المستبد الأصغر … بقلم: د. الوليد آدم مادبو

 


 

 

 

      لقد تولي الرد علي مقالتي "المستبد الصغير" بعض المغرضين الذين تعمدوا تأويل مقالتي وتحميلها مالا تحتمل ، الأدهي أنهم عوضاً عن الرد علي النقاط العشر التي أوردت إنتقوا نقطه واحده وجعلوا منها محوراً وإستنفاراً لأحلاف وهميه برئت منها ذمه التاريخ  وذمّتها قريحه النبهاء من أهل دارفور (خاصه) وأهل السودان عامه.

 

أود أن أؤكد أنه لم تكن لدي أي  دوافع حنقيه أو أخري كيديه دفعتني للكتابه كإقامه المهرجان الثقافي بالضعين وذلك لأن بين تاريخ المقاله وتاريخ إقامه المهرجان فترة عام ,لكنني أقر بأن تلكم التجربه قد أعطتني فرصه التعرف عن قرب علي الطريقه التي يدار بها الإقليم وتدني مستوي المسؤولين . فشأن الثقافه حينما يترك  لشخص غير مثقف وشأن الحكم المحلي وغيره متروك لأناس أقل مايقال عنهم أنهم عشوائيين وجدانياً وتاريخياً.فإن النتيجه الحتميه ستكون مثل المجزره الرهيبه في معسكر (كلمه) تلك التي هزت وجداني هزاً عميقاً وإرتج له كل كياني ,ويقيني أن أولئك الذين نفذوها أو أولئك  الذين ظلوا يدافعون عن إرتكاب مثل هذه الجرائم ويشيدون بدور من يقدمون علي إرتكاب مثل هذه الجرائم اللأنسانيه من أمثال أولئك الذين تصدوا لمقالتي . فأنهم لا يحسون البته بأن مثل هذه الجرائم الفظه يمكن أن تخرج العاقل عن طوره . أما هم فإن أولويات همومهم هي شبه تمويل مهرجاني الضعين الأول والثاني .

 بخصوص هذا الأمر أود أن أقول  بدءً أن الشبهة  التي يتحدثون عنها إنما هي حاله نفسيه يعيشها هؤلاء ويبدو أن ليس في مقدورنا علاجها بعد أن  تم توزيع أكثر من ثلاث ألف مطبق أوضحت أن الهيئه التحضيريه للحوار الدارفوري – الدارفوري قد دعمت مهرجان الضعين الثقافي لعام 2008م وهي ذات الهيئه التي دعمت المستبد الصغير بمبلغ 250 الف دولار لتفعيل المجتمع قاعدياً. (من إعتمادات كانت مرصوده أصلاً للمجتمع المدني وليس للحكومه . أما لماذا وكيف تم دعم جهه حكوميه من هذه الإعتمادات يجب أن يوجه السؤال إلي الإتحاد الإفريقي ) أما مهرجان الضعين الثقافي لعام 2007م  فقد تم تمويله من ( (DAI( إحدي روافد المعونه الامريكيه) التي تعني بالعمل الثقافي والإجتماعي في السودان ، وقد كانت جمعيتنا واحده من مجموع 400 جمعيه وطنيه حازت علي تمويل ينال وفق ضوابط تنظم لها مفوضيه العون الإنساني . وهؤلاء يعلمون حق العلم أن ليست ثمه شبهه فيما قمنا به أو نقوم به إنما دعوة صريحه رخيصه للإيقاع مع السلطه التي يظنون أنهم أصحابها.

 وعلي كل وفي هذا الإطار يلزمني أن أميز بين امريكا الإنسانويه (التي تعول شعب دارفور اليوم)وامريكا الإمبرياليه التي يتم التنسيق الإستخباراتي معها ليل نهار "لمحاربه الإرهاب".

 

إنهم يعلمون تمام العلم بأن المهرجان لم يدعو إلي فتنه ، إنما  علي العكس تماماً وفر نافذه يمكن لاهل دارفور أن يستشرفوا من خلالها مستقبلاً أرحب ! فإلي متي يريد الأستاذ / يوسف عبدالمنان وأمثاله للمسيريه والرزيقات أن يظلوا مستودعاً للحرب وساعداً للخراب؟ أليس من وأجبنا أن نذكرهم بأنهم صناع حضاره (حضاره الأندلس) التي إزدهرت عندما ذهبت شمالاً (إلي أوربا) ثم إندثرت عندما تقهقرت جنوباً صوب أفريقيا ، أليست من وأجبنا أن نحلل الأسباب ونستلهم العبر؟

 لقد إلتقاني أحد الأعمام الافاضل وقال لي:- (ياولدي الإنسان مابتفل في دقنو) فظللت معتبراً لفتره قبل أن أستوضحه لأن الأمثال تلقي بظلال قدسيه تكاد تشل أفكارنا أحياناً نحن السودانين . هذا ومثله من النصائح تورد الأمه موارد الهلاك، ذلك  أنها تجير الكيان العربي دونما قصد لصالح مجموعه لم تنتخبها الإراده الجماهيريه إنما إنتدبتها الأجهزه الأمنيه. وربما كان الجدير بالذكر أن نحيط القارئ علماً بإن المستبد الصغير قد حاز (9) أصوات فقط من مجموعه (320) في أخر إنتخابات إنقاذيه مؤتمر وطنيه ، فماذا لو إنبري نبهاء دارفور لمنافسته؟

دعنا من المواقف الفرديه ولنفول أننا إن كنا نؤمن بحكمه أهلنا في دارفور بأن (الجريمه كلب بتبع سيدو) . فما الذي يجعلنا نستمسك  بشرعه الجاهليه (أنصر اخاك ظالماً أو مظلوما)؟

 

إنني لم اتعرض للخلفيه الأثنيه للمستبد الصغير إلا لأدلل ان الإنتماء الي أي قبيله إنما هو إنتماءُ ثقافي ومجتمعي وليست إنتماءًعرقياً. وأن (المستبد الصغير) بتحالفه مع المجموعه العروبيه (وليست العربيه) إنما ينتهج نهجا إصطفائياً يهزم أول ما يهزم الماكينزمات  الحضاريه التي هيئت له ولغيره ( بما في ذلك قبيله الكاتب) التدامج مع شعوب المنطقه والانصهار طواعياً في بوتقتها.

 

لقد تناولت موضوع السلطنات بمفهوم التقسيم الإداري الذي كان سائداً قبل الإستعمار ولم يرعن  مطلقاً بريق المفاضله. وفي هذا  فإن جغرافيه الأقاليم  قد  قاربت منطق الديار التي كانت  مستقله بعضها عن بعض : دار أندوكه ، دار موسي مادبو ودار أبو زكريا ، إن كل من كان تحت هذه السلطات الثلاث فهو يملك حاكوره وليست دار ، لكن الذي يهم في الأمر هو إنني أردت أن أوضح أن تقسيم دارفور إلي ثلاث ولايات ، الأمر الذي نفذته الإنقاذ بحيله وإتقان إنما قصد منه ضرب التماسك الوجداني لشعب دارفور. إن المُستعمر الأسود (أي السوداني لمن لم يفهم ما رمينا إليه) قد أيقن بأنه قد إنكمش ديموغرافياً وإيدولوجياً ، لذا يسعي لتفتيت دارفور إذا لم نقل إبعادها من دوره النفوذ الديمقراطي . إن التعامل مع الواقع لا القفز فوقه ، يستلزم مقاومه حاله الإستلاب الثقافي التي يعيشها شعب دارفور وذلك من خلال الآتي:-

 

 أولاً:-  إنفاذ الترتيبات الإداريه التي توحد وحده الإقليم وإرجاعه علي ما كان عليه.

 ثانياً:- إعداد المعالجه النفسيه والتربويه التي تساعد بعض المجموعات الخروج من حاله الدونيه التي تأصلت فيهم بسبب معاملتهم كرعايا.

إن الحديث عن خلفيه الوليد الأرستقراطيه لا يفيد لأنه مجرد إستدرار لعاطفه قسمت الجمهور إلي أولاد الذوات وأولاد الغبش ، عوضاً ان تعمل علي شحذ كافه الهمم لبناء الوطن . لقد إنكشف شعار ( أولاد الغبش) كما إنفضح من قبله شعار الإسلام.الم تزداد نسبه الفقر من 42% إلي90% في أقل من ربع قرن من الزمان ! كيف تمت خصخصت المؤسسات التي كانت تصرف علي علاج المسكين وتعليمه ؟ لماذا تنكرتم  للشريحه التي أنتجتكم ؟ إن أبناء الغبش، مثلاً في أمريكا (بيل كلينتون) وبريطانيا (جون ميجر) ، يكتسبون ثقه في أنفسهم من خلال التدافع الديمقراطي تجعلهم ينتصرون لطبقاتهم دونما محاوله لإرباك الهرم الأدبي والإجتماعي  أو مكر إنسي علوي لسحب السلم الذي أوصلهم إلي القمه .اما الذين يصلون (أو هكذا يظنون) إلي أعلي الهرم عن طريق الإنتهازيه والحبرتجيه فتبقي في نفوسهم فجوة يدارونها ببهرج وزخرف سرعان مايكشف عورتهم ويبين سؤتهم .

 

 لقد ذهب المستبد الصغير ذات مره في زياره تفقديه إلي محليه (تلس) مصحوباً ب72 عربه ، الم يكن من الأجدي ان توظف هذه الموارد لمعلمي مراحل الأساس والثانويه في إقليم يعاني من فاقد تربوي يفوق ال90% لكنه الفقر المعنوي!  إن أبو سن( أول مدير لمديريه دارفور) كان يتجول بعربتين عربه لشخصه وأخري لحاجيات السفر ، فعلام التباين بين المسلكين ؟ هل لأن الأول متشعبط ولج عالم الإداره إنقاذياً والثاني مستوثق ترقي في سلم الإداره تدريجياً ، أم  هل لأن إن أحدهما يبحث عن مجد والأخر واقف علي المجد بكلتا قدميه ؟ إن حدوته أولاد الذوات وأولاد الغبش لم تعد مجديه فالذي نريده في هذا البلد هو شخص مؤهل ومعافي ولتتكامل في ذلك جنبات الذات الإنسانيه وحيل الوجدان الأزل قدريه.

 

هنا أود أن أختم  بقصه عن  (Tocqueville) وهو من كبار الفلاسفه والمفكرين الفرنسيين الذي ذهب في رحله إستكشافيه إلي الولايات المتحده عند أخريات القرن الثامن عشر , وقد راعه أن يري بلداً ضخما يموج حيويه ويهيم نضاره دون أن تتوفر لديه شروط النخبه السياسيه الواعيه التي يمكن أن تستثمر كل هذه المقدرات نحو الوجهة الأصوب , فكتب إلي والدته رسائل أصبحت من بعد تدرس لطلبه العلوم السياسيه في أرقي الجامعات . مما لفت إنتباهي أن توكفيل قال فيما قال لوالدته: أنه مشفق علي مستقبل هذا البلد (أي أمريكا) لأنها تفتقر إلي أرستقراطيه تضمن إستقراره السياسي.وتهئ له أمكانيه التقدم والإذهار . لقد قال توكفيل هذا الأمر وهو متأثر بالأرث الأوربي  الذي يري  العراقه (Antiquity) كأساس لتشييد الهرم الأدبي الإجتماعي , علما بأن الأمريكان قد إعتمدوا الرأسماليه الماديه ((Liquidity  مجرده من المضامين الارثويه  المعنويه  كأساس لتشييد الهرم الأدبي ,لكنهم وبتطور المنظومه القيميه عدلوا في المعايير حتي أصبحت الهمه هي المعيار الأمثل (إذا لم نقل الأوحد) الذي يمكن أن يعلو به المرء سلم المجد (وتجربه أوباما خير دليل).

 

إن بلادنا في الشرق لم تستفد كثيراً من هذه التجارب الإنسانيه فظلت تتخبط  بين الجمود القاتل والتسيب المعلول مما جعلها تهدر طاقات هائله كادت ان توظف للصالح العام لو انها عقلت إمكانيه التوافق بين المجموعات التقليدانيه والمجموعات الحداثويه . إن عجز المجموعه الأخيره عن تفعيل النظم الحديثه للحكم  قد ألجأها إلي إتخاذ أكثر التدابير رجعيه. ولننظر إلي البلدان التي أسند امرها إلي "القوة التقدميه"  (ليبيا,السودان,اليمن , سوريا , العراق) ، ما أن يصل أحدهم إلي الحكم حتي يعلن نفسه إمبراطوراً (إذا لم نقل إلهاً) مما يستلزم العمل الحثيث والجاد علي محو الذاكره الجمعويه حتي تتلائم ووجهته السماويه (إبن لي صرحاً لعلي أبلغ الاسباب ، أسباب السماوات فأطلع إلي إله موسي).  إنه لايريد أن يتعرف علي رب السماوات إنما إستهجان الظاهره التي فضلت موسي عليه ,إنه السباق للوصول إلي القمه (قمه الهرم) وليست التنافس علي إنصاف جميع ساكنيه. فهل ياتري أنصفوا فيها الفقراء( الذين جأووا بإسمهم) أم مقتوهم وإستبدوا عليهم ولـــــــــــــماذا؟

  إن مقالي (المستبد الصغير) لم يبرأ من الهفوات لكنني أعتبر نفسي قد ساهمت مساهمه كبري يجب أن يشكرني عليه أولياء المستبد إذ أخذت صغيرهم وذهبت به إلي محطه الإستشفاء النفسي ، كما أوصي كل سوداني له قريب عمل في السياسه منذ عام 1964م أن يفعل مثل فعلتي حتي لا يحرج الأبعدين . حتي التقيكم في مقالي القادم  (الـهر الكبير ) والذي سأتعرض فيه للمازق الوجودي للقبائل العربيه ، أترككم في رعايه الله وحفظه.

 

آراء