ألغام على طريق التحول الديمقراطي … بقلم: د. الواثق كمير

 


 

 

 

سيناريوهات المستقبل

 

kameir@yahoo.com

 

مقدمة  

 

انتخابات عام 2009 في السودان، والاستفتاء على تقرير مصير الجنوب في 2011، كلاهما من المستحقات المفصلية لاتفاقية السلام الشامل التي وقعت في 9 يناير 2005 بين حكومة السودان، ممثلة في المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان، منهيةً 22 عاماً من الحرب الأهلية. عليه، فان الانتخابات تمثل آلية لانجاز التحول الديمقراطي بعد ما يقارب العقدين (1989 – 2005) من احتكار سلطة الدولة بواسطة حزب واحد، كما أن هذه الانتخابات ستوفر مساحة واسعة لحراك وتفاعل سياسي قد يجعل خيار الوحدة "جاذباً" مما يحفز الجنوبيين للتصويت لصالح الوحدة في الاستفتاء المرتقب.

 

 واستلهاما لتجارب العنف الذي أعقب الانتخابات في العديد من الدول الأفريقية، ولو بأشكال مختلفة، فإن عدم الاعتراف بنتائجها والاحتجاج عليها، خصوصاً في البلدان الخارجة لتوها من نزاعات مسلحة، عادة ما يكون نتيجة لسوء أو الفشل في إدارة عملية التحول الديمقراطي والانتقال السلمي للتعددية السياسية. سوء الإدارة هذا في حالة السودان يتمثل في مقاومة الحزب الحاكم للتغيير، وغياب الإستراتيجية الواضحة للشريك الآخر في الحكم، وضعف الأحزاب السياسية المعارضة والمجتمع المدني، في الوقت الذي يلوح فيه جنوب البلاد بالانفصال.  

 

تدفع هذه المساهمة المتواضعة بان قيام انتخابات نزيهة وحرة ترتضيها وتطمئن لها كل القوى السياسية في ظل مراقبة جميع الأطراف المعنية، محليا ودوليا، هي السبيل الوحيد لتحاشي العنف الذي قد يعقب الانتخابات، وبالتالي ضمان الانتقال السلمي للسلطة، من جهة، وإقناع السودانيين الجنوبيين بالتصويت للوحدة خلال الاستفتاء المزمع عقده بنهاية فترة الست سنوات الانتقالية في 2011، من جهة أخرى.

 

 اتفاقية السلام الشامل: خارطة طريق للتحول الديمقراطي

 

 إن فشل قوى المعارضة السودانية المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي في تحقيق هدفها المعلن والمتمثل في اقتلاع نظام الإنقاذ "من جذوره"، منذ وصوله للسلطة عقب انقلاب الجبهة الإسلامية في الثلاثين من يونيو 1989، عبر الوسائل العسكرية و السياسية، مهد الطريق للتوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية، ولو على مسارات مختلفة (نيفاشا، أبوجا، اسمرا، القاهرة). فتأسيسا على برتوكول مشاكوس الموقع في 20 يوليو 2000، فإن اتفاق السلام الشامل يمثل حجر الزاوية في طريق الانتقال لسودان ديمقراطي موحد على أسس جديدة. بكلمات أخرى، الاتفاق هو بالأحرى أداة للقيام بعملية "تفكيك" نظام الحزب الواحد والانتقال للتعددية السياسية عبر التحول الديمقراطي الذي تأسست عليه الاتفاقية، وباركته سائر القوى السياسية السودانية والمجتمعين الاقليمى والدولي.

 

 نظرة فاحصة لبنود اتفاقية السلام الشامل تشير إلى أن التطبيق الأمين للاتفاق يبشر بتأسيس قيم النظام الدستوري والحكم الراشد وحكم القانون والمشاركة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فضلاً عن تعزيز إطار للوحدة يقوم على المساواة الدينية والاثنية والثقافية التي تشكل الدعائم الأساسية لبناء دولة المواطنة السودانية. وعلى الرغم من التوقع السائد بان الجنوبيين سيختارون  الانفصال وتكوين دولتهم المستقلة بنهاية الفترة الانتقالية، إلا أن هناك دعم قوي من الإطراف الإقليمية والدولية لبقاء السودان كبلد موحد، وهو الأمر الذي لا يرجح احتمال حدوثه إلا التطبيق السليم والصادق لاتفاقية السلام الشامل.

 

فضلاً عن الصلاحيات الواسعة والسلطات الدستورية والمؤسسية غير المسبوقة التي منحتها الاتفاقية للجنوب في المجالات السياسية والاقتصادية، يضمن بروتوكول تقاسم السلطة في الاتفاقية مشاركة الجنوب في نظام الحكم الفيدرالي بما يتناسب مع نسبة السكان فيه. علاوة على ذلك، وبالأحرى الأكثر أهمية، تأسس الاتفاقية دستورياً بان المواطنة، وليس الدين، هي أساس التمتع بالحقوق والواجبات و معيار الاهلية لشغل المناصب العامة بما فيها رئاسة الجمهورية والخدمة العامة.   

 

انتخابات 2009: آلية لتحقيق التحول الديمقراطي

 

إذن، بحكم الاتفاقية، تمثل الانتخابات آلية لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود والانتقال من حكم الحزب الواحد للتعددية السياسية، وذلك بعد تسوية الملعب السياسي بما يضمن قيام انتخابات حرة ونزيهة بنهاية النصف الأول من الفترة الانتقالية. أحد العوائق الرئيسية التي تعترض التحول الديمقراطي هو احتكار المؤتمر الوطني لسلطة الدولة لقرابة العقدين من الزمان ونفوره من الإيفاء بالمستحقات الدستورية وتقديم التنازلات المطلوبة. فالمؤتمر الوطني لا يستطيع الهروب من الحقيقة الساطعة بان الاتفاقية هي في جوهرها أداة لتفكيك حكم الحزب الواحد و كسر احتكار سلطة الدولة عن طريق الانتخابات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، إلا إذا كان الحزب الحاكم يعتقد أن الدولة والحزب متطابقان ويعنيان نفس الشيء. ولكن، في الانتخابات يستطيع المؤتمر الوطني منازلة الأحزاب الأخرى بحرية ونزاهة والدفاع عن لقبه بجد وجدية في منافسة ديمقراطية لاختبار وزن قواعد كل حزب سياسي وجماهيريته، وهذا هو جوهر التحول الديمقراطي المضمن في الاتفاقية والمنصوص عليه في الدستور الانتقالي.

  

 ألغام في طريق الانتخابات الحرة و النزيهة

  

تتفق كل القوى السياسية، رغم ما أبدته بعضها من تحفظات على الطبيعة الثنائية لاتفاقية السلام الشامل، بان التطبيق الأمين للاتفاق، والالتزام بالاتفاقيات الأخرى من جانب المؤتمر الوطني، وتسوية النزاع سلميا في دارفور، يشكل خارطة الطريق للانتقال للديمقراطية التعددية والوحدة "الطوعية" أو الانفصال السلمي عقب الاستفتاء على تقرير المصير. وبالرغم من أن قانون الانتخابات قد تمت إجازته  بواسطة المجلس الوطني، كما تم تشكيل مفوضية الانتخابات، ولو على غير ما تشتهي أحزاب المعارضة، فإن طريق التحول الديمقراطي لا يزال محفوفا بمجموعة من الألغام التي ستفضي إلى، وستكون محصلتها النهائية أشكال متعددة من النزاع العنيف. هذه التحديات الجسيمة التي ستخلقها هذه النزاعات من شانها تثبيط همة كل من يهمه أمر البلاد ومستقبلها.

 

                 I.  التحدي الأكبر إمام قيام انتخابات حرة ونزيهة هو أن اتفاقية السلام الشامل جمعت في الحكم بين حزبين يملكان رؤى مختلفة جذرياً لتطور البلاد. إذن، فالسؤال هو: هل استطاع الشريكان في الحكم بناء شراكة صادقة و فعالة أم أنهم سيواصلان تصفية خلافاتهما عبر وسائل أخرى؟ بغض النظر عن إجابة هذا السؤال، فإن تجربة الثلاث سنوات الماضية أظهرت أن الصراع ظل محتدما بين طرفي الاتفاقية وأن كل منهما قد ظل متمسكا بموقفه الأيديولوجي مما جعل مسار تنفيذ الاتفاقية متأثرا سلباً باستمرار هذه الخلافات وما أفرزته من مشاكسات بين الشريكين. طفت هذه الخلافات على السطح أكثر من مرة وتمثلت في الشكاوي الخطيرة من قبل قيادات الحركة الشعبية حول سير عملية إنفاذ بعض بنود الاتفاقية، لعل أبرزها قضايا مثل برتوكول ابيي، الترتيبات الأمنية، عوائد البترول، وترسيم الحدود. اتهمت الحركة الشعبية أيضا شريكها المؤتمر الوطني بتحويل مفوضية المتابعة والتقويم المستقلة والمنشأة بموجب الاتفاقية إلى مطية لتمرير قراراته، بينما ظل المؤتمر الوطني مدافعا عن موقفه وبتطبيقه النزيه للاتفاقية. ليس هذا وحسب، بل قامت الحركة الشعبية بتعليق مشاركة وزرائها الفيدراليين والولائيين عقب الأزمة التي أفرزها تقدير الحركة الشعبية لمسار تطبيق الاتفاقية والإحساس بانتهاك الشريك في الحكم لبنود رئيسية في الاتفاق. وهكذا، فالسؤال الرئيسي هو: هل سيتمكن الشريكان من تجاوز خلافاتهما العميقة وتهيئة المناخ لانتخابات حرة ونزيهة، تقود بدورها لإجراء الاستفتاء على تقرير المصير في جو سلمي؟

 

              II.  عدم تعديل القوانين المقيدة لحرية التعبير والتنظيم، بالنسبة للأفراد والمؤسسات والأحزاب السياسية والإعلام، والمتنافية مع الدستور الانتقالي واتفاقية السلام الشامل، تشكل عقبة هامة في طريق الانتقال نحو التعددية السياسية. تشمل هذه القوانين: قانون الأمن الوطني، قانون الصحافة والمطبوعات، القانون الجنائي، فضلاً عن تشكيل مفوضية حقوق الإنسان القومية. ذلك إضافة إلى قانون الاستفتاء على تقرير المصير. إن إلغاء هذه القوانين واستبدالها بأخرى متماشية ومتسقة مع اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي هو شرط ضروري لخلق بيئة ملائمة لانتخابات حرة و نزيهة وتسوية الملعب للاحزاب السياسية المتنافسة. قائمة الأفعال التي يقوم بها المؤتمر الوطني كجزء من حكومة الوحدة الوطنية و تنتهك الدستور الانتقالي، خصوصاً قانون الحقوق، تشمل الاعتقال التعسفي للمعارضين السياسيين وأسلوب تطبيق القانون من قبل الأجهزة المختصة، والانحياز للمؤتمر الوطني من قبل وزير العدل في القيام بالمهمات الموكلة إليه دستورياً. وتعبر القوى السياسية عن قلق بالغ من الإجراءات ضد الصحفيين والإعلاميين ومؤسسات الإعلام في كل إنحاء البلاد، خاصة في العاصمة القومية، حيث بلغت مستويات التحرش بالصحف والرقابة "القبلية" المتصاعدة عليها مستويات مزعجة.

 

            III.  إضافة للتأخير في تنفيذ التعداد السكاني، فان عدم تضمين سؤالي العرق والدين في استمارة التعداد هو مصدر قلق حقيقي للجنوبيين، والذي من المرجح أن يجعل نتائج التعداد مختلف عليها وقد لا تحظى بالقبول لديهم. فقد أبدت الحركة الشعبية، بوصفها شريك في السلطة، شكها في وجود نية مبيتة لدى المؤتمر الوطني للتلاعب والمناورة بهوية السودانيين وتوزيع الدوائر الانتخابية بما يخدم مصلحته. كما قال رئيس حكومة جنوب السودان وزعيم الحركة الشعبية، الفريق سلفا كير ميارديت، في رسالة شديدة اللهجة مؤخراً ان حكومته لن تقبل بنتائج التعداد إذا تم احتساب تعداد سكان جنوب السودان "باقل من 15 مليون!". فهكذا، ينظر الجنوبيون لمثل هذه المعالجة الميكانيكية لنتائج التعداد بأنها تهدف لحرمانهم من نصيبهم في السلطة، وأيضا الثروة كما هو الحال في قضية ترسيم الحدود المهمة لحسم قضية تبعية مناطق إنتاج البترول للشمال أو الجنوب. ومن ناحية أخرى، ينظر المؤتمر الوطني لمثل هذه التصريحات بأنها تحركات القصد من ورائها تعطيل قيام الانتخابات في مواعيدها نسبةً لضعف الحركة الشعبية وعدم قدرتها على التنافس في انتخابات تعددية مما يدعوها بأن تنادي بتأجيل الانتخابات، وهو اتهام تنفيه الحركة بشدة.

 

           IV.  النزاع المتوقع حول نتائج التعداد يرتبط بشكل مباشر مع قضية تساويها في درجة الخلاف حولها بين الشريكين وهي قضية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب والتي بدورها ستؤثر على تخصيص الدوائر الجغرافية الانتخابية في الشمال و الجنوب، على حد سواء.

 

              V.  لا تزال رحى النزاع في دارفور دائرة في وقت لم يحالف النجاح كل المبادرات المطروحة من الداخل أو الخارج في جلب الإطراف المتنازعة لطاولة المفاوضات، ناهيك عن الوصول لتسوية سياسية سلمية. ذلك، بينما يصر العديد من قادة المؤتمر الوطني بقوة على عقد الانتخابات في موعدها المضروب (يوليو 2009) في تجاهل كامل للعواقب الوخيمة المترتبة على عقد انتخابات جزئية. كما حذرت اغلب أحزاب المعارضة من عقد الانتخابات قبل حل مشكلة دارفور وقطعت الحركات المسلحة في دارفور بانها لن تقبل استثنائها من الانتخابات، خاصة وهم يعتبرون أنفسهم حركات قومية تطمح لخوض الانتخابات في أي جزء من البلاد. إن استصحاب تجارب الماضي يظهر أن الانتخابات الجزئية لطالما اعتبرت غير شرعية ولم تجد نتائجها الاعتراف أو الرضاء من قبل المتمردين السابقين في الجنوب. ففي خلال اجتماع التسع ساعات الشهير بين زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق ورئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي في أديس أبابا و الذي التئم مباشرةً عقب آخر انتخابات تعددية في عام 1986، أنب دكتور جون قرنق الصادق المهدي على قراره المتعجل بعقد الانتخابات قبل الوصول لتسوية سياسية. حينها رد الصادق بقوله (لقد ادخرنا الجنوب بأكمله لك) وهو ما قابله قرنق بالقول (ومن قال لك أنني اسعي للفوز بدائرة انتخابية في الجنوب، فأنا أريد خوض الانتخابات في كسلا بشرق السودان!).

 

           VI.  يحوز المؤتمر الوطني على احتكار كامل للموارد البشرية والمادية والمؤسسية في الدولة، بالذات وسائل الإعلام بإشكالها المختلفة، وهو ما يقلل فرص القوى السياسية الأخرى في التنافس على قدم المساواة في الانتخابات المقبلة.

 

         VII.      كل باقي القوى السياسية، بما فيها الحركة الشعبية، غير جاهزة أو مستعدة بعد لخوض التنافس الانتخابي نسبةً لمعاناتها من الضعف تنظيمي وبعدها عن قواعدها، فضلاً عن نقص الموارد والخلافات ولانقسامات الداخلية.  

 

السيناريوهات المتوقعة

 

أضاف تهديد محكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الجمهورية مزيداً من التعقيد بالنسبة لمصير الانتخابات القادمة. وعليه، يمكننا توقع عدد من السيناريوهات في ضوء هذا التطور الخطير:

 

السيناريو المتفائل

 

أن يتم تجاوز مأزق المحكمة عن طريق نجاح الجهود الدبلوماسية التي يقودها كل من الاتحاد الإفريقي، الدول العربية، الصين وروسيا، في إقناع مجلس الأمن بتجميد المذكرة لسنة واحدة ولأمد مفتوح عن طريق تفعيل المادة رقم 16 من النظام الأساسي للمحكمة. هذا السيناريو سيحفظ للرئيس شرعيته ويسمح للمؤتمر الوطني بسداد ديونه ودفع ما عليه من استحقاقات واحترام اتفاقية السلام الشامل والتزاماته الدستورية المتمثلة في ضمان انتقال سلمي للديمقراطية التعددية، وبالتالي تقليل احتمالات العنف المصاحب للانتخابات. لكن، هذا السيناريو يبدو غير واقعي في نظر الكثيرين.

 

 السيناريو المتشائل

 

وهو أن يتم تجاوز عقبة المحكمة سلمياً عبر الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي حيث يلتزم المؤتمر الوطني بخلق كل الظروف المواتية لعقد انتخابات حرة ونزيهة تحوز على رضاء جميع القوى السياسية، وهو ما سيقلل فرص حدوث عنف عقب الانتخابات. لكن هذا السيناريو يتطلب التوصل إلى تفاهم سياسي بين المؤتمر الوطني وشريكه في الحكم وبقية الأحزاب السياسية لإعادة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على أسس برنامج وطني "يضع الوطن فوق الأحزاب"، والاتفاق على تأجيل الانتخابات لفترة محددة من الزمن لتهيئة المناخ من اجل انتقال سلمي لتعددية سياسية حقيقية وإتاحة المجال للوصول لتسوية سياسية للنزاع في دارفور.

 

 السيناريو المتشائم

 

ويتمثل في مواصلة المؤتمر الوطني لتحديه للمحكمة ورفضه القاطع للتعاون معها ومواصلة ألامبالاة لنداءات مجلس الأمن والمجتمع الدولي. واحد من أشكال هذا السيناريو هو الإصرار على قيام الانتخابات في موعدها وبالتالي إضفاء شرعية على حكم المؤتمر الوطني الذي يملك احتكار مطلق للسلطة والثروة، مع تجاهل كامل لكل المخاطر المتوقعة مما سيقود في الغالب لاشكال متعددة من الاحتجاجات العنيفة على نتائج الانتخابات، بما يشمل مقاطعة المشاركة فيها من قبل مختلف القوى والتحالفات السياسية. أسوء نسخة من هذا السيناريو هو أن يسفر اتهام البشير عن اندلاع صراع على السلطة داخل، وبين صفوف المؤتمر الوطني ينتج عنه إدخال البلاد بأسرها في نفق حرب أهلية مدمرة قد تقود إلى تمزق الدولة السودانية. وتتحسب الأمم المتحدة لحملات انتقامية من الحكومة السودانية ضد منسوبيها والمدنيين، وهو بالفعل ما هددت به الحكومة السودانية بالقيام بأفعال انتقامية عشوائية ضد إفراد المجتمع الدولي وموظفي المنظمات الإنسانية. فقد صرح الرئيس البشير نفسه في لقاء جماهيري مستخدما تعبيرا شديد اللهجة بان كل من يدعمون المحكمة من الدول الغربية هم "تحت حذائه".

 

 السيناريو الواقعي

 

وهو مواصلة المؤتمر الوطني لتحديه للمحكمة إن أصدرت مذكرة التوقيف في حق الرئيس وتعبئة جماهيريه  وتجييش قواعده، مع محاولة استقطاب باقي القوى السياسية للالتفاف حول قضية الدفاع عن سيادة البلاد ضد العدوان الخارجي. وستدير الحكومة دفة العمل اليومي بطريقة اعتيادية، بما في ذك العلاقات الخارجية، بينما سيدعو الحزب الحاكم، بالتشاور مع الشريك في الحكم، إلى إجراء الانتخابات في ميقاتها، والشروع في إقامة تحالفاته الانتخابية. كما ستتصدى الحكومة لأي انفلاتات أمنية أو احتجاجات قد تستهدف الأجانب والمنظمات أو الحكومة نفسها، خاصة في حالة تصعيد الحركات المسلحة للنزاع في دارفور، حتى وإن تطلب ذلك إعلان حالة الطوارئ، وهي خطوة قد تجد معارضة من كل القوى السياسية بما فيها الحركة الشعبية على أساس أنها تنتهك اتفاقية السلام الشامل و الدستور الانتقالي. وفي ضوء الضغط السياسي والإقليمي المتوقع وتهديدات الحظر الاقتصادي، ستكون إحدى مظاهر هذا السيناريو أن تتنامى المعارضة الداخلية (بما فيها ردود فعل عنيفة من قبل الحركات المسلحة في دارفور) مع احتمال حدوث انشقاق داخلي وظهور صراع داخلي في المؤتمر الوطني، مما قد يدفع بتطور الوضع كله في اتجاه جديد يقود بدوره إلى سيناريوهات مفتوحة ومتعددة الأشكال في مسار إعادة تشكيل الدولة السودانية.

 

 الخاتمة

 

 التركيز على احتمالية حدوث عنف عقب العملية الانتخابية في السودان يجب أن ينظر له في السياق العام للترتيبات الانتقالية المضمنة في اتفاقية السلام الشامل، وبالتالي فإن الفشل في إدارة عملية الانتقال للديمقراطية التعددية سيسفر عن إشكال متعددة للنزاع المسلح في أفضل الأحوال، وانهيار الدولة السودانية في أسوء الأحوال. لكن هذا النظرة يجب أن لا تحول انتباهنا من قنابل موقوتة أخرى وهي احتمالية حدوث النزاع المسلح حول الاستفتاء على تقرير المصير واستفتاء أبيي أو حول المشاورات الشعبية لتحديد رؤى سكان منطقتي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان لاتفاقية السلام الشامل.     

 

قدمت هذه المساهمة في ورشة عمل الإعلام و العنف المصاحب للانتخابات في شرق إفريقيا

 

المنظمين:

 

مركز (ستان هوب) لبحوث سياسات الاتصال بمدرسة لندن للاقتصاد

 

برنامج قانون و سياسات الإعلام المقارنة بجامعة (اوكسفورد)

 

مركز دراسات الاتصال العالمية بكلية (انينبرج) لعلوم الاتصال

 

15 إلى 16 ديسمبر 2008

 `        أديس ابابا، أثيوبيا

 

آراء