كيركيجارد وسارتر: الألوهيَّة والعدم: خُلاصَةٌ بليغة
رئيس التحرير: طارق الجزولي
16 October, 2022
16 October, 2022
ترجمة: إبراهيم جعفر
هنا خُلاصةٌ بليغةٌ لمُقابَلَةٍ مُمْكِنَةٍ فيما بين مفهوم سورين كيركيجارد للذَّاتيَّة ووجهة نظر جان بول سارتر بشأنِ سُوء الطَّوِيَّةْ. وسِمْتُ تلك المُقابلة هو أنَّهُ فيما يُؤَكِّدُ ذاك المفهوم ووجهة النَّظر تلك، معاً، ضرورة كينُونةِ الفرديَّةُ الفريدة (أي الفرديَّةُ الأصيلة) هما يختلفان، مع ذلك، حول ما يجب أن يتأسَّسَ عليهِ ووفقَهُ، بصورةٍ جوهريَّة، توصيف تلك الفرديَّةُ الفريدة من النَّاحية. وتنحو فلسفة جان بول سارتر، في هذا السِّياق، إلى استخدام ما تًفهَمُهُ على أنَّهُ مدخلٌ فينومينولوجِيٌّ-أنطولوجِيٌّ إلى "الحقيقة" أو "الواقع". كما هي ترى، وفق ذلك المنظور، أن الفينومينولوجي، كما "يُفهم" من قِبلِ إدموند هوسرل و- خاصَّةً- من قِبلِ مارتن هايدقر، هو "العلم الوحيد" الذي يُمكن أن تُؤَسَّس الفلسفة، على قاعدتِهِ، أنماطها الخاصَّة بالتَّجربة الإنسانيَّة. غير أنَّ تلك الفلسفة تبدأ، على كُلِّ حالٍ، تَفَلْسُفِهَا من عِندَ النُّقطة النِّهائيَّة لما تفترضُ هي أنَّهُ هو تجربة اللَّا تَجَذُر الإنسانيَّة القاعديَّة الأساسيَّة التي يُشيرُ إليها سارتر باسم "العدم القطعِي categorical nothingness" الذي هو، بالنِّسبَةِ له، جذر وأُسِّ الوعي الإنساني والنَّفس الإنسانيَّة.
ذلكم فيما يبدأ سورين كيركيجارد، على عكس جون بول سارتر، بحثَهُ عن الفرديَّة الفريدة من الضرورة الخالصة لتجربة الوحدة/العُزلة التي يَتَصَوَّرُ هو أنَّها، في المقام الأول، تجربة دينية في أساسِهَا.
يتفق كيركيجارد وسارتر، إذاً، فقط في منظورهما الوُجُودِيِّ العريض والعام جِدَّاً تجاه "المشاكل" الفلسفيَّة التي هما يتأملانها. أعني بذلك أنَّهما، معاً، يبدآن تفكيرهما من عالم الذات الفرديَّة الإنسانيَّة الحَي، غير أنَّهُما يفترقان، بالتَّأكيد، في رؤيةِ كُلٍّ منهما بشأنِ صيغةِ ومحتوى ومعنى (معانِي) التَّجربة الوجوديَّة-العينيَّة الأساسية لتلك الذَّاتيَّة.
ذلكم يعني، فيما يعني، أنَّ "ذاتيَّة" جان بول سارتر تتأسَّسُ، في جذرها، على تجربةٍ عدميَّةٍ نافيةِ يسمِّيهَا سارتر تجربة العدم الأساسي في الوجود، الشِّيءُ الذي يُجعلُهُ، بحسبي، فيلسوفاً عدميَّاً بامتياز (في الواقع هو يقول بجلاءٍ، في بعضِ كتاباتِهِ، إن فلسفتَهُ ليست هي بشيءٍ سوى محاولةٍ لاستخلاص النتائج القصوى لموقفٍ إلحادِيٍّ مُتَّسِقٍ مع ذاتِهِ ومُتماسك).
لكنَّ ذاتيَّة سورين كيركيجارد تُبرزُ وتُوكِّدُ، عِند طرفِ ومُسَتوَىْ منظُور تناويع ألوان التَّجربة الوجوديَّة-الكينونيَّة الآخر، مسألة وقضيَّة تحرير الذات الإنسانيَّة الفرديَّة من تجربة عُزلتِهَا العارية خَلَلَ اختيارها الشَّخصِيِّ (بالمعنى العينِي الخاص الذي يكن وفقه ذاكَ الاختيار مقبًولاً طوعَاً بِجِمَاعِ، أو، بالأحرى، في جُواءِ جِماعِ، كينُونةِ تلك الذَّات المعنيَّة هنا) لما يُسمِّيها سورين كيركيجارد القفزة-الوثبَة إلى داخل "المجهول"، إلى عُمْقِ ما هو إلهي.
تلك الجُّملة الموجزة جِدَّاً بشأن سورين كيركيجارد تَقترح أيضاً، في رأيي، عِندَ مستوى آخر أعمق، أنَّ ثمة "استخدامٍ"، في هذا المُتَّصَل، يُمكِنُ أن يُجعَلَ من فلسفة هنري بيرقسون Henry Bergson وذلكُم من حيثُ الكيفيَّة التي تتصل وفقها تلك الفلسفة بـ"المسيحيَّة الكيركيجارديَّة الشَّخصيَّة". أنا لديَّ استبصارٌ بأنَّه بالوُسعِ رؤيةَ فلسفة سورين كيركيجار، من عِندَ زاويةٍ مُعيَّنَةٍ، على أنَّهَّا مَوجَةٌ ذاتَ دفعٍ عظيمٍ على سبيل الخطِّ البحريِّ الصُّوفِيِّ الذي تُشِكُّلُ فِكرةُ النِّشُوء والارتقاء الخلاق البيرقسونيَّة Bergsonian موجةً من موجاتِهِ (ذلك باعتبارِها موجةً عِندَ الخطِّ البحريِّ الصُّوفِيِّ العريض الذي يُشيرُ إليه هنري بيرقسون، عمُومَاً، باسم "الدِّين الديناميكِّي").
مع إلقاءِ هذا الضُّوء الجَّديد على فلسفة سورين كيركيجارد يغدو بِالوُسْعِ التَّمتين الأبعد لتَضَادِّها مع فلسفة جان بول سارتر. هذا يعني أن فلسفة سارتر تُضحِي، من عِندَ ذلكَ المنظور، كائنةً عِندَ الحَدِّ الأقصى الآخر لما يُسمِّيهِ هنري بيرقسون "الدِّين الدِّيناميكي". عليه قد يكن من المُناسب، والحال كذلك، رؤيةَ تلك الفلسفةِ مُنْشِئَةً لشكلٍ مُعيَّنٍ لما قد يُمكن وصفه باسم "العدميَّة الدِّيناميكيَّة" (أو، إن تشاؤون، "العدميَّة الدِّيالكتيكيَّة ذاتَ الصِّبغة الوُجُودِيَّة"). بكلماتٍ أُخَرَياتْ، ستربِطُ تجربة سورين كيركيجارد الوُجُودِّيَّة التي هي، وفقَهُ، تجربة العُزلة (التي قد فهمنا منه أنها أساساً تُشكِّلُ تجربةً دينيَّة)، في تلكَ الحالةِ، فِكرَهُ مع التقليد الدِّيناميكي (أي الدِّيالكتيكي) للدِّين الذي يقذفُ بعيداً عن يديهِ أوهام الجَّمعيَّة و"الاجتماعيَّة" الزَّائفة في الممارسة الدِّينيَّة التي تُرى حينذاكَ على أنَّها فقط شأنُ إيمانٍ فردِيٍّ وتأويلٍ فَردِيٍّ للفكر الدِّينِي... من المثير للاهتمام هنا ملاحظةُ أن الصُّوفِيَّ المُسلم السَّهْرَوَرْدِي قال، ذاتَ مرَّةٍ، إنَّه على الفردِ الإنسانِي قراءة القرآن كأنَّ رسالتُهُ قد أُظْهِرت على الأرض (أو "أُنزِلَتْ" عليها) خِصِّيصَاً لنفسِهِ/نفسها وحدَهُ/وحدها. إن استبصار/حدس السَّهْرَوَرْدِيِّ هذا هو، في الحَقِّ، تَصَوُّرٌ وُجُودِيٌّ للدِّين وإنَّهُ لَمِنْ هُنَا ينطوي الاستبصار/الحدس إيَّاهُ على قرابةٍ شديدةٍ مع ميُول اتجاهات، و/أو لونيَّة، فكر وفلسفة سورين كيركيجارد.
من جهةٍ أخرى تضعُ تجربة جان بول سارتر الوجُوديَّة الرَّئيسة، التي يصفها هو باسم تجربة "العدم الأصلي" (التي يُعرِّفُها هو أساسَاً بأنَّها تُشكِّلُ، أو تنطوي على، تجربةً إلحاديَّة)، في داخلِ مجالٍ قد أفهمُ أنا أنَّهُ يُشكِّلُ ضربَاً من العدم، ديالكتيكيَّاً وذا سمتٍ وُجُوديٍّ. ذلكُم مُؤَدَّاهُ، بعبارةٍ أخرى، أنَّ طِرَازَ إلحادِ سارتر يُشكِّلُ طِرَازَاً وجُودياً-ديالكتيكيَّاً من الإلحاد طالما هو يبدأ من وعيٍ فردِيٍّ يُفترَضُ جان بول سارتر أنَّهُ يسعى دومَاً نحو تجاوز "عدمِهِ" الخاص (الذي يفترضُ جان بول سارتر أنَّهُ هو ذاتِ نمطُ كينونتهِ الجَّوهري) حتَّى يغدُو وعياً بشيءٍ ما أو آخرٍ، ذلكَ سيَّمَا وأنَّ الوعي، بحسب فهم جان بول سارتر لاستبصار إدموند هوسرل Edmund Husserl بشأنِ قَصْدِيَّة الوعي الإنسانِي، ينبغي عليهِ دومَاً أن يُوجَدَ في حالةِ كونِهِ وعيَاً بشيءٍ ما أو آخرْ.
[كُتِبَ أوَّلاً في الساعة 3:45 ظهراً، الأربعاء، 23/12/1987م، وعِندَ الساعة 3:45 ظهراً، الأربعاء، 25 ديسمبر، 1987م- تمَّت مراجعته في يوم الجُّمعة، 16 مارس، 2007م].
هامش:
* نُشرَ هذا المقال ضِمنَ كتابٍ لي، باللغة الإنجليزية، بعنوانA Saint & a Goose and Other Writings [A Collection of Reviewing Essays & Reflections]
صدر عن دار نُور للطباعة والنَّشر، 03 أغسطس، 2017. أنظر: A Saint & a Goose and Other Writings / 978-3-330-97675-7 / 9783330976757 / 3330976756 (noor-publishing.com)
[اكتملت هذه التَّرجمة في ظهر يوم الأربعاء، 20 يوليو، 2022م].
khalifa618@yahoo.co.uk
/////////////////////////////////
هنا خُلاصةٌ بليغةٌ لمُقابَلَةٍ مُمْكِنَةٍ فيما بين مفهوم سورين كيركيجارد للذَّاتيَّة ووجهة نظر جان بول سارتر بشأنِ سُوء الطَّوِيَّةْ. وسِمْتُ تلك المُقابلة هو أنَّهُ فيما يُؤَكِّدُ ذاك المفهوم ووجهة النَّظر تلك، معاً، ضرورة كينُونةِ الفرديَّةُ الفريدة (أي الفرديَّةُ الأصيلة) هما يختلفان، مع ذلك، حول ما يجب أن يتأسَّسَ عليهِ ووفقَهُ، بصورةٍ جوهريَّة، توصيف تلك الفرديَّةُ الفريدة من النَّاحية. وتنحو فلسفة جان بول سارتر، في هذا السِّياق، إلى استخدام ما تًفهَمُهُ على أنَّهُ مدخلٌ فينومينولوجِيٌّ-أنطولوجِيٌّ إلى "الحقيقة" أو "الواقع". كما هي ترى، وفق ذلك المنظور، أن الفينومينولوجي، كما "يُفهم" من قِبلِ إدموند هوسرل و- خاصَّةً- من قِبلِ مارتن هايدقر، هو "العلم الوحيد" الذي يُمكن أن تُؤَسَّس الفلسفة، على قاعدتِهِ، أنماطها الخاصَّة بالتَّجربة الإنسانيَّة. غير أنَّ تلك الفلسفة تبدأ، على كُلِّ حالٍ، تَفَلْسُفِهَا من عِندَ النُّقطة النِّهائيَّة لما تفترضُ هي أنَّهُ هو تجربة اللَّا تَجَذُر الإنسانيَّة القاعديَّة الأساسيَّة التي يُشيرُ إليها سارتر باسم "العدم القطعِي categorical nothingness" الذي هو، بالنِّسبَةِ له، جذر وأُسِّ الوعي الإنساني والنَّفس الإنسانيَّة.
ذلكم فيما يبدأ سورين كيركيجارد، على عكس جون بول سارتر، بحثَهُ عن الفرديَّة الفريدة من الضرورة الخالصة لتجربة الوحدة/العُزلة التي يَتَصَوَّرُ هو أنَّها، في المقام الأول، تجربة دينية في أساسِهَا.
يتفق كيركيجارد وسارتر، إذاً، فقط في منظورهما الوُجُودِيِّ العريض والعام جِدَّاً تجاه "المشاكل" الفلسفيَّة التي هما يتأملانها. أعني بذلك أنَّهما، معاً، يبدآن تفكيرهما من عالم الذات الفرديَّة الإنسانيَّة الحَي، غير أنَّهُما يفترقان، بالتَّأكيد، في رؤيةِ كُلٍّ منهما بشأنِ صيغةِ ومحتوى ومعنى (معانِي) التَّجربة الوجوديَّة-العينيَّة الأساسية لتلك الذَّاتيَّة.
ذلكم يعني، فيما يعني، أنَّ "ذاتيَّة" جان بول سارتر تتأسَّسُ، في جذرها، على تجربةٍ عدميَّةٍ نافيةِ يسمِّيهَا سارتر تجربة العدم الأساسي في الوجود، الشِّيءُ الذي يُجعلُهُ، بحسبي، فيلسوفاً عدميَّاً بامتياز (في الواقع هو يقول بجلاءٍ، في بعضِ كتاباتِهِ، إن فلسفتَهُ ليست هي بشيءٍ سوى محاولةٍ لاستخلاص النتائج القصوى لموقفٍ إلحادِيٍّ مُتَّسِقٍ مع ذاتِهِ ومُتماسك).
لكنَّ ذاتيَّة سورين كيركيجارد تُبرزُ وتُوكِّدُ، عِند طرفِ ومُسَتوَىْ منظُور تناويع ألوان التَّجربة الوجوديَّة-الكينونيَّة الآخر، مسألة وقضيَّة تحرير الذات الإنسانيَّة الفرديَّة من تجربة عُزلتِهَا العارية خَلَلَ اختيارها الشَّخصِيِّ (بالمعنى العينِي الخاص الذي يكن وفقه ذاكَ الاختيار مقبًولاً طوعَاً بِجِمَاعِ، أو، بالأحرى، في جُواءِ جِماعِ، كينُونةِ تلك الذَّات المعنيَّة هنا) لما يُسمِّيها سورين كيركيجارد القفزة-الوثبَة إلى داخل "المجهول"، إلى عُمْقِ ما هو إلهي.
تلك الجُّملة الموجزة جِدَّاً بشأن سورين كيركيجارد تَقترح أيضاً، في رأيي، عِندَ مستوى آخر أعمق، أنَّ ثمة "استخدامٍ"، في هذا المُتَّصَل، يُمكِنُ أن يُجعَلَ من فلسفة هنري بيرقسون Henry Bergson وذلكُم من حيثُ الكيفيَّة التي تتصل وفقها تلك الفلسفة بـ"المسيحيَّة الكيركيجارديَّة الشَّخصيَّة". أنا لديَّ استبصارٌ بأنَّه بالوُسعِ رؤيةَ فلسفة سورين كيركيجار، من عِندَ زاويةٍ مُعيَّنَةٍ، على أنَّهَّا مَوجَةٌ ذاتَ دفعٍ عظيمٍ على سبيل الخطِّ البحريِّ الصُّوفِيِّ الذي تُشِكُّلُ فِكرةُ النِّشُوء والارتقاء الخلاق البيرقسونيَّة Bergsonian موجةً من موجاتِهِ (ذلك باعتبارِها موجةً عِندَ الخطِّ البحريِّ الصُّوفِيِّ العريض الذي يُشيرُ إليه هنري بيرقسون، عمُومَاً، باسم "الدِّين الديناميكِّي").
مع إلقاءِ هذا الضُّوء الجَّديد على فلسفة سورين كيركيجارد يغدو بِالوُسْعِ التَّمتين الأبعد لتَضَادِّها مع فلسفة جان بول سارتر. هذا يعني أن فلسفة سارتر تُضحِي، من عِندَ ذلكَ المنظور، كائنةً عِندَ الحَدِّ الأقصى الآخر لما يُسمِّيهِ هنري بيرقسون "الدِّين الدِّيناميكي". عليه قد يكن من المُناسب، والحال كذلك، رؤيةَ تلك الفلسفةِ مُنْشِئَةً لشكلٍ مُعيَّنٍ لما قد يُمكن وصفه باسم "العدميَّة الدِّيناميكيَّة" (أو، إن تشاؤون، "العدميَّة الدِّيالكتيكيَّة ذاتَ الصِّبغة الوُجُودِيَّة"). بكلماتٍ أُخَرَياتْ، ستربِطُ تجربة سورين كيركيجارد الوُجُودِّيَّة التي هي، وفقَهُ، تجربة العُزلة (التي قد فهمنا منه أنها أساساً تُشكِّلُ تجربةً دينيَّة)، في تلكَ الحالةِ، فِكرَهُ مع التقليد الدِّيناميكي (أي الدِّيالكتيكي) للدِّين الذي يقذفُ بعيداً عن يديهِ أوهام الجَّمعيَّة و"الاجتماعيَّة" الزَّائفة في الممارسة الدِّينيَّة التي تُرى حينذاكَ على أنَّها فقط شأنُ إيمانٍ فردِيٍّ وتأويلٍ فَردِيٍّ للفكر الدِّينِي... من المثير للاهتمام هنا ملاحظةُ أن الصُّوفِيَّ المُسلم السَّهْرَوَرْدِي قال، ذاتَ مرَّةٍ، إنَّه على الفردِ الإنسانِي قراءة القرآن كأنَّ رسالتُهُ قد أُظْهِرت على الأرض (أو "أُنزِلَتْ" عليها) خِصِّيصَاً لنفسِهِ/نفسها وحدَهُ/وحدها. إن استبصار/حدس السَّهْرَوَرْدِيِّ هذا هو، في الحَقِّ، تَصَوُّرٌ وُجُودِيٌّ للدِّين وإنَّهُ لَمِنْ هُنَا ينطوي الاستبصار/الحدس إيَّاهُ على قرابةٍ شديدةٍ مع ميُول اتجاهات، و/أو لونيَّة، فكر وفلسفة سورين كيركيجارد.
من جهةٍ أخرى تضعُ تجربة جان بول سارتر الوجُوديَّة الرَّئيسة، التي يصفها هو باسم تجربة "العدم الأصلي" (التي يُعرِّفُها هو أساسَاً بأنَّها تُشكِّلُ، أو تنطوي على، تجربةً إلحاديَّة)، في داخلِ مجالٍ قد أفهمُ أنا أنَّهُ يُشكِّلُ ضربَاً من العدم، ديالكتيكيَّاً وذا سمتٍ وُجُوديٍّ. ذلكُم مُؤَدَّاهُ، بعبارةٍ أخرى، أنَّ طِرَازَ إلحادِ سارتر يُشكِّلُ طِرَازَاً وجُودياً-ديالكتيكيَّاً من الإلحاد طالما هو يبدأ من وعيٍ فردِيٍّ يُفترَضُ جان بول سارتر أنَّهُ يسعى دومَاً نحو تجاوز "عدمِهِ" الخاص (الذي يفترضُ جان بول سارتر أنَّهُ هو ذاتِ نمطُ كينونتهِ الجَّوهري) حتَّى يغدُو وعياً بشيءٍ ما أو آخرٍ، ذلكَ سيَّمَا وأنَّ الوعي، بحسب فهم جان بول سارتر لاستبصار إدموند هوسرل Edmund Husserl بشأنِ قَصْدِيَّة الوعي الإنسانِي، ينبغي عليهِ دومَاً أن يُوجَدَ في حالةِ كونِهِ وعيَاً بشيءٍ ما أو آخرْ.
[كُتِبَ أوَّلاً في الساعة 3:45 ظهراً، الأربعاء، 23/12/1987م، وعِندَ الساعة 3:45 ظهراً، الأربعاء، 25 ديسمبر، 1987م- تمَّت مراجعته في يوم الجُّمعة، 16 مارس، 2007م].
هامش:
* نُشرَ هذا المقال ضِمنَ كتابٍ لي، باللغة الإنجليزية، بعنوانA Saint & a Goose and Other Writings [A Collection of Reviewing Essays & Reflections]
صدر عن دار نُور للطباعة والنَّشر، 03 أغسطس، 2017. أنظر: A Saint & a Goose and Other Writings / 978-3-330-97675-7 / 9783330976757 / 3330976756 (noor-publishing.com)
[اكتملت هذه التَّرجمة في ظهر يوم الأربعاء، 20 يوليو، 2022م].
khalifa618@yahoo.co.uk
/////////////////////////////////