زهرةٌ لثوار سوريا… ودمعتان على دمشق
منتصر عبد الماجد
14 December, 2024
14 December, 2024
بقلم: منتصر عبد الماجد*
“لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كل ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..
ودمعة سدى !”
أمل دنقل
______________
نعم تمكن ثوار الشام من إسقاط نظام الأسد.. ولكن!! الأحداث، لا تحمل خلاصاً الشعب السوري وتقرع أجراساً باقتراب دمشق السقوط في جحيم العنف الثيوغراطي الذي أكتوى بنيرانه السودانيون لأربعة عقود، فمنذ سقوط الأسد مطلع هذا الأسبوع درجت الفصائل الداعشية "مدعومة من أوكار التجسس المشبوهه" على استباحة المدنيين العزل تحت مسمى (فجر الحرية) تقتل في المواطنيين وتحرق منازلهم وتنهب ممتلكاتهم.
إنتصار الثورة الشامية يسعد ويحفر ثوار السودان للارتباط العضوي بين أحلام وشعارات الشعبيين.. ولا عجب في ذلك، فنحن كسودانيين، نتغنى بكلمات شاعرنا تاج السر الحسن (يا دمشق - كلنا في الهم والآمال شرق) منذ أواسط القرن الماضي. لذا تبقى مخاوفنا على الثورة السورية مشروعة، طالما أن الآمال والهموم (السودانسورية) منبعها مشيمة واحدة، تخلقت فيها ثورتا الشعبين، لتولدا تؤأماً سيامياً تزامن ميلاده، وتناغما وتطابقا في الشعارات والمنطلقات والأسلوب ووسائل نضال سلمي مطلق أعجز آلة عنف لأقدم نظامين قمعيين في العالم، وأطلت على قياداتها شباب مستنير سطعوا نجوما في تاريخ البسالة والتضحية في مقاومة إرث النظم الفاشية..
هذا التطابق كان بمثابة الحبل السري الذي غذى التوأم الثائر بالإلهام ليتوهج نبراسا يبدد مخاوف الشعوب الحرة في طريقها للحرية والسلام والعدالة التي أطفأت شيطانين الثيوغراطية والشعوبية جذوتها، وتلبست قوت واقتصاد شعوبها المستضعفة، ونفثت نزغها في مفاصل دولهم وجيشها وأسست علاقات دولية على عرض الأوطان للبيع مقابل البقاء في السلطة.
فرضت تلك الأنظمة (المنحطة) على السودانيين والسوريين مساومتهم بالاستمرار في الحكم مقابل وضع مستقبل بلدانهم أمام الخيار الصفري، أو عقوبة الدمار الكامل، والآن يعاقب فلول الإرهاب الديني السودانيين بالقتل والنهب والجوع والتشريد جراء صحوة أمانينهم، بينما يعد ويطبخ طاهي السوء ذات المائدة الحرام للسوريين لتورع رعبها ذات الأيدي الإرهابية الآثمة في شوارع دمشق.
على رفاقنا في الثورة السورية استلهام الدورس والعبر من مآلات الثورة السودانية التي في مقدمتها تجنب الخيار الصفري لبلادهم، وذلك لا يتم الا بعزل تيارات الإسلام السياسي التي نشأت في الغرف الاستخباراتية القذرة، ورضعت العمالة وتبنت العنف الديني لإذلال شعوبها ووأد تطلعاتها.. ولا تطفوا هذه الجماعات على السطح كالبثرة المتعفة الا بالسيناريوهات المصنوعة في الغرف المغلقة التي تتم فيها صناعة قادة عسكريين وتلميع شخصيات سياسية لتسرق لسان الشعب في تنفيذ المسارات لترتيب المشهد الجديد بتوقيع الوثائق الرمادية التي تصيب الثورة في مقتل.
ومفارقة مشهد الثورة السورية بكل قيمها الحداثية الإنسانية بوسائل نضالتها السلمية أن الذي سيقرر مستقبلها ومساراتها القيادات الداعشية التي لم تؤمن يوما بشعاراتها ولا قيمها في التبادل السلمي للسلطة، وصيانة حقوق الأقليات وما زالت حتى اللجظة تحمل بندقيتها لفرض بطشها، لكنها تتصدر مشهد الثورة بقوة دفع مصنوع ومعد سلفا لاستغفال الشعوب.
فهل من العدل استبعاد كل دعاة الديمقراطية والحداثة من قيادة الثورة السورية ويطل على رأسها تلك الوجوه الكالحة التي منبع ومنهل أفكارها فتاوى العنف الديني، وانتمت حينا من الدهر لداعش والنصرة وتنظيم جبهة الشام، ولم يعرف او يسمع عنها ندما او تراجعا عن عنف او حتى نقدا للذي يشكل نسيجهم الرابط، وهذا ليس من باب التوقعات بل حقائق لا تقبل الشك بوقائع مورست خلال تحكمهم في اراضي سوريا والعراق.. فهل نسي السوريون الفظائع والانتهاكات من الإبادات واستبعاد النساء واستباحة الطائفة الأزيدية.
فيا رفاق الحرية والسلام والعدالة في سوريا ماذا يعني رفع الولايات المتحدة أسماء التنظيمات الارهابية التي استباحت أعراضكم باسم الدين من قوائم الارهاب؟ وماذا يعني توغل الجيش الاسرائيلي في الاراضي السورية؟. ماذا يعني تدمير الطيران العبري للمقدرات الدفاعية والاقتصادية السورية؟ ويتبقى السؤال المحوري الأهم، ما فعل قادة الفصائل الملتحين إزاء كل ذلك..؟
وبحسب التجربة السودانية فان سيناريو صناعة المشهد في الغرف المغلقة يصمم على توازن ضعف دقيق بين ثلاثة أعمدة أولها (الجيش والاجهزة الامنية) وثانيها (المليشيات والمرتزقة) ثم ثالثها (مجموعات سياسية متناحرة) ثم يتطلب تنفيذ السيناريو الاحتفاظ بالأجهزة الامنية الفاشية بشرط إضعافها وتهديدها بفقد الامتيازات للتماسك في ضعف في المقابل تطلق أيدي المليشيات ماديا ولوجستيا ويحفز المرتزقة ويصبح الكسب بالبندقية جاذبا تمهيدا لاشتعال الحرب التي ستولد الفوضى والانتهاكات لتبدأ غرف الظلام في نشر خطابات الكراهية ليتم تفكيك الدولة.
ولا يصعب معرفة من الممسك بخيوط لعبة صناعة المشهد الذي يجهض استفاقة الشعوب، فالأمر لا يحتاج لعناء، فالدولة العبرية صاحبة المصلحة الوحيدة في إعادة تشكيل المنطقة جيوسياسيا وديموغرافيا وفقا لعقدها ومفاهيمها التوراتية وخططها في التوسع والسيادة.
توظف اسرائيل لهذا الهدف شبكات تجسس معقدة عالية الكفاءة مصممة على استراتيجيات طويلة المدى تتكون من هياكل متعددة وتبدو متناقضة، لكن جداولها تصب في مصب واحد تشمل (دول عميلة تحلم بادوار اكبر من حجمها) و(قيادات عسكرية تسيطر على المؤسسات الامنية) و(مجموعات نيوليبرالية محلية تتسلق الثورات) وأخطر عملائها على الثورات ما يسمى (بجماعات الاسلام السياسي) التي في الأصل صناعة الموساد وأغدقت عليها الأموال لانتشار واسع بصبغة خطاب ديني مزيف يسمم عقول البسطاء (فوراء كل ملتح جريمة وخيانة).
إن الحرية والسلام والعدالة هي قضية الشعبيين السوري والسوداني المحورية، وعلمنا من تجاربنا المريرة أن الوصول لجوهر الثورة يتطلب عبورا شاقا ودروبا وعرة، فالنظم القمعية ترتبط بأقبية الاستخبارات التي تصنع لها رؤوسا عديدة لتطل في كل مرحلة رأسا أقبح، لذا قصدت أن أبتدر المقال بكلمات الشاعر أمل دنقل لتشير الى قاعدة ان الاستبداد سلوك متجدد، وواجبنا النضال ضد كل الطغاة مهما تعاقبوا وتناسلت انظمتهم.
______________________________
* رئيس تحرير صحيفة مداميك
“لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كل ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..
ودمعة سدى !”
أمل دنقل
______________
نعم تمكن ثوار الشام من إسقاط نظام الأسد.. ولكن!! الأحداث، لا تحمل خلاصاً الشعب السوري وتقرع أجراساً باقتراب دمشق السقوط في جحيم العنف الثيوغراطي الذي أكتوى بنيرانه السودانيون لأربعة عقود، فمنذ سقوط الأسد مطلع هذا الأسبوع درجت الفصائل الداعشية "مدعومة من أوكار التجسس المشبوهه" على استباحة المدنيين العزل تحت مسمى (فجر الحرية) تقتل في المواطنيين وتحرق منازلهم وتنهب ممتلكاتهم.
إنتصار الثورة الشامية يسعد ويحفر ثوار السودان للارتباط العضوي بين أحلام وشعارات الشعبيين.. ولا عجب في ذلك، فنحن كسودانيين، نتغنى بكلمات شاعرنا تاج السر الحسن (يا دمشق - كلنا في الهم والآمال شرق) منذ أواسط القرن الماضي. لذا تبقى مخاوفنا على الثورة السورية مشروعة، طالما أن الآمال والهموم (السودانسورية) منبعها مشيمة واحدة، تخلقت فيها ثورتا الشعبين، لتولدا تؤأماً سيامياً تزامن ميلاده، وتناغما وتطابقا في الشعارات والمنطلقات والأسلوب ووسائل نضال سلمي مطلق أعجز آلة عنف لأقدم نظامين قمعيين في العالم، وأطلت على قياداتها شباب مستنير سطعوا نجوما في تاريخ البسالة والتضحية في مقاومة إرث النظم الفاشية..
هذا التطابق كان بمثابة الحبل السري الذي غذى التوأم الثائر بالإلهام ليتوهج نبراسا يبدد مخاوف الشعوب الحرة في طريقها للحرية والسلام والعدالة التي أطفأت شيطانين الثيوغراطية والشعوبية جذوتها، وتلبست قوت واقتصاد شعوبها المستضعفة، ونفثت نزغها في مفاصل دولهم وجيشها وأسست علاقات دولية على عرض الأوطان للبيع مقابل البقاء في السلطة.
فرضت تلك الأنظمة (المنحطة) على السودانيين والسوريين مساومتهم بالاستمرار في الحكم مقابل وضع مستقبل بلدانهم أمام الخيار الصفري، أو عقوبة الدمار الكامل، والآن يعاقب فلول الإرهاب الديني السودانيين بالقتل والنهب والجوع والتشريد جراء صحوة أمانينهم، بينما يعد ويطبخ طاهي السوء ذات المائدة الحرام للسوريين لتورع رعبها ذات الأيدي الإرهابية الآثمة في شوارع دمشق.
على رفاقنا في الثورة السورية استلهام الدورس والعبر من مآلات الثورة السودانية التي في مقدمتها تجنب الخيار الصفري لبلادهم، وذلك لا يتم الا بعزل تيارات الإسلام السياسي التي نشأت في الغرف الاستخباراتية القذرة، ورضعت العمالة وتبنت العنف الديني لإذلال شعوبها ووأد تطلعاتها.. ولا تطفوا هذه الجماعات على السطح كالبثرة المتعفة الا بالسيناريوهات المصنوعة في الغرف المغلقة التي تتم فيها صناعة قادة عسكريين وتلميع شخصيات سياسية لتسرق لسان الشعب في تنفيذ المسارات لترتيب المشهد الجديد بتوقيع الوثائق الرمادية التي تصيب الثورة في مقتل.
ومفارقة مشهد الثورة السورية بكل قيمها الحداثية الإنسانية بوسائل نضالتها السلمية أن الذي سيقرر مستقبلها ومساراتها القيادات الداعشية التي لم تؤمن يوما بشعاراتها ولا قيمها في التبادل السلمي للسلطة، وصيانة حقوق الأقليات وما زالت حتى اللجظة تحمل بندقيتها لفرض بطشها، لكنها تتصدر مشهد الثورة بقوة دفع مصنوع ومعد سلفا لاستغفال الشعوب.
فهل من العدل استبعاد كل دعاة الديمقراطية والحداثة من قيادة الثورة السورية ويطل على رأسها تلك الوجوه الكالحة التي منبع ومنهل أفكارها فتاوى العنف الديني، وانتمت حينا من الدهر لداعش والنصرة وتنظيم جبهة الشام، ولم يعرف او يسمع عنها ندما او تراجعا عن عنف او حتى نقدا للذي يشكل نسيجهم الرابط، وهذا ليس من باب التوقعات بل حقائق لا تقبل الشك بوقائع مورست خلال تحكمهم في اراضي سوريا والعراق.. فهل نسي السوريون الفظائع والانتهاكات من الإبادات واستبعاد النساء واستباحة الطائفة الأزيدية.
فيا رفاق الحرية والسلام والعدالة في سوريا ماذا يعني رفع الولايات المتحدة أسماء التنظيمات الارهابية التي استباحت أعراضكم باسم الدين من قوائم الارهاب؟ وماذا يعني توغل الجيش الاسرائيلي في الاراضي السورية؟. ماذا يعني تدمير الطيران العبري للمقدرات الدفاعية والاقتصادية السورية؟ ويتبقى السؤال المحوري الأهم، ما فعل قادة الفصائل الملتحين إزاء كل ذلك..؟
وبحسب التجربة السودانية فان سيناريو صناعة المشهد في الغرف المغلقة يصمم على توازن ضعف دقيق بين ثلاثة أعمدة أولها (الجيش والاجهزة الامنية) وثانيها (المليشيات والمرتزقة) ثم ثالثها (مجموعات سياسية متناحرة) ثم يتطلب تنفيذ السيناريو الاحتفاظ بالأجهزة الامنية الفاشية بشرط إضعافها وتهديدها بفقد الامتيازات للتماسك في ضعف في المقابل تطلق أيدي المليشيات ماديا ولوجستيا ويحفز المرتزقة ويصبح الكسب بالبندقية جاذبا تمهيدا لاشتعال الحرب التي ستولد الفوضى والانتهاكات لتبدأ غرف الظلام في نشر خطابات الكراهية ليتم تفكيك الدولة.
ولا يصعب معرفة من الممسك بخيوط لعبة صناعة المشهد الذي يجهض استفاقة الشعوب، فالأمر لا يحتاج لعناء، فالدولة العبرية صاحبة المصلحة الوحيدة في إعادة تشكيل المنطقة جيوسياسيا وديموغرافيا وفقا لعقدها ومفاهيمها التوراتية وخططها في التوسع والسيادة.
توظف اسرائيل لهذا الهدف شبكات تجسس معقدة عالية الكفاءة مصممة على استراتيجيات طويلة المدى تتكون من هياكل متعددة وتبدو متناقضة، لكن جداولها تصب في مصب واحد تشمل (دول عميلة تحلم بادوار اكبر من حجمها) و(قيادات عسكرية تسيطر على المؤسسات الامنية) و(مجموعات نيوليبرالية محلية تتسلق الثورات) وأخطر عملائها على الثورات ما يسمى (بجماعات الاسلام السياسي) التي في الأصل صناعة الموساد وأغدقت عليها الأموال لانتشار واسع بصبغة خطاب ديني مزيف يسمم عقول البسطاء (فوراء كل ملتح جريمة وخيانة).
إن الحرية والسلام والعدالة هي قضية الشعبيين السوري والسوداني المحورية، وعلمنا من تجاربنا المريرة أن الوصول لجوهر الثورة يتطلب عبورا شاقا ودروبا وعرة، فالنظم القمعية ترتبط بأقبية الاستخبارات التي تصنع لها رؤوسا عديدة لتطل في كل مرحلة رأسا أقبح، لذا قصدت أن أبتدر المقال بكلمات الشاعر أمل دنقل لتشير الى قاعدة ان الاستبداد سلوك متجدد، وواجبنا النضال ضد كل الطغاة مهما تعاقبوا وتناسلت انظمتهم.
______________________________
* رئيس تحرير صحيفة مداميك