التسوية وحقائق اجتماعات الغرف المغلقة

 


 

 

عندما اشتد الخلاف بين المكون العسكري و قوى الحرية و التغيير قبل توقيع الوثيقة الدستورية بدأت اجتماعات سرية في الغرف المغلقة يقودها رجال اعمال سودانيين لتقريب وجهات النظر بين المجموعتين العسكرية و المدنية، و استطاع رجال الأعمال أن يعقدوا اجتماعات مشتركة بين عسكريين و قيادات مدنية الهدف منها كان كسب العناصر المرنة التي تستطيع التأثير في بقية القيادات الأخرى. و بعد الانقلاب أيضا تحرك رجال الاعمال بهدف الرجوع للشراكة و تعديل الوثيقة الدستورية، لكنهم لم يوفقوا في مسعاهم، و استطاعوا أن يقنعوا حمدوك بتوقيع الاتفاق تدعمهم بعض القيادات في قوى الحرية و التغيير، لكن فشل المسعى بسبب تمسك الشارع برفض الشراكة و تسليم السلطة للمدنيين، و أيضا حاول رجال الأعمال أن يحركوا بعض المبادرات إذا كانت من الجامعات أو مبادرات أخرى بهدف كسر الجمود السياسي في الساحة السياسية. و عندما بدأت اللجنة الثلاثية في السماع لوجهات نظر القوى السياسية حول رؤيتها لحل المشكل السياسي، و أصبحت القوى المدنية تعاني من انقسامات شل قدرتها على التفكير الصحيح، بدأ المجتمع الدولي يتحرك بين الأطراف لرأب الصدع بينها، و كان اللقاء بين قوى الحرية و المكون العسكري في بيت السفير السعودي بحضور أمريكي، و لم يسفر اللقاء عن حل للمشكل. ثم جاء اللقاء الثاني لم يسفر عن شيء، ثم اللقاء مع مجموعة الميثاق، و جميعها تهدف لتقريب وجهات النظر.
كانت اللجنة الثلاثية مدعومة من قبل المجتمع الدولي تبحث عن واجهة وطنية تستطيع أن تحدث أختراقا في الأزمة السياسية، و تقنع المجموعات المتصارعة للجلوس للحوار و التوافق من أجل الوصول لاتفاق لإدارة الفترة الانتقالية، و التي يجب أن تكون قصيرة المدة و دخول البلاد في انتخابات عامة، لذلك جاءت فكرة مبادرة أم ضوا بان للشيخ الطيب الجد، المبادرة في البداية لم تكن فكرة المؤتمر الوطني، و لا القوى التي كانت المشاركة في الإنقاذ، و لكن بعد هرولت عناصر النظام و قيادات القوى التي كانت مشاركة في النظام للمبادرة، أصبحت المبادرة لا تستطيع أن تخدم عملية الحوار السياسي بسبب مقاطعة قوى الحرية و التغيير بشقيها، و أيضا الحزب الشيوعي و لجان المقاومة، و لكن أصبحت الرؤية أن تكون المبادرة تجميع لقوى سياسية تقدم من خلالها رؤية للحل. و الملاحظ في الجلسة الافتتاحية حضور عبد الرحمن الصادق المهدي من حزب الأمة و أحمد سعد عمر من الحزب الاتحادي الأصل. لكنهما لم يواصلا الحضور بعد تلك الجلسة. و أصبحت المبادرة تمثل قوى بعينها دون الأخرين.
ضغط المجتمع الدولى على المكون العسكري لكي يتخذ هو نفسه مبادرة تهدف إلي فتح الطريق للحل، لذلك كان استقبال البرهان رئيس مجلس السيادة و قائد الانقلاب عدد من من أعضاء السلك الدبلماسي، خاصة من دول " أمريكا و السعودية و الترويكة الأوروبية" و هذه اللقاءات هي التي اسفرت بخروج العسكر عن الحوار السياسي، و جعل الحوار قاصرا فقط على القوى المدنية. لكن المشكل أن القوى المدنية نفسها هي منقسمة على نفسها، و ترفض أي حوار بينها. هنا تدخل رجال الأعمال مرة أخرى لتقريب وجهات النظر. حيث أصبح رجال الأعمال أداة للعب دور في تقريب وجهات النظر بين المدنيين. و عقد لقاء حواري بين قوى الحرية المركزي و التوافق الوطني في منزل رجل الأعمال النفيدي، و قدمت القيادات السياسية تنازلات بهدف الوصول لاتفاق يمهد الطريق للحل، لكن كيف يتم ذلك في ظل الخلاف الحاد بين المجموعتين، لذلك جاءت فكرة ورشة للدستور الانتقالي التي أقامتها اللجنة التسيرية لنقابة المحاميين، باعتبارها مؤسسة مقبولة من قبل الجميع، و أيضا مقبولة من قطاع واسع من الشعب، و الورشة هي التي تقدم الدعوة للقوى السياسية ماعدا المؤتمر الوطني، و من خلال الورشة تستطيع القوى السياسية أن تدير حوارها السياسي، و تكون مخرجات الورشة هو البرنامج الذي يؤسس لعملية التوافق بين القوى السياسية. و أن القوى السياسية التي تحضر الورشة و تشارك في النقاش هي التي تخلق التحالف السياسي الجديد.
أن القوى السياسية التي حضرت الورشة متفقة بعدم الرجوع للشراكة مع العسكر، إلي جانب أنها أتفقت أن يكون هناك اتفاقا سياسيا بينها دون فرض أي شروط من قبل أي مكون. و ليس هناك مانعا أن تكمل مجموعة الميثاق مشروعها السياسي و تنشره للحوار ، و أيضا أن تصدر مجموعة المركزي ميثاقها، و يتم طرح الميثاقين للحوار لتقريب وجهات النظر بينهما، لكن في هذه الفترة يجب تخفيف حدة الخطاب السياسي و التراشق الأعلامي، بل أن يصبح الخطاب السياسي أكثر مرونة بهدف نجاح المبادرة، و من هنا بدأ الخطاب السياسي يكون أكثر مرونة و هدوء من السابق. و لكي تضمن عملية توسيع قاعدة المشاركة أصبح هناك قبولا للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، و أيضا لحزب المؤتمر الشعبي و عدد من القوى الأخرى التي شاركت في حوار ورشة الدستور الانتقالي.
المؤكد منه تماما أن المجتمع الدولي يراهن على أن تضم أي تسوية قوى الحرية و التغيير مجتمعة، إلي جانب لجان المقاومة، و هؤلاء هم الذين يشكلون القاعدة الأساسية لعملية التسوية السياسية المقبلة، باعتبار أن الحزب الشيوعي يريد حلولا جذرية، و لا يرغب في أي حل سياسي يجمعه مع القوى الأخرى. كما أن الحزب الشيوعي في ظل هذه الأزمة يريد أن يجعلها أداة لاستقطاب بعض الشباب في لجان المقاومة لكي يستعد لفترة معارضة لما بعد الفترة الانتقالية. و التسوية السياسية المقبلة لن تضم العسكر و لا عناصر المؤتمر الوطني، بل تضم كل القوى المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي في البلاد.
و استطاعت عناصر من رجال الأعمال السودانيين أن تلعب دورا مهما جدا في ردم الهوة بين المدنيين، و استطاعوا من خلال اللقاءات في الغرف المغلقة أن يديروا العملية السياسية بهدوء كامل بعيدا عن السابلة و البصاصين، و يعتقد بعض من هؤلاء أن الديمقراطية لا تؤسس بالشروط التي تحاول بعض القوى السياسية فرضها على الأخرين، بل تحتاج للمرونة من أجل الوصول لتوافق وطني، و أيضا من أجل توسيع أكبر قاعدة للمشاركة الاجتماعية حماية للديمقراطية. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////////////

 

آراء