ما قد يُشبِهُ مقالاً نقديَّاً أدبيَّاً .. كتابةٌ على هامشِ النَّفَسِ الإِبدَاعِيِّ عِنْدَ إِيمان أحمد
رئيس التحرير: طارق الجزولي
26 October, 2022
26 October, 2022
النَّفَسُ الإِبدَاعِيُّ عِنْدَ إِيمان أحمد: من عِنْدَ جِهَةِ نظرةِ عينِ الطائر
يَكْدَحُ النَّفَسُ الإِبدَاعيُّ، الشِّعْرِيُّ والقَصَصِيُّ (الحِكَائيُّ)، عِنْدَ الكاتبة الإبداعيَّة السُّودانيَّة إيمان أحمد، على سبيلِ التَّوصيفِ المسرِحيِّ/السِّينَمائيِّ المعجُونَةَ طِيْنَةُ نَهرِهِ الخالقَةِ الأصليَّةِ الأولى بغريزةِ إنشاءٍ أنثُويَّةٍ "فَايِقَةٍ" ورائِقَةٍ وخَلِيَّةٍ (بالمعاني الجَّماليَّة الغِنَائيَّة الحيَّة المُضَادَّة للابتذال اليومي المعهود لتلك الكلمات المُنتَبَذَة، سائِديَّاً واستهلاكيَّاً (اجتماعيَّاً ونفسيَّاً ورُوحيَّاً)، إلى منفىً قصيَّ النَّأي). وذلكُم هو، فيما أحدِسُ، ما يُهيِّئ لذاكَ النَّفَسِ الإتيَانَ، في غالبِ تناسُخَاتِهِ/تناسُجَاتِهِ الجُّوّانيَّة المُتوهِّجَةَ- بقَدْرِ إِمكَانِ الزَّمْكَانِ- خَلَلَ تَمظْهُرَاتِهِ "البَرَّانيَّة" المُتجَسِّدَةِ في ما يُضْطَرُّ- نقديَّاً- إلى وسمِهِ باسمِ "لغة الكتابة الشعريَّة/السَّرديَّة"، على هيئاتِ دفقاتٍ شعوريَّةٍ طَرِيْفَةَ الحياةِ والرِّقَّةِ والدِّرَامَا، في الغالب، الشَّيءُ الذي، على سبيلِ التَّمثيلِ فحسب، قد تلمسُه، للتَّوِّ، أو بمُجرَّدِ نظرةِ البداهَةِ القِرائيَّةِ الأولى، ذائقَةُ القراءةِ الطَّازِجَةِ، المُتَأتِّيَةَ مِن عِندَ القارئِ الطَّازِجِ المُمْكِنْ، في شُغْلَيْ الكاتبة الإبداعيَّة السُّودانيَّة، إيمان أحمد، المنشُورَيْنَ، عِنْدَ "منبر الحوار الديمقراطي" بالموقع الإلكتروني لـ"الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية"، تَوالِيَاً وفي يومي 31 يوليو 2014م و30 أكتوبر 2014م، باسمي "إذْنٌ بالمجازفةِ من امرأةٍ لا تَمُتُّ لكِ بِصِلَةْ" و"طقسٌّ ليليٌّ"، وتحتَ العنوان البريدي العام "بعضُ كتاباتٍ". غير أنِّي لستُ مُدَوِّنَاً هُنَا، بسبب عدم حوزتي الآنيَّة عليه نظراً للفقدان الأسيف للأرشيف التاريخي الأساسي الحيوي المهم للمنبر المعني، أيَّ كلماتٌ أُخرى عن الشُّغل الأول من ذينك الشغلين، الذي اتَّخّذَ من عبارةِ "إذْنٌ بالمجازفةِ من امرأةٍ لا تَمُتُّ لكِ بِصِلَةْ" اسمَاً له، سوى إشارتي الصَّغيرة، المُوجزة المُكثَّفَة، إليه أعلاه.
شوفٌ بانوراميٌّ لمَورِدُ/نَهْجُ رُؤْيَا/بصيرةِصاحبِ هذه "الكتابةِ" بشأنِ النَّفَسِ الإِبدَاعِيِّ عِنْدَ إِيمان أحمد
سأرِد هُنَا، لدى إلقاء الرُّؤيَا/البصيرة المُتَاحةَ منِّي حاليَّاً، على ثلاثةِ أشغال من جِمَاعِ "كتابة" إيمان أحمد، هي "في مديحِ البذاءة" و"سيليكا جيل" و"طقسٌ ليليٌّ"، عن حساسيَّة نقدية فينومينولوجيَّة-أنطولوجيَّة تجسدت عندي- أولانيَّاً وجوهريَّاً- منذ آناتِ شُغلي النقدي الأدبي الباكر، ثُمَّ تعمّقت فيَّ، من بعد ذلك، حسَّاً وشعوراً وتخييلاً، مع التوسع التدريجي لآفاق تجربتي وقدرتي النفسي-روحيّة على معرفة وتحسيس وشعرنة (من "شعر" و"شعور") نهج و"فن" تفلسف فينومينولوجي-أنطولوجي خاصٌّ بي مُغْتَنِيَاً في ذلك، طبعاً، بـ"عينيَّة"ِ تنويعاتٍ من التَّمثُّلات الفلسفيَّة الوجوديَّة، الغربيّة والشرقيَّة معاً، لتلك الحساسية، وذاك النَّهج.
النَّفَسُ الإِبدَاعِيُّ عِنْدَ إِيمان أحمد من عِنْدَ جهةِ نظرةِعينٍ تمثيليَّةٍ عينيَّةٍ: توصيفٌ فينومينولوجيٌّ-أنطولوجيٌّ عَيْنِيٌّ ممكنٌ لبعض كتابات إيمان أحمد
فضلاً عن النَسْجَ الكتابي الإِيمَانَ-أَحْمَدِي المَوسُومَ بـ"إذْنٌ بالمجازفةِ من امرأةٍ لا تَمُتُّ لكِ بِصِلَةْ"، الذي أشرت إليه بإيجازٍ مُكثَّفٍ- لن أزد عليه هُنَا- في حديثي أعلاه عن النَّفَسُ الإِبدَاعِيُّ عِنْدَ إِيمان أحمد: من عِنْدَ جِهَةِ نظرةِ عينِ الطائر، تمثَّلَتْ النُّسُجُ الكتابيَّةُ الإيمانَ-أحْمَدِيَّةَ الأخرى التي تمكَّن صاحبُ هذه "الكتابةِ" من، أو نَزَعَ إلى، تخيُّرِهَا لِما سيجيءُ به أدناه، في "الكتابةِ" إِيَّاهَا، من "تَوصِيفٍ فينومينولوجيٍّ-أنطولوجيٍّ عَينِيٍّ مُمْكِنٍ لبعض كتابات إيمان أحمد في الثلاثة أنسجة كتابيَّة الإيمَانَ-أَحْمَدِيَّة التَّالية: "طقسٌّ ليليٌّ" (المكتوب في يوم 24 أكتوبر 2014 السَّاعة 1:24 صباحاً) و"في مديحِ البذاءة" (المكتوب في يوم 1 نوفمبر 2013) و"سيليكا جيل" (المكتوب في يوم 2 أغسطس 2013م).
1. طقسٌّ ليليٌّ
إنَّ الخَوفَ من مُجَرَّدِ التَّمَاسِّ اللَّحْظِيِّ المُتَقَطِّعَ التَّواتُرِ، بالمعنَيَينِ مَعَاً، الزَّمَنِيِّ والمَكانِيِّ، مع حالةِ عَيْشِ مَوقِفِ "الوِقُوعِ" في الحُبِّ، (كأَنَّمَا الحُبُّ ليس سوى هُوَّةٍ، وهَاوِيَةٍ أُمٍّ في نهرٍ لا قَرَارَ مُتَصَوَّرَ لَهْ)، ناهِيْكَ عن الإِيْغَالِ العميقِ اللا مشروطِ في دقائِقِ حقائِقِ دِيْنِهِ التِّلقائيِّ الفَيَّاضِ بِنِعَمِ الشِّعُورِ الفُجائِيَّةِ، أو الفيَّاض بحُرِّيَّة جماليَّة خلاقة وأخلاقيَّة مَعَاً (وقديمَاً أُشْعِرَ في مُوشَّحاتِ الأندُلس بأَنَّ "للهوى أخلاقُ") هو، في جِمَاعِ توصِيْفِي الفينَومينولوجيِّ للتجربةِ الشِّعُورِيَّةِ لِنَسْجِ إيمان أحمد الشِّعرِي هذا، "طقسٌ ليليُّ"، العاطفةُ الرَّئيسَةُ التي تُمَسْرِحُ عليها إيمان أحمد (عِنْدَ مَوقِفِ كونِها شاعرة)، في مشاهد مُجَزَّئَةٍ صغيرةٍ ومُتَقَطِّعَةٍ بالكلام، أو مُقطَّعَتْهُ، بالفعْلِ، ما تُحاولُ أن تُصَوِّرَهُ لنا في وصفِهَا، الغَيْرِ دقيقٍ، عَمْدَاً، لبَعْضِ تفاصيلِ "طَقْسِهَا اللَّيليِّ" ذَاكْ:
نعم
سَأَضَعُ قَطَراتٍ على عينَيَّ
لِأُدلِّلَها
أفْرِدُ الإيشاربَ بِعنايةٍ
على لمبةِ الضوء
بجانب سَريرِي
ليَخفُتَ الضوءُ
ومع هذا وذلكَ
أُحِبُّك
إنَّ الـ"مع هذا وذلكَ" تلكَ، بالذَاتِ، رُغْمَ، أو رُبَّمَا على التَّعيينِ بسببِ، إلحاقِهَا، تَوَّاً، بكلمة"أُحبُّكَ"، إنَّمَا هي تُوكِّدُ وقُوعَ ذاك الخوف، الذي لمَسْنَاهُ آنِفَاً، بِمَسٍّ من الحِدْسِ، أكثَرَ ممَّا تنفيه، في الذّات الشَّاعِرَةْ. وأزيد هنا زَعمٌ خاصٌّ بي بأنَّه رُبَّما بالأحرى قد تكن الكلمة المقصودة هنا هي، فعليَّاً، في لاشعور الشَّاعرة هي كلمة "بين" وليس "مع" وبأنِّ "مع" تلك قد "انزلقت" في الكتابة الشَّاعرة كزِلَّةِ لسانٍ لا شعوريَّة، من قِبل الذَات الشَّاعرة، بدلاً عن "بين"، وذلكَ بُغيَةَ تخفيف وقع تلك الكلمة الأخيرة، بالذَات، على القارئ الممكن الذي قد يُبصِرُ في القصيدةِ المعنيَّة بعضِا، على الأقل، من شعور الخوف من "مُجَرَّدِ التَّمَاسِّ اللَّحْظِيِّ المُتَقَطِّعَ التَّواتُرِ، بالمعنَيَينِ مَعَاً، الزَّمَنِيِّ والمَكانِيِّ، مع حالةِ عَيْشِ مَوقِفِ "الوِقُوعِ" في الحُبِّ... إلخ" الذي قد رأيتُ أنا أنَّها منطويةً عليهِ. ثُمَّ إنَّهُ في آنِ إِنْزَالِ هيئَةِ جِمَاعِ التَّوصيفِ الفينومينولوجيِّ إِيَّاهُ على بقيَّةِ المشاهد المسرحيَّة/الدِّراميَّة الصغيرة (التي قد يبدو لبعض القراء من أمثالي، على الأقل، أنها مجتزأةٌ، عن اختيارٍ، من ظلالِ مشاهد مسرحيَّة ضمنيَّة أكبر وأوسع منها مدىً، كائنةً في الذات الشاعرة) لذلكَ النَّسجِ الشِّعْرِيِّ الإيمانَ-أحمَدِيِّ يتوكَّدُ لنا، وزيادة، ذاكَ الخوف الذي قد بُحنَا بكلاماتٍ حولِهِ في بداية هذا الجُّزء من توصيفِنَا الفينومينولوجيِّ لبعضِ أَشغالِ إيمان أحمد الشِّعريَّة:
أنا
امتهنتُ
التِقاط القواقِعِ
من
على الشاطئِ ........
على الأكثرِ
نجيماتِ البحرِ
ثُمَّ:
لكِنِّي
في هذه المرَّةِ
قد
قرَّرْتُ
الخوضَ
في المياهِ
.
.
.
بساقين
عاريتَينِ
إلَّا
من
الشَّجرْ
في المقطع الأخير هذا من ذلك الـ"طقس اللَّيلِي" (لكنِّي/في هذه المرَّةِ... إلخ) يكمن، بحسبِ حِسِّيْ، تمويهٌ غيرَ مُؤَكِّدٍ لتجاوز ذاك "الخَوفَ من مُجَرَّدِ التَّمَاسِّ اللَّحْظِيِّ المُتَقَطِّعَ التَّواتُرِ، بالمعنَيَينِ مَعَاً، الزَّمَنِيِّ والمَكانِيِّ، مع حالةِ عَيْشِ مَوقِفِ "الوِقُوعِ" في الحُبِّ...إلخ)، الذي أشرتُ إليها في بداية حديثي هذا فيما يخص الشُّغل الشعري الإيمان-أحمدِي المُسمَّى "طقسٌ ليلي"، ومن ثَمَّ جاء ختمه بـ"الخوض في المياه" ليس "بساقين عاريتين" تمامَاً، أو بَساقِينَ كائنتين عِندَ جذرِ مُطلَقِ العِري، وإنَّما فقط "بساقين/عاريتين/إلا/من/الشَّجر"!
2. في مديحِ البذاءة
بشأنِ قصيدة إيمان أحمد المُسمَّاة "في مديح البذاءة"، تِلْكَ، كنتُ قد كَتَبْتُ، في نوفمبر من العام 2013م، عِند موقع الفيسبوك الإلكتروني، في مكان التعليق المخصص لإسمي، أو بإسمي، الذي كان شاغراً تحت تلك القصيدة التي نشرت، آنذَاكَ، بصفحة الشاعرة إيمان أحمد هناك، بلغة جرت مجرى الكلام العامي السوداني-العربي الوَسَطِي، توصيفاً فينومينولوجيَّاً مُكثَّفَاً سأغني نفسي به هنا، من بعد "تَفصِيْحِهِ"، عن أيِّ مزيدٍ من كلامٍ ممكنٍ لي عنها. هذه هي خُلاصَةُ التَّوصيفِ الفِينَومينَولَوجِيِّ الذي كُنْتُ قد تخاطَرْتُ به، وَقْتَذَاكَ، مع القصيدةِ إيَّاهَا، مُفَصَّحَةً:
قد تلمَّسْتُ في تلك القصيدة، أقول في باب "تفصيحِي" لذاك التوصيف، ملمحَ استعادةٍ غيرِ مباشرة ٍلكلام أغانٍ سودانية قديمةٍ،وشجيَّةٍ بالضرورة، ومن ثَمَّ إدماجٌ رفيقٌ وذَكِيٌّ (ولَمَّاحٍ إلى حدٍّ مَا)، لذاك الكلام،في القصيدة إيَّاها،الشيء الذي وسمها، فيما قد رأيتُ، ببساطةٍ شديدةٍ ورنينٍ في القافية/الموسيقى يُشبِهُ "رنينَ"، وليس "خريرَ"، الماء وذلك لكونه قد تبدى، في حِسِّيَ الخاصِّ به، (والعُهْدةُ هنا تَلْزَمُ من يُحِسُّ مثل ذاك الحِسِّ فقط ولا غَيْرَهُ)، "تصويتَاً حِرَفِيَّاً فنيَّاً" أكثر من كونه "تصويتَاً طبيعيَّاً تلقائيَّاً". "الرنينُ"، بعبارةٍ واحدةٍ، يُنشأُ من الصناعة الإنسانية و"الفن الإنساني" فيما يُنشأُ "الخريرُ" من الفيض الطبيعي التِّلقائي و"الفنِّ الطبيعي"، إن يجز التعبير الأخير، ومن هنا كان وصلي الحسِّيِّ، والحِدسِيِّ، لكلمة "رنين" بقافية وموسيقى تلك القصيدة أكثر من وصلي إِيَّاهُمَا بكلمة "خرير". وفي خلفيَّة مُضَادَّةٍ، شَجيَّةٍ وحزينَةِ، ونافية، بهدوءٍ، لبعض ما ورد في أغنية إبراهيم الكاشف، والشاعر سيد عبد العزيز، القائمة على توكيدِ النَّفْسِ العاطفِيَّةِ المُطْمَئِنَّةَ لحالِهَا، بل ومآلِهَا كذلكَ، الموشومة به، بقُوَّة عبارةُ الإقرارِ الشَّدِيْدَةِ هذي: "بإسم الحب أقدِّم ليكْ حياتي"، تقولُ قصيدة إيمان أحمد تلك:
ألِأنَّا نحب الأمانيَ
أم الاتِّكاءِ؟
ولكننا
لانميل
...
ياجميل
... "
(في مديح البذاءة، صفحة الشاعرة إيمان أحمد بموقع الفيسبوك الإليكتروني، نوفمبر، 2013م).
مِن الجَّلِيِّ، لمن يَرَىْ، أنَّهُ ليس من العسيرِ هُنَا لَمْحُ أنَّ المُضَادَّةَ هنا قَائِمَةٌ مع نُشْدَانِ الـ"عليك أميل وعلي تميل/عشان نميل سوا ياجميل" الطَّالِعَة في ثَنايا أغنية سيد عبد العزيز وإبراهيم الكاشف تلكَ- وفق ما قد يجري من معلوم الغناء بالضرورة في مُطلق الصياغات الغنائية الكلاسكية، بامتياز- من بعد المطالبة الغنائية العتيقة (ليس كما في عبارة "الجامع العتيق"، طبعاً!) بتبادل "المَيلان".
4. سيليكا جيل
يبدو شغل إيمان أحمد الشِّعري المُسمَّى "سيليكا جيل"، عند النَّظرة الأولى إليه، مُجرَّد نُثارةِ مشاهد مُفكَّكَة لا رابطَ، مُباشر أو غير مُباشر، فِعلِي أو مُتَصَوَّر، بينها. غير أنَّهُ في آنِ القراءة الثَّانية له يستبينُ، لقارئه أو قارئته، أنَّه، في واقِعِ أمرِهِ، يُشَكِّلُ مسرحيَّة شعريَّة صغيرة مُركَّبَة من ثلاثة مشاهد دراميَّة يوميَّة صغيرة مترابطة فيما بين كاتبة ذاك الشغل الشِّعري وتِلك "الشَّخصيَّة الدراميَّة الأخرى" فِيهِ المُسَمَّاة "سيليكا جيل" التي عنون الشُّغل الشِّعري المعني باسمِهَا.
في المشهد الأوَّل من تلك المشاهد الثلاثة تُصوَّرُ لنا "سيليكا جيل" وهي تنتظرُ قرار الكاتبة الذي قد يقضي إما بانتظار ما سماه الشغل إيَّاهُ "الماء" أو بامتناع الكاتبة عن دخول منطقة تُدعى "توسو" (قد يكن ذاك "الماء" موجودَاً بها):
سيليكا جيل
تنتظرُ الماء
أو امتناعي
عن دخول توسو
وفي المشهد الثَّاني من المشاهدِ إيَّاهَا يبدو لنا أن كاتبةَ الشُّغل الشِّعري المعنيَّة قد فضَّلت خيارَاً مُختلفاً عن ذينك الخيارين الذين ورد الحديثُ عنهُمَا في المشهد الأول من تلك المشاهد (انتظار الماء أو الامتناع عن دخول توسو) إذ هي قد قالت في ذاكَ المشهد:
فضلتُ التِجوال
لأشرف
على
بصيلات الزهور
بالسوقِ المفتوح
وفي المشهد الثَّالث قد يختلطُ الأمرُ على القارئ، أو القارئة، فيما إن كان ينبغي على ذاكَ المشهد أن يكن، في الأصلٍ، هو الأُسُّ الأوَّل، وبالتالي المشهد الأول وليس الثَّالث، في تلك المسرحيَّة الدِّراميَّة المشهديَّة الصَّغيرة، ومن ثَمَّ تَغدُو، والحالُ كذلك، هنالك حاجةٌ فنيَّةٌ لإعادة ترتيب تلك المشاهد في الشُّغلِ الشِّعريِّ المعنِيِّ، أم لا. أنا أرى هنا، على كُلِّ حالٍ، أنَّ ذائقتي الشِّعريَّة الشَّخصيَّة رُبَّما كانت تميلُ نحو أنه قد كان من الأوفقِ أن يُبدَأ شغل "سيليكا جيل" الشِّعريِّ ذاك- أو مسرحيَّة إيمان أحمد الشِّعريَّة الصَّغيرة تلك، المُسَمَّاة "سيليكا جيل"- بالجُّزء الأَّوَّل من مشهدِها الثَّالث (ذاك الجُّزءُ الذي يبدأ بعبارة " قبل الحضور" وينتهي بعبارة "يأكُلُ أوراقَ البنكنوت المعدنِيَّة") بحيثُ يُضمَّن ذاك الجُّزء في بدءِ مشهدها الأول ومن ثَمَّ يصير المشهد الأول في الشُّغل الشِّعرِيِّ إِيَّاهُ إلى الهيئة التَّالية:
قبل الحضورِ
حزمت حقيبتي وأسمالي
ألقمتها بطن حوتٍ إلكترونيٍ
يأكل أوراق البنكنوت المعدنية
والمشهد الثَّاني منه إلى الهيئة التَّالية:
سيليكا جيل
تنتظرُ الماء
أو امتناعي
عن دخول توسو
فيما يصير المشهد الثَّالث منهُ إلى:
فضَّلتُ التِجوال
لأشرف
على
بصيلات الزهور
بالسوقِ المفتوح
ومِن ثَمَّ دَلَلْتُ في الشارع
ألوِي
على
كُلِّ شيء.
بعبارةٍ خِتاميَّةٍ أخرى، ذاك يَعنِي وجود حاجة فنيَّة، فيما أظُنُّ (وبعضُ الظَّنِّ غيرَ صائبٍ)، إلى إعادة تركيب مشاهد ذاك الشُّغل الشِّعري، أو تِلك المسرحيةَّ الشّعريَّة المَشْهَدِيَّة الصَّغير المُسمَّاة "سيليكا جيل"، بحيثُ يغدُو الشُّغل إيَّاهُ مُشكَّلاً في مُجْمَلِهِ على الهيئةِ التَّالية:
سيليكا جيل
قبل الحضورِ
حزمت حقيبتي وأسمالي
ألقمتها بطن حوتٍ إلكترونيٍ
يأكل أوراق البنكنوت المعدنية
سيليكا جيل
تنتظرُ الماء
أو امتناعي
عن دخول توسو
فضَّلتُ التِجوال
لأشرف
على
بصيلات الزهور
بالسوقِ المفتوح
ومِن ثَمَّ دَلَلْتُ في الشارع
ألوِي
على
كُلِّ شيء.
خَرْجَةٌ مُوجزة:
بعبارةٍ واحدةٍ، بسيطةٍ وخاتِمَةْ، ذلكُم النَّسْجُ الفائِتُ مِنَّي يُشكِّلُ، في جِمَاعِهِ، مُجرَّدَ كتابةٍ خاطِرِيَّةٍ صدرت عنِّي على هامش النَّفس الإبداعي عند الشَّاعرة السُّودانية إيمان أحمد ومن ثَمَّ تَرتَّبَ، فَنِّيَّاً، على ذلكَ، مُجيءُ عنوانِه الرَّئيس على ذاكَ النَّحو الذي هو قد جاء عليهِ.
1 نوفمبر، 2014م- 25 أكتوبر، 2022م
بركستُون، لندن،
إبراهيم جعفر
khalifa618@yahoo.co.uk
/////////////////////////
يَكْدَحُ النَّفَسُ الإِبدَاعيُّ، الشِّعْرِيُّ والقَصَصِيُّ (الحِكَائيُّ)، عِنْدَ الكاتبة الإبداعيَّة السُّودانيَّة إيمان أحمد، على سبيلِ التَّوصيفِ المسرِحيِّ/السِّينَمائيِّ المعجُونَةَ طِيْنَةُ نَهرِهِ الخالقَةِ الأصليَّةِ الأولى بغريزةِ إنشاءٍ أنثُويَّةٍ "فَايِقَةٍ" ورائِقَةٍ وخَلِيَّةٍ (بالمعاني الجَّماليَّة الغِنَائيَّة الحيَّة المُضَادَّة للابتذال اليومي المعهود لتلك الكلمات المُنتَبَذَة، سائِديَّاً واستهلاكيَّاً (اجتماعيَّاً ونفسيَّاً ورُوحيَّاً)، إلى منفىً قصيَّ النَّأي). وذلكُم هو، فيما أحدِسُ، ما يُهيِّئ لذاكَ النَّفَسِ الإتيَانَ، في غالبِ تناسُخَاتِهِ/تناسُجَاتِهِ الجُّوّانيَّة المُتوهِّجَةَ- بقَدْرِ إِمكَانِ الزَّمْكَانِ- خَلَلَ تَمظْهُرَاتِهِ "البَرَّانيَّة" المُتجَسِّدَةِ في ما يُضْطَرُّ- نقديَّاً- إلى وسمِهِ باسمِ "لغة الكتابة الشعريَّة/السَّرديَّة"، على هيئاتِ دفقاتٍ شعوريَّةٍ طَرِيْفَةَ الحياةِ والرِّقَّةِ والدِّرَامَا، في الغالب، الشَّيءُ الذي، على سبيلِ التَّمثيلِ فحسب، قد تلمسُه، للتَّوِّ، أو بمُجرَّدِ نظرةِ البداهَةِ القِرائيَّةِ الأولى، ذائقَةُ القراءةِ الطَّازِجَةِ، المُتَأتِّيَةَ مِن عِندَ القارئِ الطَّازِجِ المُمْكِنْ، في شُغْلَيْ الكاتبة الإبداعيَّة السُّودانيَّة، إيمان أحمد، المنشُورَيْنَ، عِنْدَ "منبر الحوار الديمقراطي" بالموقع الإلكتروني لـ"الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية"، تَوالِيَاً وفي يومي 31 يوليو 2014م و30 أكتوبر 2014م، باسمي "إذْنٌ بالمجازفةِ من امرأةٍ لا تَمُتُّ لكِ بِصِلَةْ" و"طقسٌّ ليليٌّ"، وتحتَ العنوان البريدي العام "بعضُ كتاباتٍ". غير أنِّي لستُ مُدَوِّنَاً هُنَا، بسبب عدم حوزتي الآنيَّة عليه نظراً للفقدان الأسيف للأرشيف التاريخي الأساسي الحيوي المهم للمنبر المعني، أيَّ كلماتٌ أُخرى عن الشُّغل الأول من ذينك الشغلين، الذي اتَّخّذَ من عبارةِ "إذْنٌ بالمجازفةِ من امرأةٍ لا تَمُتُّ لكِ بِصِلَةْ" اسمَاً له، سوى إشارتي الصَّغيرة، المُوجزة المُكثَّفَة، إليه أعلاه.
شوفٌ بانوراميٌّ لمَورِدُ/نَهْجُ رُؤْيَا/بصيرةِصاحبِ هذه "الكتابةِ" بشأنِ النَّفَسِ الإِبدَاعِيِّ عِنْدَ إِيمان أحمد
سأرِد هُنَا، لدى إلقاء الرُّؤيَا/البصيرة المُتَاحةَ منِّي حاليَّاً، على ثلاثةِ أشغال من جِمَاعِ "كتابة" إيمان أحمد، هي "في مديحِ البذاءة" و"سيليكا جيل" و"طقسٌ ليليٌّ"، عن حساسيَّة نقدية فينومينولوجيَّة-أنطولوجيَّة تجسدت عندي- أولانيَّاً وجوهريَّاً- منذ آناتِ شُغلي النقدي الأدبي الباكر، ثُمَّ تعمّقت فيَّ، من بعد ذلك، حسَّاً وشعوراً وتخييلاً، مع التوسع التدريجي لآفاق تجربتي وقدرتي النفسي-روحيّة على معرفة وتحسيس وشعرنة (من "شعر" و"شعور") نهج و"فن" تفلسف فينومينولوجي-أنطولوجي خاصٌّ بي مُغْتَنِيَاً في ذلك، طبعاً، بـ"عينيَّة"ِ تنويعاتٍ من التَّمثُّلات الفلسفيَّة الوجوديَّة، الغربيّة والشرقيَّة معاً، لتلك الحساسية، وذاك النَّهج.
النَّفَسُ الإِبدَاعِيُّ عِنْدَ إِيمان أحمد من عِنْدَ جهةِ نظرةِعينٍ تمثيليَّةٍ عينيَّةٍ: توصيفٌ فينومينولوجيٌّ-أنطولوجيٌّ عَيْنِيٌّ ممكنٌ لبعض كتابات إيمان أحمد
فضلاً عن النَسْجَ الكتابي الإِيمَانَ-أَحْمَدِي المَوسُومَ بـ"إذْنٌ بالمجازفةِ من امرأةٍ لا تَمُتُّ لكِ بِصِلَةْ"، الذي أشرت إليه بإيجازٍ مُكثَّفٍ- لن أزد عليه هُنَا- في حديثي أعلاه عن النَّفَسُ الإِبدَاعِيُّ عِنْدَ إِيمان أحمد: من عِنْدَ جِهَةِ نظرةِ عينِ الطائر، تمثَّلَتْ النُّسُجُ الكتابيَّةُ الإيمانَ-أحْمَدِيَّةَ الأخرى التي تمكَّن صاحبُ هذه "الكتابةِ" من، أو نَزَعَ إلى، تخيُّرِهَا لِما سيجيءُ به أدناه، في "الكتابةِ" إِيَّاهَا، من "تَوصِيفٍ فينومينولوجيٍّ-أنطولوجيٍّ عَينِيٍّ مُمْكِنٍ لبعض كتابات إيمان أحمد في الثلاثة أنسجة كتابيَّة الإيمَانَ-أَحْمَدِيَّة التَّالية: "طقسٌّ ليليٌّ" (المكتوب في يوم 24 أكتوبر 2014 السَّاعة 1:24 صباحاً) و"في مديحِ البذاءة" (المكتوب في يوم 1 نوفمبر 2013) و"سيليكا جيل" (المكتوب في يوم 2 أغسطس 2013م).
1. طقسٌّ ليليٌّ
إنَّ الخَوفَ من مُجَرَّدِ التَّمَاسِّ اللَّحْظِيِّ المُتَقَطِّعَ التَّواتُرِ، بالمعنَيَينِ مَعَاً، الزَّمَنِيِّ والمَكانِيِّ، مع حالةِ عَيْشِ مَوقِفِ "الوِقُوعِ" في الحُبِّ، (كأَنَّمَا الحُبُّ ليس سوى هُوَّةٍ، وهَاوِيَةٍ أُمٍّ في نهرٍ لا قَرَارَ مُتَصَوَّرَ لَهْ)، ناهِيْكَ عن الإِيْغَالِ العميقِ اللا مشروطِ في دقائِقِ حقائِقِ دِيْنِهِ التِّلقائيِّ الفَيَّاضِ بِنِعَمِ الشِّعُورِ الفُجائِيَّةِ، أو الفيَّاض بحُرِّيَّة جماليَّة خلاقة وأخلاقيَّة مَعَاً (وقديمَاً أُشْعِرَ في مُوشَّحاتِ الأندُلس بأَنَّ "للهوى أخلاقُ") هو، في جِمَاعِ توصِيْفِي الفينَومينولوجيِّ للتجربةِ الشِّعُورِيَّةِ لِنَسْجِ إيمان أحمد الشِّعرِي هذا، "طقسٌ ليليُّ"، العاطفةُ الرَّئيسَةُ التي تُمَسْرِحُ عليها إيمان أحمد (عِنْدَ مَوقِفِ كونِها شاعرة)، في مشاهد مُجَزَّئَةٍ صغيرةٍ ومُتَقَطِّعَةٍ بالكلام، أو مُقطَّعَتْهُ، بالفعْلِ، ما تُحاولُ أن تُصَوِّرَهُ لنا في وصفِهَا، الغَيْرِ دقيقٍ، عَمْدَاً، لبَعْضِ تفاصيلِ "طَقْسِهَا اللَّيليِّ" ذَاكْ:
نعم
سَأَضَعُ قَطَراتٍ على عينَيَّ
لِأُدلِّلَها
أفْرِدُ الإيشاربَ بِعنايةٍ
على لمبةِ الضوء
بجانب سَريرِي
ليَخفُتَ الضوءُ
ومع هذا وذلكَ
أُحِبُّك
إنَّ الـ"مع هذا وذلكَ" تلكَ، بالذَاتِ، رُغْمَ، أو رُبَّمَا على التَّعيينِ بسببِ، إلحاقِهَا، تَوَّاً، بكلمة"أُحبُّكَ"، إنَّمَا هي تُوكِّدُ وقُوعَ ذاك الخوف، الذي لمَسْنَاهُ آنِفَاً، بِمَسٍّ من الحِدْسِ، أكثَرَ ممَّا تنفيه، في الذّات الشَّاعِرَةْ. وأزيد هنا زَعمٌ خاصٌّ بي بأنَّه رُبَّما بالأحرى قد تكن الكلمة المقصودة هنا هي، فعليَّاً، في لاشعور الشَّاعرة هي كلمة "بين" وليس "مع" وبأنِّ "مع" تلك قد "انزلقت" في الكتابة الشَّاعرة كزِلَّةِ لسانٍ لا شعوريَّة، من قِبل الذَات الشَّاعرة، بدلاً عن "بين"، وذلكَ بُغيَةَ تخفيف وقع تلك الكلمة الأخيرة، بالذَات، على القارئ الممكن الذي قد يُبصِرُ في القصيدةِ المعنيَّة بعضِا، على الأقل، من شعور الخوف من "مُجَرَّدِ التَّمَاسِّ اللَّحْظِيِّ المُتَقَطِّعَ التَّواتُرِ، بالمعنَيَينِ مَعَاً، الزَّمَنِيِّ والمَكانِيِّ، مع حالةِ عَيْشِ مَوقِفِ "الوِقُوعِ" في الحُبِّ... إلخ" الذي قد رأيتُ أنا أنَّها منطويةً عليهِ. ثُمَّ إنَّهُ في آنِ إِنْزَالِ هيئَةِ جِمَاعِ التَّوصيفِ الفينومينولوجيِّ إِيَّاهُ على بقيَّةِ المشاهد المسرحيَّة/الدِّراميَّة الصغيرة (التي قد يبدو لبعض القراء من أمثالي، على الأقل، أنها مجتزأةٌ، عن اختيارٍ، من ظلالِ مشاهد مسرحيَّة ضمنيَّة أكبر وأوسع منها مدىً، كائنةً في الذات الشاعرة) لذلكَ النَّسجِ الشِّعْرِيِّ الإيمانَ-أحمَدِيِّ يتوكَّدُ لنا، وزيادة، ذاكَ الخوف الذي قد بُحنَا بكلاماتٍ حولِهِ في بداية هذا الجُّزء من توصيفِنَا الفينومينولوجيِّ لبعضِ أَشغالِ إيمان أحمد الشِّعريَّة:
أنا
امتهنتُ
التِقاط القواقِعِ
من
على الشاطئِ ........
على الأكثرِ
نجيماتِ البحرِ
ثُمَّ:
لكِنِّي
في هذه المرَّةِ
قد
قرَّرْتُ
الخوضَ
في المياهِ
.
.
.
بساقين
عاريتَينِ
إلَّا
من
الشَّجرْ
في المقطع الأخير هذا من ذلك الـ"طقس اللَّيلِي" (لكنِّي/في هذه المرَّةِ... إلخ) يكمن، بحسبِ حِسِّيْ، تمويهٌ غيرَ مُؤَكِّدٍ لتجاوز ذاك "الخَوفَ من مُجَرَّدِ التَّمَاسِّ اللَّحْظِيِّ المُتَقَطِّعَ التَّواتُرِ، بالمعنَيَينِ مَعَاً، الزَّمَنِيِّ والمَكانِيِّ، مع حالةِ عَيْشِ مَوقِفِ "الوِقُوعِ" في الحُبِّ...إلخ)، الذي أشرتُ إليها في بداية حديثي هذا فيما يخص الشُّغل الشعري الإيمان-أحمدِي المُسمَّى "طقسٌ ليلي"، ومن ثَمَّ جاء ختمه بـ"الخوض في المياه" ليس "بساقين عاريتين" تمامَاً، أو بَساقِينَ كائنتين عِندَ جذرِ مُطلَقِ العِري، وإنَّما فقط "بساقين/عاريتين/إلا/من/الشَّجر"!
2. في مديحِ البذاءة
بشأنِ قصيدة إيمان أحمد المُسمَّاة "في مديح البذاءة"، تِلْكَ، كنتُ قد كَتَبْتُ، في نوفمبر من العام 2013م، عِند موقع الفيسبوك الإلكتروني، في مكان التعليق المخصص لإسمي، أو بإسمي، الذي كان شاغراً تحت تلك القصيدة التي نشرت، آنذَاكَ، بصفحة الشاعرة إيمان أحمد هناك، بلغة جرت مجرى الكلام العامي السوداني-العربي الوَسَطِي، توصيفاً فينومينولوجيَّاً مُكثَّفَاً سأغني نفسي به هنا، من بعد "تَفصِيْحِهِ"، عن أيِّ مزيدٍ من كلامٍ ممكنٍ لي عنها. هذه هي خُلاصَةُ التَّوصيفِ الفِينَومينَولَوجِيِّ الذي كُنْتُ قد تخاطَرْتُ به، وَقْتَذَاكَ، مع القصيدةِ إيَّاهَا، مُفَصَّحَةً:
قد تلمَّسْتُ في تلك القصيدة، أقول في باب "تفصيحِي" لذاك التوصيف، ملمحَ استعادةٍ غيرِ مباشرة ٍلكلام أغانٍ سودانية قديمةٍ،وشجيَّةٍ بالضرورة، ومن ثَمَّ إدماجٌ رفيقٌ وذَكِيٌّ (ولَمَّاحٍ إلى حدٍّ مَا)، لذاك الكلام،في القصيدة إيَّاها،الشيء الذي وسمها، فيما قد رأيتُ، ببساطةٍ شديدةٍ ورنينٍ في القافية/الموسيقى يُشبِهُ "رنينَ"، وليس "خريرَ"، الماء وذلك لكونه قد تبدى، في حِسِّيَ الخاصِّ به، (والعُهْدةُ هنا تَلْزَمُ من يُحِسُّ مثل ذاك الحِسِّ فقط ولا غَيْرَهُ)، "تصويتَاً حِرَفِيَّاً فنيَّاً" أكثر من كونه "تصويتَاً طبيعيَّاً تلقائيَّاً". "الرنينُ"، بعبارةٍ واحدةٍ، يُنشأُ من الصناعة الإنسانية و"الفن الإنساني" فيما يُنشأُ "الخريرُ" من الفيض الطبيعي التِّلقائي و"الفنِّ الطبيعي"، إن يجز التعبير الأخير، ومن هنا كان وصلي الحسِّيِّ، والحِدسِيِّ، لكلمة "رنين" بقافية وموسيقى تلك القصيدة أكثر من وصلي إِيَّاهُمَا بكلمة "خرير". وفي خلفيَّة مُضَادَّةٍ، شَجيَّةٍ وحزينَةِ، ونافية، بهدوءٍ، لبعض ما ورد في أغنية إبراهيم الكاشف، والشاعر سيد عبد العزيز، القائمة على توكيدِ النَّفْسِ العاطفِيَّةِ المُطْمَئِنَّةَ لحالِهَا، بل ومآلِهَا كذلكَ، الموشومة به، بقُوَّة عبارةُ الإقرارِ الشَّدِيْدَةِ هذي: "بإسم الحب أقدِّم ليكْ حياتي"، تقولُ قصيدة إيمان أحمد تلك:
ألِأنَّا نحب الأمانيَ
أم الاتِّكاءِ؟
ولكننا
لانميل
...
ياجميل
... "
(في مديح البذاءة، صفحة الشاعرة إيمان أحمد بموقع الفيسبوك الإليكتروني، نوفمبر، 2013م).
مِن الجَّلِيِّ، لمن يَرَىْ، أنَّهُ ليس من العسيرِ هُنَا لَمْحُ أنَّ المُضَادَّةَ هنا قَائِمَةٌ مع نُشْدَانِ الـ"عليك أميل وعلي تميل/عشان نميل سوا ياجميل" الطَّالِعَة في ثَنايا أغنية سيد عبد العزيز وإبراهيم الكاشف تلكَ- وفق ما قد يجري من معلوم الغناء بالضرورة في مُطلق الصياغات الغنائية الكلاسكية، بامتياز- من بعد المطالبة الغنائية العتيقة (ليس كما في عبارة "الجامع العتيق"، طبعاً!) بتبادل "المَيلان".
4. سيليكا جيل
يبدو شغل إيمان أحمد الشِّعري المُسمَّى "سيليكا جيل"، عند النَّظرة الأولى إليه، مُجرَّد نُثارةِ مشاهد مُفكَّكَة لا رابطَ، مُباشر أو غير مُباشر، فِعلِي أو مُتَصَوَّر، بينها. غير أنَّهُ في آنِ القراءة الثَّانية له يستبينُ، لقارئه أو قارئته، أنَّه، في واقِعِ أمرِهِ، يُشَكِّلُ مسرحيَّة شعريَّة صغيرة مُركَّبَة من ثلاثة مشاهد دراميَّة يوميَّة صغيرة مترابطة فيما بين كاتبة ذاك الشغل الشِّعري وتِلك "الشَّخصيَّة الدراميَّة الأخرى" فِيهِ المُسَمَّاة "سيليكا جيل" التي عنون الشُّغل الشِّعري المعني باسمِهَا.
في المشهد الأوَّل من تلك المشاهد الثلاثة تُصوَّرُ لنا "سيليكا جيل" وهي تنتظرُ قرار الكاتبة الذي قد يقضي إما بانتظار ما سماه الشغل إيَّاهُ "الماء" أو بامتناع الكاتبة عن دخول منطقة تُدعى "توسو" (قد يكن ذاك "الماء" موجودَاً بها):
سيليكا جيل
تنتظرُ الماء
أو امتناعي
عن دخول توسو
وفي المشهد الثَّاني من المشاهدِ إيَّاهَا يبدو لنا أن كاتبةَ الشُّغل الشِّعري المعنيَّة قد فضَّلت خيارَاً مُختلفاً عن ذينك الخيارين الذين ورد الحديثُ عنهُمَا في المشهد الأول من تلك المشاهد (انتظار الماء أو الامتناع عن دخول توسو) إذ هي قد قالت في ذاكَ المشهد:
فضلتُ التِجوال
لأشرف
على
بصيلات الزهور
بالسوقِ المفتوح
وفي المشهد الثَّالث قد يختلطُ الأمرُ على القارئ، أو القارئة، فيما إن كان ينبغي على ذاكَ المشهد أن يكن، في الأصلٍ، هو الأُسُّ الأوَّل، وبالتالي المشهد الأول وليس الثَّالث، في تلك المسرحيَّة الدِّراميَّة المشهديَّة الصَّغيرة، ومن ثَمَّ تَغدُو، والحالُ كذلك، هنالك حاجةٌ فنيَّةٌ لإعادة ترتيب تلك المشاهد في الشُّغلِ الشِّعريِّ المعنِيِّ، أم لا. أنا أرى هنا، على كُلِّ حالٍ، أنَّ ذائقتي الشِّعريَّة الشَّخصيَّة رُبَّما كانت تميلُ نحو أنه قد كان من الأوفقِ أن يُبدَأ شغل "سيليكا جيل" الشِّعريِّ ذاك- أو مسرحيَّة إيمان أحمد الشِّعريَّة الصَّغيرة تلك، المُسَمَّاة "سيليكا جيل"- بالجُّزء الأَّوَّل من مشهدِها الثَّالث (ذاك الجُّزءُ الذي يبدأ بعبارة " قبل الحضور" وينتهي بعبارة "يأكُلُ أوراقَ البنكنوت المعدنِيَّة") بحيثُ يُضمَّن ذاك الجُّزء في بدءِ مشهدها الأول ومن ثَمَّ يصير المشهد الأول في الشُّغل الشِّعرِيِّ إِيَّاهُ إلى الهيئة التَّالية:
قبل الحضورِ
حزمت حقيبتي وأسمالي
ألقمتها بطن حوتٍ إلكترونيٍ
يأكل أوراق البنكنوت المعدنية
والمشهد الثَّاني منه إلى الهيئة التَّالية:
سيليكا جيل
تنتظرُ الماء
أو امتناعي
عن دخول توسو
فيما يصير المشهد الثَّالث منهُ إلى:
فضَّلتُ التِجوال
لأشرف
على
بصيلات الزهور
بالسوقِ المفتوح
ومِن ثَمَّ دَلَلْتُ في الشارع
ألوِي
على
كُلِّ شيء.
بعبارةٍ خِتاميَّةٍ أخرى، ذاك يَعنِي وجود حاجة فنيَّة، فيما أظُنُّ (وبعضُ الظَّنِّ غيرَ صائبٍ)، إلى إعادة تركيب مشاهد ذاك الشُّغل الشِّعري، أو تِلك المسرحيةَّ الشّعريَّة المَشْهَدِيَّة الصَّغير المُسمَّاة "سيليكا جيل"، بحيثُ يغدُو الشُّغل إيَّاهُ مُشكَّلاً في مُجْمَلِهِ على الهيئةِ التَّالية:
سيليكا جيل
قبل الحضورِ
حزمت حقيبتي وأسمالي
ألقمتها بطن حوتٍ إلكترونيٍ
يأكل أوراق البنكنوت المعدنية
سيليكا جيل
تنتظرُ الماء
أو امتناعي
عن دخول توسو
فضَّلتُ التِجوال
لأشرف
على
بصيلات الزهور
بالسوقِ المفتوح
ومِن ثَمَّ دَلَلْتُ في الشارع
ألوِي
على
كُلِّ شيء.
خَرْجَةٌ مُوجزة:
بعبارةٍ واحدةٍ، بسيطةٍ وخاتِمَةْ، ذلكُم النَّسْجُ الفائِتُ مِنَّي يُشكِّلُ، في جِمَاعِهِ، مُجرَّدَ كتابةٍ خاطِرِيَّةٍ صدرت عنِّي على هامش النَّفس الإبداعي عند الشَّاعرة السُّودانية إيمان أحمد ومن ثَمَّ تَرتَّبَ، فَنِّيَّاً، على ذلكَ، مُجيءُ عنوانِه الرَّئيس على ذاكَ النَّحو الذي هو قد جاء عليهِ.
1 نوفمبر، 2014م- 25 أكتوبر، 2022م
بركستُون، لندن،
إبراهيم جعفر
khalifa618@yahoo.co.uk
/////////////////////////