الاقتصاد متهم أول
حيدر المكاشفي
25 June, 2022
25 June, 2022
بشفافية -
تقرير صادم ومخيف نشرته البي بي سي خلال اليومين الماضيين حول تزايد حالات الانتحار في العالم، فقد جاء في التقرير أن حالات الانتحار في السودان شهدت بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية تزايداً كبيراً، وضع السودان في المرتبة الثانية بنسبة 3.8 لكل 100 ألف، وأن 77 في المئة من المنتحرين من دول تعاني اقتصادياً، وتعزو منظمة الصحة العالمية الرغبة في إنهاء الحياة الى لحظات الأزمات وضغوط الحياة وعلى رأسها المشاكل المالية والأمراض المزمنة، بالإضافة إلى ارتباط العنف والكوارث بالسلوك الانتحاري، ويربط الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون حالات الانتحار بالاضطرابات النفسية بشكل وثيق وخاصة بالاكتئاب، ويعرفون الانتحار بأنه أقصى حالات الضعف النفسي وأن هناك دائماً أسباب وراء الانتحار، سواء كانت هذه الأسباب أمراض نفسية مشخصة أو غير مشخصة، أو أسباب مادية أو اجتماعية أو ظروف نفسية طارئة..
ما يعنينا من هذا التقرير الذي يدعو للقلق ويستوجب وقفة جادة ما ورد فيه عن السودان، فأن ترتفع حالات الانتحار في البلاد بصورة تضعها على رأس قائمة الدول، فذلك ما يشير بشكل مباشر لتأثير الوضع الاقتصادي المتردي كمتهم أول بالاشتراك الجنائي مع النظام البائد، اذ كانت لسياسات التحرير تقرأ (سياسات النحر) التي طبقها النظام وما زالت سارية، أكبر الاثر في نحر الناس ودفعهم للانتحار، والغريب العجيب ان تطبيقاتهم لهذه السياسة كانت أكثر وحشية من تطبيقات عرابيها، فقد تجاهلت هذه السياسات الصرف على الاولويات الاجتماعية والخدمات الأساسية، بينما توسعت وتطورت في مجال الجبايات والاتاوات والرسوم والمكوس، جنبا إلى جنب تضخم الانفاق الحكومي في مجالات الصرف السياسي والسيادي والاداري والأمني والبذخي، في مقابل تقزم وتضاؤل الصرف على التعليم والصحة وقطاع الخدمات عموما، الامر الذي استحقت معه عن جدارة اسم سياسات النحر الاقتصادي وليس التحرير الاقتصادي..إن سياسات النحر هذه و بالوحشية والسادية التي هي عليها والتي لا ترحم فقيرا ولا تراعي حالة معدم تبقى المتهم الاول والرئيسي في كل حالات الشروع في الانتحار التي يقدم عليها البعض حين تعز عليهم لقمة العيش أو جرعة الدواء أو رسم المدرسة،
وحقيقة الامر أن أمثال هؤلاء الغلابى المغلوبين على أمرهم حين يفكرون في الانتحار أو يشرعون فيه إنما يقدمون عليه وهم أصلا منحورون سلفا بفعل سياسات النحر هذه، فليس بالسكاكين وحدها ينتحرون أو بالسيوف أو الفؤوس أو إلقاء النفس من الاعالي أو بتجرع السموم، أو … أو … إلى آخر أي أداة أو وسيلة يمكن أن يلجأ اليها من يحاول التخلص من مأساته ومعاناته بوضع حد لحياته التعيسة، ولهذا كان الأولى بتوجيه الاتهام الصريح بـ (النحر) هو الحكومة وسياساتها الاقتصادية الناحرة، وليس ذلك المواطن الغلبان المسكين الذي يقدم على انهاء حياته بعد ان يعز عليه الحصول على لقمة تبقيه على قيد الحياة، أو جرعة دواء تخفف عنه الام المرض الخ الخ من الاحتياجات الأساسية والضرورية، ويستيئس من أي خلاص لعذاباته غير ان يتخلص من الحياة نفسها..
الجريدة
////////////////////////
تقرير صادم ومخيف نشرته البي بي سي خلال اليومين الماضيين حول تزايد حالات الانتحار في العالم، فقد جاء في التقرير أن حالات الانتحار في السودان شهدت بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية تزايداً كبيراً، وضع السودان في المرتبة الثانية بنسبة 3.8 لكل 100 ألف، وأن 77 في المئة من المنتحرين من دول تعاني اقتصادياً، وتعزو منظمة الصحة العالمية الرغبة في إنهاء الحياة الى لحظات الأزمات وضغوط الحياة وعلى رأسها المشاكل المالية والأمراض المزمنة، بالإضافة إلى ارتباط العنف والكوارث بالسلوك الانتحاري، ويربط الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون حالات الانتحار بالاضطرابات النفسية بشكل وثيق وخاصة بالاكتئاب، ويعرفون الانتحار بأنه أقصى حالات الضعف النفسي وأن هناك دائماً أسباب وراء الانتحار، سواء كانت هذه الأسباب أمراض نفسية مشخصة أو غير مشخصة، أو أسباب مادية أو اجتماعية أو ظروف نفسية طارئة..
ما يعنينا من هذا التقرير الذي يدعو للقلق ويستوجب وقفة جادة ما ورد فيه عن السودان، فأن ترتفع حالات الانتحار في البلاد بصورة تضعها على رأس قائمة الدول، فذلك ما يشير بشكل مباشر لتأثير الوضع الاقتصادي المتردي كمتهم أول بالاشتراك الجنائي مع النظام البائد، اذ كانت لسياسات التحرير تقرأ (سياسات النحر) التي طبقها النظام وما زالت سارية، أكبر الاثر في نحر الناس ودفعهم للانتحار، والغريب العجيب ان تطبيقاتهم لهذه السياسة كانت أكثر وحشية من تطبيقات عرابيها، فقد تجاهلت هذه السياسات الصرف على الاولويات الاجتماعية والخدمات الأساسية، بينما توسعت وتطورت في مجال الجبايات والاتاوات والرسوم والمكوس، جنبا إلى جنب تضخم الانفاق الحكومي في مجالات الصرف السياسي والسيادي والاداري والأمني والبذخي، في مقابل تقزم وتضاؤل الصرف على التعليم والصحة وقطاع الخدمات عموما، الامر الذي استحقت معه عن جدارة اسم سياسات النحر الاقتصادي وليس التحرير الاقتصادي..إن سياسات النحر هذه و بالوحشية والسادية التي هي عليها والتي لا ترحم فقيرا ولا تراعي حالة معدم تبقى المتهم الاول والرئيسي في كل حالات الشروع في الانتحار التي يقدم عليها البعض حين تعز عليهم لقمة العيش أو جرعة الدواء أو رسم المدرسة،
وحقيقة الامر أن أمثال هؤلاء الغلابى المغلوبين على أمرهم حين يفكرون في الانتحار أو يشرعون فيه إنما يقدمون عليه وهم أصلا منحورون سلفا بفعل سياسات النحر هذه، فليس بالسكاكين وحدها ينتحرون أو بالسيوف أو الفؤوس أو إلقاء النفس من الاعالي أو بتجرع السموم، أو … أو … إلى آخر أي أداة أو وسيلة يمكن أن يلجأ اليها من يحاول التخلص من مأساته ومعاناته بوضع حد لحياته التعيسة، ولهذا كان الأولى بتوجيه الاتهام الصريح بـ (النحر) هو الحكومة وسياساتها الاقتصادية الناحرة، وليس ذلك المواطن الغلبان المسكين الذي يقدم على انهاء حياته بعد ان يعز عليه الحصول على لقمة تبقيه على قيد الحياة، أو جرعة دواء تخفف عنه الام المرض الخ الخ من الاحتياجات الأساسية والضرورية، ويستيئس من أي خلاص لعذاباته غير ان يتخلص من الحياة نفسها..
الجريدة
////////////////////////