سيمفونية الحشود لتنظيم حركة الناس لخلق تجربة إيجابية!

 


 

 

زهير عثمان حمد
أقدم تجربة معروفة لإدارة الحشود في التاريخ قد تكون مرتبطة بالتجمعات الدينية والاحتفالات الكبرى في الحضارات القديمة. على سبيل المثال، في الحضارة الرومانية، كانت هناك أحداث مثل الألعاب الأولمبية والمهرجانات التي تطلبت تنظيمًا دقيقًا للحشود. ومع ذلك، من المعروف أن إدارة الحشود في الحج إلى مكة المكرمة تعد من أقدم وأكثر التجارب تطورًا في هذا المجال.تجربة المملكة العربية السعودية في إدارة الحشود خلال موسم الحج، حيث تجتمع أعداد ضخمة من الحجاج سنويًا في نطقة محددة ولمدة محددة، تعتبر مثالًا بارزًا على الخبرة الطويلة في هذا المجال. وقد تم الاعتراف بهذه الخبرة على مستوى العالم، حيث استفادت منها دول أخرى في تنظيم الفعاليات الكبرى، و هناك أمثلة مشابهة لإدارة الحشود في الحضارات الآسيوية والأفريقية. على سبيل المثال، في الحضارات الآسيوية، كانت هناك تجمعات كبيرة للمهرجانات الدينية والاحتفالات الثقافية التي تطلبت تنظيمًا وإدارة للحشود. وفي الحضارات الأفريقية، كانت هناك أيضًا تجمعات مماثلة خلال الاحتفالات القبلية والمناسبات الدينية.
تُعتبر الطقوس والمهرجانات الدينية في الهند، مثل مهرجان كومبه ميلا الذي يُعقد كل ثلاث سنوات ويجتذب الملايين من الزوار، مثالًا على إدارة الحشود في الحضارة الآسيوية. كما أن الاحتفالات الكبرى في الصين، مثل السنة الصينية الجديدة، تُظهر أيضًا أساليب إدارة الحشود التي تم تطويرها على مر العصور.
في أفريقيا، يمكن الإشارة إلى الطقوس الدينية والمواسم الزراعية التي تجمع الناس من مختلف القرى والمناطق، حيث كان يتم تنظيم هذه التجمعات بطرق تضمن السلامة والنظام.
هذه الأمثلة تُظهر أن إدارة الحشود كانت جزءًا من الثقافة الاجتماعية في مختلف الحضارات وليست مقتصرة على العصر الحديث فقط.لذلك، وبينما قد لا نتمكن من تحديد “أقدم” تجربة بدقة، يمكننا القول بأن إدارة الحشود كانت جزءًا من التنظيم الاجتماعي للحضارات القديمة وتطورت بشكل ملحوظ عبر العصور.
البحث والتقيم ولكن يري الباحثين أن الأمن والسلامة تساعد دراسة الحشود في ضمان أمان وسلامة الأشخاص خلال التجمعات الكبيرة، مثل الفعاليات والمهرجانات، وتقليل احتمالية حوادث التدافع والإصابات.
وتنظيم الحركة والتدفق: توفر فهمًا أفضل لكيفية تحرك الأشخاص وتفاعلهم في الأماكن المزدحمة، مما يساعد في تنظيم الحركة وتقليل الازدحام , وتعزيز الأنشطة المختلفة: تسمح بتنظيم مجموعة متنوعة من الأنشطة بطريقة تتوافق مع اهتمامات الحضور وتعزز من تجربتهم الإيجابية
التخطيط للطوارئ: تمكن من وضع خطط إخلاء فعالة وتحديد مخارج الطوارئ للتعامل مع الحالات الطارئة. مع التحكم في الحشود: تساهم في تحليل وتقييم المخاطر المحتملة وتوجيه الحشود بطريقة تحافظ على النظام والسلامة
التطبيقات الدينية والوطنية: مثل إدارة الحشود في الحج، حيث تعد حاسمة لنجاح الحج وسلامة الحجاج
الاستجابة للشغب والأزمات: توفر الأساليب اللازمة للتعامل مع الحشود في حالات الشغب أو الأزمات
بشكل عام، تعتبر دراسة الحشود جزءًا لا يتجزأ من التخطيط الحضري وإدارة الفعاليات والتجمعات الكبيرة، وتلعب دورًا مهمًا في تحسين جودة الحياة وتسهيل العبادة والمشاركة في الأحداث الكبرى
تقدم العالمة الاجتماعية الفرنسية إيلينا بوفو مساهمة مهمة في فهم ظاهرة الحشود من خلال كتابها “ميكانيكيا الحشود: حركات خارجة عن السيطرة؟” حيث تستكشف جذور هذه الظاهرة وتتتبع التطور التاريخي للأفكار المرتبطة بها.
تناقش بوفو الصور النمطية والأفكار المسبقة حول الحشود، مشيرة إلى أنها غالبًا ما تُعتبر عدوانية ووحشية. تحلل السلوك غير المتوقع والعنف غير المسيطر عليه، وتبحث في كيفية تشكيل روابط جديدة بين الأفراد والمجموعات.
تعتبر دراستها مزيجًا بين الفلسفة وعلم الاجتماع، حيث تعيد طرح إشكالية أهداف الحشود وآثارها، سواء في الحشود الفعلية أو الافتراضية، بما في ذلك تلك التي تظهر على منصات التواصل الاجتماعي. تستعرض بوفو أعمال علماء اجتماع مثل هربرت بلومير، الذي صنف الحشود إلى أنواع مختلفة.
يوفر كتاب “ميكانيكيا الحشود” رؤى حول كيفية تفاعل الأفراد داخل الحشود والآثار المترتبة على ذلك، ويعد إضافة قيمة للمؤلفات الفلسفية والاجتماعية.
تقدم بوفو تحليلات عميقة ونماذج فلسفية حول ظاهرة الحشود، تشمل تفكيك الصور النمطية، دراسة السلوك غير المتوقع والعنف، وتحليل كيفية فقدان الأفراد لكيانهم الفردي داخل الحشود. كما تستكشف التأثيرات التاريخية والثقافية وتعيد النظر في النصوص الأساسية التي أثرت على نظرتنا للحشود.
تتطرق بوفو أيضًا إلى نموذج بلال لإدارة الحشود، الذي يعكس خبرة المملكة العربية السعودية في إدارة الحشود خلال موسم الحج، وتناقش أهمية إدارة الحشود في الفعاليات الكبرى. تحسين إدارة الحشود في المستقبل يمكن أن يتم من خلال عدة استراتيجيات وتقنيات، وهذه بعض الأفكار المقترحة:
استخدام التكنولوجيا: الاستفادة من التقنيات الحديثة مثل أنظمة المراقبة، تطبيقات الهواتف الذكية، والذكاء الاصطناعي لتحليل حركة الحشود والتنبؤ بالازدحامات.
التواصل الفعال: توفير الإرشادات والتوجيهات المرئية باستخدام لوحات إرشادية ولافتات ورسومات مرئية لتوجيه الحشود وتوضيح الاتجاهات الصحيحة
تنظيم نقاط التجمع والخروج: تحديد وتنظيم نقاط التجمع والخروج بشكل واضح وبارز لتسهيل تدفق الأشخاص وتجنب التزاحم
التدريب والتحضير: تدريب العاملين في تنظيم الحشود والتحضير المسبق للتعامل مع الحشود بشكل فعال.
تقييم وتحسين: إجراء تقييمات دورية وتحسين الخطط التنظيمية بناءً على التجارب السابقة والمعلومات المتاحة2.
التعاون والتنسيق: التعاون والتنسيق مع الجهات المعنية مثل قوات الأمن والشرطة المحلية ومقدمي الخدمات الطبية لضمان التنظيم الفعال والسلامة العامة3.
ضمان السلامة والأمن: وضع إجراءات أمنية صارمة للتعامل مع أي تهديد محتمل أو حالة طوارئ3.
استخدام البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء: لتحليل البيانات الكبيرة واستخدام أجهزة متصلة لتحسين دقة إدارة الحشود
بهذه الطرق، يمكن تحسين إدارة الحشود بشكل كبير، مما يساهم في تعزيز الأمان والسلامة وتحقيق تجربة إيجابية للحضور في الفعاليات المختلفة.
ثقافة إدارة الحشود في الفكر الاجتماعي الأمريكي المعاصر تعني التركيز على الأساليب والممارسات الفعالة لتنظيم وتوجيه الأشخاص في التجمعات الكبيرة بطريقة تضمن الأمان والنظام. تشمل هذه الثقافة الاعتراف بأهمية التخطيط المسبق، استخدام التكنولوجيا لمراقبة وتوجيه الحشود، وتدريب الأفراد المسؤولين عن إدارة الحشود
تعتبر ثقافة إدارة الحشود جزءًا حيويًا من الأمن العام والتخطيط الحضري، وتلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على السلامة خلال الفعاليات الكبرى مثل الحفلات الموسيقية، الأحداث الرياضية، والتجمعات الاحتجاجية. كما تساهم في تحسين تجربة الحضور وتعزيز الاستجابة السريعة لأي حالات طارئة.
في السياق الأمريكي، تعكس ثقافة إدارة الحشود التزامًا بالمسؤولية والكفاءة، وتشجع على التعاون بين الجهات المختلفة مثل الشرطة، المنظمين، والمتطوعين لضمان سير الأحداث بسلاسة وأمان. هذا يعني أيضًا الاستعداد للتعامل مع التحديات الجديدة مثل الحشود الافتراضية والتأثيرات الناتجة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
نعم، هناك تطورات مهمة في إدارة الحشود نتيجة لجائحة كوفيد-19، والتي تشمل: تعزيز الإجراءات الوقائية: تم التركيز بشكل كبير على الإجراءات الوقائية مثل التباعد الاجتماعي، استخدام الكمامات، وتعقيم اليدين للحد من انتشار الفيروس.
التكنولوجيا والابتكار: استخدام التكنولوجيا بشكل أكبر لمراقبة الحشود وتنظيم الدخول والخروج من الأماكن العامة، وكذلك استحداث أدوات جديدة مثل “أداة سالم” لتقييم المخاطر الصحية في التجمعات.
التوعية والتدريب: تم تعزيز حملات التوعية الصحية وتدريب العاملين على إدارة الحشود بطرق تضمن السلامة الصحية
التعاون الدولي: تعزيز التعاون بين الدول في مجال الأبحاث والنشرات الصحية لتحسين استجابة الحشود للأزمات الصحية.
الترخيص والاعتماد: تطوير الأنظمة التنظيمية والقانونية للمنشآت المتخصصة في إدارة الحشود، وإصدار شهادات اعتماد لضمان الكفاءة المهنية والقدرة الفنية.
هذه التطورات تساهم في تحسين إدارة الحشود وضمان سلامة الأفراد خلال الأزمات الصحية مثل جائحة كوفيد-19.
إدارة الحشود ليست مفهومًا حديثًا فحسب، بل لها جذور تاريخية تعود إلى العصور القديمة والوسطى. على مر العصور، كانت هناك حاجة لتنظيم وإدارة الحشود في الأحداث الكبيرة مثل الأسواق، المهرجانات، والتجمعات الدينية.
في العصور الوسطى، كانت هناك تجمعات كبيرة تتطلب نوعًا من الإدارة، مثل الحج والمهرجانات الدينية، حيث كان يجب تنظيم الحشود لضمان السلامة والنظام. وفي العصور الحديثة، تطورت أساليب إدارة الحشود بشكل كبير مع ظهور التكنولوجيا والأساليب العلمية، وأصبحت جزءًا مهمًا من الثقافة الاجتماعية المعاصرة3.
لذلك، يمكن القول إن إدارة الحشود هي جزء من الثقافة الاجتماعية عبر التاريخ وليست مقتصرة على العصر الحديث فقط.

zuhair.osman@aol.com

 

آراء