الوثيقة…. بقلم: سالم أحمد سالم:باريس
6 February, 2009
نص الوثيقة المقترحة الموجهة من وإلى عموم الشعب السوداني
Salimahmed1821@yahoo.fr
المدخل:
تمت صياغة هذه الوثيقة، التي أتشرف بصياغتها، من خلاصة آراء وآمال قطاعات عريضة من المجتمعات السودانية، وبعد قراءة متمعّنة ومعايشة للوقائع والاحتمالات الوشيكة، وبعد الوقوف على أراء وملاحظات مجموعة خيرة من بنات وأبناء السودان من الرموز الاجتماعية والفكرية والثقافية والفنية والقانونية داخل وخارج السودان. لذلك تجيء الوثيقة وهي تعبر إلى حد بعيد عن الرأي الغالب لمجتمعاتنا السودانية المنضوية منها وغير المنضوية إلى الأحزاب السياسية القائمة اليوم. ومن حيث أن هذه الوثيقة لا تدّعي لنفسها الكمال، فإنها تدعو جميع المهتمين والمهمومين بشأنهم السوداني إضفاء الملاحظات والمواقف. كذلك من حق أي مواطنة أو مواطن سوداني التوقيع على الوثيقة وإبداء الملاحظات عليها. (ملحوظة: هذه الوثيقة ليست لها علاقة مباشرة بمبادرة المجتمع المدني التي استلهم أصحابها محاور وأهداف هذه الوثيقة أثناء طرحها للحوار وأصدروا مبادرتهم بصورة استباقية .. ومع ذلك فإن الأبواب مشرعة أمام "مبادرة المجتمع المدني" طالما أن هدفها الفعلي هو التوصل إلى علاج لأزمات البلاد)
هذه الوثيقة ليست مبادرة لأن المبادرة يقوم بها عادة طرف ثالث محايد بين طرفين مختلفين. لذلك تقدم الوثيقة مقترحات محددة للعلاج، مقترحات صادرة عن انتماء أصيل لا مزايدة عليه. كما تدعو الوثيقة في مجملها إلى التوصل إلى حل سوداني لأن كل تجارب السودان تؤكد أن جميع أزمات السودان تتم معالجتها باتفاقات سودانية خالصة، وأن المعالجات السودانية تأتي دائما بنتائج إيجابية حاسمة وسريعة وهي الأقرب إلى الصواب.
الوثيقة موجهة بنسخة إلى جميع الأحزاب السياسية وزعاماتهما. إن سبل الحكمة والرشاد والمخاطر المحدقة الوشيكة تملي عل جميع قيادات هذه الأحزاب المذكورة أن تتقبل هذه الوثيقة بصدر سوداني شجاع ورحب، وأن الواجب يملي على هذه الزعامات أن تدلي برأيها في محاور هذه الوثيقة خاصة الفقرة المتعلقة بالترتيبات المقترحة للخروج من اخطبوط الأزمات، وأن تعتبر هذه الوثيقة ورقة عمل أولية للتفاوض. والقيادات المعنية تحديدا هم:
1 السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي
2 السيد الصادق الصديق المهدي زعيم المهدي حزب الأمة
3 الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني
4 الفريق سلفا كير ميراديت رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان
5 المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الحكومة وحزب المؤتمر الوطني
6 الأستاذ على عثمان محمد طه نائب رئيس الحكومة
7 الدكتور حسن عبد لله الترابي حزب المؤتمر الشعبي
8 الدكتور خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة
9 السيد عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان
الوثيقة موجهة إلى جميع الأحزاب السودانية الأخرى بلا استثناء وإلى النقابات والاتحادات ومنظمات العمل المدني.
نص الوثيقة
الوالِداتْ الأخواتْ البناتْ الزاكياتْ الطيّباتْ
السلام عليكن ورحمة الله وبركاته
الآباء الأبناء الاخوان
لكم المسرّة والمجد في أعالي الزمن وعلي أرضكم السلام
إلى جميع السودانيات والسودانيين في الوطن والمهاجر، وفي كل فج عميق وقصر مَشِيدْ، إليكم ومنكم في كل مدينة وحي أو حارة منسية، وفي كل كوخ وحيد أو قرية مرمية بين حدق الحاضر ورمش الأمل ..
إليكم في سهولكم وبواديكم وصحاريكم وبحاركم وأنهاركم في شمالكم وجنوبكم، شرقكم وغربكم ووسط بلادكم .. الصائدون الزارعون العاملون الراعون لإبلهم وأبقارهم وأغنامهم ودواجنهم ومواثيقهم ..
إلى المتخمين منكم الذين ينامون على فرش مرفوعة بين ظل ممدود وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا عليهم ممنوعة، وإلى الجائعين الذين يبيتون على الطوى وينامون على القوى ويعضّون على النوى ..
إليكم في فرواتكم وفلواتكم وخلاويكم وكنائسكم ومعابدكم وأرواحياتكم وطوائفكم وكل ما تعبدون ..
إليكم في أحزابكم وجمعياتكم وجماعاتكم وعصبياتكم ما ظهر منها وما بطن ..
إليكم في أطياف ألوانكم وتنوع أعراقكم وتعدد قبائلكم ..
إليكم جميعا ومنكم جميعا بدون فرز لا نفرّق بين أحد منكم، ونحن بعض منكم، فأنتم السودان وكفى كيفما أنتم وأينما كنتم متى ومدى ما حملتم هذه الهوية (السودان) بالتساوي بينكم ترفا وشبعا، أو فقرا وهمّا، فتلك أمور نداولها بيننا طالما آمنا فعلا بتساوينا تحت سقف هذه الهوية الواحدة الموحدة الجامعة المانعة، فذلكم المراد وهو المنتهى الذي منه نبدأ.
نتوجه إليكم وعبركم بهذه الوثيقة المختصرة حتى تعلموا أولا أننا لا نشارككم ما أنتم فيه فحسب، بل نعيش معكم ومثلكم كل ما تمرون به نألم بما تألمون ونأمل في ما تأملن، ولكي تعلموا أن بعضا منّا خارج وداخل الوطن يجابهون ظروفا أشد صعوبة وقسوة وضنكا من الظروف التي يمر بها إخوة لنا في خيام اللجوء والتشرد.
في التاريخ والجغرافيا:
نحن السودانيون يظل قدرنا أننا نبتنا من هذه الأرض، أرض السودان. هو قدر نحبه حبا عظيما لأنه يجسد هويتنا. هويتنا السودانية ليست غازية أو حديثة الولادة، بل ضاربة في جذور التواريخ، لذلك صارت هوية مكنونة في نفوس مجتمعاتنا بحيث لا يمكن الفصل بين السوداني وبين هذه الهوية. هوية يشترك فيها الجميع بالتساوي والأصالة وقديمة قدم مجتمعاتنا السودانية التي حافظت على تركيبتها السكانية والإثنية، مثلما حافظت على الكثير من عاداتها وعباداتها وتقاليدها على مدى آلاف السنوات، دون أن يدرأ ذلك سنن التطور الحضاري. فملامحنا وسحناتنا ومزيج ألواننا تكاد تكون كما هي منذ عهود سحيقة ودليلنا أنها مرسومة وملوّنة إلى اليوم على ما بقي من آثار حضاراتنا القديمة بما فينا الجنوبي الذي يتمنطق بجلد النمر والفوراوي وذات الشلوخ. إن حقائق التاريخ المدونة والمرسومة من آلاف السنوات تؤكد تشارك غالبية مجتمعاتنا على قدم المساواة في بناء تلك الحضارة لا فضل لمجتمع فيها على باقي المجتمعات السودانية.
كما تؤكد حقائق التاريخ والجغرافيا أن أرض السودان لم تعرف أبدا استيطانا بشريا خارجيا بدّل من تركيبتها السكانية، بل الواقع أن كل أصولنا البشرية السودانية وقبائلنا وإثنياتنا نمت وترعرعت هنا في أرض السودان، فكانت كلها مكونا أساسيا متعايشا ومبدعا منذ أن تكونت المجتمعات السودانية عدا الهجرات التقليدية المتبادلة. إن عمقنا الجغرافي الشاسع وتنوعنا الاجتماعي والثقافي تظل تمنح مجتمعاتنا السودانية الثقة في النفس على قبول المجتمعات التي تهاجر إلينا وامتصاص هذه الهجرات الطبيعية وتغيير ملامحها وطقوسها ودياناتها، نطهرها تطهيرا ونعمّدها بهويتنا الغالبة. نعم لقد هاجرت إلينا ديانات وثقافات ولغات نقبل منها ما نريد ونجعل منها مكونا أصيلا من مكوناتنا الثقافية، مثلما هاجرت ثقافاتنا ولغاتنا ودياناتنا إلى أمم وشعوب أخرى وانتفع بها خلق كثير. فنحن جزء من النسيج البشري الكوني نؤثر فيه ونتأثر منه. وتؤكد حقائق التاريخ المكشوف عنها والمخبوء عمدا أو جهلا أن أرض السودان هي أقدم مهد للحضارات في المنطقة، منها تدفقت الحضارة مع تدفق المياه حتى بلغت آثارنا بلاد الشام وفلسطين وورد ذكرنا في التلمود والأناجيل وغيرها من الكتب المقدسة ومدونات الحضارات القديمة. أبرمنا المعاهدات المتكافئة وتبادلنا السفراء والهدايا مع الإمبراطورية الرومانية في أوج عظمتها، ودحرنا الفرس الآشوريين إلى ما وراء بيت المقدس عندما كانوا أشرس قوة عسكرية. لكن تاريخنا المكتوب اليوم يشوبه الكثير من التحريف المتعمد من أجل قطع مجتمعاتنا عن جذورها التاريخية ومن أجل تمزيق اثنياتنا بين وافدة وأصيلة، ومن أجل أن نبدو أمام أنفسنا كمجتمعات عاجزة عن الإبداع الذاتي تتلقى الحضارة من الخارج. والمؤسف أننا ندرس التلاميذ تاريخا زائفا مكذوبا.
معجزتنا:
نحن إذن شعب له حضارة. والحضارة لا تنشأ إلا على قاعدة من الرضا الاجتماعي والتعايش السلمي بين مكونات البلاد الاجتماعية من شعوب وقبائل. وبالنظر إلى اتساع رقعة بلادنا منذ القدم وتعدد أعراقنا وتنوع ثقافاتنا، يصبح في حكم المؤكد أن مجتمعاتنا السودانية قد توصلت منذ القدم إلى صيغة "التعايش السلمي الاجتماعي المتكافئ الخلاق". فهو تعايش متكافئ لأنه حفظ التوازنات بين مجتمعاتنا ونأى بها عن الاقتتال، وهو خلاق لأنه جمع طاقاتنا البشرية والمادية وصاغ منها تلك الحضارات. وبذلك تكون مجتمعاتنا السودانية من أوائل شعوب الأرض التي أسست لمبادئ "التعايش السلمي" وبفضل التعايش السلمي المتكافئ بين مجتمعاتنا نهضت حضاراتنا وتطورت بلادنا في التاريخ القديم. إن التعايش السلمي المتكافئ هو بالضبط ما يطلق عليه في المصطلحات السياسية الحديثة اسم "الديموقراطية". ولا شك أن الحرية الاجتماعية تجيء على رأس الشروط والعوامل التي أسست لتعايشنا السلمي الاجتماعي لأن التعايش عمل اختياري والاختيار يقتضي الحرية، فلا تعايش بالإكراه. إذن الديموقراطية والحرية أصليتان في بلادنا وضمن ملامح مجتمعاتنا منذ تواريخ غابرة ولم تردا إلينا من الخارج كما يزعمون.
إن هذا التعايش السلمي المتكافئ أو "الديموقراطية الاجتماعية السودانية" هو معجزتنا السودانية الخالصة، وهو كنزنا وحصننا ومصدر نهضتنا وتطورنا واعتزازنا بهويتنا التي نتدافع تلقائيا للذود عنها عند الملمات دون نداء من أحد. وبدون تعايشنا السلمي المتكافئ تذهب ريحنا بددا ونكون ألعوبة في أيدي الشعوب الأخرى والأقدار. إن التعايش السلمي المتكافئ بين مجتمعاتنا يضعنا أمام حقيقة باهرة هي أن أرض السودان لا تستوي لرجل واحد ولا لدين واحد ولا لإثنية واحدة ولا لحزب واحد ولا لجماعة بعينها. إن أرض السودان تستوي فقط للتعايش السلمي المتكافئ (أو الحرية الديموقراطية) بين جميع المجتمعات السودانية. وقد علمتنا التجارب السابقة والقائمة أن أي محاولة تقدم عليها جماعة أو فئة أو حزب أو فرقة عسكرية لفرض سيطرتها المفردة خارج هذا الاستواء تكون نتائجها الحرب التي عرفنا ونعرف الآن ويلاتها، ويكون التشرد، وتكون المسغبة واحتكار الثروة والظلم الاجتماعي، ويكون التفكك الكائن الذي يمزّق مجتمعات السودان شر ممزق ويبعثرها في فجاج الأرض بين شعوب تتجهمنا وتحط من قدرنا وكرامتنا. وقد علمتنا تجارب التاريخ القديم والمعاصر أن كل محاولات السيطرة المنفردة لن تدوم وتظل جسما غريبا حتما تلفظه المجتمعات السودانية حتى تؤول السيطرة المنفردة إلى زوال، والتاريخ القريب والواقع الراهن يشهدان.
إن حياة مجتمعاتنا السودانية في جنوب أرض السودان وشرقه، غربه وشماله ووسطه ظلت على مدى حقب التاريخ ولسوف تظل قائمة على الوحدة المصيرية التي تأسست على التعايش والحرية والديموقراطية، فلم يعد في مقدور مجتمع منها أن يعيش منعزلا منفصلا أو يطغى على بقية المجتمعات السودانية. وحتى إذا ما ضربت أسافين السيطرة المفردة والمصالح الآنية بين مجتمعاتنا، فذلك إلى أمد قصير تعود بعده مجتمعاتنا تربطها الوشائج الأبدية المصيرية التي لا حياة بدونها ولا فكاك عنها.
تشخيص الواقع في ضوء الثوابت:
لقد أضحت أسس ومبادئ التعايش السلمي الاجتماعي والحرية الديموقراطية من ثوابت الحقائق وتسري مسار القوانين غير المكتوبة التي تحكم علاقات المجتمعات السودانية وتضمن تطورها وتنأى بها عن الاقتتال. هذه الأسس التي تواثقت عليها المجتمعات السودانية هي الهوية التي لا يمكن تبديلها ولا يمكن العمل بدونها ولا يمكن القفز فوقها ولا يمكن إزالتها لا بقوة السلاح ولا بقوة المال ولا بالقهر ولا بأي وسيلة أشد عنفا من ذلك أو فتكا. لكن برغم حيوية هذه الأسس الثوابت وظهورها الباهر ودورها في السلام الاجتماعي والتنمية، أقدمت بعض الجماعات المسلحة المغامرة على السطو على حكم البلاد بقوة الجيش والسلاح. وبذلت الجماعات المسلحة المغامرة أقصى ما في وسعها من أجل إلغاء وتدمير أسس التعايش السلمي الاجتماعي والحرية الديموقراطية، وفرض حكمها الدكتاتوري كبديل عن هذه الأسس. ولما كانت هذه الأسس أصيلة راسخة شامخة، بل هي هوية المجتمعات السودانية، كان من الطبيعي أن تجد المغامرات العسكرية مقاومة عنيفة من قبل المجتمعات السودانية كافة. وبفضل هذا الرسوخ والشموخ فشلت كل محاولات التمكين وفرض الوصاية التي مارستها الحكومات العسكرية السابقة وخاصة الحكومة العسكرية الفئوية الراهنة التي انتهجت أساليب غير مسبوقة من العنف والقهر الاجتماعي والظلم. لقد كان من الطبيعي أن يكون لهذه الأسس قواعد اجتماعية تحملها وتؤمن بها وتدافع عنها. لذلك أقدمت الجماعات العسكرية المغامرة على ارتكاب المجازر ونصب المشانق وأوكار التعذيب والسجون ضد كل من ينادي بأسس التعايش السلمي الاجتماعي والحرية الديموقراطية أو يدافع عنها.
فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الحكومة العسكرية الراهنة قد انتهجت أساليب قمعية وحشية أبعد ما تكون عن قيمنا وأعرافنا وأخلاقنا الاجتماعية والدينية. لكن، بدلا من يؤدي القمع الوحشي إلى استسلام المجتمعات السودانية وانكسارها، فإن القمع الوحشي قد زاد من وتيرة رفض المجتمعات السودانية المطلق للسيطرة المنفردة والحكم الدكتاتوري الفئوي. إن تراجع الحكومة العسكرية الراهنة عن بعض صنوف القمع الوحشي قد جاء نتيجة لفشل ممارساتها القمعية المتوحشة في إخضاع المجتمعات السودانية لمشيئتها وصلابة نواة الهوية السودانية. وفي المقابل فإن فشل وسائل القهر والقتل والتعذيب وسقوط التمكين دليل قاطع على متانة ورسوخ أسس ومبادئ التعايش السلمي الاجتماعي والحرية الديموقراطية السودانية، ودليل أن هذه الأسس ليست جامدة أو ميّتة، بل هي أسس حية ومتطورة على مدى قرون من التجارب الإنسانية السودانية ضمن نسيج العلاقات الإنسانية الكونية. وعليه يكون في حكم المؤكد أنه مهما بلغت درجة القهر الذي تتعرض له المجتمعات السودانية، تظل هذه الأسس راسخة واقفة ثابتة شامخة لا يمكن قتلها أو الخلاص منها حتى لو أبيدت غالبية المجتمعات السودانية.
إن أوضاع السودان الراهنة هي إفراز للمغامرات المسلحة والأفكار الضالة وهذيان تدمير الأسس الاجتماعية وأضغاث الحكم المفرد بأدوات القهر والتسلط. فالحكومة الراهنة في حالة من العزلة التامة، والمجتمعات السودانية مأزومة على حال من الانتظار لمرحلة ما بعد هذه الحكومة، والتفاعل الاجتماعي الدؤوب المتصاعد يدفع بقوة نحو الانفتاح على أفق جديد تحكمه أسس التعايش السلمي والحرية الديموقراطية والعدالة، أو مبادئ التعايش السلمي الاجتماعي المتكافئ.
المغامرات العسكرية ووسيلة الحكم:
لقد سطت الحكومة العسكرية الراهنة على السلطة في السودان بقوة السلاح. إن مغامرة الانقلاب العسكري ظلت مرفوضة من مجتمعاتنا السودانية لسبب جوهري هو أن الانقلابات العسكرية فعل ينافي طبيعة التعايش السلمي المتكافئ وينافي تراث الحرية الديموقراطية الذي تواثقت عليه المجتمعات السودانية منذ تاريخ بعيد. وكما هو واضح فقد فشلت الحكومة العسكرية الراهنة في الاستمرار في الحكم وفشلت في تبديل هوية المجتمعات السودانية مثلما فشلت جميع المغامرات العسكرية التي سبقتها برغم صنوف القهر والبطش والمشانق. إن فشل الانقلابات العسكرية فشلا نهائيا ورفض مجتمعاتنا السودانية التام للانقلابات وللأحكام العسكرية منذ الاستقلال إلى اليوم دليل قاطع أن الانقلابات العسكرية فشلت في أن تكون وسيلة للحكم وفشلت في أن تكون آلية لتبادل الحكم في السودان.
إن الخسائر الفادحة في الأنفس وجسامة التضحيات التي قدمتها مجتمعاتنا السودانية والنقص في الثمرات الاقتصادية وانتشار المسغبة والحروب والظلم الاجتماعي جراء مغامرة الانقلاب العسكري الحاكم كافية أن تؤكد أن التعايش السلمي المتكافئ والحرية الديموقراطية كانت ولسوف تظل هي الوسيلة الوحيد للحكم ولتبادل السلطة في السودان.
إن المجتمعات السودانية تظل وحدها صاحبة الحق في أن تختار بكامل حريتها وإرادتها من يديرون شؤونها نيابة عنها. هذا الاختيار يتم بوسيلة واحدة هي وسيلة الآلية الديموقراطية لأنها الوسيلة الوحيدة التي تكفل لكل فرد حق الاختيار في منتهى الحرية دون خوف أو قهر أو وصاية. فالآلية الديموقراطية ليست وافدة إلى السودان كما يزعمون ويبررون، بل هي عريقة قديمة وجزء أصيل من صيغة التعايش السلمي المتكافئ والحرية الاجتماعية الديموقراطية التي تبلورت في السودان منذ عهود سحيقة، وهي صيغة واضحة حتى في السلوك الاجتماعي للفرد السوداني أثناء التعامل اليومي البسيط. وبذلك تكون الآلية الديموقراطية هي الوسيلة الوحيدة التي تحكم عملية تبادل الحكم في السودان تبادلا سلميا ولا توجد وسيلة غيرها.
إن تفعيل وتطبيق الآلية الديموقراطية يقوم على شرط أساسي لا بديل له ولا محيد عنه هو: توافر فترة كافية من الحرية الاجتماعية السياسية الكاملة. لذلك استبشرت المجتمعات السودانية بمبادئ "المرحلة الانتقالية" و"التحول الديموقراطي" التي وردت في اتفاقات نيفاشا والتي نصت على توفير شرط المرحلة الكافية من الحرية من خلال "المرحلة الانتقالية" من الحريات السياسية والاجتماعية. لكن الحكومة العسكرية الراهنة ظلت تماطل وتراوغ وتلتف على شروط التحول الديموقراطي خاصة شرط المرحلة الانتقالية من الحريات السياسية والاجتماعية بغية حمل المجتمعات السودانية وهي مكبلة إلى صناديق الانتخابات.
إن أي انتخابات يتم إجراؤها قبل توافر شرط المرحلة الانتقالية "الفترة الكافية من الحريات الشاملة" تكون انتخابات شكلية صورية لتكريس الدكتاتورية العسكرية الحاكمة بقوة الاستخبارات والقمع الاجتماعي والحديد والنار والتخويف.
لقد أكدت تجاربنا السودانية وتجارب شعوب العالم كافة أنه لا يمكن أن تجري في السودان أو في غير السودان انتخابات ديموقراطية حرة ونزيهة تحت قيود حكم عسكري مهما ادعى الحكم العسكري من حسن النوايا أو زعم أنه يقبل باختيار الشعب.
إن مزاعم الرقابة الدولية أو الإقليمية على انتخابات تتم تحت سطوة حكم عسكري لا تعدو كونها أكذوبة أخرى لإكساب الحكم العسكري غلالة كاذبة من الشرعية. إن الحرية شرط أساسي لممارسة الحرية، ولا يمكن ممارسة الحرية في مناخ ليست فيه حرية، ولا يمكن أن يتم تحول ديموقراطي في مناخ غير ديموقراطي.
إن التحول الديموقراطي هو بالتحديد هذه الفترة الكافية من الحريات السياسية والاجتماعية. أما الانتخابات فإنها مجرد "إجراء" يتم في نهاية الفترة الكافية من الحريات السياسية والاجتماعية.
ولما كان في حكم المستحيل توافر الفترة الكافية من الحريات الاجتماعية السياسية في وجود حكم عسكري، وبما أن التعايش السلمي والحرية الديموقراطية هو الهدف الذي تنشده وتقف من ورائه كل مجتمعاتنا السودانية، تصبح مسألة تكوين حكومة انتقالية حرة شرطا لا بديل له لتوفير الفترة الانتقالية الكافية من الحريات السياسية والاجتماعية. هذه الحكومة الانتقالية لن تكون نفس صيغة الحكومة الراهنة بأي حال من الأحوال طوعا أو كرها.
إن الخيار الوحيد المتاح أمام الحكومة العسكرية الراهنة هو أن تعمل على إعادة البلاد، بالتي هي أحسن، إلى حالة التعايش السلمي المتكافئ وإلى الحرية الديموقراطية الاجتماعية. لا مفر أمام الحكومة العسكرية الراهنة من القبول بالأمر الواقع الذي يستوجب تشكيل حكومة انتقالية. أما إذا استعصمت الحكومة العسكرية الراهنة بقوتها العسكرية وشوكتها الاستخبارية واستكبرت وعصت وأبت، فإن المجتمعات السودانية بكل تأكيد قادرة بإرادتها على إعادة تعايشها السلمي وحريتها الاجتماعية. إن إرادة المجتمعات السودانية إرادة غالبة لا يمكن دحرها أو إيقافها متى ما انطلقت.
المحكمة الجنائية الدولية:
المحكمة الجنائية الدولية وتداعياتها أضحت تشكل فصلا كاملا من فصول المتغيرات السياسية والاجتماعية الجارية في السودان. ومن حيث المبدأ العام فإن الشعور الوطني العارم الذي يعتمل في نفس كل مواطنة ومواطن سوداني لا يقبل بسهولة تسليم أي مواطن سوداني لمحكمة وقضاء غير سودانيين. إلا أن المرارات التي تجرعتها المجتمعات السودانية قاطبة على يد الحكومة العسكرية الراهنة جعلت قطاعات عريضة من السودانيين تؤيد موقف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي يطلب من قضاة المحكمة إصدار أمر بتوقيف رئيس الحكومة العسكرية الراهنة ومحاكمته بموجب صحيفة الاتهام الواردة في مذكرة مدّعي المحكمة بدعاوى ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور. ولا شك أن غالبية الذين أيدوا موقف مدّعي المحكمة قد نازعتهم أنفسهم كثيرا قبل أن يختاروا فاختاروا هذا الموقف كرها لا تشفّيا لعل فيه وسيلة للخلاص من الحكومة العسكرية الراهنة والخلاص من ممارساتها وجرائم حربها، ولعلهم رأوا أن موقفهم يمهد للعودة إلى التعايش السلمي الاجتماعي والحرية الديموقراطية حيث لم تنجح حتى الآن مختلف الوسائل في تحقيق هذه الأمنية الوطنية.
وبصرف النظر عمّا ورد في مذكّرة مدعي المحكمة الجنائية الدولية، فإن ممارسات الحكومة وطبيعة وجودها تعّدان السبب المباشر في ما آلت إليه الأوضاع في دارفور. وعليه فإن موقف المؤيدين لمدّعي الجنائية يتأسس على رفض سياسات وممارسات واستمرارية الحكومة العسكرية الراهنة وليس موقفا عدائيا شخصيا ضد فرد أو أفراد. إن رفض وجود واستمرار الحكومة العسكرية الراهنة هو موقف تتفق عليه المجتمعات السودانية قاطبة وإن اختلفت المواقف حول مسألة تسليم مواطن سوداني إلى محكمة أجنبية. هذا الموقف العام للمجتمعات السودانية الرافض لوجود الحكومة، بما فيه موقف المؤيدين لمدّعي الجنائية، يصب بكلّياته في ضرورة وحتمية عودة التعايش السلمي والحرية الديموقراطية.
وإذا كانت الحكومة العسكرية تأخذ على مؤيدي مدعي الجنائية الدولية أنهم استعانوا بالغريب الأجنبي، فإن هذه الحكومة هي أول بادر إلى الاستعانة بالغريب الأجنبي ضد أبناء وبنات السودان، حيث سبق أن استعانت هذه الحكومة بخبرات أجنبية في مجال التخابر والتعذيب والقتل بدم بارد وقمع التحركات والآراء الاجتماعية المعارضة بأساليب وحشية لا سابق لها في أعرافنا وأدياننا وخلافاتنا السياسية والمذهبية.
ومن حيث أن الحكومة العسكرية الراهنة تعمل عادة على توظيف كل شيء من أجل الاستمرار في الحكم، فقد سعت أيضا إلى توظيف قضية الجنائية الدولية لمصلحة استمرارها وذلك عن طريق الربط غير المنطقي بين وجودها وبين الحس الوطني العام الذي يرفض تسليم مواطن سوداني لقضاء أجنبي. وبذلك وضعت الحكومة كل من يؤيد مطلب مدّعي الجنائية في خانة الخائن لوطنه. ليس ذلك فحسب، فقد وضعت الحكومة كل من يعارض وجودها وسياساتها تحت نفس الخانة، ومن ثم صعّدت الحكومة من ممارسات التخويف والقمع فاعتقلت وعذّبت كل من يعارض وجودها وممارساتها بصرف النظر عن الموقف من الجنائية الدولية، وأشاعت مزيدا من القهر الذي طال الجميع.
إن مجتمعاتنا السودانية تدرك، وينبغي عليها أن تدرك، ضرورة الفصل التام بين موضوع مدّعي المحكمة الجنائية الدولية وبين الموقف العام الرافض لاستمرار ووجود الحكومة العسكرية الراهنة. فالحكومة العسكرية الراهنة تخلط بين هذين الموضوعين خلطا متعمدا من أجل توظيف مسألة المحكمة الجنائية الدولية كأداة ضمن أدوات استمرارها في الحكم بالقهر والتخويف.
إن العلاج الوحيد الممكن لمعالجة مسألة المحكمة الجنائية يندرج تحت عودة التعايش السلمي والحرية الديموقراطية بتشكيل الحكومة الانتقالية بمواصفات سوف يلي ذكرها وتتضمن استبعاد الرئيس الحالي للحكومة العسكرية وتولي النائب الأول رئاسة الحكومة الانتقالية بتكليف مؤقت حسب ما ورد في اتفاقات نيفاشا والدستور الانتقالي. هذا العلاج يجب أن يكون علاجا استباقيا عاجلا يسبق أي قرار قد يصدر عن قاضيات المحكمة الجنائية الدولية. هذا العلاج يحفظ للوطن مكانته ويحفظ للأفراد كرامتهم بدلا من محاولات الهروب إلى الأمام التي لن تنتهي إلى نجاة ولن تبقي على كرامة. إن هذا العلاج الوحيد يشكل أيضا فاتحة طريق العودة إلى التعايش السلمي والحرية الديموقراطية الذي يحفظ لحزب الحكومة العسكرية موقعا مقبولا في مستقبل السودان السياسي.
الاقتصاد والمعيشة:
كان التعايش السلمي المتكافئ هو الملهم والرافعة لحركة التطور والاقتصاد وبالتالي ازدهار الحضارة في السودان. لكن تغييب تعايشنا السلمي أدى إلى حدوث هذه الانهيارات الاقتصادية. وتزعم الحكومة العسكرية الراهنة أنها حققت طفرة اقتصادية، وتلوّح دائما بقميص البترول. لكن بالنظر إلى الفجوة الكبيرة بين أسعار السوق وبين قدرة المواطن الشرائية وتكسير هياكل الاقتصاد التقليدي والغلاء والندرة وانحسار المشاريع المنتجة وتحول حركة الاقتصاد من الانتاج إلى المضاربة واندثار الرابطة بين التعليم وبين التنمية واحتكار حركة المال، يتأكد أن الاقتصاد شهد تدهورا مريعا في العشرين سنة الماضية. إن ما تظن الحكومة الراهنة أنها طفرة لا يخرج عن النمو الطبيعي في أدنى معدلاته في قطر زاخر بالخيرات سهل الاستثمار والتطوير كالسودان. ولو رفعت الحكومة يدها عن حركة التطور التقليدية لبلغ الاقتصاد السوداني درجة عالية من النمو. لكن الاقتصاد حر بالنسبة لأقطاب الحكومة ومقيد ومغلق في وجه غيرهم بالقوانين التي تصدرها الحكومة. فلو حبا الاقتصاد السوداني حبوا لتحقق ما يفوق بكثير ما تحقق في غضون عقدين من حكم هذه الحكومة!
أما المشاريع التي ترى فيها الحكومة العسكرية طفرة مثل مشاريع السدود، فهي مشاريع موجهة ضد المجتمع بدلا أن تكون موجهة للمجتمع. إن النمو الاقتصادي هو زهرة التعايش السلمي المتكافئ والحرية الديموقراطية. وبتغييب التعايش السلمي الديموقراطي الحر يقع الاقتصاد تحت قبضة الحكومة العسكرية فيصبح اقتصادا محتكرا موجها فقط لخدمة استمرارية الحكومة ورفاهية مترفيها. إن الطفرة الحقيقية تنعكس بشرى وبشارة ونداوة في وجوه الناس ولا تسم وجوههم بسمات الفقر والجوع بسبب احتكار الثروة في أيدي فئة قليلة طارئة طاردة لغيرها.
الثقافة والفنون والرياضة:
الحكومة العسكرية الراهنة ليست لها كوادر بالمرّة في أوساط المفكرين والأقلام الحرة والمبدعين والمثقفين والفنانين والشعراء والرياضيين والرسامين. ومن صبيحة أول يوم في انقلابها العسكري، شرعت الحكومة العسكرية الراهنة في شن حملات منظمة على هذه القطاعات الإبداعية الاجتماعية وأقامت لها محاكم التفتيش بغية تدميرها تدميرا تاما، فرمتهم في السجون ورمتهم بالكفر ورمتهم في قارعة التشريد والإهمال ورمتهم بعيونها وجواسيسها يحسبون عليهم سكناتهم ويدمرون لوحاتهم وأعمالهم الفنية ويحرقون شَعر القصائد ويدلقون المحابر ويفضّون سامر حفلاتهم قبل مغيب الشمس.
خلت الساحات واختبأت القصائد واللوحات وتوالت الهزائم في المحافل الرياضية، لكن إلى حين. وأدّكرت الحكومة العسكرية بعد أمّة أن الفكر الثقافة والفنون والرياضة هي رئة الشعب التي لا يمكن منعها من التنفّس والنواة الصلبة في الهوية التي لا يمكن كسرها، وأن التمادي في محاولة تدمير هذه القطاعات الاجتماعية الحيوية سوف ينقلب وبالا عليها. حاولت الحكومة العسكرية تعبئة الفراغ بالفتيان المنشدين من أتباعها إلى غير ذلك من أمثالهم، لكنهم كانوا على ضآلة لا تجعلهم بديلا عن حركة فكرية ثقافية فنية ورياضية سامقة كالتي كانت في السودان. ثم تفتقت الحكومة العسكرية عن فكرة "اختراق" الحركة الثقافية والفكرية والفنية والرياضية ومحاولة استيعابها. وبرغم ما بذلته الحكومة العسكرية من أموال ومغريات وأساليب، إلا أنها لم تفلح في استقطابهم وتحويلهم إلى قطاع حكومي يسبح بحمدها، فقد بقيت الفجوة قائمة بين الحكومة العسكرية وهذه القطاعات إلا اللمم.
لقد كان من الطبيعي أن تصاب الحركة الفنية والثقافية بحالة من الضمور والانكماش والتشوهات في ظل حكومة عسكرية، خاصة إذا كانت حكومة عسكرية ذات توجهات معادية للفكر والثقافة والإبداع. فالفكر والفن والثقافة والفنون والموسيقى والآداب والرياضة لا تزدهر إلا في نسيج التعايش السلمي والحرية الديموقراطية. أما في أزمنة الحكومات العسكرية، فإن هذه القطاعات الفكرية والفنية تقود حركة الرفض وتصبح أهم معاول هدم الدكتاتوريات متى أحسن استخدامها.
فك الارتباط مع اتفاقات نيفاشا:
تشدد الحكومة العسكرية الراهنة من قبضتها العسكرية والاستخبارية تحت ذريعة حماية اتفاقات نيفاشا لمنع تجدد الحرب الأهلية. الحكومة العسكرية الراهنة تهدد وتلوح بأن زوالها كحكومة سوف يؤدي إلى انهيار اتفاقات نيفاشا. وبذلك ترهن الحكومة مصير اتفاقات نيفاشا بمصيرها هي.
إن مجتمعاتنا السودانية على وعي أن اتفاقات نيفاشا تتضمن بنود محددة وصريحة عن "المرحلة الانتقالية الديموقراطية" التي كان ينبغي أن تنهي الحكم الشمولي، مرحلة انتقالية تتسم بالديموقراطية والحريات السياسية والاجتماعية الضرورية لإجراء انتخابات حرة نزيهة، والتي تمهد أيضا لاستفتاء الشعب السوداني في الجنوب بين خياري الوحدة أو الانفصال. إن مبدأ الانتخابات الحرة في حد ذاته يتضمن احتمال خسران حزب الحكومة العسكرية أو خسران الحركة الشعبية أو خسارتهما معا للانتخابات، وبالتالي احتمال خروج حزب الحكومة أو الحركة الشعبية عن دائرة السلطة. إذن اتفاقات نيفاشا من منطوق نصوصها ليست مقيدة بوجود أو عدم وجود الحكومة العسكرية الراهنة، أو بوجود أو عدم وجود الحركة الشعبية. والمعنى الصريح لذلك أن اتفاقات نيفاشا معنية بمستقبل السودان السياسي ككل بصرف النظر عن الأحزاب الفائز منها أو الخاسر حسب آلية تداول السلطة سلميا، وأن اتفاقات نيفاشا ليست اتفاقية ثنائية بين الحركة الشعبية وبين الحكومة العسكرية الراهنة، وأن الاتفاقات مملوكة لكل الشعب السوداني في شمال السودان وجنوبه ومضمونة دوليا. وبموجب نصوص الاتفاقية نفسها والدستور الانتقالي الذي نجم عنها لا تستطيع الحكومة العسكرية الراهنة إلغاء اتفاقات نيفاشا من جانب واحد حتى لو وافقت الحركة الشعبية على ذلك. أما إذا حاولت الحكومة إلغاء اتفاقات نيفاشا من جانبها، فإن قرارها لن يبطل الاتفاقات، بل ستكون الحكومة العسكرية قد قطعت الفرع الذي تجلس عليه!
إن مجتمعاتنا السودانية تعي أن التهديد الحقيقي لاتفاقات نيفاشا هو تلكؤ الحكومة العسكرية الراهنة وتمنعها وتسويفها في تنفيذ بنود هذه الاتفاقيات جهة المرحلة الانتقالية. فالحكومة العسكرية الراهنة ترفض المرحلة الانتقالية الديموقراطية وترفض التحول الديموقراطي وترفض إطلاق الحريات وترفض إقرار القوانين التي تضمن حيادية الانتخابات. لقد ظلت الحكومة العسكرية الراهنة هي المهدد الأكبر لاتفاقات نيفاشا من تاريخ التوقيع عليها إلى اليوم. إن مساعي الحكومة العسكرية الراهنة لربط مصير اتفاقات نيفاشا بمصيرها هو ابتزاز رخيص يبرهن على تقديم الحكومة العسكرية لنفسها ولتسلطها على كل المصالح الوطنية الخطيرة. إن مجتمعاتنا السودانية تدرك عدم وجود رابط بين أي حكومة كانت وبين مصير اتفاقات نيفاشا، وتؤكد مجتمعاتنا على ضرورة الفصل التام بين مصائر الحكومات وضرورة سريان وتطبيق جميع بنود هذه الاتفاقات حتى آخر نقطة فيها. وتعي مجتمعاتنا السودانية عظم مسؤوليتها في الحفاظ على هذه الاتفاقات وقادرة بقوة الشعب الغالبة على المحافظة عليها، وتتوخى أن يعينها المجتمع الدولي على أداء هذا العبء.
القوات المسلحة والشرطة:
منذ وقوع الانقلاب العسكري، تتابع مجتمعاتنا السودانية المحاولات المستمرة لإخراج القوات النظامية من أقطار الانتماء الوطني الشامل وتحويلها إلى مجرد أداة مذهبية حزبية لقمع المجتمعات السودانية. وتعلم مجتمعاتنا السودانية أن خلية حزبية عقائدية صغيرة قامت بتنفيذ انقلابها العسكري وخدعت كل القوات المسلحة السودانية وتم إخراج الانقلاب بأنه عمل اشتركت فيه كل القوات المسلحة والنظامية. وتعي مجتمعاتنا السودانية أن الخلية الحزبية قد ارتكبت سلسلة من الفظائع والإعدامات وأعمال التعذيب. لكن الخلية الحزبية فعلت فعائلها باسم الجيش وكل القوات النظامية، وبذلك تفرّقت دماء الضحايا وعذاباتهم بين كل الضباط والجنود وأصبحت القوات النظامية المسؤول الأول والمباشر عن كل الممارسات التي ارتكبتها وترتكبها المجموعة الحزبية الصغيرة.
واليوم، وبعد كل هذه السنوات من الحكم العسكري الحزبي، فشلت الحكومة العسكرية الحزبية في إخضاع المجتمعات السودانية لحكمها. وأصبح السودان على مشارف عودة التعايش السلمي الاجتماعي والحرية الديموقراطية طوعا أو كرها. وسوف يعود حزب الحكومة العسكرية إلى ممارسة نشاطاته السياسية العادية بعد أن يقوم بتعليق كل ممارسته البشعة على رقبة الجيش. ويجب أن تعلم القوات المسلحة منذ الآن أن الحزب الذي استغلها سوف يبرئ ساحته ويتنصل عن كل مسؤولياته عن جرائمه بالقول أن الحكومة كانت حكومة عسكرية وأنه كحزب سياسي قد تعاون فقط مع الحكومة العسكرية بناء على طلبها، وأنه كحزب سياسي ليس لديه السلاح لممارسة القتل .. وأن والجيش المسلح هو وحده المسؤول عن كل تلك الجرائم.
إن ما يبعث الأمل في مجتمعاتنا السودانية أن كل عمليات الإبعاد والاستبدال والإحلال المستمرة بين صفوف القوات النظامية تؤكد أن الحكومة العسكرية الحزبية لم تثق في يوم من الأيام ولن تثق أبدا في القوات النظامية ولا تستطيع الركون إليها. إن مجتمعاتنا تثق أن جنود وضباط القوات المسلحة وجنود وضباط الشرطة هم جزء أصيل في مجتمعاتنا السودانية ومن روابطها الأسرية فيهم الأب والعم والخال والأخ والجار والصديق. وتثق المجتمعات السودانية في نخوة وأصالة وسودانية الجنود والضباط وبأنهم لن يفتكوا بمجتمعاتهم ولن يخالفوا سماحة الدين وأعراف السودان.
استقلال القضاء والعدالة:
الموقف الرمادي لقيادات الأحزاب التقليدية
إن المجتمعات السودانية تعي جيدا أن أوضاع السودان تنفتح على احتمالين لا ثالث لهما. الاحتمال الأول والأقرب إلى الصيرورة هو عودة التعايش السلمي الاجتماعي الديموقراطي بكل تفاصيله من حريات سياسية واجتماعية ودينية. والاحتمال الثاني هو استمرار الحكومة العسكرية الراهنة وما يستتبع ذلك من شمولية ودكتاتورية وحجر على الحريات وتفاقم للأزمات. وتلاحظ المجتمعات السودانية أن قيادات الأحزاب التقليدية المعروفة تتخذ موقفا رماديا بين هذين الاحتمالين. فلا هي ألقت بثقلها إلى جانب الحكومة العسكرية، ولا هي انحازت إلى جانب تطلعات المجتمعات السودانية كافة وقواعدها خاصة نحو مستقبل من الحريات غير المنقوصة ومن التعايش السلمي.
إن موقف قيادات الأحزاب التقليدية، والذي تطلق عليه مجتمعاتنا السودانية "مسك العصاية من النُص" يحدث تشويشا خطيرا على بوصلة المجتمعات السودانية ويبدد من طاقاتها. وعليه فإن موقف قيادات الأحزاب السودانية أصبح يصب بكلياته في تكريس استمرارية الحكومة العسكرية الراهنة ويمدها بمقومات الاستمرار. وعليه أيضا فقد أضحى موقف القيادات التقليدية من أكبر العقبات التي تحول بين المجتمعات السودانية وبين تحقيق أشواقها وأمانيها الممكنة في التعايش السلمي والديموقراطية والحرية والعدالة والتنمية المتكافئة.
إن مجتمعاتنا السودانية تطلب من جميع قيادات الأحزاب السودانية اتخاذ مواقف صريحة وواضحة، إما الوقوف الصريح في صف الحكومة العسكرية الراهنة، أو إلى الوقوف الصريح إلى جانب التعايش السلمي والحرية الديموقراطية الذي تطمح إليه مجتمعاتنا السودانية بما فيهم قواعد هذه الأحزاب.
التعليم:
كان النظام التعليمي وما يضمه من التلاميذ والطلاب من أول الأهداف التي صوّبت نحوها الحكومة العسكرية الراهنة عشية انقلابها العسكري. فقد كان أهم أهداف الحكومة العسكرية محق واستبدال الهوية الاجتماعية السودانية، لذلك استهدفت النظام التعليمي وقطاعات التلاميذ والطلاب باعتبارهم مستقبل البلاد. لم يكن هدف الحكومة بناء نظام تعليمي يتوافق مع إمكانيات البلاد وتنمية ثرواتها. بل كان الهدف الوحيد الحكومة العسكرية الراهنة هو تحويل المدارس إلى "مزارع بؤرية" لاستنبات الكوادر الحزبية المطيعة التي تنفذ ما تؤمر. وقد كان من البديهي أن انتهى الاستهداف إلى تدمير كامل شامل لما تبقى من بنية النظام التعليمي وإلى التشوهات الخطيرة الحاصلة في المناهج الدراسية.
لقد فشلت المغامرات الصبيانية في محو واستبدال هوية مجتمعاتنا السودانية، وفشلت محاولات الحكومة العسكرية في تحويل المدارس إلى مزارع وبؤر خلفية لتربية كوادر لها. لذلك تنتقم الحكومة العسكرية بإغلاقها فرص العمل في وجه مئات آلاف الشباب الذين تخرجوا من بين غث أساليب التعليم التي فرضتها عليهم. لقد انهار ما تبقى من التعليم الحكومي الذي كان رائدا ودخل قطاع عريض من التعليم الخاص إلى سوق النخاسة الربحية، وأصبحت " شهادة الهوية الوطنية" هي الشهادة الوحيدة الحقيقية التي يتخرج ويفاخر بها هؤلاء الشباب وهم جلوس على هجير البطالة .. وما فتئت الحكومة العسكرية الراهنة تتكلم عن ثورتها التعليمية.
الترتيبات المقترحة:
دستورية المرحلة الانتقالية:
تأسست هذه الترتيبات المقترحة على أساس مكين وحقيقة صلدة سبق أن وافقت عليها الحكومة العسكرية الراهنة. هذه الحقيقة هي أن السودان يمر بمرحلة انتقالية. فقد وردت "المرحلة الانتقالية" نصا صريحا في اتفاقات نيفاشا التي وقّعت عليها الحكومة العسكرية وضمنها المجتمع الدولي. كما وردت "المرحلة الانتقالية" نصا دستوريا في الدستور الانتقالي الذي وقعت عليه الحكومة العسكرية الراهنة وأجازه برلمانها المعين.
إذن المرحلة الانتقالية نقطة تتفق عليها الحكومة العسكرية وكل المجتمعات في كل أقاليم السودان وكل الأحزاب السياسية السودانية ومنظمات العمل المدني والأطراف الدولية كافة. وبذلك تكون "المرحلة الانتقالية" هي القاسم المشترك الذي تنطلق منه كل الحلول. وقد كان من المفترض أن يكون السودان في منأى عن المخاطر المحدقة بما فيها تداعيات المحكمة الجنائية الدولية إذا كانت الحكومة العسكرية الراهنة قد طبقت البنود الواردة في اتفاقات نيفاشا والدستور الانتقالي الخاصة بالمرحلة الانتقالية ومقتضياتها كافة. لكن العراقيل والعقبات التي وضعتها الحكومة العسكرية الراهنة أمام المرحلة الانتقالية كانت السبب المباشر في كل المخاطر والتداعيات بما فيها موضوع المحكمة الجنائية الدولية.
وفي وقت تظن فيه الحكومة العسكرية الراهنة أن في مقدورها المضي قدما على نفس وتيرة التعنت والحكم الشمولي وفرض الهيمنة وإعاقة المرحلة الانتقالية، إلا أن الوقائع الداخلية ومناسيب التوجهات الدولية والإقليمية تجاه السودان تبرهن كلها وبوضوح شديد أن مضي الحكومة العسكرية قدما سوف ينتهي بها إلى ارتطام محتوم وهائل تكون فيه الحكومة وحزبها الخاسر الأكبر. وإذا كانت أطقم الحكومة العسكرية لا تبالي بالارتطام وتظن في تعنتها شجاعة مظنونة، فإن الوقائع الوارد ذكرها باختصار تضع القوى الاجتماعية السودانية أمام مسؤولياتها في الإسراع في وضع الترتيبات اللازمة قبل وقوع تطورات مؤكدة ذات عواقب وخيمة. وعلى العقلاء في الحكومة العسكرية الراهنة الإقرار بالأمر الواقع من أجل تجنيب البلاد وأنفسهم الكثير من الأضرار والخسائر التي لا طائل من ورائها. كذلك من واجب المجتمع الدولي أن يساعد القوى الوطنية الاجتماعية السودانية في التسريع بإنفاذ ترتيبات هذه المرحلة الانتقالية وفقا لاتفاقات نيفاشا والدستور الانتقالي.
الحكومة الانتقالية
ونسبة للتداعيات العنيفة الناجمة عن موضوع المحكمة الجنائية الدولية، كان من الضروري أن تتضمن الترتيبات المقترحة علاجا سودانيا فعالا يحفظ الكرامة ويجنب الاصطدام، حيث يشتمل هذا العلاج الذي تنادي به المجتمعات السودانية على اتخاذ خطوا شجاعة وطنية لابد منها من بينها تنحي رئيس الحكومة العسكرية وقيام مجلس رئاسي انتقالي مؤقت حسب ما يرد تفصيلا.
وتتلخص الترتيبات المقترحة في الآتي:
المجلس الرئاسي الانتقالي:
استقالة رئيس الحكومة العسكرية الراهنة،
يتولى النائب الأول منصب رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي،
يتولى نائب رئيس الحكومة العسكرية منصب النائب الأول لرئيس المجلس الرئاسي الانتقالي
يقوم شعب دارفور بانتخاب نائب أو نائبة لرئيس المجلس الرئاسي الانتقالي، شريطة إجارء الانتخابات داخل إقليم أو أقاليم دارفور،
تنتخب كل ولاية من ولايات السودان عضوا واحدا في المجلس الرئاسي الانتقالي في انتخابات عاجلة تكميلية حرة واستثنائية تحت إشراف وطني ورقابة الأمم المتحدة. تشارك كل الأحزاب في هذه الانتخابات مشاركة حرة.
مهام المجلس الرئاسي الانتقالي:
تنعقد للمجلس الرئاسي الانتقالي المهام التشريعية بعد حل المجلس الوطني المعين ونقل كل صلاحياته إلى المجلس الرئاسي الانتقالي إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية العامة،
تطبيق كل ما ورد في اتفاقات نيفاشا تطبيقا كاملا روحا ونصا،
العمل على التوصل إلى حل لقضية دارفور ضمن الإطار الوطني والوضع الانتقالي،
حل المحكمة الدستورية وإعادة تشكيلها،
مراجعة الجهاز القضائي والعدلي،
إقرار قوانين الانتخابات العامة المقدمة من مجلس الوزراء،
إقرار وإجراء الانتخابات البلدية التي تسبق انتخابات المؤسسات والمناصب الدستورية،
الإشراف على انتخابات المؤسسات الدستورية
الإشراف على انتخاب رئيس الجمهورية،
إجازة القوانين والإجراءات اللازمة للفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، ومنع الجمع بين سلطتين من هذه السلطات،
قرار عن المجلس الرئاسي الانتقالي ينص على عدم تسليم أي مواطن سوداني أو مقيم لمحكمة الجنايات الدولية،
يبحث المجلس الرئاسي في إصدار مذكرات بالعفو عن كل فرد من أطقم حكومة الإنقاذ السابقة يقبل بمبدأ الاعتراف التفصيلي ويطلب الصفح من صاحب أو أصحاب العلاقة المباشرة، وقبول أصحاب العلاقة بمبدأ العفو،
يتخذ المجلس الرئاسي الانتقالي قراراته بالإجماع، وإلا بثلاثة أرباع الأعضاء. وإذا تعذر ذلك بترجيح صوت الرئيس إذا كان مع أغلبية الثلثين، وبالعدم يعاد الموضوع إلى مجلس الوزراء والمداولة، وبالعدم عقد جلسة مشتركة للمجلسين لاتخاذ القرار بالأغلبية العادية.
إلغاء جميع مناصب مستشاري رئيس الحكومة وغيرها من المناصب الشرفية،
مجلس الوزراء الانتقالي:
بعد تقديم الترشيحات اللازمة من الأحزاب والهيئات، يقوم المجلس الرئاسي الانتقالي بتشكيل الوزارة الانتقالية من الكفاءات الوطنية المشهود لها من غير الرموز الحزبية مع مراعاة التمثيل الجغرافي،
يتم اختيار رئيس الوزارة بواسطة المجلس الرئاسي الانتقالي بنفس معايير الكفاءة والتجرد الوطني.
رئيس المجلس الرئاسي لا يكون رئيسا لمجلس الوزراء وذلك حسب قرار المجلس الرئاسي المشار إليه أعلاه الذي يفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية،
يضم مجلس الوزراء الانتقالي الوزراء الذين يمثلون الحركة الشعبية، مع مراعاة تعديل حصة الحركة الشعبية بما يتناسب مع حصول الحركة الشعبية على منصب رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي،
ثلث الوزراء من القوى الاجتماعية غير الحزبية،
منح مقاعد وزارية متساوية لجميع الأحزاب التي خاضت آخر انتخابات قبل انقلاب الإنقاذ العسكري، ويدخل في القسمة حزب المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي،
مقعد وزاري لكل حزب من الأحزاب الجديدة.
مقعد وزاري للعمال ومقعد للمزارعين
يرفع مجلس الوزراء مقرراته بشأن مشاريع القوانين إلى المجلس الرئاسي الانتقالي لإجازتها، ويقرر مجلس الوزراء في ما دون ذلك.
حكومات الولايات:
حل حكومات الولايات والمحافظات وتسريح جميع كوادرها الوزارية والسياسية،
اختيار ولاة ومحافظين بالانتخاب الحر المباشر لتصريف أعباء المحافظات خلال المرحلة الانتقالية.
يتقدم كل مرشح لمقعد الوالي أو المحافظ مع قائمته الإدارية التي تضم 7 إلى 10 من الإداريين، ويفوز المرشح أو يخسر مع قائمته.
انتخابات الولاة والمحافظين انتخابات حرة يشارك فيها الجميع بلا قيد أو حظر وتحت إشراف وطني ورقابة الأمم المتحدة. الولاة والمحافظون ليسوا أعضاء في المجلس الرئاسي الانتقالي،
المجلس الاستشاري:
تكوين مجلس استشاري من الولاة المنتخبين لإبداء الملاحظات على مقررات مجلس الوزراء حول مشاريع القوانين قبل تقديمها للمجلس الرئاسي الانتقالي. وليس من صلاحيات المجلس الاستشاري رفض هذه المقررات أو ردها أو إجراء التعديلات عليها. يجتمع المجلس الاستشاري دوريا مرة واحدة كل شهر لمدة يومين فقط، أو بناء على طلب من المجلس الرئاسي الانتقالي.
القوات المسلحة:
عودة الجيش إلى أداء دوره الطليعي والطبيعي والوطني في حماية الوطن وحماية المرحلة الانتقالية وحماية المؤسسات الدستورية والإسهام الفعال في البحوث والتطور العلمي، وعلى مجلسي الرئاسة والوزراء اتخاذ التدابير المالية والإدارية والتقنية التي تضمن ذلك.
الشرطة:
تفعيل دور الشرطة وإعادة تأهيل ضباطها وجنودها للالتزام بدورها في حماية الأمن الاجتماعي وفي منع وقوع الجرائم والنأي بها عن المنزلقات السياسية والعنصرية والعقائدية.
أجهزة الأمن الوطني:
حل جميع أجهزة أمن الحكومة السابقة وإعادة هيكلتها وتأهيلها وصياغة هذه الأجهزة وتحديد دورها وتبعيتها الإدارية حسب الدستور واتفاقات نيفاشا بما يجعلها أجهزة لتوفير المعلومات المؤكدة من أجل حماية المواطن والوطن. حظر إعادة تعيين كل من عمل في أجهزة أمن الحكومة العسكرية الراهنة أو عمل في أجهزة أمن الحكومة العسكرية الثانية (حكومة مايو العسكرية).
سُبُل الحكمة والرشاد:
إن تجربة الفشل وسياق التاريخ والمنطق كفيلة أن ترد الحكومة العسكرية الراهنة إلى اتباع سُبُل الحكمة والرشاد وإلى صواب التعايش السلمي المتكافئ والديموقراطية الاجتماعية السودانية واتخاذ التبادل السلمي للسلطة وسيلة معتمدة لحكم وإدارة البلاد، والقبول بالمقترحات الواردة فوق.
البدائل الأولية:
أما في حال أن رفضت الحكومة العسكرية الراهنة للمقترحات المذكورة ورفضها مناقشتها، سوف تقوم مجتمعاتنا ببعض الخطوات السلمية الحضارية للتعبير عن حقها الكامل في التعايش السلمي المتكافئ والحرية الديموقراطية. هذه البدائل تعرف في حينها أو لاحقا.
انتهى نص الوثيقة