مناورات حافة الهاوية.. صراع من أجل تقرير أم تهديد المصير..؟!

 


 

 

tigani60@hotmail.com

 

الله وحده يعلم المصير الذي تُساق إليه البلاد، ولم يعد من معنى لاستخدام معطيات راهنة من أجل تحليل موضوعي لمستقبل الأحداث في السودان في وقت بلغ فيه رشد السياسة نهاية الطريق، فالطرفان الأساسيان اللذان احتكرت لهما اتفاقية السلام الشامل قيادة البلاد إلى بر الأمان عبر تحول دستوري ومؤسسي ينهي حالة التيه السياسي التي تعيشها البلاد منذ استقلالها، ويحقق الأمن والاستقرار، هما، للمفارقة، من باتا يمثلان أكبر تهديد لتسوية نيفاشا التاريخية بعدما بلغت مناوراتهما حافة اللعب على مصير الوطن. باختصار يبدو أن قراءة هذا الواقع الملتبس يحتاج إلى حاوٍ، لا إلى محلل سياسي.

بالأمس القريب فجرت الحركة الشعبية مفاجأة من العيار الثقيل، التهديد بإعلان استقلال الجنوب من داخل البرلمان، أي دون انتظار لإجراء استفتاء لمواطني الجنوب على تقرير المصير كما هو الإجراء المحدد في اتفاقية السلام في نهاية الفترة الانتقالية، وما أعلنه الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم ليس جديداً إلا في إعلانه صراحةً، فهو خيار ظل متداولاً في كواليس السياسة السودانية وتوقع الكثيرون أن يكون أحد خيارات الحركة الشعبية إذا وصلت علاقاتها مع شريكها في الاتفاقية في السلطة، المؤتمر الوطني، إلى طريق مسدود بسبب الخلافات العالقة.

وبالطبع لم يكن هذا الخيار، أي إعلان الاستقلال من طرف واحد من داخل البرلمان، اختراعاً جديداً لمحللي السياسة السودانية اليوم، أو من بنات أفكار الحركة الشعبية، فقد استمد كما هو معلوم من سابقة إعلان استقلال السودان نفسه من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955م، من الحكم الثنائي البريطاني المصري، من بين يدي إجراء مشابه لاستفتاء السودانيين على تقرير مصيرهم، وملابسات ذلك الحدث معلومة، وعلى الرغم من اختلاف المعطيات بين الوضعين في السودان المحتل بكامله ومسألة العلاقة مع الجنوب في الوضع الراهن على أكثر من صعيد، إلا أن الإقدام على خطوة كهذه من قبل الحركة الشعبية تبقى محتملة ليس فقط لأنها تبدو مستعجلة للانفصال، ولكن لأن الطرف الآخر أيضاً يبدو زاهداً في الوحدة، بيد أن السؤال المهم، هل يدرك كل طرف منهما الاستحقاقات الحقيقية التي ستترتب على ذلك، وهل بوسعهما فعلاً تحمل تبعات تلك الفاتورة الباهظة، هذا إذا تركنا جانباً لأغراض التحليل التغاضي عن المسؤولية التاريخية المترتبة على شرذمة الوطن، وتمزيق وحدته، على أعتاب طموحات سياسيين يسترخصون وطنهم من أجل الاستئثار بالسلطة ومغانمها.

وبالعودة إلى تلويح الحركة الشعبية إعلان استقلال الجنوب دون مرور على محطة الاستفتاء على تقرير المصير، وغني عن القول أن إطلاق هذا الموقف سيثير جدلاً كبيراً، على الرغم من أنه كان متوقعاً، ولكن قراءة تطورات العلاقة بين شريكي نيفاشا في الآونة الأخيرة يشير بوضوح إلى أن خطوة الحركة الشعبية هذه تأتي في إطار «معركة كسر عظم» تجري بين الطرفين منذ أن اقتربت استحقاقات تسوية نيفاشا الحاسمة مع أفول الفترة الانتقالية، وهما الانتخابات العامة والاستفتاء على تقرير المصير، وكانت نتائج الإحصاء السكاني الممهدة للانتخابات هي القشة التي قصمت ظهر الشراكة، فصيغة الشراكة التي ضمنت استحواذ الطرفين على السطة والثروة وفق معادلة مرضية للطرفين إبان الفترة الانتقالية ظلت تشكل ضمانة لمحافظتهما على شعرة معاوية لأن كل طرف يرى فيها تحقيقاً لمصلحته في ذلك الإطار، أما وقد تعين أن يُبنى اقتسام السلطة والثروة على أسس جديدة تنهي الاحتكار المتراضى عليه بينهما، فقد كان متوقعاً أن يصطدما بصخرة التنافس، بدلاً عن صيغة التعاون والتفاهم.

صحيح أن الحركة الشعبية لم تكن أصلاً متحمسة لفكرة إجراء انتخابات في منتصف الفترة الانتقالية، وقاومت بشدة أثناء المفاوضات قبولها ولكنها فُرضت في نهاية الأمر بضغوط غربية اعتبرتها فرصة للترويج لفكرة أن الاتفاقية تهدف لإحداث تحول ديمقراطي حقيقي في السودان وليس تكريس السلطة في يد طرفين تستند مشروعيتهما على البندقية، وكذلك تحت إلحاح المؤتمر الوطني الذي كان واضحاً أن حرصه على إجراء انتخابات في وسط الفترة الانتقالية تأمين حصوله على جائزة اتفاقية السلام بتمديد بقائه في السلطة بتفويض شعبي وتحت مظلة قبول دولي. وموقف الحركة الشعبية من الانتخابات هذا فضلاً عن أنه كان معلوماً في كواليس المفاوضات، إلا أن زعيم الحركة الشعبية الحالي سلفا كير ميارديت كشف عنه صراحةً في حوار مع إحدى وسائل الإعلام الأمريكية قبل بضعة أشهر، واتهم المؤتمر الوطني بأنه أصرَّ على الانتخابات من باب التقرب للغربيين وإظهار استعداده للتحول الديقراطي، على الرغم من أن ذلك لا يشكل قناعاته الحقيقية.

ولكن السؤال هو طالما أن الحركة الشعبية ليست متحمسة للدخول في انتخابات عامة قبل الاستفتاء على تقرير المصير، فلماذا تُظهر هذه المقاومة العنيدة لنتائج الإحصاء السكاني؟ وفي الواقع إن موقف الحركة الشعبية تفرضه جملة من الحسابات المعقدة والمتشابكة، فمن جهة حسب نصوص الاتفاقية فقد كان من المفترض أن يعدل نصيب الجنوب في الحكومة الاتحادية وفق عدد سكان الجنوب حسب الإحصاء. ومعلوم أن ذلك النصيب قُدر افتراضاً في بروتكولات نيفاشا، وهذا يعني أن تخفض تلك النسبة من نحو الثلث إلى الخمس حسب نتائج الإحصاء المختلف عليها، وبالطبع هذا ما لم يتم، ولم يحدث اعتباطاً، ولكن المؤتمر الوطني تغاضى عن المسألة في إطار مساومة لتمرير موافقة الحركة الشعبية على نتائج الإحصاء، ولكن مع ذلك لم تقبل الحركة الشعبية بعرض المؤتمر الوطني الذي فقد ورقة ضغط مهمة على شريكه، واستمر رفضها لقبول نتائج الإحصاء، وهو ما يدعو لتقليب الأسباب الأخرى لموقف الحركة.

ومن الواضح أن الحركة الشعبية لجأت إلى تكتيك اللعب على الوقت لجعل قيام الانتخابات قبل الاستفتاء على تقرير المصير أمراً مستحيلاً عملياً، ويبدو أنها تحرز نجاحاً في ذلك، ففضلاً عن الجدل السياسي بشأنها، فإن تحفظاتها تسببت في أن تكون الترتيبات الفنية للانتخابات معرضة لانتكاسات تمثلت في إعلان تأجيلها أكثر من مرة حتى بات الفرق بين آخر موعد أُعلن لإجرائها في أبريل القادم وموعد إجراء الاستفتاء بضعة أشهر لا أكثر، على افتراض أن الاستفتاء يجب أن يتم في موعد أقصاه مطلع يناير من عام 2011م، وفي ظل المعطيات المتاحة حالياً فإن الموعد المعلن للانتخابات لا يمكن اعتباره موعداً نهائياً، ومن المرجح أن تجد مفوضية الانتخابات نفسها مضطرة لإعادة النظر بشأنه، سواء بسبب تبعات استمرار الحركة الشعبية في رفض نتائج الإحصاء، أو بسبب الوضع في إقليم دارفور الذي لا تزال جهود تسويته تواجه بتعثر، أو لأية تطورات أخرى غير منظورة، ولا تملك المفوضية وقتاً كافياً يستحمل أي تأجيل آخر فإرجاء الانتخابات لأي سبب عن أبريل المقبل سيجعلها مستحيلة قبل أكتوبر بسبب فصل الخريف، وهو ما يجعلها عملياً غير ممكنة بسبب استحقاق الاستفتاء على تقرير المصير الذي يكون وقتها قد أزف موعده.

وإدراك المؤتمر الوطني لعواقب نجاح الحركة الشعبية في تكتيكها الهادف إلى عرقلة إجراء الانتخابات، وتبديد فرصته في الحصول على تفويض يمدد به وجوده في السلطة، خاصة في ظل غياب منافس حقيقي له، جعله يعمد إلى تشديد ضغوطه على الحركة الشعبية وتوجيه ضربة لها تحت الحزام عبر استخدام كرت مشروع قانون الاستفتاء لمنع الحركة من تحقيق هدفها الرئيس عبر استحقاق تقرير المصير، في وقت تعمل فيه على منع المؤتمر الوطني من تحقيق هدفه عبر الاستحقاق الانتخابي، وكما تعمل الحركة على جعل الانتخابات مستحيلة عبر مواقف تخدم ذلك الغرض في خاتمة المطاف، يحاول المؤتمر الوطني عبر وضع شروط قاسية تجعل من الانفصال شبه مستحيل عن طريق الاستفتاء حتى في حالة إجرائه من قبيل اشتراط الحصول على نسبة خمسة وسبعين بالمائة من الأصوات، وعبر توسيع دائرة المشاركين في الاستفتاء، وعبر الاتفاق على ترتيبات ما بعد الاستفتاء في حالة الانفصال، وهي مسائل في غاية التعقيد ليس سهلاً الاتفاق بشأنها لكونها تتضمن مسائل دقيقة ومتشابكة للغاية ليس أقلها تركة السودان المثقلة بالديون الخارجية، فضلاً عن فك الاشتباك في مسائل تتعلق بمصير الصناعة النفطية المتداخلة، فلئن كان الجنوب يضم الحقول الرئيسية المنتجة للنفط داخل أراضيه أو ما يُسمى في عالم النفط بمنشآت الـ (up stream)، فإن الشمال يضم فوق أراضيه

جانباً مكملاً للصناعة النفطية لا غنى عنه، وهي منشآت الـ (down stream)، التي تتشكل من الأنابيب الناقلة للنفط الخام، وللمصافي، وموانئ التصدير، باختصار هي منشآت لا غنى عنها لتسويق النفط المنتج في الجنوب، وبدونها يصبح لا قيمة له فعلياً، وإذا أخذنا في الاعتبار عدم وجود بدائل فعالة للجنوب في مستقبل منظور لفك اشتباك الصناعة النفطية مع الشمال، سواء لأسباب فنية، أو توفر التمويل اللازم لإنشائها حتى في حالة تحقق الجدوى الفنية، فإن وقتاً طويلاً سيمر قبل أن تصبح جاهزة لتصلح بديلا، كل هذه الأسباب مجتمعة تجعل مسألة الانفصال أكثر تعقيداً من أن تتحق فقط بمجرد إصدار قانون.

وكل تلك التعقيدات تمثل شروطاً من شأنها أن تصعب مهمة الحركة الشعبية في تأمين انفصال سلس إذا رغبت فيه.

ولكن من المهم الإشارة هنا إلى أن هذه المسائل التي طرحها المؤتمر الوطني في إطار النقاش حول مسودة قانون الاستفتاء، لم تأتِ لأسباب موضوعية كما يبدو، لأنها قضايا حقيقية وفعلية ويحتاج الحوار بشأنها إلى توفر أعلى درجات التفاهم وروح المسؤولية الوطنية، وما من غضاضة إذا طُرحت في ذلك الإطار، ولكن للأسف جرى طرحها في أجواء من التشاكس والصراع وبعيداً عن روح التعاون المطلوبة لإنجاز هذه المهمة الخطيرة، مما يجعل المراقبين محقين في اعتبار أن خطوة المؤتمر الوطني تنم عن رغبة في استخدام هذا الكرت للضغط على شريكه لمقايضة موقفه بشأن الاستحقاق الانتخابي وتجاوز تحفظه على الإحصاء السكاني البالغ الأهمية في العملية الانتخابية.

وهكذا وجدت الحركة الشعبية أن لعبة المناورات على الحافة ردت إليها كرة ثلج متدحرجة ظلت تكبر حتى حاصرتها في عقر دارها، وبات أهم استحقاق في حساباتها، الاستفتاء على تقرير المصير، تحت رحمة مناورة المؤتمر الوطني بقانون الاستفتاء، وفي محاولة منها لقطع الطريق على شريكها ومنعه من الاستمرار في الضغط عليها بهذه الورقة، فجرت مفاجأتها باستعدادها كسر هذا الحصار والقفز مباشرة إلى ما تعول على الحصول عليه، بإعلان الانفصال عبر البرلمان والاستغناء عن الاستفتاء على تقرير المصير.

ومحاولة كل من شريكي عملية السلام «المترنحة» إبداء براعته وقدرته في استخدام أوراق الضغط بيده لفرض إرادته على الطرف الآخر أو لتليين مواقفه، أمر معهود في عالم السياسة والتنافس على السلطة، ولربما انتزع  كلاهما أو أحدهما التصفيق والهتاف من جمهور المشجعين السياسيين إعجاباً بتسجيل هذا الطرف أو ذاك في مرمى الخصم، ولكن هذا المشهد العبثي الذي قد يصلح في ميادين اللعب، لا يصح أبداً في حق بلد شاء حظه العاثر أن يُوضع مصيره ومستقبله بين أيدي أطراف لا تتحلى بالمسؤولية الكاملة في التعامل مع اللحظة التاريخية الراهنة التي تواجه السودان المطلوب منه أن يجيب في غضون أشهر قليلة أن يكون أو لا يكون، ولربما ما كان أحد ليحفل بهذه المناورات والتكتيكات الضيقة الأفق، لو أن البلاد تعيش ظروفاً طبيعية وأوضاعها آمنة ومستقرة، ولكن بلداً بات مصيره ومستقبله في كف عفريت بفعائل شيطنة طبقته السياسية، لا يتحمل ترف هذه المناورات على حافة الهاوية في صراع مكشوف على تهديد مصير الوطن وليس تقرير مصيره.

وليس بخافٍ على أحد أن هذه المناورات والضغوط المتبادلة بين الطرفين لا تعدو أن تكون مجرد مزايدات مكشوفة، فالحركة الشعبية ليست حريصة على الانتخابات بأية حال، وهو أمر كما أسلفنا، ليس وليد تحليل سياسي، ولكنه اعتراف صريح مسجل بالصوت والصورة لزعيمها. ومن الواضح أن دافع الحركة الشعبية لتفادي إجراء الانتخابات بأي ثمن هو إعفاء نفسها من الحرج السياسي وانكشاف زيف دعوتها لـ «السودان الجديد» فالحركة الشعبية على عهد زعيمها الراحل الدكتور جون قرنق كانت تراهن على أنها ستقود السودان الموحد إلى  تغيير جذري بعيد تشكيل قواعد اللعبة السياسية على أسس جديدة، وهي بذلك كان تطرح نفسها حركة قومية وليست انفصالية تهدف فقط لفصل الجنوب، ولكن الحركة الشعبية هزمت أطروحتها منذ مفاوضات نيفاشا حين تخلت عن حلفائها الشماليين ومضت وحدها لتحصل على كيكة السلطة والثروة وعلى حق فصل الجنوب، وكان البعض يظن أنها مع ذلك لا تزال وفية لشعارها «السودان الجديد الموحد»، وغاب الزعيم لتنكفئ الحركة على الجنوب، وتفشل في تسجيل حضور حقيقي على الساحة الوطنية، وتعثرت حتى في تقديم نموذج أفضل للحكم في الجنوب التي تسيطر عليه بالكامل، وصحت الحركة فجأة لتجد نفسها في مواجهة الاستحقاق الانتخابي، وأدركت أن نتائجه ستكرس حقيقة أنها ليست سوى حركة جهوية، ليس لأي سبب سوى أنها لم تفعل شيئاً طوال خمس سنوات لتؤكد قوميتها المزعومة. ومن المفارقات أن ممارسات الحركة الشعبية هي التي نجحت لجعل عدد لا يستهان به من الشماليين لأول مرة انفصاليين ويرغبون في رؤية الجنوب ينفصل اليوم قبل الغد، ولو لم تجد الحركة الشعبية عذراً آخر للتهرب من الاستحقاق الانتخابي غير اعتراضها على الإحصاء السكاني لتعذرت به.

وعلى الجانب الآخر لا يختلف المؤتمر الوطني شيئاً عن الحركة الشعبية في رهن مصير البلاد وتهديد مستقبلها بمناورات ومزايدات مشكوفة، فهو لا يرى أولوية له سوى تأمين استمراره في السلطة بأي ثمن، ولذلك يبدو مستعداً لفرض إجراء الانتخابات ولو خاضها وحده لينافس نفسه وليفوز بها، بغض النظر عن تداعيات وتبعات ذلك على البلاد، ومن المؤكد أن دافعه في ذلك ليس حباً في ديمقراطية تنزلت آياتها عليه فجأة، وهناك تكمن الخطورة حين تكون المعادلة بين الإصرار على الاستئثار بالسلطة بأي ثمن، وحين يكون على الكف الآخر مصير بلد بحاله، قد يتمكن من المؤتمر من فرض رؤيته هذه ولكن ما قيمة السلطة في بلد ممزق، مشرذم، واقع تحت وصاية دولية فعلية، يعاني أهله من البؤس والشقاء في وقت تتنعم فيه طبقته السياسية.

لقد كان من أكثر الأمور غرابة خطوة المؤتمر الوطني بأنه يريد جعل الانفصال صعباً عبر فرض شروط قاسية لذلك في قانون الاستفتاء، والسؤال حتى في حال جدية ذلك، فهل يفلح في فرض الوحدة بالقانون بعدما فشل في ذلك بالسياسة والسلطة، لقد كانت ديباجة تسوية اتفاقية السلام واضحة أن الوحدة هي الأولوية، وأن مسؤولية الطرفين جعلها جاذبة عند الاستفتاء لتقرير المصير، ولكن ما حدث هو أن المؤتمر الوطني ظل زاهداً في مسألة الوحدة، لدرجة أنه لم يفعل أي شيء جدي ذي بال في هذا السبيل على مدى خمس سنوات، هل هناك طريق بري واحد عبد ليربط الشمال بالجنوب؟ هل أصلحت حتى السكة الحديد التي كانت تقوم بذلك؟ لم يحدث ذلك من قلة مال، وقد رأينا الطرق تعبد وتمد في أمكان غير ذات أولوية أو جدوى سياسية ولا اقتصادية، ولكنها لم تكن سالكة أبداً باتجاه الجنوب على الأقل لتأمين التواصل الشعبي، دعك مما تجنيه من فوائد اقتصادية. وعن غير ذلك حدث ولا حرج.

وسيتحمل «الإسلاميون» مسؤولية تاريخية تتمثل في أن نظام الحكم الذي أقاموه بدعوى «إنقاذ البلاد وحماية استقلال قرارها السياسي» هو الذي جعل الطريق سالكاً لتفتيتها وتمزيقها، وتحت رحمة دور ووجود أجنبي غير مسبوق في تاريخها، والمطلوب من عقلاء «الإسلاميين» في السلطة مراجعة أولوياتهم، وإدراك أن الحفاظ على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها وإنقاذ مصير البلاد، ليس في كفة واحدة مع الحفاظ على السلطة بأي ثمن. 

 

عن (صحيفة إيلاف) السودانية

 

 

آراء