الاكتفاء الذاتي …. بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
2 September, 2009

 

 

ظهر الي السطح مرة جديدة مصطلح "الاكتفاء الذاتي" خلال مناقشة الموازنة العامة للعام القادم 2010م. تم في ذلك السياق الحديث عن دور القطاع الخاص في تحقيق الاكتفاء الذاتي. علي ما يبدو المقصود هو الاكتفاء الذاتي من الغذاء او انواع منه علي الاقل خلال فترة زمنية محددة. لكن السؤال هو : هل من الممكن لاي دولة كانت ان تحقق اكتفاء ذاتيا في الصناعة او الزراعة او الخدمات او التنظيم؟ لا أري ان ذلك ممكن لاي دولة من الدول. اذا لم يتم اقتطاع الخبر من سياقه و في حالة ان المقصود هو الاكتفاء الذاتي من انتاج سلعة معينة او محصول زراعي بعينه فهذا امر مقبول و ممكن. اما اذا كان المقصود هو تحقيق الاكتفاء من مكونات زراعية او صناعية كاملة ، مثل تحقيق الامن الغذائي او انتاج الدواء كما تردد في بعض الصحف و بشكل كامل بنسبة 100% فان ذلك امر لا طائل من ورائه. هناك مفهوم الميزة النسبية التي يمكن دولة ما من إنتاج نوع او أنواع معينة من السلع بجودة عالية و بتكاليف منخفضة لتوفر الشروط اللازمة لذلك و ايجاد منافذ من الفائض للتصدير. في هذه الحالة من الاجدي للدول الاخري الاستيراد منها و التركيز علي انتاج منتجات اخري تتوفر لها شروط الميزة النسبية لتقوم بدورها بتصديرها . بهذا الشكل ينشط التبادل التجاري العالمي و يكون مفيدا لجميع الدول. كيف يمكننا مثلا ان ننتج جميع انواع الدواء و نحن نستورد السكر و الالبان و الزبادي و البطيخ؟

كان الاكتفاء الذاتي في اكبر اشكاله شعارا لبعض الدول الاشتراكية التي عانت من العزلة من النظام الرأسمالي العالمي. في تلك الحال كان لابد لها من البحث عن حل داخل اقتصادها و بالتالي سعت لتكامل القطاعات الاقتصادية و تغذيتها لبعضها البعض. لكن مع انفراج العلاقات الدولية اتسع التبادل التجاري حتي بين الدول الرأسمالية و الاشتراكية الي ان انهار النظام السوفيتي و جرفت تيارات العولمة و اقتصاديات السوق الاقتصاد العالم نحو مجري جديد بما في ذلك الاقتصاد الصيني الذي كيف نفسه مع الواقع الجديد.

لمن يريدون السير في طريق الاكتفاء الذاتي نقول لهم "سيروا و عين الله ترعاكم". لكن لذلك الامر مستحقاته منها : جعل القطاع الزراعي سوقا للقطاع الصناعي سواء بأدوات الإنتاج او بالمواد الخام. من الشروط ايضا تحقيق العمالة الكاملة ( Full Employment ) و توفير الأيدي العاملة باسعار مناسبة لجميع القطاعات الاقتصادية خاصة القطاع الصناعي. يأتي بعد ذلك التكامل القطاعي بين مختلف القطاعات الاقتصادية و التحكم الحكومي في العملية التنموية بشكل شبه كامل. في هذا الاتجاه يكون المحك الرئيس هو إتباع مؤشرات الأداء الاقتصادي و تحقيق معدلات النمو المستهدفة في جميع القطاعات الاقتصادية دون الاعتماد علي قطاع واحد ناهيك عن منتج واحد. من البديهي فهم جميع التوجهات الاقتصادية في عالم اليوم حسب قانون اقتصاديات السوق و هنا تتخطي المفاهيم الحديثة مفهوم الاكتفاء الذاتي لتقفز إلي التطور الاقتصادي و تحقيق شروط التنافسية للمنتجات السودانية حتي تجد لها موقعا مستداما في الأسواق العالمية.

 

 

Dr.Hassan.

 

hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء