتورية، والمتوحش في استمراء فرض االرأي الآخر بكل صلف وغرور، كأن السودانيين قطعان من الماشية يساقون هكذا دون مشورة وبلا اكتراث لرأيهم. بعد هذا القرار المتخبط للمنظمة الدولية الذي اتخذه مبعوثها الأممي، هل يستوعب السودانيون الدرس؟، وهل يدركون فداحة مآلات الكيد السياسي لبعضهم وارتهانهم للأصبع الخارجي؟، أم أن غيبوبة الانتقام والثأر والتشفي ومحاولات إنهاء وجود الآخر مازالت مغلقة للقلوب التي بلغت الحناجر؟، لقد أخطأت قحت عندما كرّست لأحادية التمسك بسلطة الانتقال المؤقتة - غير الدائمة، وأيضاً اخطأت مجموعة الميثاق الوطني عندما جاءت فاجرة في خصومتها للدرجة التي عميت معها بصيرتها فارتكبت الخطيئة الكبرى التي لا تغتفر، بتحالفها المفضوح مع الإنقلابيين الذين أعادوا البلاد إلى مرحلة ماقبل ديسمبر، إلى متى يستمر الصراع الدائري ذو المعادلة الصفرية والنهايات العدمية؟، لماذا يسلك القاصمون لظهر بعير الفترة الانتقالية سلوك المقولة المأثورة (علي وعلى أعدائي)، ما هكذا تساس الأمور ولا بردود الأفعال تبنى الأوطان وتؤسس البلدان، فانسداد الأفق السياسي والتعنت الأحمق يُضر بالجميع – حاكمين ومحكومين ومعارضين مدنيين ومكافحين مسلحين، والخطاب المقتضب الذي أذاعه قائد الإنقلاب الليلة السابقة لفجر الحوار اليتيم لن يستجيب له الممانعون.
المبدأ أن لا يرجى من عسكري إقامة مشروع يؤسس للديمقراطية والحرية السلام والعدالة، ذلك أن أسس العقيدة العسكرية التي يُغذّى بها عقل هذا المجند وهو ما يزال شاباً يافعاً حليق الرأس، تصب في ماعون تكريس أحادية الرأي والدكتاتورية ومحاربة التداول السلمي للسلطة، وتقف مع تغليب صوت العنف والسخرية من الحياة المفعمة بالقيم المدنية والروحية المسالمة. اذكروا لي بربكم عدد توصيات المؤتمرات المنعقدة في ظل سطوة الحكومات التي قادها العسكريون، منذ ولوج أول جنرال لباب قصر الحكم؟، وما الجدوى المستفادة من هذه الحوارات المصروف عليها من مدّخرات أموال الشعب المغلوب على أمره؟، لقد عقد النظام (البائد) مئات الجلسات الحوارية ذات الشعارات البرّاقة المنادية برفع رايات السلام، بينما طائرات الأنتونوف تلقي بحممها البركانية على رؤوس البؤساء والفقراء من سكان البلاد في الأطراف البعيدة؟، وما يزال أمر العيش بسلام يمثل حلم من الأحلام المستحيلة وغير الممكنة. القاصمون لظهر الانتقال صم بكم عمي لا يبصرون، أعماهم الحنق والكيد السياسي فنسوا انفسهم وتناسوا النازحين الكادحين العائشين تحت ظلال الخيام المصنوعة من جوالات البلاستيك، بمعسكرات الذل والهوان منذ عشرين عاماً، ثم من بعد كل هذا وذاك تأتينا الأمم المتحدة بمبعوثها المسيح المنقذ، ليستمر على مدارج ذات الطريق الممددة لمعاناة النازحين والبائسين الفقراء، بمباركة السير على درب الانقسام والتشجيع على اتباع السياسة التي رسمها أجداده القدماء – فرِّق تَسُد.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
9 يونيو 2022

 

آراء