إن مسها حجر مسته سراءُ! … بقلم: الفاضل حسن عوض الله

 


 

 

سطر جديد

 

 

fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

          خمر السلطة شانها شأن الخمر العادية ينطبق عليها قول أبي نواس هذا. معظم حكام العالم الثالث إستطابوا نشوة هذه الخمر فراحوا يعبون منها طوال سنوات حكمهم المديد. قد يكون هذا السلوك موضع قدح وذم في نظم ملكية يجاهد أهلها لخلاص وطني، اما أن يكون هذا الإدمان ديدن نظم جمهورية يدعي حكامها أنهم يحكمون بتفويض من الشعب فهذا سفه وسُكر بإهمال!

          وعالمنا الثالث نُكب بمثل هذه الجمهوريات الملكية التي تحول رؤساءها إلى أباطرة بتيجان وصولجان، يسطون على الحكم عبر مغامرات ليلية تستطيل وتتمدد إلى سنوات طوال حالكة، لا يكلفون أنفسهم فيها حتى عناء الإبتكار أو التجديد فهم مثل التلاميذ الخائبين (يشفون) من أوراق من سبقهم على الدرب، ويمشون على خطاه بالكربون. سيناريوهات محفوظة وأكلشيهات مكرورة تبدأ بالإنتقال من (الشرعية الثورية) إلى الشرعية الدستورية عبر إستفتاءات ماسخة و(مضروبة)، وما أن ينصبوا أنفسهم رؤساء (شرعيين) حتى يتعهدوا لشعوبهم بأن يمكثوا في الحكم ولايتين لا ثالث لهما، مع الحرص على أن لا يقل أجل الولاية الواحدة عن ست سنوات. خمر السلطة في أول أيام الإنتشاء تعمي أبصارهم عن حقيقة أن السنوات السعيدة بما فيها من رغد  العيش هي سنوات قصار سرعان ما تتبدد وتنقضي. هكذا يصحون بغتةً على إنقضاء الإثنتي عشر سنة وفقاً للشرعية الدستورية بالإضافة إلى (فكة) من سنوات الشرعية الثورية فيبحثون عن المخارجة من تعهدهم الدستوري (بولايتين لا تزيد ولا تنقص). لكن ما نفع بطانة الحكم من ذوي الياقات البيضاء إن لم تنفعهم في مثل هذا اليوم الأسود فسرعان ما تخرج المسيرات الحاشدة والهادرة تطالب بتعديل الدستور وبقاء القائد الملهم. ويتبارى (مقاولو الأنفار) والمنظرون في عجن اللغة وطهوها وحرقها وهم يتحدثون عن (دقة المرحلة) و(الظرف الإستثنائي) و(تكالب القوى الإستعمارية) حتى يظفر صاحب الجلالة بعرشه الأبدي الدستوري في جمهوريته الديمقراطية.

          لماذا نشتت الأنظار في فضاء العالم الثالث المتسع، فعالمنا العربي يجسد هذا النمط السياسي حيث متوسط العمر الواقعي للمقعد الأول في النظم (الجمهورية) العربية هو ربع قرن بالتمام والكمال، قابلة للزيادة إلى ما يقارب النصف قرن! هذا النصف قرن في دولة مثل الولايات المتحدة (الشيطان الأعظم في نظر بعض هؤلاء الرؤساء) شهدت إنتخاب وذهاب وحتى موت رؤساء متعاقبين مثل ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وجيمي كارتر ورونالد ريجان وجورج بوش الأب وبيل كلنتون وجورج بوش الإبن إنتهاءً بباراك أوباما.. أي ثمانية رؤساء مقابل رئيس واحد أحد!

          خمر السلطة في العالم الثالث.. متى تكف أباريقها عن الإطراق؟!

 

آراء