البرهان (انا اللادولة) حميدتي (اللادولة انا)!!
عبدالله مكاوي
5 August, 2022
5 August, 2022
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
رغم ان العلاقة الرابطة بين البرهان وحميدتي علاقة مُلغزة، ظاهرها الانسجام وباطنها يبدو انه يمور بالتربص والاستقواء بالحلفاء في الداخل والكفلاء في الخارج. إلا انها علاقة تعبر قبل كل شئ عن غياب الدولة. او هما يمثلان التجلي الابرز لذاك الغياب. ولذا وجودهم في صدارة المشهد هو وجود تلازم لحالة اللادولة، باعتبار كلاهما يعبر عن الآخر.
والحال كذلك، تظل تجربة الاسلامويين في الحكم هي المرجعية المؤسسة لحالة غياب الدولة. والسبب ان تصورات وافكار وبرامج الاسلامويين كانت من السذاجة والاستهبال والتهافت بمكان، لدرجة عدم قدرة الدولة كمفهوم ووظيفة علي استيعابها. اي هي اوهام وخطرفات ما قبل تاسيس الدولة الحديثة كمنظومة حماية وتنظيم انشطة ورعاية مصالح وتقديم خدمات، في فضاء (عقد اجتماعي) يتيح لجميع المواطنين العيش والتفاعل داخله بسلام.
وما قام به الاسلامويون يندرج في سياق استغلال جهاز الدولة لتمرير اغراض وتطلعات لا تنسجم مع طبيعة ووظيفة الدولة. وعليه شكلت الدولة كجهاز تنظيم وضبط ورقابة، عقبة امام تلبية رغبات وشهوات الاسلامويين في حيازة كل شئ والانتفاع به، بما يتجاوز حدود المعقول! وهو ما جعل جهاز الدولة يخضع لرغبات الاسلامويين عوض ان تنضبط رغباتهم بضوابط جهاز الدولة. لنصبح امام حالة يمكن وصفها بدولة الرغبة التي يملكها من يغتصب السلطة، شأنها شأن (جدادة الخلا) التي طردت المساعي الحثيثة لبناء دولة الحياد المنفتحة علي جميع المواطنين علي قدر المساواة.
وليس بمستغرب والحالة هذه، ان تنغمس دولة الرغبة في الترف والبطالة واستباحة موارد الدولة من دون كوابح او وضع اعتبار لا للمصلحة العامة ولا حقوق الاجيال القادمة، ولا ان تستنكف العمل كوكيل للخارج مقابل الاعتراف بها ودعمها. وما كان هذا ليحدث من دون ان تنتج دولة الرغبة قيمها ومعاييرها الخاصة، كاستجابة لسلطات الرغبات المتسلطة. وهي بطبعها قيم ومعايير تتلاءم وطبيعة المتسلطين، وفاعليتها في بلوغ الاهداف باقل كلفة واقصر زمن. ومن ثمَّ تجد سندها الاساس في الطاعة العمياء والانسحاق امام الاعلي رتبة الي حين ازاحته والحلول محله! ولذلك نجد صفات كالكذب والغدر والتملق والسرقة تكتسب ايحاءات ايجابية، طالما ادت الاغراض بكفاءة اعلي! ولهم في اثر الحرب خدعة وفقه الضرورة متسع للتبرير، لنفوس هي اصلا متهتكة، لا تكترث بدورها لمصداقية التبرير (نوع من المجاهرة بقلة الحياء). اي المسألة ببساطة تتعلق بفعل كل شئ من اجل بلوغ القمة والبقاء فيها، وهذا بقدر ما ينطبق علي التنظيم ينسحب علي الاعضاء ككتل وافراد. وهو ما جعل التحكم في مصادر القوة المادية كالسلاح والمال والرجال هو غاية السلطة والمتسلطين، وليس تقديم نموذج يقتدي لكسب رضا المحكومين.
واحتمال هذا يفسر تعدد الاجهزة والمؤسسات العسكرية والامنية والمليشياوية التي وسمت نظام الاسلامويين داخل الدولة. ليتحول الصراع داخل المنظومة الحاكمة الي صراع اجهزة ومؤسسات ومليشيات لحيازة اكبر سلطة او اكثر تاثير داخل الدولة. بمعني نظام اللادولة هو عبارة عن حرب اهلية صامتة بين عديد الدول (الاجهزة الامنية والمؤسسة العسكرية والمليشيات) المتنافسة علي احتكار السلطة والثروة.
وبما ان الاجهزة الامنية والمؤسسة العسكرية و(المليشيات) هي في الاصل تعبير عن رغبات قادتها اكثر من اداء المهام الاحترافية، فقد اتخذت طابع الفردانية في طريقة عملها. ليصبح صراع المؤسسات والاجهزة والمليشيات، هو في حقيقته صراع طموح بين القيادات كالبشير وقوش وحميدتي قبل الثورة. وترتب علي ذلك ان حدود كل دولة هي حدود نفوذ وقوة كل جهاز ومؤسسة ومليشيا داخل الدولة (اللادولة). ولذلك ليس مصادفة ان لكل جهاز ومؤسسة عسكرية ومليشياوية، مؤسسات اقتصادية واستخباراتية (معلوماتية واعلامية) وعلاقات خارجية موازية!
والحال كذلك، قيام الثورة عمل اعادة التوازن وترتيب الاوراق بين هذه الكيانات الامنية والعسكرية المليشياوية المتنافسة. اي ذهاب البشير ومن بعده قوش حول توازن القوي ليستقر بين المؤسسة العسكرية ومليشيا الدعم السريع. والاخيرة بطبيعة تكوينها ومرجعيتها غير الدولتية، وجدت فرص اوسع للتمدد والتضخم في فراغات غياب الدولة. لتتحول نتيجة لضعف واضعاف المؤسسة العسكرية في حمم الصراع، من وضعية ما قبل الدولة، الي وضعية ما فوق الدولة! أي شئ كالنبت الشيطاني الذي يعتصر الدولة بغرض ابتلاعها.
وخطورة هذه العلاقة غير المتوازنة بين القوات المسلحة والدعم السريع، انها تجذِّر حالة اللادولة، وتمنحها الاستدامة! وهو ما يجعل حلم بناء دولة الحرية والعدالة والسلام غير مطروح علي الطاولة، تحت ضغط البحث عن الدولة المفقودة تحت ظلال الاسلحة والمليشيات والحركات المسلحة وتشبث الدولة العميقة.
وما يجعل المشهد اكثر تعقيد ان علاقة التوازن يمثلها او ينوب عنها البرهان وحميدتي! وهذا ما يجعل العلاقة المريبة بينهما قد تتعدي حالة اللادولة الي ذهاب الدولة مع الريح. والسبب ان بنية وعي هذا الثنائي، بنية تسلطية ليس في افقها إلا انتاج الطغاة. كما ان بساطة عقولهم وسذاجة تفكيرهم، هي نفسها ما تجعل طموحاتهم غير عقلانية، ولا تنسجم مع قدراتهم ومؤهلاتهم، والاهم مسيرتهم الاجرامية.
وعموما هذه النماذج التسلطية التي تفرزها فترات الانحطاط والسقوط، يداخلها اعتقاد راسخ انها خَلَقت السلطة ولم تَخلِقها السلطة. والحال هذه هي تحتل وضعية الاله او اقلاه (الاخ الاكبر) الذي يصمم اللعبة التسلطية ويشرف عليها بطريقة شمولية وتربصية خانقة! اي هم اوصياء وغير مساءلين وبيدهم كل شئ، من المنح والمنع بما في ذلك ارواح العباد، الي معرفة كل شئ، بما في ذلك مصالح المواطنين والبلاد! اي باختصار هم يملكون هذه الدولة بما فيها ومن فيها! وعليه السلطة مصادرة سلفا، اما بقية التفاصيل والهوامش، فهذا متروك للآخرين للحركة المنضبطة داخله. والحال كذلك، حتي نسخ القادة الرديئة التي ظلت المؤسسة العسكرية تفرضها علينا، انحدرت بنا الي نسخ اكثر رداءة، وما هو ما يشبه اضافة الاهانة (حميدتي) للجرح (البرهان)! ولذلك تتحول السلطة علي ايديهم الي محض هرجلة واسفاف وتهديدات وهروب من المسؤولية، وفي احسن احوالها اعادة انتاج تجربة البشير بكل شعبويتها السوقية، ومفارقتها لابسط متطلبات القيادة الناضجة. اما ادارة اللادولة فتترك لجماعات مصالح تتقاسم الامتيازات والمسروقات مع السلطة.
وبما ان الدولة بمثابة الجلد الذي يحفظ جسد البلاد من المخاطر، فان اللادولة هي تعريض البلاد لكافة المخاطر. وليس اقلاها العودة القهقرية لنزعات ما قبل الدولة من عرقية وعنصرية ومناطقية علي مستوي المجتمع، وسيطرة قيم السلبية والتسيب والفساد علي مستوي الخدمة المدنية، والانفلات والتعدي علي مستوي المؤسسات العسكرية والامنية والشرطية (تتم مليشيتها/تصرفها دون ضوابط)، وتسود احاسيس الاحباط والياس واللامبالة وتحلل القيم وتدهور المعيشة وهوان قيمة الوطن ومعني الوطنية، كحالة عامة تجتاح الكتلة العريضة من المواطنين. وكل ذلك يعيق اي مشروع لبناء دولة حديثة، اي بوصفه ارث مضاد لتحديث الدولة والنهوض بالمجتمع. وهو ما يستدعي استصحاب تحدياته، ضمن اي مشروع يطمح لاسقاط الانقلاب واعادة بناء الدولة المنشودة.
وعموما يبدو ان مشروع بناء الدولة يحتاج العمل علي مرحلتين، اولهما استعادة الدولة من فوضي اللادولة، وثانيهما تشكيل الدولة وتصميمها ليس علي اسس حديثة فحسب، وانما الاهم مشاركة الجميع في تاسيسها وبما يتلاءم ومعالجة حالات التفاوت المناطقية والترسبات التاريخية السلبية، وذلك علي اسس المواطنة والانفتاح علي المستقبل.
وفي كل الاحوال لا يمكن الحديث عن بناء دولة او استقرار مجتمع او الحفاظ علي البلاد من الانهيار، من دون خروج حميدتي والبرهان ونماذجهم من المشهد نهائيا. لانهما كما سلف يكرسان لحالة غياب الدولة وما يستتبعها من فوضي وانتهاك لحقوق المواطنين واهدار لموارد الوطن. والحال ان هكذا واجب يقع علي عاتق القوات المسلحة، سواء باقناعهما بالحسني، او اقتلاعهما عنوة ومن ثمَّ محاكمتهما علي جرائمهما ليصبحا عبرة لمن يعتبر. واهمية هذا العمل انه يرد الثقة في القوات المسلحة، كجزء من رد العافية، لدولة لازمها المرض منذ الاستقلال.
واخيرا
وكما ان الثورة ثورة وعي، فهنالك من الاعلاميين والصحفيين من يتقدم الصفوف باستضافاته الحواريه الجريئة وقراءته المعمقة وصراحته المصادمة، وعلي راس هؤلاء الاستاذ ماهر ابو الجوخ، لك التحية وحفظك الله. ودمتم في رعايته.
/////////////////////
بسم الله الرحمن الرحيم
رغم ان العلاقة الرابطة بين البرهان وحميدتي علاقة مُلغزة، ظاهرها الانسجام وباطنها يبدو انه يمور بالتربص والاستقواء بالحلفاء في الداخل والكفلاء في الخارج. إلا انها علاقة تعبر قبل كل شئ عن غياب الدولة. او هما يمثلان التجلي الابرز لذاك الغياب. ولذا وجودهم في صدارة المشهد هو وجود تلازم لحالة اللادولة، باعتبار كلاهما يعبر عن الآخر.
والحال كذلك، تظل تجربة الاسلامويين في الحكم هي المرجعية المؤسسة لحالة غياب الدولة. والسبب ان تصورات وافكار وبرامج الاسلامويين كانت من السذاجة والاستهبال والتهافت بمكان، لدرجة عدم قدرة الدولة كمفهوم ووظيفة علي استيعابها. اي هي اوهام وخطرفات ما قبل تاسيس الدولة الحديثة كمنظومة حماية وتنظيم انشطة ورعاية مصالح وتقديم خدمات، في فضاء (عقد اجتماعي) يتيح لجميع المواطنين العيش والتفاعل داخله بسلام.
وما قام به الاسلامويون يندرج في سياق استغلال جهاز الدولة لتمرير اغراض وتطلعات لا تنسجم مع طبيعة ووظيفة الدولة. وعليه شكلت الدولة كجهاز تنظيم وضبط ورقابة، عقبة امام تلبية رغبات وشهوات الاسلامويين في حيازة كل شئ والانتفاع به، بما يتجاوز حدود المعقول! وهو ما جعل جهاز الدولة يخضع لرغبات الاسلامويين عوض ان تنضبط رغباتهم بضوابط جهاز الدولة. لنصبح امام حالة يمكن وصفها بدولة الرغبة التي يملكها من يغتصب السلطة، شأنها شأن (جدادة الخلا) التي طردت المساعي الحثيثة لبناء دولة الحياد المنفتحة علي جميع المواطنين علي قدر المساواة.
وليس بمستغرب والحالة هذه، ان تنغمس دولة الرغبة في الترف والبطالة واستباحة موارد الدولة من دون كوابح او وضع اعتبار لا للمصلحة العامة ولا حقوق الاجيال القادمة، ولا ان تستنكف العمل كوكيل للخارج مقابل الاعتراف بها ودعمها. وما كان هذا ليحدث من دون ان تنتج دولة الرغبة قيمها ومعاييرها الخاصة، كاستجابة لسلطات الرغبات المتسلطة. وهي بطبعها قيم ومعايير تتلاءم وطبيعة المتسلطين، وفاعليتها في بلوغ الاهداف باقل كلفة واقصر زمن. ومن ثمَّ تجد سندها الاساس في الطاعة العمياء والانسحاق امام الاعلي رتبة الي حين ازاحته والحلول محله! ولذلك نجد صفات كالكذب والغدر والتملق والسرقة تكتسب ايحاءات ايجابية، طالما ادت الاغراض بكفاءة اعلي! ولهم في اثر الحرب خدعة وفقه الضرورة متسع للتبرير، لنفوس هي اصلا متهتكة، لا تكترث بدورها لمصداقية التبرير (نوع من المجاهرة بقلة الحياء). اي المسألة ببساطة تتعلق بفعل كل شئ من اجل بلوغ القمة والبقاء فيها، وهذا بقدر ما ينطبق علي التنظيم ينسحب علي الاعضاء ككتل وافراد. وهو ما جعل التحكم في مصادر القوة المادية كالسلاح والمال والرجال هو غاية السلطة والمتسلطين، وليس تقديم نموذج يقتدي لكسب رضا المحكومين.
واحتمال هذا يفسر تعدد الاجهزة والمؤسسات العسكرية والامنية والمليشياوية التي وسمت نظام الاسلامويين داخل الدولة. ليتحول الصراع داخل المنظومة الحاكمة الي صراع اجهزة ومؤسسات ومليشيات لحيازة اكبر سلطة او اكثر تاثير داخل الدولة. بمعني نظام اللادولة هو عبارة عن حرب اهلية صامتة بين عديد الدول (الاجهزة الامنية والمؤسسة العسكرية والمليشيات) المتنافسة علي احتكار السلطة والثروة.
وبما ان الاجهزة الامنية والمؤسسة العسكرية و(المليشيات) هي في الاصل تعبير عن رغبات قادتها اكثر من اداء المهام الاحترافية، فقد اتخذت طابع الفردانية في طريقة عملها. ليصبح صراع المؤسسات والاجهزة والمليشيات، هو في حقيقته صراع طموح بين القيادات كالبشير وقوش وحميدتي قبل الثورة. وترتب علي ذلك ان حدود كل دولة هي حدود نفوذ وقوة كل جهاز ومؤسسة ومليشيا داخل الدولة (اللادولة). ولذلك ليس مصادفة ان لكل جهاز ومؤسسة عسكرية ومليشياوية، مؤسسات اقتصادية واستخباراتية (معلوماتية واعلامية) وعلاقات خارجية موازية!
والحال كذلك، قيام الثورة عمل اعادة التوازن وترتيب الاوراق بين هذه الكيانات الامنية والعسكرية المليشياوية المتنافسة. اي ذهاب البشير ومن بعده قوش حول توازن القوي ليستقر بين المؤسسة العسكرية ومليشيا الدعم السريع. والاخيرة بطبيعة تكوينها ومرجعيتها غير الدولتية، وجدت فرص اوسع للتمدد والتضخم في فراغات غياب الدولة. لتتحول نتيجة لضعف واضعاف المؤسسة العسكرية في حمم الصراع، من وضعية ما قبل الدولة، الي وضعية ما فوق الدولة! أي شئ كالنبت الشيطاني الذي يعتصر الدولة بغرض ابتلاعها.
وخطورة هذه العلاقة غير المتوازنة بين القوات المسلحة والدعم السريع، انها تجذِّر حالة اللادولة، وتمنحها الاستدامة! وهو ما يجعل حلم بناء دولة الحرية والعدالة والسلام غير مطروح علي الطاولة، تحت ضغط البحث عن الدولة المفقودة تحت ظلال الاسلحة والمليشيات والحركات المسلحة وتشبث الدولة العميقة.
وما يجعل المشهد اكثر تعقيد ان علاقة التوازن يمثلها او ينوب عنها البرهان وحميدتي! وهذا ما يجعل العلاقة المريبة بينهما قد تتعدي حالة اللادولة الي ذهاب الدولة مع الريح. والسبب ان بنية وعي هذا الثنائي، بنية تسلطية ليس في افقها إلا انتاج الطغاة. كما ان بساطة عقولهم وسذاجة تفكيرهم، هي نفسها ما تجعل طموحاتهم غير عقلانية، ولا تنسجم مع قدراتهم ومؤهلاتهم، والاهم مسيرتهم الاجرامية.
وعموما هذه النماذج التسلطية التي تفرزها فترات الانحطاط والسقوط، يداخلها اعتقاد راسخ انها خَلَقت السلطة ولم تَخلِقها السلطة. والحال هذه هي تحتل وضعية الاله او اقلاه (الاخ الاكبر) الذي يصمم اللعبة التسلطية ويشرف عليها بطريقة شمولية وتربصية خانقة! اي هم اوصياء وغير مساءلين وبيدهم كل شئ، من المنح والمنع بما في ذلك ارواح العباد، الي معرفة كل شئ، بما في ذلك مصالح المواطنين والبلاد! اي باختصار هم يملكون هذه الدولة بما فيها ومن فيها! وعليه السلطة مصادرة سلفا، اما بقية التفاصيل والهوامش، فهذا متروك للآخرين للحركة المنضبطة داخله. والحال كذلك، حتي نسخ القادة الرديئة التي ظلت المؤسسة العسكرية تفرضها علينا، انحدرت بنا الي نسخ اكثر رداءة، وما هو ما يشبه اضافة الاهانة (حميدتي) للجرح (البرهان)! ولذلك تتحول السلطة علي ايديهم الي محض هرجلة واسفاف وتهديدات وهروب من المسؤولية، وفي احسن احوالها اعادة انتاج تجربة البشير بكل شعبويتها السوقية، ومفارقتها لابسط متطلبات القيادة الناضجة. اما ادارة اللادولة فتترك لجماعات مصالح تتقاسم الامتيازات والمسروقات مع السلطة.
وبما ان الدولة بمثابة الجلد الذي يحفظ جسد البلاد من المخاطر، فان اللادولة هي تعريض البلاد لكافة المخاطر. وليس اقلاها العودة القهقرية لنزعات ما قبل الدولة من عرقية وعنصرية ومناطقية علي مستوي المجتمع، وسيطرة قيم السلبية والتسيب والفساد علي مستوي الخدمة المدنية، والانفلات والتعدي علي مستوي المؤسسات العسكرية والامنية والشرطية (تتم مليشيتها/تصرفها دون ضوابط)، وتسود احاسيس الاحباط والياس واللامبالة وتحلل القيم وتدهور المعيشة وهوان قيمة الوطن ومعني الوطنية، كحالة عامة تجتاح الكتلة العريضة من المواطنين. وكل ذلك يعيق اي مشروع لبناء دولة حديثة، اي بوصفه ارث مضاد لتحديث الدولة والنهوض بالمجتمع. وهو ما يستدعي استصحاب تحدياته، ضمن اي مشروع يطمح لاسقاط الانقلاب واعادة بناء الدولة المنشودة.
وعموما يبدو ان مشروع بناء الدولة يحتاج العمل علي مرحلتين، اولهما استعادة الدولة من فوضي اللادولة، وثانيهما تشكيل الدولة وتصميمها ليس علي اسس حديثة فحسب، وانما الاهم مشاركة الجميع في تاسيسها وبما يتلاءم ومعالجة حالات التفاوت المناطقية والترسبات التاريخية السلبية، وذلك علي اسس المواطنة والانفتاح علي المستقبل.
وفي كل الاحوال لا يمكن الحديث عن بناء دولة او استقرار مجتمع او الحفاظ علي البلاد من الانهيار، من دون خروج حميدتي والبرهان ونماذجهم من المشهد نهائيا. لانهما كما سلف يكرسان لحالة غياب الدولة وما يستتبعها من فوضي وانتهاك لحقوق المواطنين واهدار لموارد الوطن. والحال ان هكذا واجب يقع علي عاتق القوات المسلحة، سواء باقناعهما بالحسني، او اقتلاعهما عنوة ومن ثمَّ محاكمتهما علي جرائمهما ليصبحا عبرة لمن يعتبر. واهمية هذا العمل انه يرد الثقة في القوات المسلحة، كجزء من رد العافية، لدولة لازمها المرض منذ الاستقلال.
واخيرا
وكما ان الثورة ثورة وعي، فهنالك من الاعلاميين والصحفيين من يتقدم الصفوف باستضافاته الحواريه الجريئة وقراءته المعمقة وصراحته المصادمة، وعلي راس هؤلاء الاستاذ ماهر ابو الجوخ، لك التحية وحفظك الله. ودمتم في رعايته.
/////////////////////