خارطة الطريق لحل كوارث الأمطار والفيضانات والسيول … بقلم: محمود عثمان رزق
9 September, 2009
morizig@hotmail.com
إن مشكلة الفيضانات والأمطار والسيول فى السودان ليست بجديدة ولا غريبة ولن تتوقف ، ولعل مقالى السابق الذى تعرضت فيه لمرافعة الشاعر الجاغريو ضد البحر عندما فاض ودمر البيوت وهلك الحرث والنسل فى عام 1947 عندما كان يحكم المستعمر الإنجليزى البلاد، شاهد على قدم هذه المشكلة. وخلافا لمدن جنوب السودان فإنّ مشكلة معظم المدن فى شمال السودان وخاصة الخرطوم أنها قد أقيمت على ارض مستوية تجعل عملية التصريف الطبيعية صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة فى بعض الأماكن. وفى الخرطوم زاد الطين بلة ذلك التوسع العمرانى الكثيف و بناء كثيرا من المبانى فى أمكان مصارف المياه الطبيعية على ندرتها!! وعند إنعدام المصارف الطبيعية فلابد من مصاريف إصطناعية man made channels وهذه مسألة مكلفة جدا بالنسبة لمدينة فى حجم الخرطوم تتعرض لأمطار قليلة جدا فى الأصل. وبالطبع إنّ هذا لا يعفى هذه الحكومة ولا الحكومات السابقة أو اللاحقة من القيام بدورها فى حفر قنوات رئيسية لتصريف مياه الأمطار والسيول مهما كلف الأمر ولو تدريجيا. ولكن من العدل أيضا ألا نرمى الذنب كله على الحكومات، فالأمر عند وقوع الكوارث أكبر من الحكومات بكثير جدا. فنحن فى السودان لا بد لنا من أن نتعلم أن نقف مع الحكومات فى أيام الكوارث لتخفيف أثر تلك الكوارث على أنفسنا وأهلنا وليس بالضرورة تأييدا للحكومات! وطالما أننا نلتقى بالمسئولين الحكوميين فى بيوت الأفراح والعزاء ونطايبهم ونهش لهم ونكرمهم بالرغم من معارضتنا لهم ، فمن باب أولى أن نلتقى معهم أيام الكوارث ونضع أيدينا فوق أيديهم لتخفيف أضرار تلك الكوارث.
وبالإضافة إلى ذلك لابد لنا من أن نلفت النظر لكثير من المظاهر السالبة التى نراها أيام الكوارث، فلقد رأيت بأم عينى بعض الشباب يجلسون على حافة الطريق ويتفرجون على العربات التى تقع فى حفرة يعلمون مكانها، وعندما تقترب السيارة من الحفرة يصيحون من الفرح " أمك ، أمك، " وعندما تقع السيارة فى الحفرة بالفعل تسمع أصوات قهقهتهم عالية وكأنهم يشاهدون فلما لعادل إمام!! نعم ، يجلسون ليضحكوا ولا أحد منهم يكلف نفسه بوضع علامة للعربات تنبه السائقين على وجود حفرة فى هذا المكان، فضلا عن حمل "طورية" أو "أزمة" لفتح مجرى تنصرف من خلاله المياه. ومظهر ثانى ما زالت صورته فى مخيلتى ، هو تلك البركة العميقة الصغيرة التى تعترض الطريق أمام منزل أحد أثرياء السودان الذين يعملون فى مجال الطرق ويمتلك عددا كبيرا من آليات بناء الطرق والجسور!! فقد ظلت هذه الحفرة أمام بيته تصطاد العربات الواحدة تلو الأخرى ولم يحرك سعادته ساكنا إلا بعد أن إشتكت له زوجته وقالت له أنها قد أصابها الخجل من هذا المنظر الذى فضحها فى الحي، فتحرك سعادته وأتى بشاحنة تراب واحدة عالجت المشكلة جزئيا ولم يجتثها من جذورها وهو قادر أن يعبّد الشارع بأكمله.
وليس ذلك فحسب فإنّ كل المساجد محاطة بالمياه كما يحيط السوار بالمعصم ، وكل ما يفعله المصلون وضع حجارة لتكون "بروفة" لهم فى عبور الصراط المستقيم يوم القيامة!! ولو تبرع كل واحد من المصلين بجنيه واحد لمسجده لعبروا كلهم بسلام آمنين ولكن لا يفعلون ذلك لأنّهم ينتظرون أن يقوم رجل واحد من أهل الإحسان بذلك وهم يتفرجون!! والأدهى والأمر من ذلك كله تسمع الخطيب يتكلم عن مشاكل أفغانستان وإيران والعراق وهو عاجز عن تحريك المصلين فى مسجده وخاصة الشباب منهم لحل مشكلة بسيطة تحيط بهم!!
أما فى الأحياء فكل واحد يقول: نفسى! نفسى! ، ونادر جدا أن تجد إثنين من الجيران من المستطيعين يشتركان فى تكلفة " لورى " تراب لدفن بركة ماء أمامهم. ونادر جدا أن تجد شخصا يأتى بزيت مستعمل أو يشترى ربع رطل زيت ليصبه على الماء الراكد لمنع توالد البعوض في الماء الراكد إحتسابا للأجر من لله تعالى وحده !!
بإختصار، وللأسف لا أحد من الشعب يتحرك إلا إذا أصيب فى نفسه وماله!! و الحكومات – فى الماضى والحاضر والمستقبل - مهما تحاول فلن تستطيع لوحدها حل هذه المشكلة ما لم يساندها الشعب. وعليه فلا بد من الآتى:
1- أن تتكون فى كل حي لجنة دائمة من أهل الحي لمتابعة ومساعدة المحلية - أو الجهة المسئولة - فى فتح مصارف المياه.
2- إستنفار الشباب عبر مكبرات المساجد للمساعدة فى تصريف المياه أولا بأول، ومساعدة ضعفاء الحى على ذلك.
3- يجب أن تكون خطب الجمعة فى تلك الظروف بأمر من وزارة الإرشاد عن دور المسلم فى تخفيف الكوارث عن أخيه المسلم أو أخيه الإنسان عموما.
4- يجب أن تستنفر الأحزاب شبابها وأن يكوّن كل حزب لجنة دائمة تسمى "لجنة متابعة الكوارث الطبيعية". وهذه اللجنة لها السلطة داخل الحزب فى إستنفار أعضاء الحزب لتخيف أثر الكوارث بالتبرع بمالهم وجهدهم الجسدي. ونحن هنا يحق لنا أن نسأل:
- أين شباب المؤتمر الوطنى؟
- أين شباب حزب الأمة؟
- أين شباب الحركة الشعبية؟
- أين شباب الحزب الشيوعى؟
- أين شباب المؤتمر الشعبى؟
- أين شباب الحزب الإتحادى؟
- أين شباب حزب البعث؟
- أين شباب الإخوان المسلمين؟
- أين شباب أنصار السنة المحمدية؟
- أين شباب الأحزاب والجماعات الأخرى
إذا كان كل هؤلاء غياب فى هذه الفترة العصيبة فكيف يحق لنا أن نلوم الحكومات والأمر أكبر منهن من غير جدال أو مراء!!
5- يجب أن تسمح السلطات للمواطنين بأن يستفيدوا من أنقاض المبانى - بشرط أن تكون ترابية - لرفع مستوى المساحات الخالية فى أحياهم بدلا من رمى هذه الأنقاض خارج المدينة.
6- يجب أن يمنتنع المواطن السودانى من رمى أوساخ بيته فى الخيران لأنّ هذا هو سبب هذه الكوارث، وعلى المواطن أن يحرص ويتأكد من أن الخور الذى أمام منزله غير مقفول. وإن كان مقفول فعليه أن يفتحه هو بنفسه أو يبلغ لجنة الحى لتقوم بفتحه.
7- يجب أن يراعى فى تخطيط الأحياء السكنية وغير السكنية الجديدة فى كل شبر من أرض السودان المواصفات الصحيحة التى تخفف من أثر الكوارث الطبيعية. ويجب الإستعانة بالدول المتقدمة فى هذه المجالات حتى لا نجرب المجرب فنندم. ويجب محاسبة المهندسين غير المقتدرين أو المهملين.
8- كل المبانى التى تعترض مصارف المياه الطبيعية يجب أن تزال ويعوّض أصحابها والتى دمرها السيل لا يسمح بإعادة بنائها فى نفس المكان.
9- الإستفادة من الجيش وغيره من القوات النظامية فى مثل هذه الكوارث
10- الإستفادة من الأندية الرياضية وإجبارها على لعب دور فعال فى هذه الأوقات العصيبة.
11- الإستفادة من إتحادات الطلاب فى الجامعات والمعهاد العليا وإستنفارهم للمشاركة فى رفع المعاناة.
12- إعداد تكلفة علمية لحفر وبناء خيران بصورة حديثة ثم مخاطبة أهل الإحسان فى داخل وخارج البلاد بتبنى حفر وبناء تلك الخيران صدقة لهم أو لغيرهم.
13- تخصيص جزء من دخل البترول والزكاة لمعالجة هذه المسألة بالتحديد ويدفع الولاة دفعا لإنجازها بعد توفير المال اللازم لهم.
ولا شك عندى لو أننا فعلنا كل ذلك أو بعضه سنستطيع تغيير واقعنا البائس للأفضل لأنّ الله تعالى يقول : "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، وقد غيرت اليابان فى سبع سنين من واقعها بعد أن ضربتها أمريكا بقنبلة ذرية !! عندما نأخذ بالوسائل سوف يبارك الله فينا ولنا وسنستمتع بخريف جميل نشم فيه "ريحة الدعاش" ونرى فيه كل جميل من مختلف النباتات والزهور!!