هذا لمن هتفوا من أجل مصر

 


 

سارة عيسى
20 November, 2009

 

 

      صُعق حزب المؤتمر الوطني بردة فعل  وسائل الإعلام المصرية ، بعد الإستضافة في الفنادق الفاخرة ، والسكن والطعام المجاني ، حيث تمتع  الجمهور المصري بكل ما لذ وطاب في بلد تقترب أطرافه من المجاعة ، أنقلب السحر على الساحر ، بعد الهدف الذي أحرزه الجزائريون في شباك الفراعنة تناثرت كل تلك الصدقات ، فالسودان الآن في الإعلام المصري هو جزيرة من المتوحشين يكسوها الظلام الدامس ، هو بلد بلا حكومة أو جيش أو شرطة أو امن ، ونحن شعب رخيص يرشوه الجزائريون ببضعة جنيهات من أجل رفع العلم الجزائري  ، والحكومة السودانية سبب ردة فعلها المتأخرة ليس لأن وسائل الإعلام المصرية أساءت للسودان ، بل السبب لأن الإعلام المصري شكك في قدرة الأجهزة الأمنية السودانية  على أحتواء أحداث الشغب المزعومة ، فالأجهزة الأمنية هي الثروة القومية لحكومة الإنقاذ ، فهي تقبل كل إنتقاد من مصر ، وتقبل حتى بإحتلال مصر لحلايب لكنها لا تقبل أن يُقال عنها أن أجهزتها الأمنية ضعيفة ، وإذا نظرنا إلى مساحة السودان الشاسعة  مع وجود قوات دولية في دارفور والجنوب وكردفان ربما تكون النظرية المصرية مألوفة للسماع ، فالسودان ضعيف من الناحية الأمنية وهو غير قادر على توفير الأمن لمواطنيه في تلك المناطق مما دعى المجتمع الدولي للتدخل ، ولا أعتقد أن إبراهيم حجازي صاحب برنامج دائرة الضوء الذي اثار هذه الأزمة يجهل أن هناك قوات مصرية في دارفور من أجل حماية السودانيين من بعضهم البعض ، لذلك كان من حق إبراهيم حجازي مطالبة الجيش المصري بالتدخل من أجل إنقاذ المشجعين المصريين إن كانت الحكومة السودانية عاجزة عن ذلك ، وحكومة الإنقاذ أستماتت من أجل دخول القوات المصرية إلى دارفور ، وقد عزفت لها النشيد الوطني ساعة الإنتشار ، لذلك من حق كل إعلامي مصري أن يتهكم على السودان ويصفه ببلد الفوضى والمتوحشين البرابرة ، ويمكن للإعلام المصري أن يعتمد على مذكرة القبض التي صدرت بحق الرئيس البشير للتدليل أن السودان هو غابة بلا قوانين من اصغر شرطي  إلى أعلى مستوى رفيع في حكومته ، والحكومة المصرية دورها في قضية البشير مع أوكامبو أنحصر في تأجيل مذكرة القبض  لمدة عام وليس إلغاؤها ، فبقاء الرئيس البشير في السلطة وهو مطلوب دولياً يخدم المصالح المصرية بإمتياز ، وقد تابعت مداخلة جمال الوالي مع قناة النايل سبورت ، فجمال الوالي يدافع أيضاً عن قوة الأجهزة الأمنية ، لكن هذا ليس جوهر الأزمة ، فالرموز السينمائية المصرية التي شاركت في التشجيع قامت بتمثيل دراما على نهج تلفزيون الواقع في مطار الخرطوم  ، فصرخات كل من ثامر حسني ومحمد فؤاد وهالة صدقي هي التي أشعلت هذه الشرارة ،وهؤلاء كلمتهم أصدق من كلمتنا وذلك لمعرفتهم اللصيقة بما يريده المتلقي المصري ، لذلك لن يشفع لجمال الوالي تبريره وهو يواجه كومبارس من محترفي السينما الذين يجيدون الصراخ والعويل ، والمصريون لن يعطوا إعتباراً للضيافة أو الطعام السوداني ، فهذه يعتبرونها حقوق وليس واجبات ضيافة ، والدعاية المصرية حول شراء الجزائريين للاسلحة البيضاء جعلت أهالينا من شرق السودان يخسرون مداخليهم والتي من المفترض أن تزيد لأن الرياضة هو نوع من السياحة  ، بل أن المباحث الجنائية أعتقلت عدداً منهم من أجل سلامة المصريين ، فقد حظرت عليهم  حتى بيع  سكاكين الطبخ  ونحن مقبلين على عيد الأضحى المبارك ، فهل لو لعبت مصر في أرض اليمن ...فهل سينزع الجيش اليمني كل خناجر الجنابي من الشعب اليمني من أجل سلامة الجمهور المصري ؟؟ بالتاكيد لا ، لكن مصر تطلب من السودان ما لا يطيقه ، فالسودان في المفهوم المصري هو بلد ضعيف ، من يستيقظ أولاً للإصطفاف في طابور الخبز يستطيع أن يستلم الحكومة ،هكذا كان يتهكم علينا الرئيس المصري حسني مبارك ، والتاريخ يقول أن ثورة اللواء الأبيض بقيادة البطل علي عبد اللطيف فشلت لأن المصريين خذلوه في ساعة الصفر ، حارب السودانيون من أجل تحرير التراب المصري ، فكان رد الجميل هو إحتلال حلايب ، بعد النكسة أستضاف السودان ما تبقى من طائرات حربية مصرية ، فكان رد الجميل هو قتل المواطنين السودانيين في ميدان المهندسين في القاهرة ، حتى الأديب محمود عباس العقاد لجأ للسودان عندما شعر بتقدم الألمان نحو مصر ، فالتاريخ يقول أن المصريين قدموا في جيش محمد علي باشا الألباني من أجل إسترقاق السودانيين وبيعهم كسلعة في أسواق مصر ، وقد قدموا إلى السودان مع جيش كتشنر باشا ، والهدف كان هو تفكيك الدولة المهدية ، ودخلوا السودان في عهد حكم الإنقاذ والهدف هو إرجاعنا إلى عهد الخديوية ، عزة أهل السودان وكرامتهم في يد القائد سلفاكير وليس في يد أؤلئك الذين تشتريهم مصر عن طريق الشقق المفروشة وفنادق الدرجة الأولى ، وذلك حتى يقولوا أن ما يجمعنا مع مصر هو الدين والنيل والعروبة وغيرها من هذه الأوهام  ، لا ياسادة أن ما يجمعنا مع مصر هو علاقة " البواب " مع " البيه والست الكبيرة " ، ولازم الست الكبيرة تكون مبسوطة ، فإذا أنبسطت فنحن مبسوطين ، أتعرفون لماذا تساهم مصر في مشاريع التنمية في الجنوب وتتملق قادته بإستمرار  ؟؟ السبب لأن أهل الجنوب تحرروا من تلك  النظرة التقليدية ، فبعد أحداث مجزرة المهندسين هاجم بعض المواطنين القنصلية المصرية في جوبا لكن الإعلام المصري تجاهل تلك الحادثة ، بل في العراق تم ذبح السفير المصري من الوريد إلى الوريد ، وقد تم تصوير الجريمة بشكل مقزز وتم نشرها في المنتديات ، بل هذا السفير قبع في الاسر لمدة أربعة أشهر ، لكن وسائل ألإعلام المصرية لم تنفعل ولم تطلب من جيشها التدخل من أجل إنقاذ السفير الأسير ، لكن شطارتها هي مع شعب السودان ، كما قالوا : خايف من الحمار ويتشطر على البردعة .

 

سارة عيسي

sara issa (sara_issa_1@yahoo.com)

 

آراء