الذكرى (57) لتقويض الديمقراطية الثانية (1964- 1969)
تاج السر عثمان بابو
14 November, 2022
14 November, 2022
تابعنا في المقالين السابقين تجربتي تقويض الديمقراطية الأولي ، وانقلاب 17 نوفمبر 1958 ، ونتابع في هذا المقال تجربة تقويض الديمقراطية الثانية التي كانت أيضا في شهر نوفمبر من العام 1965 في ذكراها ال (57) بمؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان ، خرق الدستور وانتهاك استقلال القضاء، إلغاء دوائر الخريجين، محكمة الردة للأستاذ محمود محمد طه ، تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، تعميق حرب الجنوب بالاستغلال الفاضح للدين في السياسة بالدعوة للدستور الإسلامي المزيف والدعوة للجمهورية الرئاسية الإسلاموية، والفشل في عمل دستور دائم للبلاد، مما أدي لتقويض الديمقراطية الثانية بانقلاب 25 مايو 1969، فكيف تم تدبير مؤامرة حل الحزب الشيوعي التي قادت لهذه النتيجة الكارثية؟
1
بعد ثورة أكتوبر 1964 ، ونجاح الاضراب السياسي والعصيان المدني الذي قادته جبهة الهيئات، تمّ تكوين الحكومة الانتقالية الأولي بعد مفاوضات كانت في البداية بين جبهة الأحزاب وقيادات من القوات المسلحة ، وفي وقت لاحق انضم اليها مندوبو جبهة الهيئات، وحزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي.
كان برنامج الفترة الانتقالية للحكومة الجديدة : حل مشكلة الجنوب ووقف الحرب الأهلية، ومكافحة الفساد ، وحل مشاكل الجماهير المعيشية والاقتصادية، واعداد قانون انتخابات لانتخاب جمعية تأسيسية في نهاية الفترة الانتقالية لاعداد دستور دائم للبلاد.
جاء تكوين الحكومة من جبهة الهيئات وتمثيل للعمال والمزارعين والأحزاب ، والقيادات العليا في القوات المسلحة، برئاسة سرالختم الخليفة. كانت المطالب : إقالة عبود ومحاكمة أعضاء المجلس العسكري ، وإعادة تنظيم الإدارة الأهلية، دعم جبهة الهيئات، تصفية الخدمة المدنية من قيادات النظام السابق الفاسدة، وقانون انتخابات ديمقراطي يتم فيه تمثيل المرأة و العمال والمزارعين والخريجين ، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وتوسيع الحقوق الديمقراطية، وإلغاء قانون 1960 للنقابات واستبداله بقانون ديمقراطي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، وتطبيق شروط الخدمة للعمال في القطاع العام في القطاع الخاص وزيادة أجورهم ، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ووقف الحرب والحل السلمي الديمقراطي لمشكلة الجنوب..الخ.
رغم الضعف الذي لازم قوى الثورة مثل : أن الاضراب العام لم يكن محميا ، والتآمر في المفاوضات التي كانت ترمى لتسليم السلطة للقوي التقليدية ، وعزل الحزب الشيوعي من المفاوضات في بداية الأمر ، الا أنه قامت حكومة انتقالية ذات طبيعة وطنية الغالب فيها أنها معادية للاستعمار،وكان من أهم الانجازات علي سبيل المثال لا الحصر:-
- إلغاء الأوامر الدستورية التي اصدرها الحكم العسكري (1958- 1964) ، والعودة لدستور 1956 الانتقالي المعدل 1964 الذي كفل في الفصل الثاني الحقوق والحريات الأساسية ، حق الحرية والمساواة، حرية الدين والرأي وحق تأليف الجمعيات، وحظر القبض علي الأشخاص ومصادرة ممتلكاتهم، التمتع بالحقوق الدستورية، واستقلال القضاء، وأكد في الفصل الثالث: أن السلطة القضائية هي حارسة الدستور ، ولها اختصاص النظر والحكم في أي مسألة تشمل تفسيره أو تطبيق الحقوق والحريات الممنوحة بموجبه.
- إلغاء قانون الجامعة لسنة 1960 ، واطلاق سراح المعتقلين ، وإعادة جميع الضباط الذين فُصلو من الخدمة في ظل الحكم العسكري.
- الغاء قانون النقابات للعام 1960 والعودة لقانون 1948 المعدل 1966 الذي كفل حرية العمل النقابي و تكوين الاتحادات النقابية، وتمّ الاعتراف باتحاد العمال.
- وضعت حكومة سرالختم الخليفة مشكلة الجنوب علي رأس أولوياتها ، وضمت حكومته وزراء من الجنوب، لأول مرة تولي كلمنت امبور وزارة سيادية (وزارة الداخلية) ، وسعت لعقد مؤتمر المائدة المستديرة حتى انعقد في 1965 حول مشكلة الجنوب ، رغم أن المؤتمر لم يتمكن من الوصول لقرار جماعي حول المسائل الادارية والدستورية ، لكنه استطاع تكوين لجنة الاثني عشر التي أُسند اليها مهمة البحث عن حل في ذلك الخصوص ، كما نجح المؤتمر في التعرف علي وجهات نظر القادة الجنوبيين وطبيعة تلك المشاكل ، وضرورة اتخاذ خطوات عملية لحلها.
- اتساع التضامن مع حركات التحرر الوطني في المنطقة كما حدث مع ثورات وحركات: الكونغو ، والمؤتمر الوطني بجنوب أفريقيا ، والشعب الاريتري، والجزائر وفلسطين، والجمهورية العربية المتحدة، الخ.
- صدر قانون الانتخابات للعام 1965 الذي أعطي النساء حق التصويت والترشح للمرة الأولي في تاريخ البلاد، وتخفيض سن الناخب من 21 سنة كما في قانون الانتخابات 1953 الي 18 سنة، وأعطي للخريجين 15 دائرة، لكن من عيوبه: لم يمثل العمال والمزارعين ، وتراجع عن تمثيل مناطق الإنتاج والوعي كما حدث في قانون 1953 ، وقسّم الدوائر عدديا محضا.
2
* كان زخم ثورة أكتوبر كبيرا ، وتعبيرا عن تراكم النضال والوعي لشعب السودان وصراعه من أجل تجديد حياته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والنضال من أجل استقلال السودان، أدي ذلك الزخم لاستيقاظ الريف السوداني ، والوعي بأهمية التنمية وتوفير خدمات التعليم والصحة والخدمات البيطرية والاصلاح الزراعي الديمقراطي ، ومحو الأمية، والدفاع عن مصالح فقراء المزارعين والرعاة ، وبرزت تنظيمات أبناء تلك المناطق للدفاع عن تلك المطالب بعد فشل الأحزاب التقليدية في تلبيتها، وانشغالها بكراسي الحكم، وقامت تنظيمات جبهة أبناء دارفور وجبال النوبا ، واتحاد جنوب وشمال الفونج والروابط القبلية في المدن، وقبل ذلك تأسس مؤتمر البجا في شرق السودان في أكتوبر 1958، واتسعت دائرة الاشتراكية والديمقراطية في السودان، بالتالي حرّكت ثورة أكتوبر ساكن الحياة في الحضر والريف، مما اصاب القوى التقليدية بالهلع ، واصبحت تضع المتاريس وتحيك المؤامرات لانتكاسة الثورة كما حدث في الآتي:
- المحاولة الانقلابية في 9 /11/ 1964 التي واجهتها الجماهير في (ليلة المتاريس) وتمّ احباطها بعد اعتقال جميع أعضاء المجلس الأعلي السابق وترحيلهم الي زالنجي، واستقال الفريق عبود وأُعطي مرتب تقاعدي.
- الفوضي والفتنة القبلية كما حدث يوم الأحد 6 /12 / 1964 (الأحد الأسود الدامي) الذي قٌتل فيه عدد كبير من الاشخاص ، وجرح اكثر من 400 شخص.
- حادث واو يوم 11/ 7/1965 الذي وقع في حفلة عرس أدي لمقتل 56 في مخطط لتمزيق وحدة البلاد (جريدة الميدان31/7/ 1965).
- الضغوط من حزب الأمة والأحزاب التقليدية علي حكومة سر الختم الخليفة ، لدرجة تسيير المواكب من المليشيات المسلحة للانصارضدها بهدف اسقاط الحكومة، واشتدت ضغوط حزب الأمة ومليشياته المسلحة علي سرالختم الخليفة رئيس الوزراء ، فاضطر لتقديم استقالة حكومته في 28 ديسمبر1965، بعد أن اشتدت الضغوط عليه.
3
- بعد استقالة سرالختم الخليفة ، تمّ تشكيل حكومة جديدة في 24 فبراير 1965 ، كان نصيب كل من حزب الأمة والوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي وكتلة الجنوبيين بثلاثة وزراء ، وتمثيل كل من الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين بوزير واحد، بالتالي اصبح للأحزاب التقليدية الأغلبية فيها ، وتمّ الاسراع في الانتخابات المبكرة التي تقرر عقدها في يونيو 1965.
انتخابات 1965 :
جرت انتخابات 1965 بالقانون المشار له سابقا، وشارك فيها 12 حزب ، وعدد الدوائر 233 ، وقاطع حزب الشعب الديمقراطي الانتخابات بسبب عدم قيامها في الجنوب ، وكانت نتيجة الانتخابات : الأمة (92)، الوطني الاتحادي (73)، مستقلون (18)، مؤتمر البجا(15) ، الحزب الشيوعي (11) وكلها في دوائرالخريجين، سانو (10)، جبال النوبا (10)، جبهة الميثاق(5)، وفازت فاطمة أحمد إبراهيم كأول امرأة تدخل البرلمان.
وتمّ تكوين حكومة ائتلافية بين الأمة والوطني الاتحادي راس وزارتها محمد أحمد المحجوب، وبعد أن بلغ الصادق المهدي سن الثلاثين تمّ إخلاء دائرة كوستي له ودخل الجمعية التأسيسة، ولم يلبث قليلا حتى طالب برئاسة مجلس الوزراء من المحجوب، واصبح رئيسا للوزراء لفترة قصيرة بعدها تم اسقاط حكومته وعاد المحجوب لرئاسة الوزراء، كما خلق الصادق المهدي انشقاقا في حزب الأمة جناح الصادق والهادي المهدي.
4
بعد انتظام الجمعية التأسيسية ضاقت أحزاب الأمة والوطني الاتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي ( الإخوان المسلمين وحلفائهم بقيادة د.الترابي) بنشاط الحزب الشيوعي البرلماني الراقي والنقد الموضوعي لسياسات الحكومة وتقديم البديل، واتساع جماهيرية الحزب الشيوعي وندواته مثل : ندوة الأربعاء الاسبوعية التي كان يقيمها عبد الخالق محجوب ، والتوزيع العالي لصحيفة الميدان لسان حال الحزب الشيوعي الذي أصبح ينافس الصحف الكبرى الأخري.
قامت أحزاب (الأمة والوطني الاتحادي، وجبهة الميثاق افسلامي) بقيادة الإخوان المسلمين بتدبير و"فبركة" مؤامرة حل الحزب الشيوعي، وقامت المليشيات المسلحة لحزب الأمة والإخوان المسلمين بالهجوم علي دور الحزب الشيوعي مما أدي لتدمير وجرحي، ودافع الشيوعيون ببسالة عن دورهم في مواجهة "عنف البادية" كما أطلق عليه عبد الخالق محجوب، وعدلوا الدستور وطرد نوابه من البرلمان.
لكن المؤامرة واجهت مأزقا قانونيا وسياسيا وأخلاقيا ، فدستور السودان المؤقت من الدساتير الجامدة التي لا يمكن تعديل مواده الأساسية، لا سيما فيما يختص بالحريات، فقد حدد مبارك زروق عام 1958 مبادئ تعديل الدستور وخلص الي أن " دستور السودان من الدساتير التي لا يمكن تعديل مواده الأساسية".
أما المأزق السياسي فقد خلق ذلك أزمة سياسية أدت لفقدان المصداقية في الأحزاب التقليدية التي قوضت الديمقراطية دفاعا عن مصالحها الأنانية الطبقية الضيّقة في محاولة يائسة لوقف نمو الوعي والطاقات الشبابية والنسائية التي فجرتها ثورة أكتوبر في الحضر ومواقع الأحزاب التقليدية في الريف.
أما الأخلاقية فتتجلي في الكذب و"فبركة" حادث معهد المعليمن العالي ، ومحاكمة الحزب الشيوعي بأقوال طالب لا علاقة للحزب الشيوعي به، مما فضح تلك الأساليب الخبيئة التي وقف وراءها د. الترابي والإخوان المسلمين ، وتلفيق تهمة الالحاد وغير ذلك من الأكاذيب، لقد وجد ذلك استنكارا واسعا وسط القوى الديمقراطية، وتم تكوين " مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية" الذي ضم الحزب الشيوعي والتيار الديمقراطي داخل الوطني الاتحادي والنقابات. الخ، الذي ركز علي الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة.
بعد ذلك رفع الحزب الشيوعي قضية دستورية الي المحكمة العليا ، وحكمت المحكمة ببطلان التعديلات التي اتخذتها الجمعية التأسيسية لأنها تتعارض مع الدستور ، لكن الصادق المهدي الذي كان رئيسا لمجلس الوزراء يومئذ ، رفض حكم المحكمة العليا واعتبره حكما تقريريا، مما أدي لتحقير القضاء وانتهك استقلاله وقوض الدستور، وخلق أزمة حادة بين الحكومة والقضاء أدت لاستقالة رئيس القضاء، وتم تقويض الديمقراطية بدلا من استقرارها واستدامتها باعتبارها هدف أساسي من أهداف الثورة، مما قاد لانقلاب 25 مايو 1969.
alsirbabo@yahoo.co.uk
1
بعد ثورة أكتوبر 1964 ، ونجاح الاضراب السياسي والعصيان المدني الذي قادته جبهة الهيئات، تمّ تكوين الحكومة الانتقالية الأولي بعد مفاوضات كانت في البداية بين جبهة الأحزاب وقيادات من القوات المسلحة ، وفي وقت لاحق انضم اليها مندوبو جبهة الهيئات، وحزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي.
كان برنامج الفترة الانتقالية للحكومة الجديدة : حل مشكلة الجنوب ووقف الحرب الأهلية، ومكافحة الفساد ، وحل مشاكل الجماهير المعيشية والاقتصادية، واعداد قانون انتخابات لانتخاب جمعية تأسيسية في نهاية الفترة الانتقالية لاعداد دستور دائم للبلاد.
جاء تكوين الحكومة من جبهة الهيئات وتمثيل للعمال والمزارعين والأحزاب ، والقيادات العليا في القوات المسلحة، برئاسة سرالختم الخليفة. كانت المطالب : إقالة عبود ومحاكمة أعضاء المجلس العسكري ، وإعادة تنظيم الإدارة الأهلية، دعم جبهة الهيئات، تصفية الخدمة المدنية من قيادات النظام السابق الفاسدة، وقانون انتخابات ديمقراطي يتم فيه تمثيل المرأة و العمال والمزارعين والخريجين ، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وتوسيع الحقوق الديمقراطية، وإلغاء قانون 1960 للنقابات واستبداله بقانون ديمقراطي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، وتطبيق شروط الخدمة للعمال في القطاع العام في القطاع الخاص وزيادة أجورهم ، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ووقف الحرب والحل السلمي الديمقراطي لمشكلة الجنوب..الخ.
رغم الضعف الذي لازم قوى الثورة مثل : أن الاضراب العام لم يكن محميا ، والتآمر في المفاوضات التي كانت ترمى لتسليم السلطة للقوي التقليدية ، وعزل الحزب الشيوعي من المفاوضات في بداية الأمر ، الا أنه قامت حكومة انتقالية ذات طبيعة وطنية الغالب فيها أنها معادية للاستعمار،وكان من أهم الانجازات علي سبيل المثال لا الحصر:-
- إلغاء الأوامر الدستورية التي اصدرها الحكم العسكري (1958- 1964) ، والعودة لدستور 1956 الانتقالي المعدل 1964 الذي كفل في الفصل الثاني الحقوق والحريات الأساسية ، حق الحرية والمساواة، حرية الدين والرأي وحق تأليف الجمعيات، وحظر القبض علي الأشخاص ومصادرة ممتلكاتهم، التمتع بالحقوق الدستورية، واستقلال القضاء، وأكد في الفصل الثالث: أن السلطة القضائية هي حارسة الدستور ، ولها اختصاص النظر والحكم في أي مسألة تشمل تفسيره أو تطبيق الحقوق والحريات الممنوحة بموجبه.
- إلغاء قانون الجامعة لسنة 1960 ، واطلاق سراح المعتقلين ، وإعادة جميع الضباط الذين فُصلو من الخدمة في ظل الحكم العسكري.
- الغاء قانون النقابات للعام 1960 والعودة لقانون 1948 المعدل 1966 الذي كفل حرية العمل النقابي و تكوين الاتحادات النقابية، وتمّ الاعتراف باتحاد العمال.
- وضعت حكومة سرالختم الخليفة مشكلة الجنوب علي رأس أولوياتها ، وضمت حكومته وزراء من الجنوب، لأول مرة تولي كلمنت امبور وزارة سيادية (وزارة الداخلية) ، وسعت لعقد مؤتمر المائدة المستديرة حتى انعقد في 1965 حول مشكلة الجنوب ، رغم أن المؤتمر لم يتمكن من الوصول لقرار جماعي حول المسائل الادارية والدستورية ، لكنه استطاع تكوين لجنة الاثني عشر التي أُسند اليها مهمة البحث عن حل في ذلك الخصوص ، كما نجح المؤتمر في التعرف علي وجهات نظر القادة الجنوبيين وطبيعة تلك المشاكل ، وضرورة اتخاذ خطوات عملية لحلها.
- اتساع التضامن مع حركات التحرر الوطني في المنطقة كما حدث مع ثورات وحركات: الكونغو ، والمؤتمر الوطني بجنوب أفريقيا ، والشعب الاريتري، والجزائر وفلسطين، والجمهورية العربية المتحدة، الخ.
- صدر قانون الانتخابات للعام 1965 الذي أعطي النساء حق التصويت والترشح للمرة الأولي في تاريخ البلاد، وتخفيض سن الناخب من 21 سنة كما في قانون الانتخابات 1953 الي 18 سنة، وأعطي للخريجين 15 دائرة، لكن من عيوبه: لم يمثل العمال والمزارعين ، وتراجع عن تمثيل مناطق الإنتاج والوعي كما حدث في قانون 1953 ، وقسّم الدوائر عدديا محضا.
2
* كان زخم ثورة أكتوبر كبيرا ، وتعبيرا عن تراكم النضال والوعي لشعب السودان وصراعه من أجل تجديد حياته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والنضال من أجل استقلال السودان، أدي ذلك الزخم لاستيقاظ الريف السوداني ، والوعي بأهمية التنمية وتوفير خدمات التعليم والصحة والخدمات البيطرية والاصلاح الزراعي الديمقراطي ، ومحو الأمية، والدفاع عن مصالح فقراء المزارعين والرعاة ، وبرزت تنظيمات أبناء تلك المناطق للدفاع عن تلك المطالب بعد فشل الأحزاب التقليدية في تلبيتها، وانشغالها بكراسي الحكم، وقامت تنظيمات جبهة أبناء دارفور وجبال النوبا ، واتحاد جنوب وشمال الفونج والروابط القبلية في المدن، وقبل ذلك تأسس مؤتمر البجا في شرق السودان في أكتوبر 1958، واتسعت دائرة الاشتراكية والديمقراطية في السودان، بالتالي حرّكت ثورة أكتوبر ساكن الحياة في الحضر والريف، مما اصاب القوى التقليدية بالهلع ، واصبحت تضع المتاريس وتحيك المؤامرات لانتكاسة الثورة كما حدث في الآتي:
- المحاولة الانقلابية في 9 /11/ 1964 التي واجهتها الجماهير في (ليلة المتاريس) وتمّ احباطها بعد اعتقال جميع أعضاء المجلس الأعلي السابق وترحيلهم الي زالنجي، واستقال الفريق عبود وأُعطي مرتب تقاعدي.
- الفوضي والفتنة القبلية كما حدث يوم الأحد 6 /12 / 1964 (الأحد الأسود الدامي) الذي قٌتل فيه عدد كبير من الاشخاص ، وجرح اكثر من 400 شخص.
- حادث واو يوم 11/ 7/1965 الذي وقع في حفلة عرس أدي لمقتل 56 في مخطط لتمزيق وحدة البلاد (جريدة الميدان31/7/ 1965).
- الضغوط من حزب الأمة والأحزاب التقليدية علي حكومة سر الختم الخليفة ، لدرجة تسيير المواكب من المليشيات المسلحة للانصارضدها بهدف اسقاط الحكومة، واشتدت ضغوط حزب الأمة ومليشياته المسلحة علي سرالختم الخليفة رئيس الوزراء ، فاضطر لتقديم استقالة حكومته في 28 ديسمبر1965، بعد أن اشتدت الضغوط عليه.
3
- بعد استقالة سرالختم الخليفة ، تمّ تشكيل حكومة جديدة في 24 فبراير 1965 ، كان نصيب كل من حزب الأمة والوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي وكتلة الجنوبيين بثلاثة وزراء ، وتمثيل كل من الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين بوزير واحد، بالتالي اصبح للأحزاب التقليدية الأغلبية فيها ، وتمّ الاسراع في الانتخابات المبكرة التي تقرر عقدها في يونيو 1965.
انتخابات 1965 :
جرت انتخابات 1965 بالقانون المشار له سابقا، وشارك فيها 12 حزب ، وعدد الدوائر 233 ، وقاطع حزب الشعب الديمقراطي الانتخابات بسبب عدم قيامها في الجنوب ، وكانت نتيجة الانتخابات : الأمة (92)، الوطني الاتحادي (73)، مستقلون (18)، مؤتمر البجا(15) ، الحزب الشيوعي (11) وكلها في دوائرالخريجين، سانو (10)، جبال النوبا (10)، جبهة الميثاق(5)، وفازت فاطمة أحمد إبراهيم كأول امرأة تدخل البرلمان.
وتمّ تكوين حكومة ائتلافية بين الأمة والوطني الاتحادي راس وزارتها محمد أحمد المحجوب، وبعد أن بلغ الصادق المهدي سن الثلاثين تمّ إخلاء دائرة كوستي له ودخل الجمعية التأسيسة، ولم يلبث قليلا حتى طالب برئاسة مجلس الوزراء من المحجوب، واصبح رئيسا للوزراء لفترة قصيرة بعدها تم اسقاط حكومته وعاد المحجوب لرئاسة الوزراء، كما خلق الصادق المهدي انشقاقا في حزب الأمة جناح الصادق والهادي المهدي.
4
بعد انتظام الجمعية التأسيسية ضاقت أحزاب الأمة والوطني الاتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي ( الإخوان المسلمين وحلفائهم بقيادة د.الترابي) بنشاط الحزب الشيوعي البرلماني الراقي والنقد الموضوعي لسياسات الحكومة وتقديم البديل، واتساع جماهيرية الحزب الشيوعي وندواته مثل : ندوة الأربعاء الاسبوعية التي كان يقيمها عبد الخالق محجوب ، والتوزيع العالي لصحيفة الميدان لسان حال الحزب الشيوعي الذي أصبح ينافس الصحف الكبرى الأخري.
قامت أحزاب (الأمة والوطني الاتحادي، وجبهة الميثاق افسلامي) بقيادة الإخوان المسلمين بتدبير و"فبركة" مؤامرة حل الحزب الشيوعي، وقامت المليشيات المسلحة لحزب الأمة والإخوان المسلمين بالهجوم علي دور الحزب الشيوعي مما أدي لتدمير وجرحي، ودافع الشيوعيون ببسالة عن دورهم في مواجهة "عنف البادية" كما أطلق عليه عبد الخالق محجوب، وعدلوا الدستور وطرد نوابه من البرلمان.
لكن المؤامرة واجهت مأزقا قانونيا وسياسيا وأخلاقيا ، فدستور السودان المؤقت من الدساتير الجامدة التي لا يمكن تعديل مواده الأساسية، لا سيما فيما يختص بالحريات، فقد حدد مبارك زروق عام 1958 مبادئ تعديل الدستور وخلص الي أن " دستور السودان من الدساتير التي لا يمكن تعديل مواده الأساسية".
أما المأزق السياسي فقد خلق ذلك أزمة سياسية أدت لفقدان المصداقية في الأحزاب التقليدية التي قوضت الديمقراطية دفاعا عن مصالحها الأنانية الطبقية الضيّقة في محاولة يائسة لوقف نمو الوعي والطاقات الشبابية والنسائية التي فجرتها ثورة أكتوبر في الحضر ومواقع الأحزاب التقليدية في الريف.
أما الأخلاقية فتتجلي في الكذب و"فبركة" حادث معهد المعليمن العالي ، ومحاكمة الحزب الشيوعي بأقوال طالب لا علاقة للحزب الشيوعي به، مما فضح تلك الأساليب الخبيئة التي وقف وراءها د. الترابي والإخوان المسلمين ، وتلفيق تهمة الالحاد وغير ذلك من الأكاذيب، لقد وجد ذلك استنكارا واسعا وسط القوى الديمقراطية، وتم تكوين " مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية" الذي ضم الحزب الشيوعي والتيار الديمقراطي داخل الوطني الاتحادي والنقابات. الخ، الذي ركز علي الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة.
بعد ذلك رفع الحزب الشيوعي قضية دستورية الي المحكمة العليا ، وحكمت المحكمة ببطلان التعديلات التي اتخذتها الجمعية التأسيسية لأنها تتعارض مع الدستور ، لكن الصادق المهدي الذي كان رئيسا لمجلس الوزراء يومئذ ، رفض حكم المحكمة العليا واعتبره حكما تقريريا، مما أدي لتحقير القضاء وانتهك استقلاله وقوض الدستور، وخلق أزمة حادة بين الحكومة والقضاء أدت لاستقالة رئيس القضاء، وتم تقويض الديمقراطية بدلا من استقرارها واستدامتها باعتبارها هدف أساسي من أهداف الثورة، مما قاد لانقلاب 25 مايو 1969.
alsirbabo@yahoo.co.uk