ود الشلهمة وزاد ما قبل السفر .. (قصة إعدام شاعر) … بقلم: أسعد الطيب العباسي
9 October, 2009
asaadaltayib@gmail.com
وقعت فصول هذه القصة المأساوية والمؤثرة بأرض البطاحين في سهل البطانة الذي تتعدد فيه القبائل، ولعل أكبرها قبيلة الشكرية التي تتفرع إلى عدة فروع أهمها (السناب) و(النوراب) و(العيشاب) و(المهيداب) و(البعلاب) و(العكيكاب)"1". كما نجد بجانبها قبائل أخري هي (الخوالدة) و(اللحويين) و(الكواهلة) و(الأحامدة) و(الضباينة)، كما تتفرع من هذه القبائل قبائل أخرى وتخرج منها بطونٌ وأفخاذٌ أُخَر، وهنالك قبيلة (البطاحين) ذات الفروع المتعددة وأهمها (الصافاب) و(العركشاب) و(العلاماب) و(الصحباب) و(الديقلاب) و(الهديباب) و(الشرحاب) و(العوضاب) و(الفرجاب) و(العسافاب) و (العبادلة) و(البتقاب)، وتشارك هذه القبائل في نفس المنطقة قبائل أخرى وهي (الدليفاب) و(المهلاب) و(الحسانية) و(الأحامدة) و(النافعاب) والأخيرة فرع من فروع قبيلة (الجعليين) "2" المعروفة والتي تعتبر من أكبر القبائل السودانية. يلعب الرعي الدور الأساسي والهام في حياة القبائل التي تعيش في سهل البطانة الخصيب الذي يقع إلى جنوب منطقة (أدرامة) وشرق (أم حطب) و(الهواد) و(الجيلي) والقلعة (رانج)"3 ". يتصف أهل البطانة بصفات بدوية سلكت في قيم العُربان من شجاعة وكرم وشهامة، وتعتبر أرض البطانة أرضاً للشعر القومي وينابيع روضته ومهبط إلهامه.
ينتمي أبطال هذه القصة ـ التي وقعت أحداثها في حوالي منتصف القرن الماضي ـ إلى قبيلة البطاحين ذائعة الصيت، وتفصح تفاصيلها المأساوية وأحداثها التراجيدية المؤلمة والمحزنة عن أن القتيل (يوسف ودنعمان) الذي ينتمي إلى قبيلة (العسافاب) المتفرعة عن قبيلة البطاحين كان صديقاً حميماً لقاتله الشاعر البطحاني (عمر ود الشلهمة) الذي كان من أفذاذ الهمباتة، سلك سلوكهم، وتأدب بأخلاقهم، حمل قيمهم، وكان شاعراً فحلاً وفارساً مغواراً لا يشق له غبار، شجاعاً يحمي العرض والقبيلة، كريماً يعضد الضعيف نوالاً ويقري الضيف جوداً ، إذا ما سمعت مطاياه صوت مِزهَرٍ أيقن أنهن هوالك. في سمته الرائع كانت تجلس هيبة، وفي هيكله المهاب كان يبدو طولاً، قوي البنية، واضح الرجولة، تنبئ قسمات وجهه القاسية عن عزم وجد وفؤاد صميم.
وبحكم نهوضه"5" كان (عمر ودالشلهمة) يأتي بما غنمه من إبل إلى صديقه (يوسف ود نعمان) الذي كان يعمل تاجراً للإبل والمواشي ويمتلك متجراً في سوق (أبودليق) معقل البطاحين وتخصص في تصدير (الدبابيك)"4" إلى مصر فقد كان يجمع هذه الإبل عن طريق شرائها من الهمباتة ومن ثم تصديرها إلى الريف المصري حيث يقوم ببيعها هناك. ولما كان يوسف رجلاً أصمعي الفؤاد يتسم بالحكمة والذكاء ويتصف بالعطف والكرم أحبه مجتمع البطانة وابتسمت له الدنيا فصار النجاح يلازمه كل يوم في تجارته.
ذات مرة لاحظ (عمر) أن من بين الإبل التي قام يوسف بشرائها من الهمباتة إبلاً تحمل وسم قبيلة (اللحويين)، وهم أخواله، فساءه الأمر، ولكنه آثر التريث والتصرف بحكمة وما تقتضيه صداقته بـ (يوسف)، فذهب إليه هادئاً غير ثائر وإن كان قلبه يحمل من الأسى ما يحمل وعندما أدركه قال له:- يا صديقي جئتك اليوم ولدي رجاء فقد لاحظت أنك قمت بشراء إبل منهوبة من أخوالي اللحويين عليه أرجو أن لا يتكرر هذا الأمر مرة أخرى، فأنا الآن بين أمرين أحلاهما مُر فإن تركت لك هذه الإبل أكون قد أخطأت في حق أخوالي اللحويين وتساهلت في الدفاع عن أموالهم وصون حقوقهم وهم عترتي ودمي، وإذا تعرضت لك أكون قد أخطأت في حق صداقتنا ومودتنا، عليه أكرر لك يا صديقي ألا تدعني أرى مرة أخرى مثل هذا المشهد فهو يضعني في حرج بالغ. صمت يوسف ولم يرد على صديقه فكانت المرة الأولى أن يفترق الصديقان دون كلمة وداع.
رغم ماحدث ظل الصديقان ينعمان بصداقتهما ومودتهما ومرت بينهما الأيام والليالي إلى أن تكرر ذات المشهد فجاء عمر إلى يوسف وهو يستشيط غضباً وقال له:- لقد حذرتك من قبل أن لا تشتري إبلاً نهبت من أخوالي، وقد أتيت الآن لأعلمك بأني سوف أأخذ هذه الإبل وأردها إلى مالكيها، فرد عليه يوسف:- لم أقصد شراء هذه الإبل، ولكن شراؤها تم بواسطة السبابة من العملاء ولم يخبرني أحد أنها تعود إلى أخوالك عندما دفعت ثمنها، ولا أستطيع الآن تسليمك إياها فلا أحد سوف سيعوضني ثمنها، عند ذلك أراد عمر أن يلجأ للقوة لأخذ الإبل وحدثت ملاسنة بين الرجلين تطورت إلى مشاجرة كانت ثمرتها المرة أن قام يوسف بصفع عمر على وجهه صفعة قوية استل عمر على أثرها سيفه وقال ليوسف :- أين سيفك ؟ فالمبارزة هي الفيصل بيننا والإبل يستحقها من يبقى حياً!! واستعد الفارسان أصدقاء الأمس أعداء اليوم للقتال، وأتخذ كل منهما موقعه للمبارزة، بدأت المبارزة قوية كانت النظرات قوية وكل منهما يحمل رأسه على كفه ولا يأبه بالحياة أو الموت وأرجلهما تثير النقع وهي تضرب على الأرض ضرباً قوياً وصيحاتهما تتعالى بكلمات التحدي والفخر والموت يقترب إقتراباً حثيثاً منهما ويجول حول المكان ويدنو وصليل سيفيهما يصمي الآذان ويخترق المسامع فهرع نحوهما نفرٌ من أهل البصائر استطاعوا بصعوبة بالغة أن يحولوا بينهما في الوقت المناسب والأنفاس متهدجة والعيون حمراء كالشرر والجمر، كان الناس يعلمون أن قتل أياً منهما للآخر سينذر بفتنة قبلية تراق فيها دماء كثيرة، لذا بعد أن خمدت المبارزة سعوا بين الصديقين لإصلاح ذات البين، وجاءت مبادرة حسنة من يوسف تنم عن أصالة معدنه وتكشف عن نفس فاضلة حينما قال للوسطاء بأنه قد أخطأ في حق صديقه عندما صفعه على وجهه ودونكم وجهي الآن فإذا أراد عمر أن يرد علىَّ ويصفعني فله ما يريد، وإن قبل مني تعويضاً فإنني علي استعداد لأن أدفع له ما يطلب، وإن عفا عني فإنني جدير بعفوه وليجزه الله عني خير الجزاء. وقع هذا الحديث الذي نقله الوسطاء إلى عمر موقعاً حسناً في نفسه واستحال حنقه إلى ذلك الود القديم، وقال:- إن يوسف صفع أخاه فكيف يرد الأخ الصفعة لأخيه، وأعلن أنه قد عفا عنه لوجه الله، فاغرورقت أعين الحاضرين بالدموع تأثراً بنبل الموقف وفرحاً بانتهاء الأزمة. وهكذا تم الصلح بين الصديقين والذي نجم عن الحب والمودة التي جمعت بينهما، فاحتفل القوم بهذا الصلح وذبحت الذبائح ونحرت النحائر وضربت الدفوف ورقصت النساء وجاء الصديقان يعرضان بسيفيهما في مودة وإخاء وطرب في وسط الساحة فانطلقت الزغاريد من أواه النساء وعلى الخدود سال دمع هتون وتملك الجميع فرح وطرب لا حدود له ولا نهاية.
لم يرض يوسف ود نعمان أن ينتهي الفرح هكذا فأعد مفاجأة أطربت الجميع عندما رأووه وهو يدفع أمامه مجموعة من الإبل لينيخ بها أمام منزل صديقه عمر وهو يقول له: هذه إبل أخوالك اللحويين إذهب بها إليهم فعانق عمر يوسف عناقاً تأثر به كل من كان حاضراً ولكنهم ما كانوا ليدروا ماذا كان يخبئ القدر وكيف أنه رسم لوحة سوداء لنهاية هذين الفارسين. الذي حدث بعد ذلك كان أمراً مدهشاً وعجيباً فبنهاية الفرح وبهجة الصلح استعد يوسف لمرافقة دبوكته المتجهة إلى الريف المصري فجاءه عمر مودعاً وطلب منه أن يضم إلي دبوكته جملاً له ليقوم ببيعه في مصر ضمن جماله وأن يأتي له بثمنه، تقبل يوسف الأمر بسرور فهذه سانحة يستطيع من خلالها أن يعوض صديقه عما بدر منه تجاهه، وعندما أزف وقت الرحيل اختفى الصديقان عن أعين الجميع كما كانا يفعلان في الماضي في مثل هذا الموقف ليخفيا ضعفهما عند الوداع، ويداريا دموعهما عن الأعين ساعة الفراق، فقد نسجت الصداقة خيوطها بين الرجلين منذ أوائل الصبا من فتائل المودة برفق وإحكام، ثم انطلقت القافلة في طريقها إلى مصر ويوسف يملؤه التفاؤل وهو متيمناً بجمل صديقه كفأل خير، وكان ليوسف ما تمناه وبيعت الإبل بمصر بسعر مجز بعد رحلة شاقة و عندماعاد إلى الديار كان الرضا يتملك قلبه وعزم أن يعطي صديقه الذي كان أول من استقبله مبلغ ثلاثة جنيهات رغم أن جمله قد بيع بجنيهين، فأخطره بما عزم ثم قال له إن المبالغ التي لديه كلها عملات فاروقية من فئة الخمسة جنيهات فخذ هذه العملة ذات الخمس جنيهات وعليك أن تعيد لي جنيهان أو تأتي لي لاحقاً ريثما أتحصل على فئات أصغر ليتسنى لي إعطاءك مالك، ففضل عمر أن يأتي لاحقاً لاستلام ماله.
يوسف كان متزوجاً بامرأة حسناء حادة اللسان والطبع ، ولم تكن راضية عن الصداقة التي تجمع بين زوجها وعمر والذي كانت تكن له كراهية غير مسببة، وقد سبق لهذه المرأة الزواج مرتين قبل اقترانها بيوسف، وكان عرب البطاحين يتشائمون من مثل هذه المرأة ويسمونها (قرَينة) ، وذات يوم أتى عمر إلى منزل صديقه يوسف بغرض التحية وأخذ ثمن جمله ولكن يوسف لم يكن موجوداً حينذاك بمنزله إنما كان بمتجره بالسوق، ومن ثم بدأت المأساة في نسج خيوطها وبدأ القدر في إحكام قبضته، وذلك عندما استقبلت زوجة يوسف عمراً استقبالا فاتراً سرعان ما تبدل إلى نهج عدائي تخللته عبارات قاسية وكلاماً نابياً مسيئاً ليس له ما يبرره اندهش له الضيف وسرعان ما استحالت الدهشة إلى غضبة مضرية عندما قالت له عليك بالانصراف الآن من هذا المنزل فيوسف الذي تعرفه والذي لم تستطع أن ترد له الصفعة التي صفعها لك العام الماضي سيأتي في أي لحظة وإذا وجدك هنا (بعرِسَك) ولن يحدث خيراً، فعزم عمر على أمر خطير وقال لها والغضب يملأ كل ذرة من كيانه :- تأكدي أن يوسف لن يضاجعك بعد اليوم أبداً. وغادر قبل أن تغلق الزوجة باب منزلها في وجهه بعنف"7".
اتجه عمر تحمله أرجل الغضب إلى دكان الحداد أحمودة بالسوق وعندما وصله قال له وهو يطلب منه أن يصنع له مدية حادة متمثلاً بقول من قال:
الحداد أخوي داير لي منك خُوسه"8"
نصيحه حديدتا وعن غيري مي ملبوسه
تاخد حِـدَّتا إن ركَّـت الناموسـه
تتلقف كما تهتز عصاية موسى !!
ظل عمر منتظراً يكابد غضبته وثورته إلى أن صنع له الحداد ما طلبه وسار نحو دكان يوسف والدماء تندفع إلى رأسه في عنفوان شديد وعندما وصله أدرك يوسف يجلس القرفصاء على دكة دكانه وأمامه يجلس عدد من الحاضرين يتآنسون، فابتدره قائلاً:- لقد جئتك من الأمام لأقتلك يا يوسف ولم آتك من الخلف فنحن معشر المهاجرة"9" أبناء البطاحين لا نعرف الغدر فأستعد بما تستطيع الدفاع به عن نفسك.ظن يوسف أن صديقه عمر يمزح وهو ظن شاركه فيه الآخرون، لذلك ابتسم متهكماً فكرر له عمر التحذير ولكنه لم يأبه وعندها هجم عليه وبقر بطنه - وسط دهشة الجميع - إلى أن برزت أحشاءه وسقط على الأرض ولكنه استطاع بيديه العاريتين أن يضم أحشاءه قبل أن تصير إلى التراب وهو لايكاد يصدق ما حدث له ويرنو بعينيه إلى وجه عمر عله يرى فيه سبباً للذي حدث ، ولكن عمر أشاح بوجهه ثم جلس على الأرض وقذف بالمدية أمامه وأجهش بالبكاء، وعندما أفاق الجميع من الدهشة سارعوا نحو يوسف لإنقاذه فوجدوا آثاراً على يديه كآثار الحريق نجمت عن حرارة الأحشاء فأعادوها برفق إلى البطن وضمدوا الجرح الذي كان كبيراً بعمامة أحد الحاضرين ومن ثم انطلقوا به نحو المستشفى وذهبوا بعمر إلى مركز بوليس أبودليق، مضت ثلاثة أيام قبل أن يسلم يوسف الروح لبارئها علم خلالها بالسبب الذي من أجله إعتدى عليه صديقه عمر فطلق زوجته وهو على فراش المرض وكان يخبر عُواده بأنه عافٍ عن صديقه عمر حتى ولو مات، كما أوصى بأن تؤخذ من دكانه ثلاثة جنيهات وتعطى لعمر وهو يقول إنه مال مستحق لعمر في ذمته ولابد من الوفاء به قبل أن تأتي المنية.
بدأت محاكمة عمر برئاسة مفتش مركز الخرطوم بحري آنذاك المستر سمسون الذي كان يتمتع بسلطات إدارية وقضائية واسعة، كانت الوقائع واضحة وأقر بها المتهم وسجل بها اعترافا قضائياً وأصر على أقواله في كافة مراحل التحقيق والمحاكمة وبدأ رئيس المحكمة في البحث عن دفاع للمتهم حتى تأتي العقوبة مخففة وقال له:- يا عمر يمكن أن ترجع عن اعترافك إذا كان قد صدرت تحت تأثير، ولكن عمر أصر على اعترافه إصراراً شديداً، وعندما عاد رئيس المحكمة إلى تكرار حديثه للمتهم مزيناً له الرجوع عن اعترافه فثار عمر وقال لرئيس المحكمة:- لماذا تدافع عن روحي، إنها ملكي وليست لك يا مستر "سمسون"، أقول لك للمرة الأخيرة إنني مذنب وأصر على جميع ما ورد في أقوإلى من اعترافات ولتعلم أنني فارس وتقف خلفي قبيلة أفرادها أشداء وأقوياء وأن الفارس الذي قتلته تقف خلفه أيضاً قبيلة وأفرادها لا يقلون قوة وشجاعة عن أفراد قبيلتي وأن سلامة القبيلتين تكمن في إعدامي وإن لم تحكم بإعدامي فأنت وحدك دون غيرك من يتحمل مسئولية ما يحدث من إراقة للدماء في وسط هاتين القبيلتين. فلم يجد رئيس المحكمة بعد ذلك مناصاً من أن يصدر حكم الإعدام في مواجهة عمر ود الشلهمة، وبعد تأييد الحكم تم اقتياده إلى زنزانته بسجن كوبر جوار المشنقة.
حددت إدارة السجن يوم الشنق وقبل الميعاد المحدد بيوم واحد سمحت السلطات لأهل عمر بزيارته لوداعه فكان ذلك يوماً مشهوداً وتاريخياً إذ تدفق لوداع عمر رهط من أهله كان على رأسهم شقيقه الشاعر محمد ود الشلهمة الشهير بالفنجري وشقيقه الشاعر طه ود الشلهمة وشقيقته الشاعرة زينب بنت الشلهمة التي جاءت بصحبتها بعض بنات القبيلة يحملن في معيتهن كؤوس القهوة وكل ما يحتاجنه في صناعتها وكان هنالك الشاعر أحمد عبد الله ود بلال وغيرهم من البطاحين حتى إكتظ بهم المكان على سعته وعندما أطل عليهم عمراً مخفوراً بحارسيه وهو يرزح تحت وطأة قيوده الحديدية كان مبتسماً مرفوع الرأس يضرب الأرض برجليه المقيدتين ضرباً ومن ثم بدأت ملحمة الوداع الشعرية تلك الملحمة الرائعة التي أضحت من الملاحم الخالدة في تاريخ البطاحين الحديث وشكلت الزاد الأخير لعمر قبل سفره الذي مضى فيه في سبيل الأولين والآخرين وعندما رأت زينب شقيقها يقبل عليهم وعلى سمته تبدو مخائل الصمود والشجاعة والصبر أطلقت زغرودة طويلة جاوبتها زغرودات أُخر من رفيقاتها رد عليها عمر هزاً بكلتا يديه حتى سمع الجميع صوت الحديد الملتف عليهما ، وقبل أن تحتضن الزينة شقيقها قالت له : -
مَـا خَجَلْتَّ سِـتَاتْ القُـنَاعْ السَـابِـلْ"10"
خَـليتْ الوَراكْ وَدْ عَـينُو قَـوِّي يِقَابِلْ
مِمَـا قُـمْـتَ دُودَاً للقـوَاسي مِـدَابِلْ"11"
الموتْ أَصلو مَدروعْ في الوَرِيدْ ومْتابِل"12"
ثم مدحته بقولٍ فيه إلتماس المتمني:
َبدُورَكْ يَاعُمَر فَوقَ أَرْبَداً شَوبَاحْ"13"
تَنُصْرَالصَفْ تَقِلْبَ المِلبِسَاتْ قُمَّاحْ"14"
فَجَ اللَّبْيَضَ اَبْ زَبَداً جُلَلْ وَامْرَاحْ"15"
نِيلْ اللَّزْرَقْ الفَوقْ القِيُوفْ طَمّاَحْ"16"
ثم برز إلى تحيته شقيقه الفنجري وهو يصفه بالأسد الهصور والصابر المتيقن ويخبره أن نبأ إعدامه غداً نبأ أثار في الجميع ما أثاره من الأسى والألم عند البطاحين وغيرهم : -
أَب رِسوَه الغُلاد كُفُوفُو وشُدَادْ ضِرعَاتُو"17"
خَبَرَكْ هَجَّجْ الكَـونْ والمِريكِز جَـاطُو
فِـيك شِـيتاً قَـطِعْ شَكاً منافي غُلاطُو
صَبرَك إِلا مِن صَبَّارِينْ هِـلاَلَه الفَاتُو"18"
أصر عمر أن يشارك في توزيع أقداح القهوة على ضيوفه ومودعيه وعندما حمل بيديه المقيدتين قدحاً من القهوة ليمده لشقيقه الفنجري أمسك الفنجري بيدي عمر وقال له : -
مَوتَكْ دُرتُو فوقْ أَصدأَ ومَخَمَّسْ دَافِرْ "19"
يَابِسْ فَوقْ سِروجِنْ مَاهو حَاكمَك كَـافِرْ "20"
يا مُقنَع كواشْفَ أَمـاتْ وَضِيباً وَافِرْ21"
مـا دَام العُـمُر عَـارِيه خَلُو يسَافِرْ "22"
فرد عليه عمر قائلاً : لن أبخل به أبداً .. ! عندها إلتفت الجميع حيث كان أحدهم ينتحب وهو أمرٌ ما أراد له البطاحين أن يحدث أبداً فقد رغبوا أن يودعوا مسافرهم دون نحيب أو دموع ، ولكن عندما اكتشفوا أن المنتحب هو أحد الحُراس الذي تأثر بما يدور أمامه من وقائع محزنة عاد الإطمئنان إلى قلوبهم وقام الفنجري إلى زجره وقال : -
نِحنَا قُلوبنَا مـا نَزَلْ الخَفِيفْ في دَارِنْ
يَمشَّنْ دُغْـرِي بالدربْ المشوبُو كُبارِنْ
رَاسـياتْ الجِبَالْ كَيفِنْ رَحِـيلْ حَجَّارِنْ
البِلدا المِحَـنْ مَجـبورْ يِلولي صِغَارِنْ
واستطرد قائلاً وهو يفخر بقومه ويفضلهم على الإنجليز الذين أمروا بإعدام شقيقه ويتعهد بأنهم سيسيرون في درب مقاومة المحتل كما فعل جدودهم : -
أَصـدَقْ نِحنَا مِن الإِنقِلِيزْ في عُهودْنَا
ومـا بنَبَطِل الدَرْبْ المَشوبُو جِدُودْنَا
يا البُرَيبَه ما بنقبَل خَللْ في عُروضْنَا"23"
نفدَاهِنْ رُخَاصْ بي دَمَّـنَا ومَوجُودْنَا
وتستمر أنشودة الفخر لدى الفنجري فيقول ويصف بأس قومه وشدتهِم موجهاً نظمه إلى بنات القبيلة فيقول:-
كَانْ يا المَلكَه إِتْشَمَسْ نِحَاسنَا وقَـحَّه "24"
واتعمتَّنْ لُبوسْ خَيلاً وِحديدُنْ شَحَّـه "25"
وابْ عُوارْ فَسَخ مِنُو القَميصْ واتلَحَّه "26"
داكْ يُومـاً بَورِيكي البَطَلْ والصَـحَّه "27"
ويقول:
نحنا الزيـنـّا راقـد بالتِريـك ومَشَـوّن
ونحنا إيـدينا يـاأم خـَدّاد حقيقـة بسَوّن
نحنا الفِي مَحَاكرالضِّيق وجُوهنا بضَوّن
وديــدان عَـركَة اليـوم الصُقـورا بخَوّن"28"
ثم إلتفت إلى عمر حاكياً عن أرومته الكريمة وأصله المعروف ويقول له – وقد غشاه ما يشبه الندم والحسرة – لو كان السلاح بيدينا يا عمر لخلصناك من هؤلاء الأنجاس ولرأيت من أمرنا عجباً :-
نَسْـلَك مُــو بَخِـسْ أَصـيلْ مَعْــرُوفْ
وحَكَمَوكْ النِجُوس مـا لقِيتْ خَلاصنَا كُفوفْ "29"
كَـانْ الهَـاري في إِيدَينَا ووَقَفْنَا صُـفوفْ "30"
كان تَشوفْ البِرغي والطَابِقْ الحِملْ مردُوفْ "31"
ولكن ... : -
الشِي الفِـيكْ مَـاهَا ظِـنونْ تمام مَوكُـودَه
واجـبَه السُـتْرَه للبِتلَكْ دَوابِي جِدُودَه "32"
يـا فارسَ الطَواقِيهُنْ حَدِيد الخُـودَه
المـوتْ مُو بِدعه لكـنْ الرِجال مَفقُودَه
ثم بدأ الفنجري يرفد مربعاته بالحكمة والإيمان والتسليم بالأمر الواقع موضحاً لشقيقه أن موت الشرفاء والأعزة من أمثاله أفضل من عيش غيره من الحقيرين والأذلاء . يقول : -
كُـلْ شَي لَيهُو مَبْدَا ووَقْفَه عِنْ تَحديدُو "33"
ويبقَى وينفَذ الدَايـرو الكَـريم وبرِيـدُو
ما دَامْ البِخافْ يَـومْ في العُمُر ما بزِيدُو
أَخير يا أَب رِسْوَّه تَسليمْ الأَمُرْ ليْ سِيدُو
ويقول : -
المُـو بَانِيكْ مـا بِكْسِرلُو فِـيكَ قَصِيرْ "34"
والمكتوبَـه بِتصَادفَكْ مَحَـلْ مَا تْطِيرْ
قَبـراً إِتحَفَرلكْ مـا بِندَفِـنْ فِي الغَيرْ
مـوتَ العِـزه لا عِيشَةَ الذَليلْ وحَقِيرْ
وبعد أن إمتدت أغاني فخره ومدحه وحماسته ما شاء لها أن تمتد جلس الفنجري في مجلس الوداع لينهض شقيقه الشاعر طه ود الشلهمة – وزينب ورفيقاتها يلهبن المشاعر بزغاريدهن المتكررة – ويتقدم خطوات نحو شقيقه عمر الذي ظل صامتاً ينظر إلى طه وعندما إلتقت النظرات إختلطت المشاعر وتخثر الوجدان وتوارت الأحزان خلف تجلد الرجلين فلم تسقط من أعينهما دمعة ووضع طه يده على صدر عمر وقال له دون أن يخرجه عن صمته البليغ : -
قَلبَكْ مُـو لَحـمْ مِـنْ الدَبَـادِبْ طَـايِرْ "35"
صِنديدْ وَقْعَـةْ العَركَـه الخِـيولاَ دَمَايِرْ "36"
المَـوتْ يا جَليسْ أُم رُوبَـه كَاساً دَايِرْ "37"
سَمَاحتُو عَليكْ مِتِلْ نَورْةَ العَريسْ السَايِرْ
ثم يقول له وهو يرى الإبتسامة ترتسم على شفتيه : -
المـوتْ البِريعْ القَـلِبْ ويَهابُوا النَاسْ
فَرْحَانْ بَيهُو تَضْحَكْ ومُنْبَسِطْـلُوخَلاَصْ
مَسامِي جِدودُو نُدَّرْ وفي الصَدَفْ فُرَاسْ "38"
وما سمِعنَالنَا بُنياناً بِنْسَقِفْ غَيرْ سَاسْ
ثم أخذ طه يذكر شقيقه عمر بأن هذه الدنيا إلى زوال بما فيها من البشر وأشار إلى موقفه أثناء المحاكمة والذي من خلاله رفض عمر أن يرجع عن إعترافه وأصر أن يصدر الحكم عليه بالإعدام وبذلك حفظ مجداً وعِزاً قديماً سلك في أوائلهم . يقول : -
الحَي فِيها مُــو مَوْعُـود مِعَمِرْ دِيمَه
وأصلُو الدُنيا زَايله ورَاحلَه مَاهَا مُقِيمَه
ساسَكْ دَقُّو جَابِر وطُوبتو سَابتَّه قَدِيمَه"39"
إِتْ عَمَّرتْ مـا بَاصَرْتَّ بيْ تَهدِيمَـه"40"
واستمر طه ليزيد عمر من مدحه موضحاً صموده في الحبس وشجاعته في المحاكمة والموت والتي لم تترك للشامتين سبيلاً للقول أو التندر ويقول له نظل بك يا عمر منتصبي القامه ومرفوعي الهامة وليس هذا بغريب عليك لأنك ذا أصلٍ كريم ومن قوم أعزاء . يقول :
ماظهَرَت علامة الخوف على صبي عـينو
ودُوداً باقـي شَـبَك الخُـتــّه بينك وبينو"41"
هـِن حَــالاك حُـلُـوياً مابتكمِّـل زينـو"42"
إلا يحجبـك المولى إن بقيـت جـِب شينو
مـا بَضَّعْـتَ شَمتَاناً بِيَضْحَـكْ لايـمْ
وقلبَكْ مَنشِي مِن صَخرْ الجِبال الصَايمْ
العُمر أَصلُو في الدُنيا أُم قدودْ مُو دَايمْ
وقِـدامَك شَفِيع وَيـلْ الذُنُوبو جَرايمْ
تَيرَابَكْ عَـزِيزاً طِينُو مَاهُـو مِبَنْقـِرْ "43"
ود نَاساً رتُـوتْ مَـاهُنْ عبِيد بَازِنْقِرْ "44"
يا أَبْ رِسوَّه العَليْ ضُلَعْ المِرَادْفَه مِصَنقِرْ
مـا خَتَيتْ كِِلِمْةً سِيدا يِمشي مُـدْنقِرْ
ويستمر طه في مدح شقيقه وقبيلته وقومه من البطاحين طويلاً إلى أن يختم بمربع في مدح عمر قال فيه : -
أَبْ رِسوَّه الجَريدتُو مُلَوَجَه ومقْلُوبَه "45"
لَفَّـاخْ السَمينَه المِنْفَدِعْ عَـرقُوبَـه "46"
إِنْ طَـالَ العُمُرْ لابُد وِسَادتُو الطَوبَه
مَـا خَجَلْتَّ جِنْسِيةً عَليكْ مَنْسُوبَـه
وعندما أزِفت ساعة الفراق بإنتهاء الوقت المحدد للزيارة بدأت تلوح على وجه عمر علامات أسىً وحزن إندهش لها الحاضرون ولكنه قطع عليهم دهشتهم عندما قال لست حزيناً ولست آسياً إلا على ذلك الفارس الشهم والصديق الصدوق يوسف ود نعمان الذي قتلته وأشعر الآن بفقد ذلك الأسد إبن القبيلة العزيز ونسل الأكارم أشعر بفقد سيد العنانيف .. ثم أطرق وقال:-
يِبْكَنَكْ بَنَاتـاً مِـن الفَسِـلْ بِتَّـرَّنْ "47"
يَـا سِيدْ العَنَانِيفْ اَبْ قمَاقْماً خَـرَّنْ "48"
يا رَيْسَ الدَبَابِيكْ في السَمَايمَ الحَرَّنْ "49"
ثَابِتْ قَلبُو مَا خـلاَّ المَصَارِينْ جَرَّنْ "50"
******
بالأَشْـوَلْ فَـرقـاً بِقَـالي صَعِـيـبْ "51"
وَدْ عِـز القَبيلتَينْ العَـزِيزْ مَـا بْخِيبْ
نِحاسْ جدُو البيرزِم صَافي مَاهُو دَلَيبْ "52"
نارُو السَّاهَا تَلَّبْ فِيها غَـيرْ جِـقْلَيبْ "53"
ولأول مرة تغرورق أعين الحاضرين بالدموع وهم يسمعون عمر يرثي قتيله متحسراً على فراقه فأسرعوا لمعانقته ووداعه وما بين السماء وأبصارهم قام سوادٌ قاتمٌ حملوه أمامهم متلمسين طريقهم نحو بوابة الخروج وخطاهم تثقلها مشاعر قاتلة وأحاسيس مريرة وهم يغادرون السجن العتيق وعلى أثر مناداة خفيضة عاد طه والفنجري إلى عمر الذي قال لهما : بعد أن تحملا عند الفجر جثماني إنزعا عني سروالي الذي عليَّ واعطوه لبنات عمي ليعرفن إن كان عمر قد ثبت عند لقاء الموت أم لا .. ! ثم توجه نحو حارسيه ووضع نفسه بينهما دون أن يسمع رداً من شقيقيه .
عند الفجر واجه عمر المشنقة برهبتها وحبالها وعيدانها وهو مبتسماً وبعد إشارة من المسئول تأرجح جسد عمر في الحبل وهو مشدوداً إلى العيدان لتشرق شمس البطاحين حزينة كسيفةً وهم يحملون تحت أشعتها جثمان عزيزهم لمواراته ثرى مقابر الحاج يوسف ود دهاشا حيث إلتقت هناك حشود من القبائل بما فيها قبيلة النافعاب التي ينتمي إليها قتيل عمر فكان تشييعاً مهيباً تناقلت الأجيال أخباره جيلاً بعد جيل . ولا تزال بنات عم عمر وبناتهن وحفيداتهن يحتفظن وإلى يومنا هذا بذلك السروال الذي يشهد على بسالة عمر أحمد محمد علي الشلهمة ببياضه ونصوعه..**
الهوامش:
(1) وقفات مع شعراء البطانة ص 10. محمد عبد الرحيم كبوش وعبد القادر عوض الكريم الحسن: – الجزء الأول – دار جامعة أم درمان الإسلامية للطباعة والنشر 1989م.
(2) المرجع السابق ذات الصفحة . للمزيد راجع موسوعة القبائل والأنساب للبروفيسر/ عون الشريف قاسم.
(3) يقول الأستاذ ميرغني ديشاب في تصديره لمخطوطه {معجم شعراء البطانة} إن أرض البطانة هي المنطقة الممتدة في شرق السودان بين نهر أتبرا شرقاً والنيل الأزرق غرباً وهي عبارة عن سهل متسع يشمل اليوم ثلاثة أجزاء من ولايات ثلاث هي كسلا والقضارف والجزيرة.
(4) الدبابيك: مفردها دبوكة وتعني المائة من الإبل.
(5) النهاضة أو النهاضين أو النهاض هم الهمباتة والنهوض هو الفعل من الكلمة.
(6) وردت كلمة (قرينة) في قاموس اللهجة العامية في السودان لدكتورعون الشريف قاسم بمعنى الزوجة .
(7) أنكر البعض هذه الجزئية الهامة من الرواية منهم الأستاذة سمية الحسن طلحة التي قالت عبرموقع سودانيز أون لاين: إن زوجة يوسف ود نعمان الشيماء بنت الشيخ الهابر
بريئة مما نسب إليها. بل ذهبت أكثر من ذلك وهي تنقل حديث خالد الصديق ود نعمان إبن أخ القتيل وهو يورد سبباً مغايراً لما ورد في القصة وهو دافع الثأر إذ قال: السبب هو أن أحد الذين لهم غرض قد اصطاد في الماء العكر عندما أختلف الفنجري ويوسف ود نعمان
حول إبل اللحويين وأختفى الفنجري على اثر ذلك مدة ثلاث سنوات
فذهب ذلك الرجل وأخبر أولاد الشلهمة أن أولاد نعمان قتلوا أخاكم الفنجري
ولم يصدقوه باديء الأمر فذهب وحلف لهم أنه صادق فصدقوه وليتهم تبينوا أكثر
عندها أنبرى عمر للأخذ بالثأر وبعده كانت الكارثة.
(8) الخوسة : المِدية او السكين.
(9) المهاجرة: كلمة بطانية تعني الهمباتة.
(10) القُناع : القِناع . قنع المرأة ألبسها القناع . وهو ما تغطي به المرأة رأسها . سابل : المرخي أو المتدلي . (11) الدود : الأسد - مدابل : مصادم.
(12) متابل : من تبل أي أسقم وورث العداوة. هذا المربع الشعري نسبه د. عون الشريف للفنجري بينما نسبه الباحث علاء الدين أحمد علي كمبال لزينب.
(13) بدورك: أريدك. أربد: الأربد النعام ويراد به الجمل أو الجواد. شوباح: سريع واسع الخطو.
(14) الصف: الجيش. تقلب: تهزم وتصد. الملبسات: الخيول المعدة للحرب. قماح: قمح خسر.
(15) فج: شق. اللبيض: تريد به النيل الأبيض، وفي ذلك أشارة إلى كرامة من كرامات أحد الأولياء الصالحين في المنطقة والذي يقال أنه قد شق بعصاه النيل الأبيض. جلل: عالية. امراح:عالية كذلك.
(16) اللزرق: النيل الأزرق. القيوف: جمع قيف وهو ما يلي الشاطئ من علو. طماح: من طمح اذا شب واشرأب.
(17) أب رسوة : الأسد.
(18) هلاله: يقصد بهم الهلاليين المنتسبين لأبوزيد الهلالي الذين يتسمون بالشجاعة والقوة والصبر.
(19) أصدأ : الحصان القوي الذي يميل لونه إلى الحمرة . مخمس : الحصان ذو الحجول في أرجله الأربعة وغرة في جبينه . دافر : مهاجم بقوة وسرعة . والمعنى العام للشطرة أن الشاعر كان يتمنى أن يموت شقيقه في معركة وهو على صهوة جواده القوي .
(20) كافر: يعني بها القاضي الإنجليزي.
(21) الوضيب: الشعر.
(22) عاريه : العاريه هي الدين أو الإستعارة والشاعر يشبه العمر وكأنه إستعارة من الله يجب ردها .
(23) البريبة: صغير الظبي توصف بها الفتاة الحسناء.
(24) قحه : أحدث صوتا.ً
(25) شحه : من شح وهي من الألفاظ التي تعبر بصوتها عن معناها . وهنا تعني الصوت الذي يصدره الحديد.
(26) أب عوار : السيف.
(27) البطل والصحه: الباطل والصحيح.
(28) ديدان: أسود. بخون: يهبطن، الإشارة هنا للصقور التي تهبط من الجو لتتغذى على جثث قتلى المعركة.
(29) ما لقيت خلاصنا كفوف : أي لم تجد الخلاص على أيدينا وأكفنا .
(30) الهاري : السيف .
(31) البرغي : الجمل ، والرغي هو صوت البعير الضاج ، والطابق الحمل مردوف يعني به البعير أيضاً.
(32) دوابي: أسود.
(33) عن: عند.
(34) الموبانيك : أي الذي لم يخلقك ... القصير : عظم المفصل .
(35) الدبادب : من دبدب أي أحدث صوتاً بأرجله كمن يضرب على الأرض .
(36) دماير : جماعات .
(37)أ م روبه : الروبة : الشعر وتلقب الحسناء بأم روبة .
(38) الصدف: مقابلة العدو.
(39) دقو : أي حفره . جابر : متين . سابتة : ثابتة .
(40) ما باصرت : لم تلجأ .
(41) شبك الخته: كناية عن الحبس.
(42) هن: أصلها إن استبدلت الألف هاءً، والمعنى العام لهذه الشطرة والشطرة التي تليها أن ممدوح الشاعر يبدي أفضل وأجمل ما عنده لمن يخلص إليه ويصادقه وهو أشرس ما يكون لمن يعاديه.
(43) مبنقر : النبات الذي ينبت ضعيفاً وما يلبث أن ينكمش ثم يفنى وتعافه البهائم .
(44) رتوت : شجعان . البازنقر : العبيد خاصةً المجندين منهم .
(45) ملوجة : سريعة ومتحركة .
(46) المنفدع عرقوبه : كناية عن ضخامتها . المعنى العام للشطرة أن هذا الأسد القوي يستطيع أن يضرب ويطيح بهذه البقرة السمينة أو غيرها .
(47)الفسل : قصد به العيب . بترَّن : أي يتفادينه ويبعدن عنه . {هذا المربع الشعري ينسبه الكثيرون للشاعرة السارة بت بادى ود نعمان}.
(48) العنانيف : الإبل مفردها عنافي .
(49) الدبابيك : مفردها دبوكه وهي المائه من الإبل .
(50) في هذه الشطرة يشير عمر إلى تصرف قتيله عندما بقر بطنه إذ سارع قتيله إلى ضم أحشائه بيديه ليعيدها إلى داخل البطن .
(51) الأشول : الأسد .
(52) دليب : ضرب من الدلوكة والإيقاع .
(53) الجقليب : إضمحلال الصبر وعدم التجلد عند الخوف . وفي هذه الشطرة البليغة يكاد يلخص لنا عمر قصته مع قتيله يوسف ود نعمان بل وينجح في ذات الوقت بوصفه بالشجاعة .
** { كانت ردود الفعل متباينة وكثيفة وبعضها لا يخلو من خطورة عندما نشرت هذه القصة لأول مرة ويقيني أن العثور على الحقيقة كاملة في رواية شعبية كهذه أمرٌ يجابه صعوبات جمة, خاصة في ظل صراع أحفاد وأنصار كل من الفارسين عمر ويوسف وحرص كل فريق منهما على إبراز رجلهما بالكيفية التي تروق لهما وفي ظل الطبيعة الخاصة بالرواية الشعبية والأدب الشعبي الذي حاول أن ينقلها إلينا إذ يعتمدان في الإنتشار والتداول على الشفاهية مما يوقعهما في براثن التحوير والنِحَلْ, سواء في الأحداث أو في الأشعار. وقصة إعدام شاعر قصة مثيرة تغري من يتداولها من الرواة بإضافة المزيد من الأحداث أو إخفاء بعضها لأغراض درامية أو لأي أغراض أخرى وقد وضح لي ذلك تماماً في التباين الذي إكتشفته وأنا أتقصى جذور هذه القصة العميقة الدلالة وأحداثها المثيرة من المصادر التي أتيحت لي وهي مصادر شفاهية إذ أن القصة لم ترد كاملة أو مفصلة في أي مصدر من المصادر الشعبية المكتوبة فيما وقعت عليه من مصادر وقد تبين لي أن هنالك أحداثاً لم تفصح عنها الذاكرة الشعبية في القصة وربما تم إقصاءها لأسباب تتعلق بكيان ومشاعر قبيلة البطاحين ذات القيم النبيلة والثراء الأخلاقي العظيم. وقد لايعلم المتلقي ماعانيت في سبيل ذلك من رهق على أنني بنيت خطتي وأنا أكتب هذه القصة على محاور ثلاثة, أولهما يتعلق بإيراد أجزاء كبيرة ومهمة من الملحمة الشعرية التي صاغها شعراء يعتبرون من شعراء الصف الأول في شعرنا القومي, فأولاد الشلهمة وشقيقتهم إمتازوا بموهبة كبيرة ويصطادون قوافيهم من وجدانهم الثري بجزالةٍ وإقتدار واتضح لي بجانب ذلك انهم يتمتعون بحس وطني عالٍ وهم يناهضون المستعمر الإنجليزي بأقوال مباشرة وقوية ولا يفوتني أن أذكر أن هنالك الكثير من الأشعار قيلت في رثاء يوسف ود نعمان إلا أننا لم نتعرض لها سوى في نذر يسير وذلك بحكم الخط الدرامي الذي سلكناه في القصة. المحور الثاني هو إبراز القيم التي حملتها هذه القصة كقيم الشجاعة والإيثار والصبر والوفاء والتعاضد والتعاطف والعبقرية الشعرية وغير ذلك من ما يمكن إستنباطه من القصة. أما المحور الأخير فكان التركيز على المشاعر الإنسانية في القصة وإبانتها بشكل واضح }...المؤلف.