أبعاد الصراع الفرنسى السودانى فى تشاد … بقلم: محمود عثمان رزق
15 September, 2009
Morizig@hotmail.com
فى كثير من مناطق العالم تتداخل الثقافات وتمتزج الأعراق وتمتد القبائل بين الدول المتجاورة ، ولهذا تتقاطع المصالح بصورة مزعجة مما يجعل هذه المناطق الحدودية مناطق شد وجذب بين الدول المتجاورة إلى أن تقوم الساعة! وفى كثير من الأحيان يستدعى الشد والجذب فى أماكن النزاعات هذه إستخدام القوة الخشنة ، كما يستدعى أيضا استخدام القوة الثقافية الناعمة والدبلوماسية الحصيفة فى معظم الأحيان ، وعادة ما تتوج هذه الجهود الخشنة والناعمة بإتفاقيات ثنائية بين البلدين تنفذ مرة وتهمل مرات كثيرة !!. وفى الحقيقة إنّ طبيعة الصراعات الحدودية ترجح دائما كفة القوة الناعمة لأنّها من نوع الصراعات لا تعالجها الضربات العسكرية السريعة، ومن المؤكد والمجرب أنّ الضربات العسكرية فى هذه الحالات مهما تكن خفيفة تزيد الصراعات الحدودية تشعبا وتعقيدا وتطيل من عمرها.
و تشاد التى نحن بصدد دراستها هى إحدى دول منطقة وسط إفريقيا تجاورها ست دول هى ، الكاميرون، ومالي السودان، وليبيا، وأفريقيا الوسطى، و نيجيريا. و تبلغ المساحة الكلية لتشاد حوالى 1.3 مليون كم مربع، كما يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة تقريبا. وتاريخيا كان فى تشاد مملكة إسلامية قضى عليها الاستعماري الفرنسي الذى فرض سلطته على البلاد حتى نالت منه استقلالها فى علم 1960م. وسكان تشاد غالبيتهم من القبائل العربية ويشكلون حوالى 65% من نسبة السكان ويتمركزون في شمال ووسط البلاد. أما بقية الـ35% فهم من القبائل ذات الأصل الزنجي (ولا أقول ذات الأصول الأفريقية لأنّ أفريقيا وطن للعرب وغيرهم من الأجناس، كما أنّ الجنس يقابل بالجنس ولا يقابل بالمكان أو اللون) التى تمتهن الزراعة وتتمركز فى جنوب البلاد. وهنا نجد وجه شبه كبير بين تركيبة السودان السكانية وتركيبة تشاد السكانية من حيث الأصل والتوزيع والنسبة. أما الإختلاف يأتى فى الدور السياسى والقيادى للبلاد، ففى السودان نجد شمال السودان السياسى ذو الأغلبية هو الذى يقود ويصنع أحداث التاريخ، أمّا فى تشاد فنجد العكس تماما إذ نجد الأقلية الزنجية هى التى تقود وتصنع أحداث التاريخ، وقد تمكنت من ذلك وفقا لخطة وضعها الإستعمار الفرنسى رمت لإقصاء وتهميش وتجهيل الغالبية العربية. وبالفعل عندما نالت تشاد استقلالها لم يجد الفرنسيون من يرثهم سوى تلك الأقلية الزنجية المتعلمة التى إنتهزت الفرصة فقبضت على كل أجهزة الدولة الحساسة بما فيها الإستخبارات و الجيش والبوليس والقضاء وغيرها من المفاصل ومشت فى نفس خط المستعمر فى سياسة تهميش الغالبية العربية واضطهادها وكان ذلك واضحا فى عهد الرئيس التشادي السابق المسيحي فرانسوا تمبل باي الذى أعلن عن حملة رامية لأفرقة تشاد فى عام 1973. وبالفعل مارس باسمها الاضطهاد مما دفع بعشرات الآلاف من عرب تشاد إلى الفرار خارج البلاد باتجاه حدود دول الجوار. وللأسف أننا نجد النزعة العنصرية في تشاد تتنامى يوما بعد يوم بدعم وتأييد من قبل القوى الغربية وخاصة فرنسا. وتلك النزعة العنصرية ما زالت قائمة حتى الآن، وتظهر بوضوح إذا تأملنا استهداف حكومة الرئيس إدريس ديبي والمليشيات المتحالفة معه للعرب في قراهم خاصة في قرية "جوز أمير" و"أراديب"، وقد جبهت هذه العنصرية بعنصرية مضادة للقبائل التى تساند نظام الرئيس دبى.
وبالطبع إنّ أى سياسات متطرفة كهذه حرية بأنّ تخلق وضعا متأزما ومعقد جدا فى أى بلد من بلدان العالم لأنّه لا يعقل أن تسكت أغلبية مظلومة على أقلية متسلطة تستأثر بالسلطة وتتمتع بالثروة لنصف قرن من الزمان!! وفى تشاد زاد الطين بلة تلك الإكتشافات البترولية والغازية وخام اليورانيوم في شمال البلاد حيث تقطن الأغلبية العربية المظلومة! فبعد هذه الإكتشافات أصبحت الأغلبية العربية أكثر إصرارا وعزما لإسترداد حقوقها كاملة من تلك الأقلية الزنجية المتحكمة لنصف قرن من الزمان!!. ولو لا الصراع بين ليبيا والسودان فى السبعينيات من القرن الماضى لحققت الغالبية العربية فى تشاد تقدما كبيرا على الساحة السياسية التشادية، ولكن ضاعت الفرصة من أيديهم بسبب تلك الخلافات ولذلك نجدهم الآن يحاولون ما فشلوا فيه فى الماضى فبدأوا يؤيدون ويدعمون الحركات المسلحة بالمال والسلاح فى صراعها مع النظام التشادى الحالى عسى أن تحقق لهم أحلامهم. ودخول الغالبية العربية لساحة الصراع والسلطة والثروة فى هذا الوقت بالذات يعنى تهديدا لفرنسا وإيذانا لإخراجها من الساحة التشادية نهائيا ودخول قوى إقليمية ودولية أخرى للساحة التشادية مما سيجعل تشاد حلبة صراع عنيف فى المستقبل القريب والبعيد. وللأسف لم تذق تشاد طعم الأمن والإستقرار منذ فجر إستقلالها فى عام 1960 وحتى هذه اللحظة.
والسودان فى هذا الصراع له بالطبع أكثر من ناقة وأكثر من جمل !! . ولأنّ له أكثر من ناقة وجمل فى تشاد نراه قد لعب دورا أساسيا - بالرغم من الوجود الفرنسى السياسى والعسكرى - فى تنصيب ثلاثة رؤساء تشاديين هم جيكوني عويدي عام 1978، وحسين هبري 1982، وأخيرا الرئيس الحالى إدريس دبى. وهذا التدخل السافر يؤكد الارتباط الوثيق بين البلدين والذى يصعب معه التفريق بين ما هو داخلى وما هو خارجى لكل من البلدين!! وعليه، فلا يمكن أن ينظر إلي تدخل السودان فى تشاد كتدخل فى شأن بلد آخر والعكس صحيح أيضا! والشاهد على ذلك ، أنّ التغيير فى تشاد تم فى عهود حكم عسكرية ومدنية تختلف فى المنهج والمقاصد إلا أنها لم تختلف قط فى نظرتها لتشاد!!. وذلك لأنّ الوضع المضطرب في تشاد يمس مسا مباشرا كل من الأمن القومي السودانى، والأمن القومى العربي، والأمن القومى الأفريقى ، على مستويات مختلفة. ولقد كتب الأستاذ على العتبانى محذرا من موقف تشاد قائلا: " أما الشقيقة (مصر)، قلب العروبة النابض، وحاضنة الثقافة الاسلامية، والقوة العظمى في المنطقة...... للأسف أنها إلى الآن لم تدرك انها تطوق من ناحية دارفور.. وكذلك فإن آبار النفط في ليبيا باتت تطوق من دارفور.. والآن تنّمط المعلومات وتفهرس وتصنف، وليبيا تعتقد أن أمنها في سلامة نظام تشاد، بينما نظام تشاد أصبح حصان (طروادة) المتقدم.. الذي سيتقدم في لحظة ما نحو ليبيا الثورة."
وتشاد بالنسبة للسودان كالعراق بالنسبة لأيران أو السودان بالنسبة لمصر أو لبنان بالنسبة لسوريا والعكس صحيح أيضا. فتشاد بالنسبة للسودان بعد إستراتيجى يرتكز على الثقافة والدين واللغة والعرق (زنجيا وعربيا). كما أنها بعد إقتصادى وتكاملى ينفع ولا يضر إذا وجد الإستقرار، وكذلك عمق عسكرى وخط دفاع آمن إذا تعرض السودان لخطر غزو خارجى. وفوق كل ذلك كله، إنّ الحدود التشادية السودانية تشكل امتداد بترولى متوقع إكتشافه قريبا جدا، كما يمكن للسودان أن يستفيد من الأراضى التشادية فى تصدير بتروله وغازه بشبكة انابيب تمتد عبر تشاد الي ليبيا إذا تم إكتشاف البترول والغاز الطبيعى فى دارفور.
والسودان الذى يعى أهمية تشاد بالنسبة له يدرك تماما أنّ مصالح الدول الكبرى وبعض دول المنطقة تعمل سرا وعلانية ضد مصلحة السودان التى تتمثل فى خلق نظام تشادى يبادلها ود بود ويتعاون معها إلى أقصى مدى للتعاون. ولكن إدراك هذه الحقيقة لم يقعد السودان ويدفع به لليأس وهو الذى يدرك أيضا أنّ لا مفرّ من تكرار المحاولات والتصميم على بلوغ الأهداف، وهو متيقن من أنّ صاحب النفس الطويل هو الذى سيكسب الجولة فى خاتمة المطاف.!!
ومن الشواهد على صحة قولنا أنّ تدهور الوضع فى تشاد فى أى وقت من الأوقات يؤثر سلبا بل يهدد الأمن القومى السودانى مباشرة وبصورة سريعة جدا، تلك الحرب الدائرة فى دارفور الآن. وكذلك تؤثر الصراعات الدولية فى تشاد على الأمن القومى السودانى مباشرة، وأول المهددين الدوليين المحترفيين فى المنطقة لأمن السودان هى فرنسا التي يمتد نفوذها عبر عدد من الدول الإفريقية التى تكون ما يعرف بالحزام الفرنسي الذى يبدأ من المغرب، ويمر بالجزائر وتونس لينحو جنوبا نحو موريتانيا، وتشاد، وإفريقيا الوسط. وكل هذه الدول تتكلم اللغة الفرنسية وتتبنى الثقافة الفرنسية أيضا. وهذا الحزام إذا ما أراد أن يتمدد شرقا يصطدم بالسودان الذى يتكلم العربية والإنجليزية ويتبنى الثقافة العربية الإسلامية. وبالتالى تجد فرنسا حاجزًا كبيرًا بينها و بين قواعدها العسكرية في جيبوتي على ساحل البحر الأحمر.
فوجود دولة كفرنسا لها علاقات تاريخية قوية بالمنطقة ولها مصالح كبيرة فى تشاد تتنافر مع مصالح السودان فى المنطقة يشكل خطرا على أمن السودان وإستقراره. وفرنسا تعى مصالح السودان وتطلعاته جيّدا فى المنطقة كما تعلم تأثير السودان على كثير من دول غرب أفريقيا حيث نفوذها. ولهذا تجدها تلعب دورا كبيرا فى منع تشاد من الإنضمام لجامعة الدول العربية حيث للسودان كلمة مؤثرة ودور فعال أيضا، فتشاد التي تعتمد اللغة العربية لغة رسمية وغالبية سكانها من العرب نجدها تقف وحيدة خارج منظمة الدول العربية!! وتهدف فرنسا من خلال إستراتيجية منع تشاد من الإنضمام لجامعة الدول العربية لإضعاف الهوية الثقافية العربية لتشاد وبالتالى إضعاف النفوذ السودانى فى تشاد!!.
وفى الإتجاه المعاكس يعى السودان مخاطر الطموح الفرنسى فى المنطقة ولهذا تجده يعمل سرا وعلانية من غير كلل ولا ملل لإفشال تلك المخططات من جهة وضم تشاد لمنظمة الدول العربية من جهة أخرى ليضمن تكاملا سياسيا وإقتصاديا تحت مظلة الجامعة العربية أو على الأقل يحد من شر تشاد وفقا لقاعدة "أخف الضررين".
وحديثا إستغلت فرنسا ورقة المحكمة الجنائية لتضغط على السودان لتحقيق بعض مآربها ولكنها فشلت فى ذلك ، وبعد حرب غزة ودعم السودان المعلن وغير المعلن لحماس ماديا ومعنويا وجدت فرنسا فى إسرائيل حليفا قويا يساعدها فى حربها ضد النظام السودانى. فلجأت للتخطيط مع إسرائيل لاستدراج السودان لحرب مع تشاد لكى تتمكن من استخدام نفوذها فى مجلس الامن واتفاقية الدفاع المشترك مع تشاد للأنقضاض على السودان عسكريا ودبلوماسيا كما فعلت امريكا مع العراق أو كما فعلت هى نفسها عندما أججت صراعا بين ليبيا وتشاد فى أواخر القرن الماضى أعطاها الحق فى وجود مستمر على الأراضى التشادية بحجة حماية تشاد من الخطر الليبى!!. وعندما فشلت فى هذا المخطط أيضا لجأت من غير كلل ولا ملل للتخطيط مع إسرائيل مرة أخرى لدعم النظام التشادى والمتمردين فى دارفور عسكريا وماليا لزعزعة الوضع فى السودان أوللدفاع عن أنفسهم للحفاظ على الوضع الراهن لكسب مزيدا من الزمن لرسم خطط جديدة تدير بها فرنسا الصراع مع السودان. و هذا الهوس أوقع فرنسا فريسة لإسرائيل تستخدمها كمعبر تمرر من خلاله مخططاتها في دارفور !!
وفرنسا لها عدة مخاوف أخرى غير مخاوفها من التمدد الصينى عبر السودان ، فهى أيضا تعى وتعلم بالمخطط الأمريكى الذى سيمر عبر السودان (سرا وعلنا) حيث تبنى أكبر سفارة أمريكية فى القارة فى منطقة سوبا جنوب الخرطوم!! والصراع الفرنسى الأمريكى على المنطقة هو صراع خفى تنطلق فيه فرنسا من تشاد بينما تنطلق فيه الولايات المتحدة من السودان، وكلاهما يتطلع إلى الاستفادة من ثروات المنطقة من بترول ويورانيوم متوقع إستخراجه فى كل من تشاد ودارفور . وعليه، فان التدخل السافر لكل من الولايات المتحدة وفرنسا في مشاكل المنطقة يخفى وراءه تنافسا محموما وحربا باردة بين الدولتين ستظهر حقائقها فى السنين المقبلة وستستميت فيها فرنسا دفاعا عن مصالحها التاريخية فى هذا الجزء من القارة.
وبالرغم من أن فرنسا لها صراع مع السودان وأنّها أوقفت كل قروضها ومنحها للسودان –عدا المعونات الإنساية- منذ أيام كان السيّد الصادق المهدي رئيسا للوزراء فى آخر حكومة ديمقراطية،وذلك تحت مبرر أنّ حكومة السيّد الصادق المنتخبة لم تفعل شيئا لوقف نزيف الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في جنوب السودان، قد عادت مرة أخرى وإستفادت من العزلة الدولية المضروبة على حكومة الإنقاذ بنفس الحجة ودخلت معها فى بعض المشاريع الإستثمارية مثل تعدين الذهب وتوليد الكهرباء وخلقت معها علاقات تجارية رجحت فيها كفة الميزان التجاري لصالح فرنسا بمبلغ 100 مليون دولار فى العام الماضى. وبكلمات أخر إنّ فرنسا لم تيأس من دخول السوق السودانية بالرغم من الوجود الصينى الكثيف والأمريكى المرتقب وذلك عملا بالحكمة القائلة : " أدنو منك صديقك ولكن إجعل عدوك أدنى إليك منه".
ومن مخاوف فرنسا أيضا تمدد التيار الإسلامى فى فرنسا ذاتها وفى مناطق نفوذها فى شمال وغرب أفريقيا. فبعد إنفجار العنف فى الجزائر عام 1991 إثر إلغاء نتائج الإنتخابات التى فاز فيها الإسلاميون بدأت فرنسا تنظر للسودان كأحد الدول الأساسية المحركة للتيارات الإسلامية فى العالم ، وبالتالى بدأت تنظر لهذا الأمر – أى تأثير السودان على التيارات الإسلامية - كمهدد مباشر لأمنها القومى فى عقر دارها حيث يتواجد أكثر من 3 مليون مسلم معظمهم من الجزائر ودول المغرب العربى. ولذلك إنتقل ملف العلاقات السودانية فى بداية التسعينات من وزارة الخارجية لوزارة الداخلية الفرنسية كجزء من منظومة الأمن الداخلى وأشرف على هذا الملف وزير الداخلية آنذاك السيّد/ شارل باسكوا شخصيا!! وعملت وزارة الداخلية الفرنسية بالتخطيط مع جهاز المخابرات الفرنسى على تعزيز وجودها على الأراضى السودانية بهدف مراقبة الجماعات الإسلامية التى تميل للعنف .
أهداف الوجود الفرنسى فى تشاد:
1- المحافظة على وجودها العسكرى فى أفريقيا. فقد كان لفرنسا 22 قاعدة عسكرية فى أفريقيا فقدتها كلها عدا خمسة قواعد فى كل من تشاد، الغابون، وجيبوتى و ساحل العاج والسنغال ، وتشكل القاعدة الفرنسية فى تشاد العمود الفقرى للوجود العسكري الفرنسي في وسط إفريقيا.
2- منع السودان من التأثير على شعوب الجوار المتباينة عرقيا والتي تتمتع فيها فرنسا بمصالح مباشرة وخاصة تشاد وأفريقيا الوسطى . وكما قال البرفيسور على المزروعى مدير معهد الدراسات الثقافية العالمية بنيويورك: "إن السودانين هم جزء من هذا التقارب (العربى - الأفريقى) وسيدركون ذلك قريبا، فالسودان يمثل نقطةالإنطلاق لهذا التدامج الأفريقى – العربى.". وفرنسا تخاف من هذا التقارب العربى– الأفريقى ولهذا الخوف ما يبرره بالطبع !! فحقائق التاريخي تشهد أنّ السودان منذ أيام مانديلا ولوممبا قد لعب فى أفريقيا دورا كبيرا فى تنشئة أجيال جديدة تناصب فرنسا والغرب و النخب الحاكمة المرتبطة بفرنسا والغرب عامة العداء. وهذه الأجيال الثورية هى التى خلقت العديد من التوترات والثورات في القارة السمراء المعادية للغرب، ونذكر من الدول التى كان للسودان تأثير عليها على سبيل المثال لا الحصر الكونغو الديمقراطية ، الكنغو برازافيل ، رواندا ، بوروندي ، تشاد ، أفريقيا الوسطى ، جنوب أفريقيا، أرتريا، الصومال، أثيوبيا...الخ.
3- إنجاح انتشار قوات الإيفور التي توليها فرنسا اهتمامًا خاصًا والتى تهدف من خلالها لحماية النظام التشادى.
4- استنزاف الحكومة السودانية عسكريًّا، واقتصاديًّا عبر صراعات وأزمات دائمة حتى لا ينهض السودان إقتصاديا وعسكريا فتتقوى به مصر والدول العربية فى صراعها ضد إسرائيل. وفرنسا تعى أنّ السودان عمقًا استراتيجيًّا لمصر، يُمكنه المساعدة فى حَلُّ الكثير من مشكلات مصر الاقتصادية والعسكرية.
5- - الإستفادة من ثروات تشاد المتمثلة في الذهب والبترول واليورانيوم بما يخدم الإقتصاد الفرنسى ويضمن له الإستمرارية وفرص الإستثمار فى هذه المجالات.
6- خلق عازل أوربى يمنع الصين من التوغل غربا فى أفريقيا. وفرنسا تعى جيدا أنّ الحركة الإسلامية السودانية هي أول من فتح الباب للشركات الصينية وأفسح لها فرص الإستثمار وخاصة في مجال النفط بهدف كسر الحصار الإقتصادى المفروض علي دولتهم من قبل الدول الغربية. وكاتب هذا المقال يتوقع أن يكون السودان فى العشر سنوات القادمة هو أكبر سوق للمنتجات الصينية والهندية والروسية فى المنطقة مما سيزيد مخاوف فرنسا وغيرها.
7- حماية النظام التشادى. ومن المعلوم أنّ القوات الفرنسية في تشاد تقدم مساعدةً لوجيستيةً للجيش التشادي، ولعبت القاعدة الفرنسية أدوارا رئيسية في تاريخ تشاد السياسى. فقد تصدت للهجمات الليبية فى عام 1986 على نظام الرئيس السابق حسين حبري. وتدخلت أيضا لحماية الرئيس إدريس ديبي عندما حاصرته حركة التمرد العام الماضي فى قصره وسيطرت على العاصمة التشادية لعدة أيام.
8- تقدم القوات الفرنسية مساعدات مالية وإستخباراتية وفنية وعسكرية لقوى التمرد فى القارة بما يخدم مصالحها وأجندتها، وقد إتضح ذلك جليا فى دعمها للحركات المسلحة فى دارفور وخاصة فى عملية "الذراع الطويل" التى قامت بها حركة العدل والمساواة فى أمدرمان.
9- تأجيج الصراعات بين تشاد ودول الجوار من أجل وجود فرنسى دائم يتخذ
من هذه الصراعات مبررا وسببا لحماية النظام التشادى.
10- الوجود الفرنسى فى تشاد يهدف لمنع قيام أى حكومة ذات طابع إسلامى عربى مناهض للمطامع الغربية والإسرائيلية فى المنطقة.
11- منع أي تقارب و تعاون بين شمال القارة ووسطها وجنوبها على حساب النفوذى الغربى. وإستراتيجية هذا المنع تقوم على عدة إستراتيجيات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- تسميم العلاقات العربية الإفريقية من خلال إظهار العربي بأنه مستعمر للقارة أتى وافدًا من خارجها مستغلاً خيراتها ومستعمرًا لأرضها مسترقًا لأبنائها. وقد رأينا هذه الأيام إنزعاج الغرب من التقارب الصينى – العربى من جهة، والتقارب الصينى – الأفريقى من جهة ثانية، والتقارب العربى والأفريقى مع دول أمريكا الجنوبية من جهة ثالثة. ومثل هذه التقاربات فى نظر الغرب ستكون حتما خصما على الإقتصاد الغربى والسياسة الغربية.
- تشجيع وحث الدول الإفريقية على تقليص الوجود العربي, من خلال الاضطهاد العرقي والتمييز العنصري بدعوى التآمر أو التخطيط للانفصال.
- تشجيع الثورات الانفصالية ذات النزعة العرقية الإفريقية داخل الدول ذات الأغلبية العربية لضمان أسباب التوتر السياسى الذى قد يقود للتقسيم وفصل العرب عن الأفارقة مما يضمن للغرب عموما وفرنسا على وجه الخصوص حق التدخل تحت مظلة حماية الأقليات الأفريقية أو الدولة الوليدة أوحقوق الإنسان.
12- منع الرياح الإسلامية من الانتشار في وسط وجنوب القارة وتحجيمها في الجزء الشمالي فقط ما أمكن، وذلك لإتاحة المجال أمام الإرساليات التنصيرية لأداء دورها في الجنوب الإفريقي عموما وجنوب تشاد وغرب السودان على وجه الخصوص. وهذا الدور ينسجم تماما مع قرارات المؤتمر الكنسى الذى عقد بسويسرا عام 1981م بمدينة بازال وأصدر فيه قرارَا بتنصير دارفور!!. ويتمشى مع الدور التاريخى الذى لعبته فرنسا فى إجهاض ثورة الإمام عمر الفوتى فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى منطقة غرب أفريقيا. وقد رفض الإمام الفوتى بشدة التعاون مع الفرنسيين وبدأ يتوسع على حساب الوجود الفرنسى والدين المسيحى فى المنطقة فحاربوه حتى سقط شهيدا دون رآيته.. ويتمشى مع دور فرنسا فى طمس وأبعاد التراث والكتب التي ألفتها القيادات الدينية في غرب ووسط أفريقيا عموما ومملكة وداي التشادية على وجه الخصوص، وذلك في إطار سياسة منهجية تهدف إلى عدم إبراز أي نموذج للقيادات والجماعات العربية والإسلامية التي لعبت أدوارا اجتماعية وسياسية.
أهداف السودان فى علاقته بتشاد:
يهدف السودان لخلق علاقة متينة بينه وبين تشاد تحقق الأهداف الآتية:
1- أمن الحدود الغربية وإستقرار ولايات دارفور الثلاث وهذا لا يتم إلا بإبعاد القوى الكبرى وقواعدها العسكرية من تلك المنطقة.
2- توفير خط دفاع آمن للجيش السودانى والمقاومة فى حالة تعرض البلاد لهجوم خارجى.
3- خلق تكامل إقتصادى ينفع البلدين.
4- توحيد المواقف السياسية بقدر الإمكان وخاصة فيما يتعلق بمصالح المنطقة والقارة.
5- التوافق على ثوابت تبنى عليها إستراتيجة واضحة للمنطقة وأنّ يكون هناك مشروع واضح ومدروس تجاه قضايا البلدين وقضايا المنطقة.
6- التعاون الإستخباراتى لحماية الدولتين وإستقرار أنظمتها السياسية.
7- وقف تأجيج نار القبلية والعنصرية والثورات الإنفصالية التى أنهكت كل من البلدين
8- إنضمام تشاد لجامعة الدول العربية بحكم أنّ غالبيتها الشعبية تؤيد بشدة مثل هذا الإنضمام.
9- أن تلعب الدولتين دورا فعلا ومنسقا ومتناسقا فى منظمة الإتحاد الأفريقى.
أهداف تشاد فى علاقتها مع السودان:
هذه بعض النقاط التى يمكن أن تكون أهدافا لتشاد فى علاقتها مع السودان:
1- أن يتوقف السودان من أن يكون مطبخا للفتن السياسية فى تشاد. ففى نظر تشاد
قد كان السودان وما يزال مطبخا للفتن السياسية منذ إستقلاله وذلك بغض النظر
عن أنواع الحكومات التى تعاقبت عليه. فكل الحكومات لعبت دورا سياسيا فى
تشاد.
2- وقف تصدير الثورة العربية لتشاد عبر الضرب على وتر العروبة التشادية.
3- أن يكون السودان حزاما أمنيا لتشاد لا تنطلق منه الثورات المسلحة ضد نظامها
السياسى.
4- أن يكون السودان سلة غذاء يؤمّنها من مخاطر الجوع.
5- أن يسمح لها بإستخدام ميناء بورتسودان لإستيراد وتصدير بضائعها بسلام.
6- تبادل الخبرات فى المجالات المختلفة
هذه هى أهم الخطوط العريضة التى وراء الصراع الفرنسى السودانى فى تشاد. وعلى السياسيين فى كل من البلدين إدراك الروابط الأزلية بين الشعبين ورسم السياسات الخارجية لبلدانهم إستنادا على تلك الروابط وإلا ستستمر المكايدات بين البلدين إلى ما لا نهاية ولن يذوقا طعما للأمن والإستقرار حتى يغير كل من السياسيين فى البلدين ما بأنفسهما، فالعنتريات والأسلحة لن تزيد الأمر إلا تعقيدا ولن تزيد الشعبين إلا فقرا ودمارا وتمكينا لفرنسا وغيرها فى المنطقة. فهل فى السودان وتشاد من رجل رشيد يعمل بالحكمة القائلة " "مَنْ يَقْصُرُ نظره على ما هو واضِحٌ جَلِيٌّ ينتصرْ بصعوبة، ومن يتخَطَّ بصرُهُ حدودَ المعتاد ينتصرْ بسهولة".؟!