القوات المسلحة المفترى عليها
د. الوليد آدم مادبو
26 February, 2023
26 February, 2023
بات الحديث عن الدمج حديثاً مبهماً لا يعرف ان كان القصد منه "تذويب شخصية الدعم السريع" كجهة اصبحت تجاهر الكيزان العداء (وان كنت لا ارى اختلافاً جوهرياً في السلوك بين الاثنين من حيث الانتهازية والسلوك النهبوي) ام إنه إجراء القصد منه "تقنين وضع ابناء الهامش" الذين نالوا مكانة استثنائية في وقت وجيز رغم الدروب الوعرة والعشوائية التي شابت ظروف التكوين لهذه القوات.
إن الانصاف للكل يقتضي اعادة النظر في هيكل وبنية وتوجهات القوات المسلحة التي طالما غلبت الانتماءات الشرق اوسطية على حساب الولاءات القومية (فالهرم مقلوب من حيث التضخم في الرتب العليا وضمورها في الرتب الدنيا والبنية غير متسقة بالنظر إلى عدم التناسب بين الفرص المتاحة للترقي والكثافة السكانية لأبناء الاقاليم المختلفة والوجهة غير سليمة قد اضاعت علينا فرص الاستثمار وجدانياً ومادياً في الحزام السوداني)، فهذه القوات رغم ارثها التليد لا تعكس التباين الذي تتسم به الشعوب السودانوية والاخطر إنها اصبحت تمثل لونية ايديولوجية محددة في الثلاث عقود الاخيرة تتنافي وتوجهات الثورة السودانية. لقد عول الكيزان على اتخاذ الهامش حديقة خلفية لخلافتهم وها هم يسعون مجدداً لتصعيد الخلاف بين أبناء الهامش كي لا يصطلوا هم بنار الشقاق، لكن سياسة فرق-تسد لن تجدي هذه المرة وقد وعى الكل حتى على مستوى الجندية خطورة هذا الامر وعواقبه.
عليه فلابد من منهجية علمية تندرج تحتها عملية الدمج وتؤسس عليها قواعد البناء المهني كي تنال الرضى من الكل ولا تشعر مجموعة إثنية أو قبلية بأنها مستهدفة فهذا حريّ أن يؤجج العواطف ويلهب المشاعر في غير ما داعي. مثل هذه القضايا الحساسة لا تحتمل المعالجة في خانة الاستقطاب والمناورات السياسية، بل تتطلب الحكمة ومحاولات النظر ببصيرة والتفكير بذكاء في مالات الامور، وهذاما لا تحسنه اللجنة الامنية. مثل هذه الامور يجب أن يتولاها طاقم كفوء من السياسيين والمدنيين يعكف بهمة على إدارة الامور بروية -حبذا خلف الجدران- ولا يسعى للتظاهر بشجاعة غير مرغوبة إلا في اطرها المسؤولة!
لا أجد مبرراً لمناقشة اعضاء اللجنة الامنية موضوع "الدمج" أو غيره من المسائل السياسية الحساسة مثل "الاتفاق الاطاري" في المناسبات الاجتماعية التي تخص ذويهم فهذا فيه انحياز جهوي وقبلي بالاضافة إلى كونه سمة من سمات عدم الاحترافية التي تتطلب التزام الضباط بمهنيتهم وعدم اقحام العامة في مسائل ذات طابعي امني وعسكري. اذا كانوا لا يملكون الشجاعة لمواجهة بعضهم البعض في الغرف المغلقة فالأحرى ألّا يتكلموا في الهواء الطلق لأن ذلك يحدث انقساماً غير مبرر في المجتمع. لاسيما أنهم بحكم تأهيلهم المحدود وقدراتهم المتواضعة لا يملكون الحصافة والنباهة اللازمتين للتحدث من بنات افكارهم دون التأثر برعونة مشاعرهم.
لقد برئت الولايات الشمالية -لاسباب تاريخية معلومة- من العلل التي اصابت المجتمعات الاخرى مثل التمليش والتجييش وها هم يسعون لاقحامها عنوة في توجهاتهم غير السوية والتي دمّروا بها كافة أنحاء القطر. يجب ان يعي العسكر ان حيل التحشيد والتحشيد المضاد ما عادت تجدي بل إنها ولت مع الانقاذ إلى غير رجعة وأنها ما عادت تنطلي على احد مهما بلغ من امية نسبة إلى أن التجارب المريرة والواقع المعاش قد فتّح أفاق الناس ووسع مداركهم. إن اختلاف اعضاء اللجنة الامنية لا يهم الشعب في شئ لأنه اختلاف حول مصالحهم الشخصية وطموحاتهم الذاتية وليس انقساماً لمصلحة الوطن فهم شركاء في كل محطات الفساد والاستبداد.
المسؤولون في السودان من عسكريين ومدنيين يقرون بالفشل لكنهم لا ينسحبون من المشهد كي يفسحوا المجال لغيرهم، هذه هي "ثقافة الاستحقاق" التي توهم الانسان بأنه فريد عصره وأنه لا يمكن الاستعاضة عنه بأخرين مهما عظم الفدح. تكمن خطورة هذا الامر في رهن الشخص لمستقبل البلاد وربطها بمصيره الشخصي. في شأن التعامل مع اسرائيل مثلاً كقضية مصيرية وحيوية، نقول إن كان ولابد فينبغي للنخب العسكرية أن تتعامل مع الكيان الصهيوني من منظور استراتيجي، يقيمون من خلاله مصالح السودان السياسية والاقتصادية والجيواستراتيجية، ولا ينبغي أن يخضع هذا الأمر للمصالح الفئوية أو الشخصية، التي تتعارض مع تاريخ الشعب ومنطلقاته العقائدية.
ختاماً، كلما التقيت بضباط في القوات المسلحة -خاصة من المعاشيين- وحدثوني عن خبرتهم الادارية والمهنية، بُعث في نفسي الأمل وأدركت بأنه لا محيص عن الاستعانة بهؤلاء النفر في بناء جيش احترافي مهني صاحب ولاء أوحد لا يتجزأ ووجهة صائبة لا تستميل. هؤلاء الرجال يُمَثِلون الذاكرة المؤسسية التي تعتبر الاساس في بناء أي صرح وطني، ويَمْثُلون كالطود الشامخ في تبيان قيم النزاهة والوطنية. (لقد انتقل قادتهم إلى الدار الأخرة، فلنلحق على من بقي منهن لتشييد جيش وطني ولتخصص الدولة لبعضهم منح تفرغ لكتابة مذكراتهم وتدوين ارائهم القيمة). إن اي درب غير هذا الدرب سيدخل السودانفي مأزق حقيقي ومصير لا تحمد عقباه.
auwaab@gmail.com
إن الانصاف للكل يقتضي اعادة النظر في هيكل وبنية وتوجهات القوات المسلحة التي طالما غلبت الانتماءات الشرق اوسطية على حساب الولاءات القومية (فالهرم مقلوب من حيث التضخم في الرتب العليا وضمورها في الرتب الدنيا والبنية غير متسقة بالنظر إلى عدم التناسب بين الفرص المتاحة للترقي والكثافة السكانية لأبناء الاقاليم المختلفة والوجهة غير سليمة قد اضاعت علينا فرص الاستثمار وجدانياً ومادياً في الحزام السوداني)، فهذه القوات رغم ارثها التليد لا تعكس التباين الذي تتسم به الشعوب السودانوية والاخطر إنها اصبحت تمثل لونية ايديولوجية محددة في الثلاث عقود الاخيرة تتنافي وتوجهات الثورة السودانية. لقد عول الكيزان على اتخاذ الهامش حديقة خلفية لخلافتهم وها هم يسعون مجدداً لتصعيد الخلاف بين أبناء الهامش كي لا يصطلوا هم بنار الشقاق، لكن سياسة فرق-تسد لن تجدي هذه المرة وقد وعى الكل حتى على مستوى الجندية خطورة هذا الامر وعواقبه.
عليه فلابد من منهجية علمية تندرج تحتها عملية الدمج وتؤسس عليها قواعد البناء المهني كي تنال الرضى من الكل ولا تشعر مجموعة إثنية أو قبلية بأنها مستهدفة فهذا حريّ أن يؤجج العواطف ويلهب المشاعر في غير ما داعي. مثل هذه القضايا الحساسة لا تحتمل المعالجة في خانة الاستقطاب والمناورات السياسية، بل تتطلب الحكمة ومحاولات النظر ببصيرة والتفكير بذكاء في مالات الامور، وهذاما لا تحسنه اللجنة الامنية. مثل هذه الامور يجب أن يتولاها طاقم كفوء من السياسيين والمدنيين يعكف بهمة على إدارة الامور بروية -حبذا خلف الجدران- ولا يسعى للتظاهر بشجاعة غير مرغوبة إلا في اطرها المسؤولة!
لا أجد مبرراً لمناقشة اعضاء اللجنة الامنية موضوع "الدمج" أو غيره من المسائل السياسية الحساسة مثل "الاتفاق الاطاري" في المناسبات الاجتماعية التي تخص ذويهم فهذا فيه انحياز جهوي وقبلي بالاضافة إلى كونه سمة من سمات عدم الاحترافية التي تتطلب التزام الضباط بمهنيتهم وعدم اقحام العامة في مسائل ذات طابعي امني وعسكري. اذا كانوا لا يملكون الشجاعة لمواجهة بعضهم البعض في الغرف المغلقة فالأحرى ألّا يتكلموا في الهواء الطلق لأن ذلك يحدث انقساماً غير مبرر في المجتمع. لاسيما أنهم بحكم تأهيلهم المحدود وقدراتهم المتواضعة لا يملكون الحصافة والنباهة اللازمتين للتحدث من بنات افكارهم دون التأثر برعونة مشاعرهم.
لقد برئت الولايات الشمالية -لاسباب تاريخية معلومة- من العلل التي اصابت المجتمعات الاخرى مثل التمليش والتجييش وها هم يسعون لاقحامها عنوة في توجهاتهم غير السوية والتي دمّروا بها كافة أنحاء القطر. يجب ان يعي العسكر ان حيل التحشيد والتحشيد المضاد ما عادت تجدي بل إنها ولت مع الانقاذ إلى غير رجعة وأنها ما عادت تنطلي على احد مهما بلغ من امية نسبة إلى أن التجارب المريرة والواقع المعاش قد فتّح أفاق الناس ووسع مداركهم. إن اختلاف اعضاء اللجنة الامنية لا يهم الشعب في شئ لأنه اختلاف حول مصالحهم الشخصية وطموحاتهم الذاتية وليس انقساماً لمصلحة الوطن فهم شركاء في كل محطات الفساد والاستبداد.
المسؤولون في السودان من عسكريين ومدنيين يقرون بالفشل لكنهم لا ينسحبون من المشهد كي يفسحوا المجال لغيرهم، هذه هي "ثقافة الاستحقاق" التي توهم الانسان بأنه فريد عصره وأنه لا يمكن الاستعاضة عنه بأخرين مهما عظم الفدح. تكمن خطورة هذا الامر في رهن الشخص لمستقبل البلاد وربطها بمصيره الشخصي. في شأن التعامل مع اسرائيل مثلاً كقضية مصيرية وحيوية، نقول إن كان ولابد فينبغي للنخب العسكرية أن تتعامل مع الكيان الصهيوني من منظور استراتيجي، يقيمون من خلاله مصالح السودان السياسية والاقتصادية والجيواستراتيجية، ولا ينبغي أن يخضع هذا الأمر للمصالح الفئوية أو الشخصية، التي تتعارض مع تاريخ الشعب ومنطلقاته العقائدية.
ختاماً، كلما التقيت بضباط في القوات المسلحة -خاصة من المعاشيين- وحدثوني عن خبرتهم الادارية والمهنية، بُعث في نفسي الأمل وأدركت بأنه لا محيص عن الاستعانة بهؤلاء النفر في بناء جيش احترافي مهني صاحب ولاء أوحد لا يتجزأ ووجهة صائبة لا تستميل. هؤلاء الرجال يُمَثِلون الذاكرة المؤسسية التي تعتبر الاساس في بناء أي صرح وطني، ويَمْثُلون كالطود الشامخ في تبيان قيم النزاهة والوطنية. (لقد انتقل قادتهم إلى الدار الأخرة، فلنلحق على من بقي منهن لتشييد جيش وطني ولتخصص الدولة لبعضهم منح تفرغ لكتابة مذكراتهم وتدوين ارائهم القيمة). إن اي درب غير هذا الدرب سيدخل السودانفي مأزق حقيقي ومصير لا تحمد عقباه.
auwaab@gmail.com