“الإسلاميون بين تناقض الخطاب وتحالفات المصالح
زهير عثمان حمد
3 November, 2024
3 November, 2024
الهجوم على وفد قوى "تقدم" بقيادة عبد الله حمدوك في لندن، يعكس حالة الاستقطاب الحاد والمتصاعد داخل الأوساط السياسية السودانية التي انقسمت بشكل شبه تام حول الحرب الجارية. إن هذا الهجوم، الذي وصل إلى محاولات إيذاء جسدي لأعضاء الوفد، يشير إلى طبيعة الصراع المعقد الذي لا يقتصر على ساحة المعركة، بل يمتد إلى الخطاب السياسي ووسائل الإعلام وحتى المهجر. فبينما تسعى "تقدم" بقيادة حمدوك نحو إيقاف الحرب من خلال العمل المدني والاتصالات الدولية، تبذل القوى الإسلامية، التي تواصل دعمها للحرب، جهوداً لإقصاء المدنيين من المجال السياسي، خاصةً عبر التصدي للحراك المناهض للحرب.
يشكل ظهور عبد الله حمدوك، كسياسي متزن وناشط في وقف الحرب، إضافة قيمة للمشهد السياسي السوداني، خاصة عند مقارنته بمواقف الدعم السريع. فالدعم السريع، ورغم تورطه في أعمال عنف، يحاول الآن التسويق لنفسه كطرف يسعى للعب دور سياسي، بينما يستغل الإسلاميون قنواتهم الإعلامية للدفاع عن ذلك التوجه. لكن هجمات الإسلاميين على "تقدم" تكشف عن أزمة الثقة بينهم وبين أي جهد مدني بديل يسعى لاستعادة دور قوى الثورة عبر وسائل سلمية.
تاريخياً، عرف السودان تحديات الانتقال الديمقراطي منذ ثورة أكتوبر، حين قوضت الطموحات الحزبية أهداف الديمقراطية، ما أدى إلى انقلابات متكررة. تكرر السيناريو بعد الانتفاضة، ثم في أعقاب ثورة ديسمبر، حيث قوضت المحاصصة كفاءة حكومة حمدوك وأتاحت للأحزاب الحاكمة فرصاً للابتزاز، ما أضعف مسار التحول الديمقراطي وأدى إلى تزايد تدخلات المكون العسكري.
اليوم، تأتي "تقدم" كمحاولة لملء الفراغ المدني، في محاولة لفصل نفسها عن تحالفاتها القديمة. لكن مساعيها تواجه عقبات عديدة، أبرزها التباين مع قوى مدنية أخرى حول الاتفاق الإطاري السابق للحرب، مما يصعّب بناء جبهة قوية وموحدة تقف في وجه الحرب.
تجدر الإشارة إلى أن زيارة وفد التنسيقية بقيادة حمدوك للندن تُعد أبرز تحرك دولي لقيادة "تقدم"، وتأتي في وقت حساس، إذ تعمقت الحرب السودانية وتكاد تصل إلى حرب أهلية شاملة، ما يزيد أهمية التحركات السلمية.
إعلامياً، تفتقر "تقدم" إلى الإمكانيات الضخمة التي يتمتع بها الجيش، الإسلاميون، والدعم السريع، حيث تنقصها قنوات فضائية أو منصات إعلامية متقدمة. لكن يمكن لـ "تقدم" أن تستغل منصات الإعلام الاجتماعي لجذب التأييد الشعبي، كما أن زيادة ظهور حمدوك إعلاميًا يمكن أن يعزز من الدعم الشعبي، خاصة عند مقارنته بالتواجد المستمر لقيادات عسكرية بارزة.
إن الصراع الإعلامي يشكل جزءاً من الحرب؛ إذ تستغل الأطراف المتقاتلة وسائل الإعلام لتوجيه الرأي العام. من الضروري لـ"تقدم" أن تكثف جهودها لتقديم خطاب إعلامي رصين ومؤثر، سواء من خلال تعزيز منصاتها الإعلامية الحالية أو عبر شراكات مع منظمات دولية للحصول على دعم إعلامي أفضل.
الهجوم على وفد "تقدم" في لندن، وتظاهرات مناصري الدعم السريع التي لم يواجهها الإسلاميون، يعكس بوضوح أولويات جديدة تكشف عن تحول في التوجهات. رغم معارضة الإسلاميين العلنية لقوات الدعم السريع، إلا أنهم لم يتحركوا أمام مظاهرة مناصريها، بينما هاجموا وفد حمدوك المدني في لندن. هذا التناقض يؤكد أن هدفهم الأساسي هو قمع القوى المدنية وشباب الثورة، بدلاً من معاداة طرفي الصراع المسلح بشكل مبدئي.
ما شهدناه من تصفية لشباب لجان المقاومة، الذين وقفوا إلى جانب الشعب وقدّموا يد العون للمدنيين، يكشف عن تناقض صارخ في سلوك الإسلاميين، حيث اختاروا التحالفات التي تخدم أجنداتهم السياسية على حساب مدنية الثورة. في ظل هذه الظروف، تبقى القوى الثورية والمجتمع المدني ملتزمين بالتحول الديمقراطي ورفض أي حكم عسكري، مؤكدين أن انتصار الثورة سيتحقق بإرادة الشعب السوداني لتحقيق العدالة والحرية.
zuhair.osman@aol.com
يشكل ظهور عبد الله حمدوك، كسياسي متزن وناشط في وقف الحرب، إضافة قيمة للمشهد السياسي السوداني، خاصة عند مقارنته بمواقف الدعم السريع. فالدعم السريع، ورغم تورطه في أعمال عنف، يحاول الآن التسويق لنفسه كطرف يسعى للعب دور سياسي، بينما يستغل الإسلاميون قنواتهم الإعلامية للدفاع عن ذلك التوجه. لكن هجمات الإسلاميين على "تقدم" تكشف عن أزمة الثقة بينهم وبين أي جهد مدني بديل يسعى لاستعادة دور قوى الثورة عبر وسائل سلمية.
تاريخياً، عرف السودان تحديات الانتقال الديمقراطي منذ ثورة أكتوبر، حين قوضت الطموحات الحزبية أهداف الديمقراطية، ما أدى إلى انقلابات متكررة. تكرر السيناريو بعد الانتفاضة، ثم في أعقاب ثورة ديسمبر، حيث قوضت المحاصصة كفاءة حكومة حمدوك وأتاحت للأحزاب الحاكمة فرصاً للابتزاز، ما أضعف مسار التحول الديمقراطي وأدى إلى تزايد تدخلات المكون العسكري.
اليوم، تأتي "تقدم" كمحاولة لملء الفراغ المدني، في محاولة لفصل نفسها عن تحالفاتها القديمة. لكن مساعيها تواجه عقبات عديدة، أبرزها التباين مع قوى مدنية أخرى حول الاتفاق الإطاري السابق للحرب، مما يصعّب بناء جبهة قوية وموحدة تقف في وجه الحرب.
تجدر الإشارة إلى أن زيارة وفد التنسيقية بقيادة حمدوك للندن تُعد أبرز تحرك دولي لقيادة "تقدم"، وتأتي في وقت حساس، إذ تعمقت الحرب السودانية وتكاد تصل إلى حرب أهلية شاملة، ما يزيد أهمية التحركات السلمية.
إعلامياً، تفتقر "تقدم" إلى الإمكانيات الضخمة التي يتمتع بها الجيش، الإسلاميون، والدعم السريع، حيث تنقصها قنوات فضائية أو منصات إعلامية متقدمة. لكن يمكن لـ "تقدم" أن تستغل منصات الإعلام الاجتماعي لجذب التأييد الشعبي، كما أن زيادة ظهور حمدوك إعلاميًا يمكن أن يعزز من الدعم الشعبي، خاصة عند مقارنته بالتواجد المستمر لقيادات عسكرية بارزة.
إن الصراع الإعلامي يشكل جزءاً من الحرب؛ إذ تستغل الأطراف المتقاتلة وسائل الإعلام لتوجيه الرأي العام. من الضروري لـ"تقدم" أن تكثف جهودها لتقديم خطاب إعلامي رصين ومؤثر، سواء من خلال تعزيز منصاتها الإعلامية الحالية أو عبر شراكات مع منظمات دولية للحصول على دعم إعلامي أفضل.
الهجوم على وفد "تقدم" في لندن، وتظاهرات مناصري الدعم السريع التي لم يواجهها الإسلاميون، يعكس بوضوح أولويات جديدة تكشف عن تحول في التوجهات. رغم معارضة الإسلاميين العلنية لقوات الدعم السريع، إلا أنهم لم يتحركوا أمام مظاهرة مناصريها، بينما هاجموا وفد حمدوك المدني في لندن. هذا التناقض يؤكد أن هدفهم الأساسي هو قمع القوى المدنية وشباب الثورة، بدلاً من معاداة طرفي الصراع المسلح بشكل مبدئي.
ما شهدناه من تصفية لشباب لجان المقاومة، الذين وقفوا إلى جانب الشعب وقدّموا يد العون للمدنيين، يكشف عن تناقض صارخ في سلوك الإسلاميين، حيث اختاروا التحالفات التي تخدم أجنداتهم السياسية على حساب مدنية الثورة. في ظل هذه الظروف، تبقى القوى الثورية والمجتمع المدني ملتزمين بالتحول الديمقراطي ورفض أي حكم عسكري، مؤكدين أن انتصار الثورة سيتحقق بإرادة الشعب السوداني لتحقيق العدالة والحرية.
zuhair.osman@aol.com