رائد التجديد الديني في السودان”3- 3″
د. الطيب النقر
10 August, 2022
10 August, 2022
بسم الله الرحمن الرحيم
لعل اليقين الذي لا يخامره شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن قضايا التجديد من الموضوعات التي لن تشوبها أعنة الغفلة، أو تعروها آثار النسيان، فهي باقية ما بقي هذا الزمان، ولن يؤثر في شبابها المتصل كرور الأيام، وتعاقب الحدثان، وتجديد الدكتور الترابي الذي امتحنته الحرب فأحسنت امتحانه في غير ضجيج ولا عجيج، سيظل حياً قادراً على الحياة مهما اعتلت أسواره جحافل الكماة، أو غمرت بواديه سيول البهتان، وأنا مطمئن كل الاطمئنان أن هذا التجديد الذي احتمل في غير ضعف ولا وهن حملات التشويه والإنكار، وتسفيه الرأي والأفكار، قمين بالبقاء والبقاء الطويل، لأنه اشتق مادته، واستخلص معانيه، من معين الدين الخالد، ولأن صاحبه الذي أخذ نفسه بالجهد والدرس والتحصيل حدثنا بأيسر الألفاظ نطقاً، وأوضحها معنى، عن ضرورة التحرر من قيود التقليد، خاصة بعد أن جدت في حياتنا أشياء لم يألفها الناس في غابر العصور، فقد أعرب الترابي عن هذه الطائفة في إفصاح، وصورها في جلاء وسفور، حينما قال في كتابه “الدين والتجديد” ذلك الكتاب الذي تدرك فوائده على غير مؤونة، ولا كد ذهن” عكف فريق من المتدينين على صور التدين في زمن قديم حتى لا يكادون يدركون طروء الجديد، فتراهم يتعامون عنه، ويتسلون عن فتنته الماثلة باستحضار القديم بمقولاته وذكرياته المحفوظة، ويحصرون دينهم الفعلي فيما يتيسر تقليده من الصور السالفة، ويتركون سائر حياتهم سدى، وتحقيق الدين عند هؤلاء قائم بحكم الماضي، ولا يستدعى منهم كسباً مجدداً “.انتهى وأبان الدكتور الترابي في سفره أن هذه الفئة التي اصطفت من الألفاظ أشدها فتكاً، ومن الصور أمضها عنفاً، لمحاربة تجديده، أن الموازين قد اختلت عند هذه الناجمة التي تعطف أولاً لأقوال الأئمة وتميل إليهم كلما تورطت في نازلة مستحدثة، قبل استئناسها بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، فهي مشغوفة بهؤلاء الأئمة والمجتهدين، كما أنها لا تخفي شغفها بهم، بل ترسله على سجيتها في كل وقت وحين، فهي لا شك صادقة في هذا الحب، كما لا شك عندي أن هؤلاء الأئمة الأعلام جديرون بهذا الهيام، وهذا الكلف، ولكن أيهما أجدر بأن نطرق بابه أولاً حينما تصقعنا نوائب الدهر، وتذهلنا خطوب الأيام، الكتاب الذي لم تعلق به ركاكة، أو دلّ عليه ابتذال، أم من كانوا يصدرون فتاويهم في بطء وأناة وتحفظ خشية الوقوع في الزلل، فيصيبون في موضع، ويخطئون رغم حرصهم في موضع آخر؟ من أجل هذا كله نفهم أيها السادة في غير مشقة، ولا عنت، ضرورة التجديد، ضرورة أن تأخذ الأصول وضعها الذي كانت عليه، وفي هذا الشأن يقول الدكتور الترابي:” وحين ينحجب المسلمون عن حوافز الواقع وتحدياته، تضعف دواعي العودة للأصول المسعفة لمتطلب الهدى، ومهما يكن الترتيب الرسمي لأصول الفقه- الكتاب والسنة والاجتهاد- فإن المعمول به حقيقة لدى المجتمعات الإسلامية التقليدية هو الرجوع أولاً لأقوال أصحاب الحواشي والشروح من محرري الفقه ومدونيه، ثم من خلال ذلك إلي أراء أئمة الاجتهاد، ولا يتجاوز ذلك إلا قليل من العلماء في مواطن الخلاف لينظروا دليل كل رأي من السنة وقليلاً من بعد ما يرجعون إلى القرآن وفيه الاطار الحاكم للشريعة، هكذا قلب الناس سلم الأصول الإسلامية قلباً تاماً، وتباعدوا عن الأصول بسبب تباعدهم عن مشكلات الواقع واستغنائهم بالنقول النظرية. وبذلك أصبح فكرنا معلقاً بين السماء والأرض، أنبت عن منطلقاته في عالم الغيب، وعن أهدافه في عالم الشهادة، وانتهى بذلك إلى الجمود البعيد” انتهى. إذن مبتغى الترابي محاربة هذه النزعة الجامحة التي تحتاج أن ترد إلى شيء من القصد والاعتدال، نزعة الغلو في تبجيل الأئمة التي لا تجد العقول جهداً ولا مشقة في فهمها، وأكبر الظن، بل الحق الذي ليس فيه شك، أن عطاء هؤلاء الأئمة الزاخر هو الذي أغرى الناس بالافتتان بهم، ودفعهم لئلا يخضعون حيناً، أو يخاشنون إلا بهديهم، ولكن ليت شعري كيف نستطيع أن نداوي أنفسنا من لهيب هذا العشق المتقد؟ دون أن نرمى بفرية التنكر والاستخفاف، كيف نتغاضى عن الهبة الربانية التي منحنا إياها السخي الكريم وجعلها قاصرة علينا دون سائر خلقه؟ فعقولنا أيها السادة لا تستطيع أن تستسيغ أن يتغلغل هؤلاء الأئمة رغم إقرارنا لهم بالفضل في قضايانا الطارئة المستجدة، ولماذا نضطر إلى كثير من الموادعة والمصانعة في الإفصاح عن دخيلة أنفسنا؟ أهو الوجل من عنف العواطف، وطغيان الأحاسيس؟ ما الذي يمكن أن أجده أيها الأعز الأكرم في فتاوي شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله عن قضايا الساعة التي يفوق عددها الإحصاء؟ فلو كان حياً كنت سأنعم بفتاويه بالاً، وكنت بلا مراء سأرضى عنها كل الرضاء، وسأوثرها على فتاوي الترابي والقرضاوي وغيرهم ممن حذقوا علم الأصول، وملكوا عناته، ولكن شيخ الإسلام طوته الغبراء، وليس لي أن أعود لمجلداته التي نبغ فيها، فهو حتماً لم يجود فيها بشيء، لأنه لم يعاصر هذه المدلهمات التي أوقعتنا في بيداء الحيرة، وأشرفت بنا على مهاوي الزيغ، إذن لا سبيل أمامي بعد أن نزلت بي جوائح الابتلاء سوي الصبر وتمكين العقل لحل تلك المعضلات التي أخشى من عقابيلها، وأخاف من مغبتها، وهذا بعض ما صدع به الترابي في تجديده، تحرير العقل من إساره، وأحب أن اسأل هؤلاء السادة الذين رموا الشيخ بكل سوءة شنعاء، ومعرة دهماء، أن يتفضلوا فيبينوا لي في كلام واضح العبارة لماذا نشقى بتثقيف هذا العقل، ونتكلف اليسير والعسير من أجل أن يبلغ الكمال وما هو ببالغه؟ لماذا ننفق الساعات الطوال في المدارس والجامعات؟ ونبدد أوقاتنا في قراءة الكتب القيمة، وإعادة قراءتها حتى نستوعب ما احتوته من معارف، وما اشتملت عليه من مضامين؟ إذا كنا في نهاية المطاف وبعد هذا كله نتهيب أن يجاهد أيسر الجهاد، فيوفر لنا الراحة والسرور حينما يصدر في قضايانا العالقة بالقول الفصل، والحل الناجع الذي يشعرنا بالغبطة والسكينة، وفي هذا الصدد يقول الدكتور الترابي في كتابه ” مشكلات التجديد” :” إن مقتضى الدين هو أن نتحرك بذكاء وحكمة وإتقان، لنتخذ من مادة الطبيعة وسيلة لتحقيق أغراض الدين، وكان أولى بنا نحن المسلمين أن نشرع ثورة الاتصالات التكنولوجية الحديثة، لأن العقيدة توحي إلينا، والشريعة تأمرنا أن نتحد ونتواصل ونتآخى ونتعاون، وكيف يصل المسلم أخاه في طرف الأرض الأقصى إذا لم يمد إليه سبباً من الاتصال والموصلات؟ وكان حرياً بنا أن نحقق أمر الدين في إعداد القوة المستطاعة لمجابهة الكفر، وأن يحفزنا الإيمان في ذلك إلي مستوى يترقى كل يوم من الصناعات الحربية بأعلى مما يتوافر لغير المؤمنين الذي لا يحفزهم إلا حمية الحرب، وكان ينبغي علينا وقد أمرنا أن ننشر العلم ليكون كسباً شعبياً لا تتميز به فئة دون الناس من ثورة تطور نظم التعليم وأدواته وأساليبه الفنية، وأن نبلغ في العلوم بكل أنواعها ما لا يبلغ سوانا". انتهى
هذا ما ينبغي أن نتعجله ونلح فيه، بعد أن ننصرف عن صومعة الجمود المقيت، الذي تسبب في ضعف وانهاك هذه الأمة، فلن يتاح لها أن تنهض من كبوتها إلاّ إذا استشعرت عظمة رسالتها، وقصدت أن تنشر عُرف وشذى المحجة البيضاء، التي يجب أن تحرص على صونها من التقوقع، وتتهالك على حمايتها من التقزم والاندثار، فمن السخف كل السخف أن نركن إلي القديم، ونلوذ بحياضه كلما دهتنا داهية تنفصم دونها عرى صبرنا، كما من البلاء الذي لا يدانيه بلاء، ألا نجد متعة للذوق والعقل إلاّ بالغض من أيادي الأقدمين، والادعاء بأن مجهوداتهم القيمة لا تستحق أن نحفل بها، ونطيل عندها الوقوف، نعم يجب أن تظل علاقتنا بهؤلاء البهاليل السادة هادئة مطمئنة، ولكن دون أن نلغي عقولنا، ونشقى بدراسة فتاويهم التي عالجوا بها قضاياهم الآنية في ذلك العهد، أكثر مما شقوا هم بتمحيصها وأذاعتها.
د. الطيب النقر
•
nagar_88@yahoo.com
لعل اليقين الذي لا يخامره شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن قضايا التجديد من الموضوعات التي لن تشوبها أعنة الغفلة، أو تعروها آثار النسيان، فهي باقية ما بقي هذا الزمان، ولن يؤثر في شبابها المتصل كرور الأيام، وتعاقب الحدثان، وتجديد الدكتور الترابي الذي امتحنته الحرب فأحسنت امتحانه في غير ضجيج ولا عجيج، سيظل حياً قادراً على الحياة مهما اعتلت أسواره جحافل الكماة، أو غمرت بواديه سيول البهتان، وأنا مطمئن كل الاطمئنان أن هذا التجديد الذي احتمل في غير ضعف ولا وهن حملات التشويه والإنكار، وتسفيه الرأي والأفكار، قمين بالبقاء والبقاء الطويل، لأنه اشتق مادته، واستخلص معانيه، من معين الدين الخالد، ولأن صاحبه الذي أخذ نفسه بالجهد والدرس والتحصيل حدثنا بأيسر الألفاظ نطقاً، وأوضحها معنى، عن ضرورة التحرر من قيود التقليد، خاصة بعد أن جدت في حياتنا أشياء لم يألفها الناس في غابر العصور، فقد أعرب الترابي عن هذه الطائفة في إفصاح، وصورها في جلاء وسفور، حينما قال في كتابه “الدين والتجديد” ذلك الكتاب الذي تدرك فوائده على غير مؤونة، ولا كد ذهن” عكف فريق من المتدينين على صور التدين في زمن قديم حتى لا يكادون يدركون طروء الجديد، فتراهم يتعامون عنه، ويتسلون عن فتنته الماثلة باستحضار القديم بمقولاته وذكرياته المحفوظة، ويحصرون دينهم الفعلي فيما يتيسر تقليده من الصور السالفة، ويتركون سائر حياتهم سدى، وتحقيق الدين عند هؤلاء قائم بحكم الماضي، ولا يستدعى منهم كسباً مجدداً “.انتهى وأبان الدكتور الترابي في سفره أن هذه الفئة التي اصطفت من الألفاظ أشدها فتكاً، ومن الصور أمضها عنفاً، لمحاربة تجديده، أن الموازين قد اختلت عند هذه الناجمة التي تعطف أولاً لأقوال الأئمة وتميل إليهم كلما تورطت في نازلة مستحدثة، قبل استئناسها بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، فهي مشغوفة بهؤلاء الأئمة والمجتهدين، كما أنها لا تخفي شغفها بهم، بل ترسله على سجيتها في كل وقت وحين، فهي لا شك صادقة في هذا الحب، كما لا شك عندي أن هؤلاء الأئمة الأعلام جديرون بهذا الهيام، وهذا الكلف، ولكن أيهما أجدر بأن نطرق بابه أولاً حينما تصقعنا نوائب الدهر، وتذهلنا خطوب الأيام، الكتاب الذي لم تعلق به ركاكة، أو دلّ عليه ابتذال، أم من كانوا يصدرون فتاويهم في بطء وأناة وتحفظ خشية الوقوع في الزلل، فيصيبون في موضع، ويخطئون رغم حرصهم في موضع آخر؟ من أجل هذا كله نفهم أيها السادة في غير مشقة، ولا عنت، ضرورة التجديد، ضرورة أن تأخذ الأصول وضعها الذي كانت عليه، وفي هذا الشأن يقول الدكتور الترابي:” وحين ينحجب المسلمون عن حوافز الواقع وتحدياته، تضعف دواعي العودة للأصول المسعفة لمتطلب الهدى، ومهما يكن الترتيب الرسمي لأصول الفقه- الكتاب والسنة والاجتهاد- فإن المعمول به حقيقة لدى المجتمعات الإسلامية التقليدية هو الرجوع أولاً لأقوال أصحاب الحواشي والشروح من محرري الفقه ومدونيه، ثم من خلال ذلك إلي أراء أئمة الاجتهاد، ولا يتجاوز ذلك إلا قليل من العلماء في مواطن الخلاف لينظروا دليل كل رأي من السنة وقليلاً من بعد ما يرجعون إلى القرآن وفيه الاطار الحاكم للشريعة، هكذا قلب الناس سلم الأصول الإسلامية قلباً تاماً، وتباعدوا عن الأصول بسبب تباعدهم عن مشكلات الواقع واستغنائهم بالنقول النظرية. وبذلك أصبح فكرنا معلقاً بين السماء والأرض، أنبت عن منطلقاته في عالم الغيب، وعن أهدافه في عالم الشهادة، وانتهى بذلك إلى الجمود البعيد” انتهى. إذن مبتغى الترابي محاربة هذه النزعة الجامحة التي تحتاج أن ترد إلى شيء من القصد والاعتدال، نزعة الغلو في تبجيل الأئمة التي لا تجد العقول جهداً ولا مشقة في فهمها، وأكبر الظن، بل الحق الذي ليس فيه شك، أن عطاء هؤلاء الأئمة الزاخر هو الذي أغرى الناس بالافتتان بهم، ودفعهم لئلا يخضعون حيناً، أو يخاشنون إلا بهديهم، ولكن ليت شعري كيف نستطيع أن نداوي أنفسنا من لهيب هذا العشق المتقد؟ دون أن نرمى بفرية التنكر والاستخفاف، كيف نتغاضى عن الهبة الربانية التي منحنا إياها السخي الكريم وجعلها قاصرة علينا دون سائر خلقه؟ فعقولنا أيها السادة لا تستطيع أن تستسيغ أن يتغلغل هؤلاء الأئمة رغم إقرارنا لهم بالفضل في قضايانا الطارئة المستجدة، ولماذا نضطر إلى كثير من الموادعة والمصانعة في الإفصاح عن دخيلة أنفسنا؟ أهو الوجل من عنف العواطف، وطغيان الأحاسيس؟ ما الذي يمكن أن أجده أيها الأعز الأكرم في فتاوي شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله عن قضايا الساعة التي يفوق عددها الإحصاء؟ فلو كان حياً كنت سأنعم بفتاويه بالاً، وكنت بلا مراء سأرضى عنها كل الرضاء، وسأوثرها على فتاوي الترابي والقرضاوي وغيرهم ممن حذقوا علم الأصول، وملكوا عناته، ولكن شيخ الإسلام طوته الغبراء، وليس لي أن أعود لمجلداته التي نبغ فيها، فهو حتماً لم يجود فيها بشيء، لأنه لم يعاصر هذه المدلهمات التي أوقعتنا في بيداء الحيرة، وأشرفت بنا على مهاوي الزيغ، إذن لا سبيل أمامي بعد أن نزلت بي جوائح الابتلاء سوي الصبر وتمكين العقل لحل تلك المعضلات التي أخشى من عقابيلها، وأخاف من مغبتها، وهذا بعض ما صدع به الترابي في تجديده، تحرير العقل من إساره، وأحب أن اسأل هؤلاء السادة الذين رموا الشيخ بكل سوءة شنعاء، ومعرة دهماء، أن يتفضلوا فيبينوا لي في كلام واضح العبارة لماذا نشقى بتثقيف هذا العقل، ونتكلف اليسير والعسير من أجل أن يبلغ الكمال وما هو ببالغه؟ لماذا ننفق الساعات الطوال في المدارس والجامعات؟ ونبدد أوقاتنا في قراءة الكتب القيمة، وإعادة قراءتها حتى نستوعب ما احتوته من معارف، وما اشتملت عليه من مضامين؟ إذا كنا في نهاية المطاف وبعد هذا كله نتهيب أن يجاهد أيسر الجهاد، فيوفر لنا الراحة والسرور حينما يصدر في قضايانا العالقة بالقول الفصل، والحل الناجع الذي يشعرنا بالغبطة والسكينة، وفي هذا الصدد يقول الدكتور الترابي في كتابه ” مشكلات التجديد” :” إن مقتضى الدين هو أن نتحرك بذكاء وحكمة وإتقان، لنتخذ من مادة الطبيعة وسيلة لتحقيق أغراض الدين، وكان أولى بنا نحن المسلمين أن نشرع ثورة الاتصالات التكنولوجية الحديثة، لأن العقيدة توحي إلينا، والشريعة تأمرنا أن نتحد ونتواصل ونتآخى ونتعاون، وكيف يصل المسلم أخاه في طرف الأرض الأقصى إذا لم يمد إليه سبباً من الاتصال والموصلات؟ وكان حرياً بنا أن نحقق أمر الدين في إعداد القوة المستطاعة لمجابهة الكفر، وأن يحفزنا الإيمان في ذلك إلي مستوى يترقى كل يوم من الصناعات الحربية بأعلى مما يتوافر لغير المؤمنين الذي لا يحفزهم إلا حمية الحرب، وكان ينبغي علينا وقد أمرنا أن ننشر العلم ليكون كسباً شعبياً لا تتميز به فئة دون الناس من ثورة تطور نظم التعليم وأدواته وأساليبه الفنية، وأن نبلغ في العلوم بكل أنواعها ما لا يبلغ سوانا". انتهى
هذا ما ينبغي أن نتعجله ونلح فيه، بعد أن ننصرف عن صومعة الجمود المقيت، الذي تسبب في ضعف وانهاك هذه الأمة، فلن يتاح لها أن تنهض من كبوتها إلاّ إذا استشعرت عظمة رسالتها، وقصدت أن تنشر عُرف وشذى المحجة البيضاء، التي يجب أن تحرص على صونها من التقوقع، وتتهالك على حمايتها من التقزم والاندثار، فمن السخف كل السخف أن نركن إلي القديم، ونلوذ بحياضه كلما دهتنا داهية تنفصم دونها عرى صبرنا، كما من البلاء الذي لا يدانيه بلاء، ألا نجد متعة للذوق والعقل إلاّ بالغض من أيادي الأقدمين، والادعاء بأن مجهوداتهم القيمة لا تستحق أن نحفل بها، ونطيل عندها الوقوف، نعم يجب أن تظل علاقتنا بهؤلاء البهاليل السادة هادئة مطمئنة، ولكن دون أن نلغي عقولنا، ونشقى بدراسة فتاويهم التي عالجوا بها قضاياهم الآنية في ذلك العهد، أكثر مما شقوا هم بتمحيصها وأذاعتها.
د. الطيب النقر
•
nagar_88@yahoo.com