مرحب بالمبادرة الافريقية
عبدالله مكاوي
11 December, 2023
11 December, 2023
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحرب احدثت واقعا جديدا، يتطلب مقاربات جديدة تتلاءم مع مستجداته. فبعد ان كانت الهموم والانشغالات منصرفة تجاه الانتقال من دولة الاستبداد لدولة الحرية، ومن طموحات النهوض وترقية احوال المجتمع، انحدرت الي مجرد الحفاظ علي الدولة وما تبقي من بنيتها التحتية، وحقن دماء الابرياء من الموت المجاني، وانزلاق البلاد الي طريق اللاعودة. وكل هذا جعل مطلب ايقاف الحرب باي ثمن يتقدم علي ما سواها. خاصة وان استمرار الحرب يزيحها من الحالة المعقدة القابلة للحل، الي الحالة المزمنة المستعصية ان لم تكن المستحيلة علي الحل. كما انه من المعلوم بالضرورة انه في اجواء الحرب المستعرة وظروف الاستقطاب الحاد عسكريا وسياسيا وعرقيا، لا مكان للحديث عن السياسة او الحقوق او القيم الانسانية، إلا من باب الدعاية العسكرية وتبرير الجرائم والانتهاكات. وهذا غير ان طول امد الحرب يدفعها الي بؤرة اللااهتمام، إلا لمن يكتوي بنارها من دون اي امكانية لدفع شرورها (تصبح الحياة خوف من الموت او انتظارا غير معلوم له).
واذا أتفق ان كل الحروب شرور، فان ما يجعل حربنا القذرة شرا مطلقا، انها تجري داخل مدن مكتظة بالمدنيين، بين قوتين مزودتين باعتي انواع الاسلحة! وبقدر ما تضع هاتان القوتان المتقاتلتين مصالح داعميهم الداخليين والخارجيين في الحسبان، بقدر ما لا تضعان في الحسبان، اي اعتبار لحيوات المواطنين ومصالح البلاد. اي هي حرب اقوياء الداخل والخارج علي جماجم الابرياء في الداخل، من اجل السيطرة علي موارد البلاد. مع الوضع في الاعتبار ان القوة المعنية هي قوة السلاح المجرد من الشرعية والقيم.
والحال كذلك، هي ليست حرب سلطة، بقدر ما هي حرب تسلط، تجري بين مكونيين مسلحين اصلا، للاستحواز علي السلطة. اي هي قوات مسلحة سلطوية قبل ان تكون قوات مسلحة عسكرية. وعليه الحرب في محصلتها صراع علي السلطة بادوات مسلحة. ومرد ذلك ان السلطة تؤول لحالة من التملك والسيطرة. والحال ان هذا التفصيل البسيط نتجت عنه كوارث عظيمة، تتعدي الانقلابات العسكرية، لعائق حدَّ من فاعلية ووظيفة الاحزاب السياسية، او جردها من المضامين الديمقراطية ودورها كمؤسسات خدمية، وكيانات تدير الصراعات الاجتماعية بطريقة سلمية، ومن ثمَّ تم حشرها في صراع السلطة بمعناه التسلطي. ويبدو ان وعي وتمثل السلطة كامتياز حصري، هو نقاط التقاطع بين الاحزاب السياسية والمؤسسة العسكرية (مشاركة في الانقلابات او دعم لها)، وهو نفسه ما انتج عقيدة الوصاية (البطريركية).
وللاسف بعد ان استنفدت السلطة المتسلطة مخزونها وطاقتها علي الاستمرار، لم تنتج سلطة مسؤولة ومساءلة ومحدودة النفوذ والامتيازات، كما رغبت الثورة بعد نضالاتها الاسطورية. وانما قادت للحرب الراهنة بعد انفلاق عسكر السلطة المؤدلج لكيانين يحملان ذات الثقافة والتوجهات والاطماع السلطوية.
اذا صدق اعلاه، يصدق اكثر توافر عدد من الاحباطات يجب التعامل معها وتجرعها كسم، اذا ما كنا جادين في مسعي ايقاف هذه المقتلة منها:
اولا، الطرفان المتقاتلان بقدر ما هما سبب الكارثة والمحرك الفعلي لعجلة الحرب، بقدر ما هما المعنيان بايقافها، وهذا ما لن يتم من دون توافر حوافز وضمانات تشجعهما علي ايقافها. وهذا ما يعني بدوره ليس قبول هؤلاء القادة الكوارث في المشهد فحسب، وانما قبول من يقف خلفهما، اي الاسلامويون والاماراتيون في المشهد المقبل. وعليه المهارة السياسية، اذا صدق ان قوانا السياسية لها فيها نصيب، تتجسد في كيفية الاستفادة من هذه المساحة المحبطة، وتحويلها الي آفاق رحيبة في تصب في صالح الدولة والشعب علي المدي الطويل.
ثانيا، الطرفان المتقاتلان يعانيان انعدام الثقة بينهما، ولا يؤمنان إلا بالقوة وازاحة بعضهما البعض، وهذه اكبر عقبة في طريق حل يقوم علي التفاوض. وبما انهما لا يحترمان القوي السياسية والمدنية، إلا كتابع يتم توظيفه لصالحهما، او كمنازع يفضل التخلص منه، فتاليا تاثيرهذه القوي علي ايقاف الحرب هو في حكم العدم او اقلاه لا يعول عليه.
ثالثا، آخر ما تحتاجه هكذا اوضاع ماساوية، تزداد ضراوة خسائرها الانسانية والعمرانية يوميا، هو المطالب التعجيزية او المزايدة او احلال الرغبات محل الواقع البائس. والسبب بسيط، لانه في اوضاع افضل وبما لا يقاس، عجزنا عن تحقيق منجزات في كافة المجالات، فكيف يمكن ان نستدرك ما استبدرنا في هكذا ظروف حرب وحشية؟ وعموما ليس هنالك نتائج من دون مقدمات، وطالما اخرج مجتمعنا من صلبه الكيزان، وهم بدورهم اخروجوا وحش الدعم السريع؟ فمؤكد هنالك عوامل (عيوب) مجتمعية/ثقافية اسهمت في العجز من جهة، ومن جهة مقابلة في ولادة منحرفين كالكيزان بمختلف تنوعاتهم (مدنيين، عسكريين ومليشياويين). واكبر دليل علي جهلنا بحقيقة وجودنا وقدراتنا وقيمنا، ما اظهرته هذه الحرب من احقاد واثارة فتن وتشفٍ واكاذيب واطماع وضمور الحس الانساني وتصلب في المواقف المفارقة ممن كنا نظنهم نخبة (كتاب ومثقفين ومفكرين).
وبناء علي ما سلف يجب الترحيب باي تدخل خارجي يسعي لايقاف الحرب، ومعالجة آثارها والترتيب لبناء دولة حديثة. ويصح هنالك مخاوف يثيرها التدخل الدولي، تبدأ من جهله بحقيقة التعقيدات الداخلية وما يناسب المجتمع من حلول تتلاءم مع طبيعة كل مجتمع، ومرورا بحرص الدول المتدخلة علي مصالحها، وليس انتهاء بحالة الضعف العام التي تنتاب المجتمع الدولي ومحدودية قدراته في ايجاد (فرض) الحلول علي مثيري المتاعب والحروب. وبالطبع هنالك من له حساسية بمجرد ذكر المجتمع الدولي (جوانب نفسية).
ولكن ما يبرر التدخل الدولي من اي كان، هو عدم اكتراث المتقاتلين للابرياء او البنية التحتية او مستقبل البلاد او انحدار الحرب لما لا يحمد عقباه (توسع حجم الابادة الجماعية)، وذلك بالتوازي مع عجز السياسيين والمدنيين علي الضغط لايقافها كما ذكرنا اعلاه. اي باختصار، نحن في وضع نبحث فيه كما يقول المثل في (خشم البقرة) عن اي مبادرة لايقاف هذه المقتلة. وهو ما يجعلنا ندعم بقوة المبادرة الافريقية بكافة اطرافها وبنودها. وعليه بعد الاحباط الناجم عن عجز منبر جدة في الوفاء بتطلعات المواطنين لايقاف هذه الحرب، فعلي تجمع (تقدم) وغيره من الكيانا والتجمعات والمبادرات الوطنية، الدفع في هذا الخط الافريقي لتقوية نقاط ضعفه والمتمثلة اولا، في افتقارها لآليات الضغط والتحفيز للطرفين المتقاتلين. وثانيا، كيفية تجاوز اكبر عقبات تعترض هذه المبادرة، وهي كما سلف انعدام الثقة بين الطرفين المتقاتلين، وكيفية ارضاء كل طرف ليقبل بالحل او الحد الادني؟ وبعد الاتفاق كيفية المحافظة عليه من الانهيار؟ وقبل كل شئ القدرة علي لعب دور مؤثر يُحدث اختراق في جمود هذه الاوضاع المميتة.
اما دور القوي السياسية والمدنية فيتمثل في الآتي:
اولا، تبصير اطراف المبادرة بطبعية التعقيدات الداخلية من دون اغراض للتكسب السياسي. ثانيا، ممارسة اقصي درجات المرونة سواء فيما يخص الاسلامويون او نفوذ دور الامارات والمصريين. ثالثا، عدم الانحياز لايٍ من طرفي القتال. رابعا، مراجعة هذه البنود او استبدالها اذا ما اعترضتها عقبات في الاتفاق او التنفيذ. خامسا، التركيز علي ايقاف الحرب راهنا وليس مكاسب ما بعد ايقافها.
والمفارقة ان ذات البنود كان قد رفضها البرهان قبل ثلاث او اربع شهور، سواء بسبب الطريقة الحادة التي طُرحت بها سابقا، او كالعادة نتيجة لحسابات البرهان الخاطئة بقدرته علي حسم الحرب لصالحه، ولاطماعه غير الواقعية وقبلها غير المستحقة في البقاء علي سدة السلطة، غض النظر عن الثمن. ولكنه يبدو اليوم كمن يبحث عنها او في وارد قبولها (طالما ابقت عليه كلاعب اساس في المشهد). ومن جانب الدعم السريع الذي ابدي موافقة مبدئية سابقا، هنالك صعوبة في اقناعه ببعض بنودها بعد الانتصارات التي حققها في العاصمة واقليم دارفور (خصوصا بند خروجه من العاصمة وهو يعتبرها ثمرة انتصاراته وليس دارفور كما يتوهم البعض).
واخيرا
رسالة خاصة للجياشة والدعامة، يصعب ان نخاطبكم بلغة المصلحة العامة والوطنية والانسانية، ولكن بلغة ملصحتكم الخاصة، الم تدمر هذه الحرب جل قدراتكم العسكرية وممتلكاتكم الاقتصادية وتهلك جنودكم؟ اليس هذا الخراب الذي يعم البلاد سيضر حتي باطماعكم السلطوية مستقبلا؟ كيف ستواجهون شعبكم المشرد والمغبون بعد انجلاء غبار هذه الحرب (العار)؟ ما لكم كيف تتسلطون؟ والحق يقال هنالك فارق كبير بين الجيش والدعم السريع، سواء من ناحية الانتهاكات وامتدادتها او التعدي علي الطرف الآخر ومقراته، او السردية التي يبرر بها الحرب.
وتاني قام واحد من دفعتنا مات، في هذه الحرب اللعينة، وللاسف لديه اطفال وزوجة، وابواه تلقوا فيه العزاء. يا لمرارة هؤلاء الآباء، وحفظ الله عياله الذين فقدوا عائلهم، والهم زوجته الصبر الجميل. فكل هذا من اجل ماذا؟ عليكم اللعنة! وإنا لله وإنا اليه راجعون.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحرب احدثت واقعا جديدا، يتطلب مقاربات جديدة تتلاءم مع مستجداته. فبعد ان كانت الهموم والانشغالات منصرفة تجاه الانتقال من دولة الاستبداد لدولة الحرية، ومن طموحات النهوض وترقية احوال المجتمع، انحدرت الي مجرد الحفاظ علي الدولة وما تبقي من بنيتها التحتية، وحقن دماء الابرياء من الموت المجاني، وانزلاق البلاد الي طريق اللاعودة. وكل هذا جعل مطلب ايقاف الحرب باي ثمن يتقدم علي ما سواها. خاصة وان استمرار الحرب يزيحها من الحالة المعقدة القابلة للحل، الي الحالة المزمنة المستعصية ان لم تكن المستحيلة علي الحل. كما انه من المعلوم بالضرورة انه في اجواء الحرب المستعرة وظروف الاستقطاب الحاد عسكريا وسياسيا وعرقيا، لا مكان للحديث عن السياسة او الحقوق او القيم الانسانية، إلا من باب الدعاية العسكرية وتبرير الجرائم والانتهاكات. وهذا غير ان طول امد الحرب يدفعها الي بؤرة اللااهتمام، إلا لمن يكتوي بنارها من دون اي امكانية لدفع شرورها (تصبح الحياة خوف من الموت او انتظارا غير معلوم له).
واذا أتفق ان كل الحروب شرور، فان ما يجعل حربنا القذرة شرا مطلقا، انها تجري داخل مدن مكتظة بالمدنيين، بين قوتين مزودتين باعتي انواع الاسلحة! وبقدر ما تضع هاتان القوتان المتقاتلتين مصالح داعميهم الداخليين والخارجيين في الحسبان، بقدر ما لا تضعان في الحسبان، اي اعتبار لحيوات المواطنين ومصالح البلاد. اي هي حرب اقوياء الداخل والخارج علي جماجم الابرياء في الداخل، من اجل السيطرة علي موارد البلاد. مع الوضع في الاعتبار ان القوة المعنية هي قوة السلاح المجرد من الشرعية والقيم.
والحال كذلك، هي ليست حرب سلطة، بقدر ما هي حرب تسلط، تجري بين مكونيين مسلحين اصلا، للاستحواز علي السلطة. اي هي قوات مسلحة سلطوية قبل ان تكون قوات مسلحة عسكرية. وعليه الحرب في محصلتها صراع علي السلطة بادوات مسلحة. ومرد ذلك ان السلطة تؤول لحالة من التملك والسيطرة. والحال ان هذا التفصيل البسيط نتجت عنه كوارث عظيمة، تتعدي الانقلابات العسكرية، لعائق حدَّ من فاعلية ووظيفة الاحزاب السياسية، او جردها من المضامين الديمقراطية ودورها كمؤسسات خدمية، وكيانات تدير الصراعات الاجتماعية بطريقة سلمية، ومن ثمَّ تم حشرها في صراع السلطة بمعناه التسلطي. ويبدو ان وعي وتمثل السلطة كامتياز حصري، هو نقاط التقاطع بين الاحزاب السياسية والمؤسسة العسكرية (مشاركة في الانقلابات او دعم لها)، وهو نفسه ما انتج عقيدة الوصاية (البطريركية).
وللاسف بعد ان استنفدت السلطة المتسلطة مخزونها وطاقتها علي الاستمرار، لم تنتج سلطة مسؤولة ومساءلة ومحدودة النفوذ والامتيازات، كما رغبت الثورة بعد نضالاتها الاسطورية. وانما قادت للحرب الراهنة بعد انفلاق عسكر السلطة المؤدلج لكيانين يحملان ذات الثقافة والتوجهات والاطماع السلطوية.
اذا صدق اعلاه، يصدق اكثر توافر عدد من الاحباطات يجب التعامل معها وتجرعها كسم، اذا ما كنا جادين في مسعي ايقاف هذه المقتلة منها:
اولا، الطرفان المتقاتلان بقدر ما هما سبب الكارثة والمحرك الفعلي لعجلة الحرب، بقدر ما هما المعنيان بايقافها، وهذا ما لن يتم من دون توافر حوافز وضمانات تشجعهما علي ايقافها. وهذا ما يعني بدوره ليس قبول هؤلاء القادة الكوارث في المشهد فحسب، وانما قبول من يقف خلفهما، اي الاسلامويون والاماراتيون في المشهد المقبل. وعليه المهارة السياسية، اذا صدق ان قوانا السياسية لها فيها نصيب، تتجسد في كيفية الاستفادة من هذه المساحة المحبطة، وتحويلها الي آفاق رحيبة في تصب في صالح الدولة والشعب علي المدي الطويل.
ثانيا، الطرفان المتقاتلان يعانيان انعدام الثقة بينهما، ولا يؤمنان إلا بالقوة وازاحة بعضهما البعض، وهذه اكبر عقبة في طريق حل يقوم علي التفاوض. وبما انهما لا يحترمان القوي السياسية والمدنية، إلا كتابع يتم توظيفه لصالحهما، او كمنازع يفضل التخلص منه، فتاليا تاثيرهذه القوي علي ايقاف الحرب هو في حكم العدم او اقلاه لا يعول عليه.
ثالثا، آخر ما تحتاجه هكذا اوضاع ماساوية، تزداد ضراوة خسائرها الانسانية والعمرانية يوميا، هو المطالب التعجيزية او المزايدة او احلال الرغبات محل الواقع البائس. والسبب بسيط، لانه في اوضاع افضل وبما لا يقاس، عجزنا عن تحقيق منجزات في كافة المجالات، فكيف يمكن ان نستدرك ما استبدرنا في هكذا ظروف حرب وحشية؟ وعموما ليس هنالك نتائج من دون مقدمات، وطالما اخرج مجتمعنا من صلبه الكيزان، وهم بدورهم اخروجوا وحش الدعم السريع؟ فمؤكد هنالك عوامل (عيوب) مجتمعية/ثقافية اسهمت في العجز من جهة، ومن جهة مقابلة في ولادة منحرفين كالكيزان بمختلف تنوعاتهم (مدنيين، عسكريين ومليشياويين). واكبر دليل علي جهلنا بحقيقة وجودنا وقدراتنا وقيمنا، ما اظهرته هذه الحرب من احقاد واثارة فتن وتشفٍ واكاذيب واطماع وضمور الحس الانساني وتصلب في المواقف المفارقة ممن كنا نظنهم نخبة (كتاب ومثقفين ومفكرين).
وبناء علي ما سلف يجب الترحيب باي تدخل خارجي يسعي لايقاف الحرب، ومعالجة آثارها والترتيب لبناء دولة حديثة. ويصح هنالك مخاوف يثيرها التدخل الدولي، تبدأ من جهله بحقيقة التعقيدات الداخلية وما يناسب المجتمع من حلول تتلاءم مع طبيعة كل مجتمع، ومرورا بحرص الدول المتدخلة علي مصالحها، وليس انتهاء بحالة الضعف العام التي تنتاب المجتمع الدولي ومحدودية قدراته في ايجاد (فرض) الحلول علي مثيري المتاعب والحروب. وبالطبع هنالك من له حساسية بمجرد ذكر المجتمع الدولي (جوانب نفسية).
ولكن ما يبرر التدخل الدولي من اي كان، هو عدم اكتراث المتقاتلين للابرياء او البنية التحتية او مستقبل البلاد او انحدار الحرب لما لا يحمد عقباه (توسع حجم الابادة الجماعية)، وذلك بالتوازي مع عجز السياسيين والمدنيين علي الضغط لايقافها كما ذكرنا اعلاه. اي باختصار، نحن في وضع نبحث فيه كما يقول المثل في (خشم البقرة) عن اي مبادرة لايقاف هذه المقتلة. وهو ما يجعلنا ندعم بقوة المبادرة الافريقية بكافة اطرافها وبنودها. وعليه بعد الاحباط الناجم عن عجز منبر جدة في الوفاء بتطلعات المواطنين لايقاف هذه الحرب، فعلي تجمع (تقدم) وغيره من الكيانا والتجمعات والمبادرات الوطنية، الدفع في هذا الخط الافريقي لتقوية نقاط ضعفه والمتمثلة اولا، في افتقارها لآليات الضغط والتحفيز للطرفين المتقاتلين. وثانيا، كيفية تجاوز اكبر عقبات تعترض هذه المبادرة، وهي كما سلف انعدام الثقة بين الطرفين المتقاتلين، وكيفية ارضاء كل طرف ليقبل بالحل او الحد الادني؟ وبعد الاتفاق كيفية المحافظة عليه من الانهيار؟ وقبل كل شئ القدرة علي لعب دور مؤثر يُحدث اختراق في جمود هذه الاوضاع المميتة.
اما دور القوي السياسية والمدنية فيتمثل في الآتي:
اولا، تبصير اطراف المبادرة بطبعية التعقيدات الداخلية من دون اغراض للتكسب السياسي. ثانيا، ممارسة اقصي درجات المرونة سواء فيما يخص الاسلامويون او نفوذ دور الامارات والمصريين. ثالثا، عدم الانحياز لايٍ من طرفي القتال. رابعا، مراجعة هذه البنود او استبدالها اذا ما اعترضتها عقبات في الاتفاق او التنفيذ. خامسا، التركيز علي ايقاف الحرب راهنا وليس مكاسب ما بعد ايقافها.
والمفارقة ان ذات البنود كان قد رفضها البرهان قبل ثلاث او اربع شهور، سواء بسبب الطريقة الحادة التي طُرحت بها سابقا، او كالعادة نتيجة لحسابات البرهان الخاطئة بقدرته علي حسم الحرب لصالحه، ولاطماعه غير الواقعية وقبلها غير المستحقة في البقاء علي سدة السلطة، غض النظر عن الثمن. ولكنه يبدو اليوم كمن يبحث عنها او في وارد قبولها (طالما ابقت عليه كلاعب اساس في المشهد). ومن جانب الدعم السريع الذي ابدي موافقة مبدئية سابقا، هنالك صعوبة في اقناعه ببعض بنودها بعد الانتصارات التي حققها في العاصمة واقليم دارفور (خصوصا بند خروجه من العاصمة وهو يعتبرها ثمرة انتصاراته وليس دارفور كما يتوهم البعض).
واخيرا
رسالة خاصة للجياشة والدعامة، يصعب ان نخاطبكم بلغة المصلحة العامة والوطنية والانسانية، ولكن بلغة ملصحتكم الخاصة، الم تدمر هذه الحرب جل قدراتكم العسكرية وممتلكاتكم الاقتصادية وتهلك جنودكم؟ اليس هذا الخراب الذي يعم البلاد سيضر حتي باطماعكم السلطوية مستقبلا؟ كيف ستواجهون شعبكم المشرد والمغبون بعد انجلاء غبار هذه الحرب (العار)؟ ما لكم كيف تتسلطون؟ والحق يقال هنالك فارق كبير بين الجيش والدعم السريع، سواء من ناحية الانتهاكات وامتدادتها او التعدي علي الطرف الآخر ومقراته، او السردية التي يبرر بها الحرب.
وتاني قام واحد من دفعتنا مات، في هذه الحرب اللعينة، وللاسف لديه اطفال وزوجة، وابواه تلقوا فيه العزاء. يا لمرارة هؤلاء الآباء، وحفظ الله عياله الذين فقدوا عائلهم، والهم زوجته الصبر الجميل. فكل هذا من اجل ماذا؟ عليكم اللعنة! وإنا لله وإنا اليه راجعون.