الشعبوية والدولة الوطنية في السودان

 


 

 

زهير عثمان حمد

من الاستقلال إلى اليوم اتسم المشهد السياسي في السودان بتفاعل معقد بين الشعوبية والهوية الوطنية والمفهوم المتطور للدولة الوطنية. وعلى الرغم من انعدام حركة شعوبية قوية وموحدة طوال هذه المدّة، إلا أن عناصر الشعوبية كانت واضحة عبر مختلف الفاعلين السياسيين والأيديولوجيات. وفيما يلي تفصيل لبداية الاستقلال (1956-1969) 1 يناير 1956: حصل السودان على استقلاله من الحكم البريطاني والمصري المشترك (السيادة الأنجلو-مصرية). التحديات: افتقرت البلاد إلى دستور مناسب، واختلفت الأحزاب السياسية الرئيسة حول اتجاهها المستقبلي. الحل المؤقت: تم اعتماد "دستور انتقالي" تضمن تقاسم السلطة بين اللجنة العليا ورئيس الوزراء. الوضع السياسي عدم الاستقرار, ولقد كانت هذه الحِقْبَة التي شهدت تغيرات متكررة في الحكومة وصراعات على السلطة وتوترات إقليمية , و الانقسام بين الشمال والجنوب: تصاعدت التوترات بين الشمال الذي يهيمن عليه العرب والجنوب المسيحي/الوثني، وبلغت ذروتها في الحرب الأهلية السودانية الأولى (1955-1972). النفوذ العسكري: ازدادت سلطة الجيش، وغالبًا ما كان يتدخل في السياسة ويقمع المعارضة. القضايا الاجتماعية والاقتصادية: الفقر و يعيش غالبية السكان في فقر، خاصة في المناطق الريفية. التنمية غير المتكافئة: تركزت البنية التحتية والموارد في الشمال، مما زاد من تهميش الجَنُوب و التبعية الاقتصادية و اعتمد السودان بشكل كبير على صادرات القطن، مما جعله عرضة لتقلبات السوق العالمية عمومًا كانت بداية استقلال السودان لا تنعم بالاستقرار السياسي وعامرة بالصراع الداخلي والصعوبات الاقتصادية ولقد أدى هذا لعدم وجود رؤية موحدة والتوترات الراسخة بين الشمال والجنوب إلى إرساء الأساس لنزاعات مستقبلية. شكلت هذه الفترة بشكل كبير مسار تاريخ السودان وتحدياته المستمرة. التطلعات الوطنية بعد الاستقلال، ركز الخطاب السياسي السائد على بناء هُوِيَّة وطنية موحدة
وقد اتخذ ذلك في كثير من الأحيان شكل معاداة الاستعمار والعروبة، مع التركيز على الوحدة على حساب الاختلافات الإقليمية أو العرقية. العناصر الشعبوية: استخدم بعض السياسيين، مثل إسماعيل الأزهري، الخطاب الشعوبي لحشد الدعم. فقد ناشد الأغلبية الريفية ووعد بالتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. التحديات: ومع ذلك، نشأت توترات بين الشمال والجنوب، حيث شعر الجنوبيون بالتهميش في هيكل الدولة الجديد. أدى ذلك في نهاية المطاف إلى الحرب الأهلية السودانية الأولى (1955-1972). النظامان العسكري والإسلامي (1969-1989) الاستبداد: أدت الانقلابات العسكرية التي قادها جعفر النميري ثم عمر البشير إلى قيام أنظمة استبدادية. وقمعت هذه الأنظمة المعارضة السياسية واعتمدت على شبكات المحسوبية، مما خلق مساحة محدودة للشعبوية و صعود الإسلام السياسي ولقد غازل نظام النميري في البداية الشعوبية وتبنى سياسات اشتراكية , ومع ذلك، أدت التحولات اللاحقة نحو الإسلاموية إلى تنفير شرائح المجتمع الجنوبية والعلمانية على حد سواء. وقد ساهم ذلك في الحرب الأهلية السودانية الثانية (1983-2005). ما بعد 2005: الديمقراطية الهشة والشعبوية الجديدة: اتفاق السلام ونظام التعددية الحزبية: أنهى اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الحرب الأهلية وأنشأ حكومة تقاسم السلطة. وأدى ذلك إلى طفرة في النشاط السياسي، مع ظهور أحزاب وزعماء جدد. شخصيات شعبوية جديدة: استخدم بعض السياسيين، مثل محمد فضل الله، خطابًا شعبويًا لمناشدة مجموعات محددة، وغالبًا ما ينحازون إلى هويات مناطقية أو دينية. تأثير محدود: ومع ذلك، لم تكتسب هذه الحركات الشعوبية زخمًا واسع النطاق على المستوى الوطني، وفشلت في تجاوز الانقسامات الإقليمية أو العرقية و التحديات والشكوك قد نقول أنها الدولة الهشة بكل المعايير ولا يزال السودان يواجه تحديات مثل الصعوبات الاقتصادية والتوترات العرقية وعدم الاستقرار السياسي , وهذا يخلق أرضية خصبة للنداءات الشعبوية التي يمكن أن تستغل الإحباط والقلق. المستقبل غير مؤكد لا يزال مستقبل الشعبوية في السودان غير مؤكد. فالمشهد الاجتماعي والسياسي المعقد في البلاد يجعل من الصعب على أي حركة شعبوية أن تحظى بدعم واسع النطاق وأن تتفاعل مع مصالح متنوعة.ومن خلال البحث والاستكشاف لا نجد شخصيات وحركات شعبوية محددة في السودان، ولكي تحليل خطابها وقاعدة دعمها وتأثيرها , او التحقيق في دور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الجديدة في تشكيل الخطاب الشعبوي في السودان. تحليل كيفية تفاعل الشعبوية مع الأيديولوجيات السياسية الأخرى مثل الإسلاموية أو الليبرالية في السياق السوداني. مقارنة تطور الشعبوية في السودان مع البلدان الأفريقية الأخرى التي تمر بتحولات مماثلة. تذكر أن هذه مجرد نقطة بداية. من خلال إجراء المزيد من البحث، يمكنك اكتساب فهم أعمق للفروق الدقيقة والتعقيدات التي تتسم بها الشعبوية في السودان وعلاقتها بالمفهوم المتطور للدولة القومية

الحركات الشعبية والدولة القومية في السودان: 1956 - الحاضر يتسم تاريخ السودان منذ الاستقلال في عام 1956 بتفاعل معقد بين الحركات الشعبية ومفهوم الدولة القومية الآخذ في التطور. وقد يتشكل هذا التفاعل بفعل عوامل مختلفة منها: 1. الإرث الاستعماري: خلّف النظام الاستعماري البريطاني وراءه حدودًا تعسفية ومشهدًا سياسيًا مجزأ، مما زرع بذور التوترات المستقبلية. 2. التنوع العرقي والديني: السودان بلد متنوع يضم العديد من المجموعات العرقية والطوائف الدينية، ولكل منها تطلعاتها وهوياتها الخاصة. 3- التحديات الاقتصادية: كان الفقر وعدم المساواة والتخلف من المشاكل المستمرة، مما أدى إلى تأجيج السخط والدعوات الشعبوية. 4. دور الجيش: لعب الجيش دورًا مهيمنًا في السياسة السودانية، وغالبًا ما كان يتدخل في الحكومات المدنية ويشكل الخطاب الوطني. 5. التأثيرات الخارجية: زادت الحرب الباردة والصراعات الإقليمية والتدخلات الدولية من تعقيد الديناميات السياسية والاجتماعية. مع وضع هذا السياق في الاعتبار، دعونا نستكشف الموضوعات الرئيسية: الحركات الشعبوية: الشعبوية المبكرة: شهدت السنوات الأولى من الاستقلال تنافس الحركات الشعبوية مثل حزب الأمة والحزب الاتحادي القومي على السلطة، حيث تناشد هذه الحركات قواعد جماهيرية أوسع وتدعو إلى رؤى مختلفة للدولة القومية. التعريب والأسلمة: نفذ انقلاب عام 1969 بقيادة جعفر نميري سياسات التعريب والأسلمة، بهدف توحيد الأمة، ولكن مع تنفير المجموعات غير العربية وغير المسلمة، وتعزيز السخط والحركات الشعبوية الجديدة
جنوب السودان شهد الصراع الذي استمر لعقود في جنوب السودان، والذي أججته الاختلافات العرقية والثقافية، ظهور حركة شعبوية متميزة تطالب بالحكم الذاتي أو الاستقلال، وبلغت ذروتها بانفصال جنوب السودان في عام 2011. الشعبوية الأخيرة شهدت ثورة عام 2019 التي أطاحت بنظام عمر البشير ظهور قوى شعبوية متنوعة، بما في ذلك الجماعات المدنية والنقابات العمالية والحركات الشبابية، توحدها المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. مفهوم الدولة الوطنية: رؤى متنافسة: ظل مفهوم الدولة الوطنية محل خلاف عبر التاريخ السوداني. يدعو البعض إلى دولة مركزية قوية، بينما يدعو البعض الآخر إلى الفيدرالية أو حتى الانفصال. سياسات الهوية: لعبت الهويات العرقية والدينية دورًا مهمًا في تشكيل الرؤى المختلفة للدولة القومية، مما أدى إلى توترات وصراعات. التحول والتحديات: تسعى المرحلة الانتقالية الجارية في السودان بعد ثورة 2019 إلى تحديد خطاب وطني جديد يستوعب الهويات والتطلعات المتنوعة في إطار ديمقراطي. تحليل الشخصيات والأيديولوجيات والأحداث الرئيسية في تشكيل الحركات الشعبوية والدولة الوطنية في السودان تتشابك الحركات الشعبوية في السودان ونضالها من أجل تأسيس دولة وطنية موحدة مع العديد من الشخصيات والأيديولوجيات والأحداث الرئيسية. وفيما يلي تحليل لبعض العناصر الحاسمة: الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الوزراء في الستينيات والثمانينيات، دعا إلى نظام فيدرالي لمعالجة المظالم الإقليمية. جعفر نميري: قائد عسكري قام بانقلاب في عام 1969، ونفذ سياسات اشتراكية، وواجه معارضة متزايدة للحكم الاستبدادي. جون قرنق: قائد الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي حارب من أجل الحكم الذاتي للجنوب، ووقع اتفاق سلام في عام 2005. حسن الترابي: زعيم إسلامي. جاء إلى السلطة منقلباً على الجيش في انقلاب عام 1989، واتبع سياسات التعريب والأسلمة، وواجه احتجاجات واسعة، وحدث انقسام بينهم. الأيديولوجيات القومية العربية: واجهت الوحدة التي تعززت على أساس الهوية العربية المشتركة، والتي كانت تفضلها النخب الشمالية، مقاومة في الجنوب. الشعبوية الإسلامية: استغل نظام البشير الإسلام كقوة موحدة، واستخدمه نظام البشير للسيطرة السياسية، مما خلق حالة من الاستياء بين غير المسلمين. الفيدرالية: تدعو إلى الحكم الذاتي الإقليمي، خاصة في الجنوب، وينظر إليها كحل لمعالجة المظالم وبناء دولة وطنية أكثر شمولاً. الأحداث: الحرب الأهلية السودانية الأولى (1955-1972): تمرد الجنوب ضد التهميش المتصور، وسلطت الضوء على الانقسام بين الشمال والجنوب وغذت الدعوات إلى الحكم الذاتي. الانقلابات (1969، 1989): عطلت التدخلات العسكرية العمليات الديمقراطية وأضعفت الاستقرار السياسي وزادت من السخط الشعبي. اتفاقية السلام الشامل لعام 2005: أنهى الحرب الأهلية السودانية الثانية، ومنح الجنوب الحكم الذاتي، لكن التحديات المتعلقة بتقاسم السلطة وتخصيص الموارد لا تزال قائمة. ثورة ديسمبر 2018 أدت الاحتجاجات الحاشدة ضد نظام البشير، مدفوعة بالمصاعب الاقتصادية والفساد والقمع، إلى الإطاحة به , و غالبًا ما ظهرت الحركات الشعبية في السودان ردًا على التهميش الملموس والصعوبات الاقتصادية والحكم الاستبدادي ولا يزال مفهوم الدولة القومية محل نزاع، مع وجود توترات بين الرؤى القومية العربية والرؤى الفيدرالية التي غالبًا ما تكون مدفوعة بالتفاوتات الإقليمية والاختلافات العرقية/الدينية , الدول التي تواجه تحديات مماثلة هي جنوب إفريقيا: واجهت جنوب إفريقيا نظام الفصل العنصري الذي أدى إلى تهميش الأغلبية السوداء. بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، واجهت جنوب إفريقيا تحديات في بناء دولة وطنية شاملة تُعالج إرث التمييز وكينيا التي واجهت كينيا صراعات عرقية بين مجموعات مختلفة، مثل Kikuyu و Luo. تسعى كينيا إلى بناء دولة وطنية تُعزز الوحدة الوطنية وتُقلّل من التوترات العرقية
نيجيريا وما تواجه من فسادًا مستشريًا وضعفًا في المؤسسات و تسعى نيجيريا إلى بناء دولة وطنية تُعزز الحكم الرشيد وتُقدم الخدمات الأساسية للمواطنين أن التاريخ الاستعماري و كيف أثرّ الإرث الاستعماري على تطور الشعبوية والدولة الوطنية في كل بلد؟ التنوع العرقي والديني و كيف تُعالج كل دولة التنوع العرقي والديني في بناء الدولة الوطنية؟
ودور الصراعات الإقليمية كيف تُعالج كل دولة الصراعات الإقليمية وتحقيق التنمية المتوازنة؟
وما هو دور الجيش: كيف يُؤثر دور الجيش في السياسة على تطور الشعبوية والدولة الوطنية؟
التأثيرات الخارجية و كيف تُؤثر العوامل الخارجية، مثل الحرب الباردة والصراعات الإقليمية والتدخلات الدولية، على تطور الشعبوية والدولة الوطنية؟ كل هذه الاسئلة قابعة للنقاش والبحث أمام تحدي بناء خط شعبوي من داخل الاحزاب السياسية السودانية وهل يحدث هذا
وقد لعبت شخصيات بارزة أدوارًا مهمة في تشكيل هذه الديناميكيات،و بدءًا من الدعوة إلى الفيدرالية إلى استغلال المشاعر الشعبوية لتحقيق مكاسب سياسية , وشكلت أحداث مثل الحروب الأهلية وثورة ديسمبر نقاط تحول، حيث سلطت الضوء على الحاجة إلى معالجة عدم المساواة الهيكلية وبناء دولة وطنية أكثر شمولاً. تحديد الخطاب الوطني الجديد لابد من تحديد الخطاب الوطني وتوحيده في بناء هذا الخطاب من خلال عرضه السياسي. واقتناع القوى السياسية بالالتزام به استيعاب الهويات المتنوعة: التحدي الرئيسي هو خلق خطاب وطني يعترف بالهويات العرقية والدينية والجهوية المتنوعة داخل السودان ويحترمها. وهذا يتطلب معالجة المظالم التاريخية وتعزيز الشمولية وضمان التمثيل العادل في جميع مجالات الحياة. الموازنة بين الديمقراطية واللامركزية: يتطلب تحقيق الإطار الديمقراطي توازناً دقيقاً بين الحكومة المركزية وهياكل السلطة اللامركزية. ويمكن أن يؤدي إيجاد التوازن الصحيح إلى تمكين الفئات المهمشة مع الحفاظ على التماسك الوطني. المصالحة وتضميد الجراح , إن إرث النزاع وانتهاكات حقوق الإنسان يستلزم عملية مصالحة شاملة تعالج مظالم الماضي وتعزز التعافي بين مختلف المجتمعات المحلية وهذا ما هو مناط بهم وخاصة القوي السياسية المدنية التي الان في تحدي لكي تبني قاعدة جماهيرية ضد الحرب من منطلق أنساني تحدديا .

zuhair.osman@aol.com

 

آراء