وزيرا المالية والمعادن…تحت قصف نيران الإعلام..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

يكاد يكون وزير مالية حكومة الإنقلاب الأسوأ حظاً من بين الوزراء الذين تعاقبوا على هذه الحقيبة المحورية، فقد ولج الوزارة من مدخل بوابة اتفاق سياسي بين حركته التي كانت متمردة وبين الحكومة الانتقالية، في صفقة مفضوحة كشف عنها أحد أبطالها بصريح القول والعبارة غير المواربة - (لدينا اتفاق آخر غير هذا المُعلن قد تم بيننا وبين العسكريين وقعنا عليه من تحت الطاولة) أو كما قال. الورطة الكبرى التي أدخل وزير المالية نفسه فيها هي مناصرته للإنقلاب الذي وأد تجربة الانتقال في مهدها، وهذا بالضرورة يقدح في ذمته الوطنية كرجل قاد حرباً شعواء ضد نظام باطش كان يمارس ذات الفساد وينتهج نفس المنهاج المجافي لقيم الثورة والنضال والكفاحين المسلح والمدني، فالطامّة الكبرى وقعت بعدما تسرّب مستند من مكتبه يؤكد إعفاء ابن شقيقه من بعض الرسوم الجمركية، وثالثة الأثافي أنه قد برر لهذا العمل غير الطيب بتبريرات فطيرة لا ترقى لمستوى رجل بقامة هذه الوزارة الاستراتيجية، حتى أن أحد مستشاريه فقد السيطرة على أعصابه في مواجهة سؤال طرحه عليه أحد الإعلاميين في هذا الخصوص، فلم يجد ملجأً غير استصغار ذلك الإعلامي القدير ووصفه بالصغير الذي لا يجب أن يصف (كبير) مثل وزير المالية بــ(المتخبط)، إنّ (التخبط) الذي يسلكه هذا (الكبير) سوف يضعه في مواجهة مع منصات الإعلام الرسمي والشعبي، إذا لم يحسب لهذه السلطة الرابعة حساب.
أما وزير المعادن وهو يهم لشد رحاله من مكان إقامته إلى قاعة ذلك المؤتمر المنعقد باستراليا، إذا به يواجه بامرأة متظاهرة تهتف محتجة في وجهه فيتوعدها بالويل والثبور وكبائر الأمور، وبالضرب المبرح إن هي فعلت ذلك في بلدها الأصل (السودان)، يبدو أن وزراء الحرب الذين جاء بهم اتفاق جوبا المشؤوم ما يزالون يمتشقون السلاح ويسلكون سلوك الغاب، لقد فاقوا وزراء النظام البائد بمراحل ودرجات متقدمة في الشطط والذلل والاستهتار بسطوة الآلة الإعلامية، فالمسؤول الحكومي الذي لا يعير بالاً للدور المتعاظم الذي يلعبه الإعلام يكون قد سعى لحتفه بظلفه، فمثل هذا السلوك الذي أظهره مستشار وزير المالية وذلك العنف اللفظي الصادر من وزير المعادن ينم عن تأصل وتجذر عميق لثقافة الحرب في نفسيهما، وهذا يتجافى مع أدبيات الثورة الحادبة على ترسيخ معاني الحرية والسلام والعدالة، فلا يجب أن يغتر السادة أنصار الإنقلاب بما هم عليه من جاه وسلطان مؤقت، فلقد دانت لفرعونهم الأكبر - البشير- من قبل دنيا المال والسلطة فلم يشفع له كل ذلك عندما أزفت الآزفة، وعلى ذكر هذه المناسبة، أين ذلك المؤتمرجي المتنطع الذي هدد السودانيين بقطع الرؤوس وتفاخر بطباعة النقود الزائفة؟، أيضاً خبّروني عن حال نائب الدكتاتور المدّعي بأن بينهم وبين الله خط للاتصال ساخن، إنّ واحدة من مشكلات الكثيرين من بني جلدتنا أنهم حين يجلسون على الكرسي المناط به خدمة أهاليهم يتكبرون.
لقد طفح الكيل ببنات وابناء الشعب السوداني وهن وهم يستقبلن ويستقبلون استفزازات وزراء الانقلاب، فيمتصون ذلك الاستفزاز بكل صبر وأناة. ما الذي حل بأمة الأمجاد؟، لقد تفاءل الناس خيراً بخطابات الدكتور عبدالله آدم حمدوك المهذّبة والنبيلة والجميلة، وأحسنوا الظن بأنفسهم وبالمرحلة وتفاءلوا خيراً، وتهيأ لهم أنهم قد تجاوزوا عهد (اللّمبي) وجوقته المعتوهة، إلّا أن الإنقلاب الأخير أعاد العجلة للوراء واستنسخ ذات الشخصيات الكاريكاتورية الانقاذية التي كانت مثيرة للضحك والسخرية والتهكم، إنّه سكون الانحطاط الأخلاقي والتردي الاقتصادي الذي دائماً يسبق عاصفة النهضة والطفرة الحضارية القادمة، فمن الضروري أن يجتمع البيض الفاسد في سلة واحدة، ولا يستقيم عقلاً أن تذهب الانقاذ هكذا بكل السلاسة والسذاجة التي يعتقد فيها البعض، فالنظام البائد بكل أحماله وأثقاله لن يباد كلياً إلّا بعد أن يمر بمرحلة الغربلة والاعتصار، حتى تخرج الشوائب ويذهب الزبد جفاء ثم يبقى ما ينفع السودانيين، فتمظهرات بؤس الخطاب السياسي لدى الإنقلابيين لا يخرج عن كونه ترجمة عملية وعلمية للمرحلة الأخيرة لخروج (الأذى)، وكما يعلم جميعكم أن هذه المرحلة الأخيرة التي تؤديها الوظائف الحيوية لأي كائن بيولوجي، بها من الألم والمخاض العسير ما بها، فما علينا إلّا أن نرفع الأكف بالدعاء ونقول: أللهم أخرج عن الشعب السوداني الأذى وعافه فأنك أنت الشافي وأنت المعافي.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
10 سبتمبر 2022
//////////////////////////

 

آراء