الناطق للشيوعي يفتح باب الصراحة و الوضوح البرنامج الحزبي وفترة الانتقال (4-4)

 


 

 

عندما تفجرت ثورة ديسمبر 2018م لم تكن هي التجربة الأولي للقوى السياسي، لكي تجد الجماهير العذر للأحزاب السياسية في فشلها في انجاز مهام الثورة بالصورة التي تؤدي إلي انتقال سلس لعملية التحول الديمقراطي، بل هي كانت التجربة الرابعة للانتقال في تاريخ السودان المعاصر، كانت التجربة الأولي 1953م قبل الاستقلال، اعتبرت هي الانتقال من مرحلة تاريخية في النضال إلي مرحلة انتقلت فيها النخبة السياسية السودانية إلي السلطة، هذه المرحلة إختلفت فيها الأراء، ثم جاءت تجربة أكتوبر الانتقالية 1964م، و برز الصراع بين القوى المدنية المؤدلجة في جبهة الهيئات مع الأحزاب السياسية، و استطاعت القوى السياسية أن تتخطاها، ثم تجربة إبريل 1985م الإنتقالية التي استطاع التجمع النقابي أن يتوافق مع القوى العسكرية و لم تتعدى العام. في كل هذه التجارب الثلاث أن الأحزاب كانت جزء من الحركة الجماهير منذ اندلاعها حتى رحيل الاستعمار و النظم العسكرية، في تجربة ثورة ديسمبر 2018م، أن الأحزاب لحقت بالثورة، و لحاقها يؤكد أنها لم تكن في حالة استعداد كامل يجعلها متابعة لحركة الشارع، و ردود فعله تجاه قرارات النظام خاصة الاقتصادية، لذلك لم تكن في حالة من الاستعداد الذي يجعلها تتفق على مشروع سياسي، يتم انجازه، بل كانت القوى السياسية في شكل تجمعات و تحالفات غير متجانسة، عدم التجانس و سقوط النظام، جعل بعض القوى السياسية لا تفرق بين الفترة الانتقالية باعتبارها مرحلة انتقال تنجز فيها مهام محددة، و مرحلة انتخابية تتصارع فيها القوى السياسية لفرض برامجها. الحزب الشيوعي وقع في هذه الإشكالية، يريد أن يحول الفترة الانتقالية إلي ثورة دائمة على المفهوم التروتسكي، و أن يجعل الثورة معبر لصراع طبقي يحقق من خلاله برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية.
و يتأكد ذلك عندما يقول الأستاذ فتحي فضل الناطق الرسمى في الحوار الذي أجرته معه جريدة ( الجريدة) يقول حول التصدي للواقع السياسي غير المرضي عنه من قبل الزملاء يقول " يجب بناء جبهة عريضة يمكن أن تقاوم أولا و تهزم ثانيا، و الجهود الشعبية الرافضة لهذا التدخل مع تشعبها و اجتماعاتها المختلفة لا يمكن لها أن تنجح بدون وجود رافع يساعد في نجاح مهمتها، و هو التحالف الإستراتيجي القوى الذي تستطيع القوى الثورية حتى الآن بناءه و قيامه بإخضاع التحالفات التكتيكية للمساعدة في قيامه يفيد كثيرا النهوض و تنظيم النضال الشعبي و المضي بها إلي الأمام" هنا فضل يتحدث عن تحالف إستراتيجي ليس له علاقة بالفترة الانتقالية، لآن الفترة الانتقالية: يجب أن تتفق أغلبية القوى السياسية على مختلف مدارسها الفكرية على مشروع سياسي يفكك دولة الحزب الواحد إلي التعددية السياسية و الاتفاق على قانون الانتخابات و إجراء تعدد إحصائي و تكوين المؤسسات المطلوب ـاسيسها لمصلحة التحول الديمقراطي. لكن الأستاذ فضل يريدها معركة أنجاز برنامج الحزب الشيوعي أو السير في طريق برنامجه، لذلك رفع سقف مطالبه، اعتمادا أنه يستطيع أن يمارس الضغط على القوى السياسية بالشارع الذي استطاع أن يقبض على بعض مفاصله.
أن تعجل الحزب الشيوعي في محاولة لفرض برنامجه، جعله يتخبط في مساره السياسي، بدأ بالقول أنهم لن يشاركوا في المؤسسات الدستورية للفترة الانتقالية. ثم عدل ذلك و أكد أنه يريد فقط المشاركة في المجلس التشريعي، و مرحلة أخرى يخرج من تحالف قوى الحرية و التغيير، ثم يعلن أنه بصدد اسقاط حكومة حمدوك. هذه الإجراءات تؤكد حالة الإضطراب في القيادة و فشلها في قراءة الواقع و تناقضاته، الأمر الذي جعل الحزب يركز لجان المقاومة لعل يجد منها ما يعينه. حتى أهتدى لتكوين تحالف الجذريين الذي يضم الحزب الشيوعي و واجهاته فقط : يقول الأستاذ فضل " تحالف قوى التغيير الجذري لايزال في طور جنيني و كحزب مطلوب مننا ندعم هذا التحالف و نشر برنامجه و الوصول للقواعد و لا تزال حتى الآن هذه القضية محصورة بشكل كبير في العاصمة و قوى التغيير الجذري تتحاور فيما بينها على مستوى القيادة حول كيفية الوصول للقاعدة" الغريب في الأمر أن تحالف الجذريين لم يستطيع أن يستقطب أي قوى خارج أسوار الحزب الشيوعي. و هذه في حد ذاتها كان يجب أن تكون مكان تساؤل لقيادة الحزب. و بما أن ( المركزية الديمقراطية) لا تتيح لقواعد الحزب أن تثير أي حوار مناهض لرأي القيادة، جعل الحزب يحلق في عوالم فترة الحرب الباردة.
و حول الوحدة و النضال المشترك، يحلق بنا فتحي فضل في فضاء التروتسكية حيث يقول الأستاذ فضل " في رأينا الأهتمام أولا بتنظيم القوى و الطبقات و دعنا نتوقف هنا لنوضح ما المقصود بالطبقات: من الواضح الآن في الحراك الجماهيري غياب العمود الفقري لقوى التغيير الجذري، و هو تحالف العمال و المزارعين، و من هنا نبدأ و نقول أن تنظيم حركة الطبقة العاملة هو وأجب أساسي أمام قوى التغيير و بشكل خاص يقع أغلب العبء على الحزب الشيوعي بتنظيم الطبقة العاملة و قيام حركة المزارعين الديمقراطية و في ذات الوقت تكوين الاجسام التي تساعد الحركة الجماهيرية في نضالها" إذا سألنا القيادة التاريخية الاستالينية ما هي علاقة الفترة الانتقالية التي يجب أن تمهد البلاد لانتخابات بالمطلوبات التي يريدها الحزب الشيوعي من خلال حديث ناطقه الرسمي الداعي إلي تنظيم العمود الفقري للطبقات تحالف (العمال و المزارعين). و ما هي الجهة التي يطالبها فضل أن تعمل من أجل هذا التحالف، هل هي القوى السياسية المتشاكسة في الفترة الانتقالية، التي لم تكن عينها إلا على السلطة، أم هي البرجوازية الصغيرة ( المنسلخين طبيقيا) التي تشكل 95% من عضوية الحزب الشيوعي، أن التحالف الذي يتحدث عنه الأستاذ فضل هو برنامج الحزب الشيوعي الذي يجد تحديا قويا من قبل القوى الأخرى الديمقراطية، و سوف تكشف ذلك أول انتخابات سوف تجرى على القطاعين.
إذا انتقلنا إلي أهم قضية أوجدتها ثورة ديسمبر 2018م هي قضية لجان المقاومة، و لجان المقاومة قوى جديدة استطاعت أن تتحكم في الشارع و تمارس ضغطا على الحكومة و السلطة، و قد استطاعت أن تفرض ذاتها لكنها غير منظمة بالصورة التي تجعلها تستطيع أن تدير شأنها السياسي و تفرض أجندة جديدة على الساحة السياسية لذلك كانت عرضة لإختراقات من جانب القوى السياسية، خاصة الحزب الشيوعي الذي فرغ 85% من كادره الوسطي أن يعمل وسط لجان المقاومة، و يتأكد تأثير الحزب الشيوعي على بعض لجان المقاومة من خلال ( المواثيق) التي أصدرتها هذه اللجان. يقول الأستاذ فضل " أن تكون لجان المقاومة على علاقة مباشرة مع القوى المنتجة من عمال و مزارعين هذه العلاقة ستتحول بصورة أو أخرى إلي تنظيم داخل الجبهة الوطنية العريضة يمكن أن تسقط النظام عبر الاضراب السياسي و العصيان المدني، و الاضراب السياسي الدور الأساسي فيه هو دور المنتجين و بالتالي الاتفاق حول هذه النقطة بين لجان المقاومة و بقية القوى الحية هي مسألة مهمة جدا" الأستاذ فضل لا يتحدث هنا عن فترة انتقالية بل يتحدث عن برنامج الحزب الانتخابي. و أيضا يحاول أن يؤكد أن لجان المقاومة أصبحت جزء من تحالف ثوري يريد الحزب أن يوظفه في قضية الصراع الطبقي. و هي المصطلحات التي يجب أن تكون قد سقطت مع سقوط حائط برلين. و خرجت من الاستخدام السياسي إلا في حالة الرجوع للتاريخ. لذلك لا تستطيع قيادته التاريخية الاستالينية أن تغادر حالة الحنين للماضي.
يجب أن تتأكد القيادة التاريخية الاستالينية أن السودان في حالة تخلق جديدة، سوف تسقط كل الريات القديمة، و كل الإرث السياسي التقليدي الذي أورث البلاد الفشل، و الذي استطاع أن يخلق حالة من تحدي استمرت لعقود طوال، و الأجيال الجديدة هي الآن ترى بعينيها حالة البلاد و هي تعاني من كل شيء لا يليق بالحضارة الإنسانية، لذلك هي تريد قوى سياسية جديدة ذات تفكير جديد، تتجاوز به كل الخراب الذي خلفته العقول المغلقة التي عجز الضوء أختراقها. في الختام أشكر الأستاذ فضل على اتساع الصدر. و نسأل الله حسن البصير.

zainsalih@hotmail.com
//////////////////////////

 

آراء