تساؤلات حول: (نبوة محمدٍ ﷺ بين مراحل خلق آدم عليه السلام)
أحمد يحيى زُقلي
17 March, 2023
17 March, 2023
إنّ خالق الإنسان وخالق كل شيء سُبحانه، شاء أنْ يعرف المخلوق كل تفاصيل إيجاده في هذا الوجود. لذا نجد أن القرآن الكريم يضم كثيرا من تلك التفاصيل. كما جاءت السُنة المطهرة بتفاصيل جديدة.
فكان من تمام الهُدى الرباني أنه لم يترك للإنسان مجالا للحيرة. فقصّ له قصة وجوده من الألف إلى الياء. وما علينا نحن المؤمنين بالله سوى الإجتهاد لربط الأحداث وفهم تسلسلها.
ثم لم يشأ الله أن يتركنا حيارى أمام هذه التفاصيل والمعلومات. لذا أنعم علينا بنعمة العقل الذي هو الأب الشرعي للتفكير والإستنباط والترجيح والاستخلاص وهكذا.
إذن لم يُرد لنا الله أن نعاني انفصاما، ولم يشأ أن يستقبل الإنسان المعلومات بدون تفكير- كما يريد بعضهم-، ولذلك حثنا سبحانه على تدبُر آي القرآن الكريم. من اجل أنْ نعقل ونعي ونستوعب ونفهم مُراد الله من ذكر هذه البيانات الربانية عن ذلك المخلوق الذي اسمه الإنسان.
يقول تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِه).وَقَالَ تَعَالى أيضا: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). ومعلوم أنّ كتاب الله تعالى فيه ما هو غيبيات و ما هو ظاهر للعيان. ورغم ذلك لم ينهانا القرآن عن التدبر في هذه الغيبيات.
وذلك، لأن هذه الغيبيات قد أبانها الله تعالى في آياته. ومن هُنا لم يستثني سبحانه من الحث على التدبر شيئا مما جاء في القرآن؛ لا غيب ولا شهادة.
إن التدبر في الآيات التي تتناول قضايا الغيب، له حِكمه، لذا أراد سبحانه من حثنا على التدير فيها، أنْ نصل إلى هذه الحِكم. وما التدبر في كلام الله إلا المصدر الرئيسي لاستنباط الحِكم، وكذا الأحكام.
إلى هنا، أرى وجوب أن يغادرنا من يُحاربون استخدام العقل في فهم كتاب الله، ومقابلة آياته لمعرفة الأسرار.. (أفلا يعقلون)؟.
كان هذا تقديما لما سيأتي. حتى يتبين للناس أننا لا نسير بغير هُدى رباني. يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّه) {آلُ عمران: من الآية 73). وسيجد هؤلاء إن اكملوا القراءة أن صحابيا يسأل في أمر غيبي، ومع ذلك لم ينهه ﷺ بل أجابه بكل رحابة. والآن ندخل في التفاصيل:
قال ميسرة: قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا؟ وفي رواية - متى كتبت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. أخرجه أحمد (20596)، والترمذي في (العلل) (683).
قال في مجموع الفتاوى (٨-٢٨٢ و ٢٨٣): المعنى أن الله كتب نبوته فأظهرها وأعلنها بعد خلق جسد آدم وقبل نفخ الروح فيه كما أخبر أنه يكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقاوته وسعادته بعد خلق جسده وقبل نفخ الروح فيه".
وفي موضع آخر يقول ابن تيمية:
" قَالَ {بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ} وَقَالَ {وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ} [...] فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا أَيْ كُتِبَ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ}. وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ فِيهَا يُقَدَّرُ التَّقْدِيرُ الَّذِي يَكُونُ بِأَيْدِي مَلَائِكَةِ الْخَلْقِ فَيُقَدَّرُ لَهُمْ وَيَظْهَرُ لَهُمْ وَيَكْتُبُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَخْلُوقِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ....أ.هـ
وقال في موضع ثالث: (لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جَسَدَ آدَمَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ: كَتَبَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدَّرَهَا). انتهى كلام ابن تيمية.
وفي رواية عن أبي هريرة أنه قال: قالوا: يا رسولَ اللهِ! مَتى وجَبت لكَ النُّبوَّةُ؟ قال: وآدمُ بين الرُّوحِ والجسَدِ. أخرجه الترمذي (3609) واللفظ له، وأبو نعيم في ((تاريخ أصبهان)) (2/197) اورده الألباني في( هداية الرواة) وقال: صحيح.
قلت: والحديث يُشير إلى أن الله كتب نبوته صلى الله عليه وسلم، قبل نفخ الرُوح في آدم عليه السلام أي قبل سجود الملائكة لأبي البشر.
وفي المقابل، هناك من شرح الحديث على أنّ فيه اشارة إلى استخراج الذرية من ظهر آدم عليه السلام وأخذ الميثاق عليهم. مثل سلمان الفارسي وغيره من السلف. كما فسر مجاهد وغيره قوله تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، بأنّ إخراج ذريّة آدم من ظهره كانت قبل أمر الملائكة بالسجود له.
لكن في المقابل، نجد أنّ أكثر الأحاديث تدل على أن استخراج ذريّة آدم منه كانت بعد نفخ الروح فيه. لذا ذهب جمهور السلف إلى أن الميثاق تمّ بعد نفخ الروح في آدم وسجود الملائكة له.
وبناء على ذلك، ذهب البعض إلى أنّ الحديث يعني أنّ ميثاق الانبياء كان قبل نفخ الروح في آدم. أي قبل ميثاق بني آدم الذي أُخذ عليهم في حياة آدم.
وقال ابن القيم رحمه الله: (وهذا تقدير بعد التقدير الأول السابق على خلق السماوات والأرض، وبعد التقدير الذي وقع يوم استخراج الذرية بعد خلق أبيهم آدم .. " انتهى، (شفاء العليل:ص22).
يقول تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم). فالآية صريحة في أن الله تعالى خلقنا وصورنا في ظهر ابينا آدم، وذلك قبل مشهد نفخ الروح في آدم وتلى النفخَ سجود الملائكة له.
والحديث الشريف لا يُشير لا من قريب ولا من بعيد إلى عِلم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر او إبلاغ الله تعالى له بنبوته او اخذ الميثاق عليه. بل إن السؤال كان عن زمن ووقت كتابته نبيا او وجوب النبوة له: (متى كنت نبيا؟ مَتى وجَبت لكَ النُّبوَّةُ؟) ولم يسأل السائل (متى علمت). ولو قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كإجابة على سؤال (متى علمت) لقلنا إنه علم بالضرورة إبان ميثاق الانبياء. لكن الحديث لا يُشير إلى ذلك.
لذا قلنا: الذي يظهر لي في قوله ﷺ: (بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ) وقوله في رواية أخرى (وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ)، أن هذا إشارة إلى خلقه صلى الله عليه وسلم. أي أنه كتبت نبوته يوم أنْ خلقه الله وصوره في ظهر أبينا آدم.
أما الرواية الثانية التي اوردها ابن تيمية: (متى كتبت نبيا؟) وبقوله: (وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ فِيهَا يُقَدَّرُ التَّقْدِيرُ الَّذِي يَكُونُ بِأَيْدِي مَلَائِكَةِ الْخَلْقِ فَيُقَدَّرُ لَهُمْ وَيَظْهَرُ لَهُمْ وَيَكْتُبُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَخْلُوقِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ). انتهى
هنا ذهب ابن تيمية إلى ربط الامر بكتابة التقدير لسيدنا آدم عليه السلام. عِلما بأن هذا القول يُخالف قول النبي ﷺ في الحديث الذي يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وعمله وأجله وشقي او سعيد). رواه البخاري ومسلم
ومعلوم أن ابن تيمية رحمه الله يعلم أنّ هذا الحديث يشمل قاعدة خلق ذرية آدم جميعها، وأنّ نفخ الرُوح في الذرية يسبق كتابة الاقدار.
فهل معنى الحديث محل الدراسة أن نفخ الرُوح في أبينا آدم كان تاليا لكتابة قدره. وبذلك يتفرد عليه السلام بهذا الأمر؟
وهنا نسأل كذلك: هل كتابة تقدير نبوة النبي ﷺ
إبان خلق أبينا آدم وفي كتاب قدره أمرٌ خاص بالنبي ﷺ أم يشمل كل الانبياء؟ أم ينسحب على كل الذرية؟
ام أن ورود النبي ﷺ في كتاب اقدار أبينا آدم سببه أنّ الله سيُخرج من ظهر سيدنا آدم كل ذريته ويشهدهم على أنفسهم في لحظة العهد والميثاق التي تنضوي تحت أقدار سيدنا آدم؟
وإن كان كذلك، فالمعلوم أن بني آدم جميعا حضروا مشهد العهد والميثاق، فهل يُعني ذلك أنّ جميع بنيه مدونون في كتابه عليه السلام؟
وإن كان الأمر كذلك، فإنّنا نحن الذرية أيضا حضرنا هذا المشهد، فهل نجد أبينا آدم وكل الذرية في كُتبنا؟ أم أن ذلك شأن خاص بسيدنا آدم فقط لأنه كان حيا؟ وبالتالي لن تُكتب كتبنا إلا عند إعلان بداية حيواتنا بنفخ الرُوح كما هو ثابت؟ وبالتالي لن تشمل كُتب أقدارنا ما مرّ بنا ونحن أموات؟
هذه بعض تساؤلات طافت في عقلي. فطرحتها لعَلّها تجد من يجيبها، عن عِلم.
أحمد يحيى زُقلي
إعلامي مصري مقيم بالكويت
ahmedyahya962@gmail.com
/////////////////////////////
فكان من تمام الهُدى الرباني أنه لم يترك للإنسان مجالا للحيرة. فقصّ له قصة وجوده من الألف إلى الياء. وما علينا نحن المؤمنين بالله سوى الإجتهاد لربط الأحداث وفهم تسلسلها.
ثم لم يشأ الله أن يتركنا حيارى أمام هذه التفاصيل والمعلومات. لذا أنعم علينا بنعمة العقل الذي هو الأب الشرعي للتفكير والإستنباط والترجيح والاستخلاص وهكذا.
إذن لم يُرد لنا الله أن نعاني انفصاما، ولم يشأ أن يستقبل الإنسان المعلومات بدون تفكير- كما يريد بعضهم-، ولذلك حثنا سبحانه على تدبُر آي القرآن الكريم. من اجل أنْ نعقل ونعي ونستوعب ونفهم مُراد الله من ذكر هذه البيانات الربانية عن ذلك المخلوق الذي اسمه الإنسان.
يقول تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِه).وَقَالَ تَعَالى أيضا: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). ومعلوم أنّ كتاب الله تعالى فيه ما هو غيبيات و ما هو ظاهر للعيان. ورغم ذلك لم ينهانا القرآن عن التدبر في هذه الغيبيات.
وذلك، لأن هذه الغيبيات قد أبانها الله تعالى في آياته. ومن هُنا لم يستثني سبحانه من الحث على التدبر شيئا مما جاء في القرآن؛ لا غيب ولا شهادة.
إن التدبر في الآيات التي تتناول قضايا الغيب، له حِكمه، لذا أراد سبحانه من حثنا على التدير فيها، أنْ نصل إلى هذه الحِكم. وما التدبر في كلام الله إلا المصدر الرئيسي لاستنباط الحِكم، وكذا الأحكام.
إلى هنا، أرى وجوب أن يغادرنا من يُحاربون استخدام العقل في فهم كتاب الله، ومقابلة آياته لمعرفة الأسرار.. (أفلا يعقلون)؟.
كان هذا تقديما لما سيأتي. حتى يتبين للناس أننا لا نسير بغير هُدى رباني. يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّه) {آلُ عمران: من الآية 73). وسيجد هؤلاء إن اكملوا القراءة أن صحابيا يسأل في أمر غيبي، ومع ذلك لم ينهه ﷺ بل أجابه بكل رحابة. والآن ندخل في التفاصيل:
قال ميسرة: قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا؟ وفي رواية - متى كتبت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. أخرجه أحمد (20596)، والترمذي في (العلل) (683).
قال في مجموع الفتاوى (٨-٢٨٢ و ٢٨٣): المعنى أن الله كتب نبوته فأظهرها وأعلنها بعد خلق جسد آدم وقبل نفخ الروح فيه كما أخبر أنه يكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقاوته وسعادته بعد خلق جسده وقبل نفخ الروح فيه".
وفي موضع آخر يقول ابن تيمية:
" قَالَ {بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ} وَقَالَ {وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ} [...] فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا أَيْ كُتِبَ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ}. وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ فِيهَا يُقَدَّرُ التَّقْدِيرُ الَّذِي يَكُونُ بِأَيْدِي مَلَائِكَةِ الْخَلْقِ فَيُقَدَّرُ لَهُمْ وَيَظْهَرُ لَهُمْ وَيَكْتُبُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَخْلُوقِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ....أ.هـ
وقال في موضع ثالث: (لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جَسَدَ آدَمَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ: كَتَبَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدَّرَهَا). انتهى كلام ابن تيمية.
وفي رواية عن أبي هريرة أنه قال: قالوا: يا رسولَ اللهِ! مَتى وجَبت لكَ النُّبوَّةُ؟ قال: وآدمُ بين الرُّوحِ والجسَدِ. أخرجه الترمذي (3609) واللفظ له، وأبو نعيم في ((تاريخ أصبهان)) (2/197) اورده الألباني في( هداية الرواة) وقال: صحيح.
قلت: والحديث يُشير إلى أن الله كتب نبوته صلى الله عليه وسلم، قبل نفخ الرُوح في آدم عليه السلام أي قبل سجود الملائكة لأبي البشر.
وفي المقابل، هناك من شرح الحديث على أنّ فيه اشارة إلى استخراج الذرية من ظهر آدم عليه السلام وأخذ الميثاق عليهم. مثل سلمان الفارسي وغيره من السلف. كما فسر مجاهد وغيره قوله تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، بأنّ إخراج ذريّة آدم من ظهره كانت قبل أمر الملائكة بالسجود له.
لكن في المقابل، نجد أنّ أكثر الأحاديث تدل على أن استخراج ذريّة آدم منه كانت بعد نفخ الروح فيه. لذا ذهب جمهور السلف إلى أن الميثاق تمّ بعد نفخ الروح في آدم وسجود الملائكة له.
وبناء على ذلك، ذهب البعض إلى أنّ الحديث يعني أنّ ميثاق الانبياء كان قبل نفخ الروح في آدم. أي قبل ميثاق بني آدم الذي أُخذ عليهم في حياة آدم.
وقال ابن القيم رحمه الله: (وهذا تقدير بعد التقدير الأول السابق على خلق السماوات والأرض، وبعد التقدير الذي وقع يوم استخراج الذرية بعد خلق أبيهم آدم .. " انتهى، (شفاء العليل:ص22).
يقول تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم). فالآية صريحة في أن الله تعالى خلقنا وصورنا في ظهر ابينا آدم، وذلك قبل مشهد نفخ الروح في آدم وتلى النفخَ سجود الملائكة له.
والحديث الشريف لا يُشير لا من قريب ولا من بعيد إلى عِلم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر او إبلاغ الله تعالى له بنبوته او اخذ الميثاق عليه. بل إن السؤال كان عن زمن ووقت كتابته نبيا او وجوب النبوة له: (متى كنت نبيا؟ مَتى وجَبت لكَ النُّبوَّةُ؟) ولم يسأل السائل (متى علمت). ولو قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كإجابة على سؤال (متى علمت) لقلنا إنه علم بالضرورة إبان ميثاق الانبياء. لكن الحديث لا يُشير إلى ذلك.
لذا قلنا: الذي يظهر لي في قوله ﷺ: (بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ) وقوله في رواية أخرى (وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ)، أن هذا إشارة إلى خلقه صلى الله عليه وسلم. أي أنه كتبت نبوته يوم أنْ خلقه الله وصوره في ظهر أبينا آدم.
أما الرواية الثانية التي اوردها ابن تيمية: (متى كتبت نبيا؟) وبقوله: (وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ فِيهَا يُقَدَّرُ التَّقْدِيرُ الَّذِي يَكُونُ بِأَيْدِي مَلَائِكَةِ الْخَلْقِ فَيُقَدَّرُ لَهُمْ وَيَظْهَرُ لَهُمْ وَيَكْتُبُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَخْلُوقِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ). انتهى
هنا ذهب ابن تيمية إلى ربط الامر بكتابة التقدير لسيدنا آدم عليه السلام. عِلما بأن هذا القول يُخالف قول النبي ﷺ في الحديث الذي يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وعمله وأجله وشقي او سعيد). رواه البخاري ومسلم
ومعلوم أن ابن تيمية رحمه الله يعلم أنّ هذا الحديث يشمل قاعدة خلق ذرية آدم جميعها، وأنّ نفخ الرُوح في الذرية يسبق كتابة الاقدار.
فهل معنى الحديث محل الدراسة أن نفخ الرُوح في أبينا آدم كان تاليا لكتابة قدره. وبذلك يتفرد عليه السلام بهذا الأمر؟
وهنا نسأل كذلك: هل كتابة تقدير نبوة النبي ﷺ
إبان خلق أبينا آدم وفي كتاب قدره أمرٌ خاص بالنبي ﷺ أم يشمل كل الانبياء؟ أم ينسحب على كل الذرية؟
ام أن ورود النبي ﷺ في كتاب اقدار أبينا آدم سببه أنّ الله سيُخرج من ظهر سيدنا آدم كل ذريته ويشهدهم على أنفسهم في لحظة العهد والميثاق التي تنضوي تحت أقدار سيدنا آدم؟
وإن كان كذلك، فالمعلوم أن بني آدم جميعا حضروا مشهد العهد والميثاق، فهل يُعني ذلك أنّ جميع بنيه مدونون في كتابه عليه السلام؟
وإن كان الأمر كذلك، فإنّنا نحن الذرية أيضا حضرنا هذا المشهد، فهل نجد أبينا آدم وكل الذرية في كُتبنا؟ أم أن ذلك شأن خاص بسيدنا آدم فقط لأنه كان حيا؟ وبالتالي لن تُكتب كتبنا إلا عند إعلان بداية حيواتنا بنفخ الرُوح كما هو ثابت؟ وبالتالي لن تشمل كُتب أقدارنا ما مرّ بنا ونحن أموات؟
هذه بعض تساؤلات طافت في عقلي. فطرحتها لعَلّها تجد من يجيبها، عن عِلم.
أحمد يحيى زُقلي
إعلامي مصري مقيم بالكويت
ahmedyahya962@gmail.com
/////////////////////////////