تعليم الطوارئ

 


 

 

تعليم الطوارئ
د. أحمد جمعة صديق
• مقدمة
توفير التعليم الأساسي للأطفال في حالات الطوارئ الناجمة عن الحروب مهمة إنسانية حرجة تتطلب التخطيط الاستراتيجي وتعبئة الموارد المحدودة المتوفرة بمشاركة كل المجتمع. وفيما يلي نهج فيه شئ من التفصيل يركز على التعليم الأساسي في الحساب، القراءة، العلوم، والدراسات الاجتماعية، يمكن ان يساهم في مثل هذه السياقات الطارئة.
تعتـر الكتـب المدرسية بالنسـبة للشعب الياباني ذات قيمـة تسـاوي قيمـة الأرض نفسـها. وفي وقــت مــن الأوقات، كان المعلمون في اليابــان يوعزون الى طلابهم باصطحاب كتبهـم المدرسية (أولاً) عنـد الاضطرار للفـرار في حالات الطـوارىء مـن مبنـى المدرسة بسـبب حريــق أو فيضــان أو زلــزال. فالكتــاب المدرسي بالنســبة للطفل الياباني ليــس مجــرد أداة مــن بــين العديــد مــن أدوات التعلــم، اذ تنــص المادة 21 مــن قانــون التعليــم الأساسي الياباني على اســتخدام الكتـاب المدرسي كمصـدر أساسي للتعليـم في الفصـول الدراسـية. ومـن الناحيـة العمليـة، يعتمـد معظـم المعلمين في اليابـان على الكتـب المدرسية كأداة وحيـدة للتعليـم والتعلـم. ولطالما أعطـى الشـعب الياباني قيمـة عاليـة للكلمـة المكتوبة، وتبجيلهـم الواضـح للكتـب المدرسية علـى وجـه الخصـوص مسـتمد مـن تقاليـد طويـلة مـن التعليم الـذي يرجـع تاريخـه الى الكونفوشيوسـية المبكرة في القرنـين الثاني والثالـث قبــل الميلاد. وقــد أولــت الكونفوشيوســية أهميــة كبــيرة لدراســة كتابــات القــادة الروحيــن في الصيــن. راجع مقال (أحمد جمعة صديق. "تاريخ تطوير واختيار الكتب المدرسية في اليابان والولايات المتحدة الامريكية". مجلـة القلزم للدراسـات التربوية - العدد السـادس - ربيـع الثاني 1443هـ -يناير2022م)
أوردنا هذا الكلام لندلل على أهمية تنمية الحس في التلاميذ في الإهتمام باصطحاب كتبهم المدرسية أينما حلوا وفي كافة الظروف،وأن يكون الكتاب المدرسي من ضمن اثمن مقتنياتهم في حالات الطوارئ وفي التنقل من مكان لآخر. علينا أن نلزم الاطفال بصحبة كتبهم والتعامل معها باعتبارها من أعز مدخراتهم في الحياة، لأنه إذا توافر الكتاب المدرسي فمن الممكن أن يتوافر المعلم أو الأب أو الأم أو أي أحد من أفراد المجتمع يمكن أن يقوم بمهمة التدريس أو المراجعة مع الطفل من خلال هذه الاداة البسيطة والمهمة في آن واحد. يجب ان نعلّم الاطفال الاهتمام باهمية هذه الوثائق التعليمية في حياتهم ومستقبلهم وخاصة في الحالات الطارئة كالحرائق والزلازل والحروب.
يصبح ضمان حصول الأطفال على التعليم الأساسي، في أوقات الحرب والنزاع أمراً بالغ الأهمية. فالتعليم لا يوفر فقط المعرفة، بل يوفر أيضاً الاستقرار والأمل في المستقبل وسط الفوضى مهما تفشت أو تفاقمت. ويستكشف هذا المقال استراتيجيات عملية لتوفير التعليم في حده الادنى في الحساب، القراءة، العلوم، والدراسات الاجتماعية للأطفال المتأثرين بالطوارئ، مع التركيز على المناطق المتأثرة بالحروب.
• التحديات في التعليم في حالات الطوارئ
• تعطيل البنية التحتية ونقص الموارد:
ونعني بحالات الطورئ المواقف الفجائية غير المعتادة التي تحدث لتعطل أو تعيق الروتين اليومي للانسان. وفي هذا السياق الحرب التي تدور رحاها الآن في السودان. فقد نتج عنها، تدمير المدارس،حيث اصبحت غفراً مهجورا أو ملاجئ للاجئين أو ثكنات للعساكر. ونتج عن ذلك نقص الإمدادات من توفير المعلمين والمعينات التعليمية من كتاب ومعمل وأدوات وصارت النتيجة النهائية توالد بيئات تعليمية غير كافية وربما غير صالحة للعمل. وهذه الحالات تستدعي ابتكار آليات خاصة لتساعد في تجاوز المحنة وذلك بانشاء فضاءات تعليمية مؤقتة فيما يتوافر من مساحات آمنة كالمساجد ودور العبادة مع توفير مواد تعليمية أساسية (كالكتب المنهجية والأقلام)، واستخدام الفصول المتنقلة أو المراكز المجتمعية.
• قضايا الأمان والأمن
يؤثر خطر العنف وعدم الاستقرار على الوصول إلى التعليم. وبالتالي يقتضي الأمر التنسيق مع السلطات المحلية والمنظمات الدولية لضمان الوصول الآمن، عن طريق إنشاء مناطق آمنة للتعليم، وتوفير تدابير أمنية للمدارس والطلاب في حدها الأدني.
• الدعم النفسي الاجتماعي
تسبب الحروب صدمات عاطفية وضغط نفسي عال جداً بين الأطفال والمعلمين مما يتطلب الدعم النفسي الاجتماعي في البرامج التعليمية،لذا لابد من تدريب المعلمين على نهج الطوارئ الذي يراعي كيفية امتصاص الصدمات، وتوفير خدمات الاستشارة في حدها الادنى بما يتوافر من امكانيات. وقد سعدت بمداخلة الاستاذة Tarteel Altahir بقولها بان (منطقتنا بالرغم من إنها منطقة حرب ولكن الحمد لله نسبة الأمان فيها تفوق نسبة الخوف. والحمد لله فعلا الأطفال وجدوا فرص التعليم في المساجد والمدارس القريبة بواسطة بعض المدرسين الكبار وبعض الطلاب المشاركين في تدريس الأطفال.) وأظنها تقصد بعض الطلاب الجامعيين. وعلى كل حال لابد من تجريب كل الحيل التي تحول دون ارتداد هؤلاء الاطفال الى حالة الأمية والخنوع المفضي الى الفشل في المستقبل. فقليل من المجهود يجعل التعليم في حراك وتواصل يشجع التحصيل والاستعداد للتعلم في كافة الظروف.
• منهج الطوارئ
في مثل هذه الظروف يتم التركيز على منهج الطوارئ ونقصد به الاهتمام الخاص بمواد الحساب، القراءة، وقليل من العلوم، والدراسات الاجتماعية.
• الحساب:
تنبع أهمية تدريس العمليات الاولية للحساب لاكساب المهارات الضرورية للحياة اليومية والنجاح الأكاديمي المستقبلي. ويتم ذلك في تنفيذ أنشطة رياضيات عملية باستخدام السياقات المحلية، ودمج الحساب في الروتين اليومي، وتدريب المعلمين على التقنيات الفعّالة في تعليم الرياضيات , واستخدامم وسائل مبسطة لايصال المفاهيم الرياضية مثل منهج التحليل للعشرة والمية والالف وتطوير مهارات العد البسيط لما هو قائم كاحصائيات البشر أو الحيوان أو المظاهر النباتية في البيئة التي يعيش فيها الطالب. وقد كنا نستخدم القصب والحجارة لايصال مفاهيم وتحليل الاعداد.
• القراءة:
القراءة هي اسرع وسيلة لاكتساب المعرفة على الاطلاق. فالقراءة أساسية لجميع المجالات التعليمية والنجاح مدى الحياة. ويتطلب تعزيز القراءة من خلال الحكايات، إنشاء مكتبات مجتمعية صغيرة أو اركان للكتب المتوافرة مع توفير كتب مناسبة للأعمار باللغات المحلية ان كان الى ذلك سبيل، ثم مشاركة الآباء في أنشطة القراءة والمعلم المدرب يمكن أن يجعل من أي مادة مكتوبة موضوعاً شيقاً وجاذباً للمتلقي من الصغار
فمواصلة تعليم الرياضيات والقراءة للأطفال خلال فترات الحرب والنزاعات أمر بالغ الأهمية لعدة أسباب، على الرغم من التحديات الكبيرة من الأوضاع الصعبة: تعليم مهارات الرياضيات، القراءة، والتفكير النقدي أمر أساسي لتعزيز التعليم الشامل وتطوير التفكير العقلي لدى الأطفال. إليك أهمية كل من هذه المكونات:
1. الرياضيات
الأهمية: تشكل الرياضيات أساس التفكير المنطقي، ومهارات حل المشكلات، والمهارات التحليلية.
- المهارات المطورة: يساعد تعلم الرياضيات الأطفال على فهم الأنماط، وإيجاد الصلات، وتطبيق المنطق في مختلف الحالات الواقعية. يعزز هذا قدرتهم على التفكير بشكل منهجي ونقدي، مما يعد أساساً للنجاح الأكاديمي والفرص المهنية المستقبلية.
2. القراءة:
- الأهمية: القراءة أساسية لجميع المجالات التعليمية وتساهم في تطوير مهارات اللغة والفهم والقدرات الاتصالية.وهي اسرع وسيلة لاكتساب المعرفة..
- المهارات المطورة: من خلال القراءة، يكتسب الأطفال المعرفة، ويوسعون المفردات، ويحسنون فهمهم للثقافات والمنظورات والأفكار المختلفة. تعزز القراءة الخيال والإبداع والتعاطف، مما يمكّنهم من التنقل وتفسير المعلومات المعقدة بفعالية.
3. التفكير النقدي:
- الأهمية: يتضمن التفكير النقدي تحليل المعلومات، وتقييم الحجج، واتخاذ القرارات المعقولة.
- المهارات المطورة: يشجع تعليم التفكير النقدي الأطفال على اثبات الفروض، وتطوير آراء مطروحة. يعزز ذلك مهارات حل المشكلات، واستقلالية التفكير، والقدرة على تقييم المعلومات بناءاً على معطيات النقد البناء، وهو أمر ضروري لاتخاذ قرارات صائبة في الحياة الشخصية والسياقات الاجتماعية والأكاديميات. علاوة على تطوير القدرات التفاوضية للافراد.
فوائد دمج الرياضيات والقراءة والتفكير النقدي:
- التنمية الشاملة: يعزز دمج هذه المواد التنمية الشاملة، من خلال التركيز على الجوانب العقلية والعاطفية والاجتماعية للتعلم.
- تحسين الأداء الأكاديمي: تترابط الكفاءة في الرياضيات والقراءة مع تحسين الأداء الأكاديمي في جميع المواد.
- الاستعداد للنجاح المستقبلي: تهيئة هذه المهارات الأطفال للتعلم مدى الحياة، والتكيف مع التحديات الجديدة، والنجاح في عالم معقد يتطور باستمرار.
- التمكين: من خلال تزويد الأطفال بهذه المهارات، يصبحون قادرين على التنقل في ظروف الغموض، والمساهمة بشكل معنوي في المجتمع، وتحقيق تطلعاتهم.
في الختام، يؤهل تعليم الرياضيات والقراءة والتفكير النقدي الأطفال بالأدوات اللازمة للنجاح الأكاديمي والفكري والشخصي. إنه يرسم الأساس للتعلم مدى الحياة ويمكّنهم من أن يصبحوا مشاركين نشطين ومطلعين ومفكرين في مجتمعاتهم وأبعد من ذلك.
4. العلوم
- الأهمية: الثقافة العلمية تثير الفضول وتعزز مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
- الاستراتيجيات: إجراء تجارب علمية بسيطة باستخدام المواد المتاحة محلياً، ربط العلوم بالتحديات العملية (مثل تنقية المياه)، وتشجيع استكشاف الظواهر الطبيعية في بيئات آمنة.
5. الدراسات الاجتماعية
- الأهمية: فهم التاريخ، والجغرافيا والثقافة، والمجتمع يبني التعاطف ويعزز المسؤولية المدنية.
الاستراتيجيات: يتم بدمج (التقاليد والتاريخ المحلي) في المنهج الدراسي، وتسهيل مناقشات حول بناء السلام وحل النزاعات، وتعزيز التبادل الثقافي بين الطلاب من خلفيات مختلفة.
• الخلاصة
الحروب والنزاعات تفرضان تحديات كبيرة على التعليم، ولكن يمكن للجهود المنسقة التي تركز على الحساب، القراءة، العلوم، والدراسات الاجتماعية، التخفيف من تأثيرها على تطوير الأطفال. من خلال الأولوية التي تُولى للوصول، والسلامة، وأهمية المنهج، والمشاركة المجتمعية، يمكننا التأكد من أن كل طفل يتأثر بالطوارئ لديه فرصة للتعلم، والنمو، وبناء مستقبل أفضل رغم الصعوبات. فالتعليم ليس مجرد استجابة للطوارئ، بل هو مسار نحو الصمود والتماسك للمجتمعات المتأثرة. من خلال الاستثمار-الحد الادنى - في تعليم الأطفال في الأزمات، فاننا نستثمر في الأمل، والاستقرار، وفي غدٍ أفضل رغم صعوبة الملابسات الزمانية والمكانية والنفسية.

 

aahmedgumaa@yahoo.com

 

آراء