المدارس.. بيوت الأشباح!!
4 January, 2010
الفاضل حسن عوض الله
سطر جديد
تتناثر المدارس في أحياء العاصمة والمدن الكبرى، ومبانيها بالليل في عتمة حالكة ووحشة مخيفة وكأنها بيوت أشباح. هذه العتمة والوحشة المخيفة هي نقيض لحال تلك المباني في الصباح، حيث تمتزج نداوة الصباح وأنسامه الباردة بأصوات التلاميذ الغضة وهي ترتل القرآن وتنشد حلو النشيد المنغم، وصخب الأطفال البديع يفيض على جدران المدرسة ألقاً وحيوية.
كلما تأملت في هذا الأمر إزداد يقيني بأن المدارس في السودان تعمل بنصف طاقتها، فهي تربي وتعلم في الصباح ثم توصد أبوابها عند الظهر لتغدو بيوتاً مهجورة وموحشة حتى صباح اليوم التالي. أما آن للمدارس أن تقرع أجراسها في المساء لتصبح منتديات توعية ومنابر للثقافة والأدب والعلم. إن أندية الأحياء أعجز من أن تحمل مشاعل التنوير، فهي أصبحت أندية (عُزًّابْ) تدوّي جنباتها بصخب (الضُمنة) وألعاب الورق وأخبار التسجيلات الرياضية، وحتى (تلفزيونها) لا يصادق سوى القنوات الرياضية.
إن المدارس بمبانيها الموحشة ليلاً والتي تتوسط الأحياء يمكن أن تلعب دوراً مقدراً في إنتزاع أهل الحي من رجال ونساء وشباب وحتى الأطفال من بيوتهم ومن شاشات التلفزيون، لتقدم لهم وجبة ثقافية تمازج بين الإمتاع والتوعية. إن تحويل ليل المدارس إلى منابر فكرية وسياسية وثقافية وفنية لا يتطلب الكثير، فقط مجموعة عمل مشتركة بين أهل الحي وإدارة المدرسة ومجلس أبائها. المهم إدراك المعادلة الصحيحة التي تجعل من منبر المدرسة الليلي بؤرة جاذبة. فغلظة المادة الأكاديمية وجفاف الموضوع لن يجذب أحداً من الجيران، كما أن تهافت المادة وضحالتها قد تجذب البعض ولكنها لن تترك الوعي المطلوب في الأذهان.
الأمثلة في ذهني كثيرة... يمكنك أن تجلب طبيباً متخصصاً في الأورام ليحدث النساء عن سرطان الثدي (وعلاقته بالوراثة)، وأساليب إكتشاف المرض في مراحله المبكرة وشرح أساليب العلاج. أكاد أجزم بأن هذا الموضوع كفيل بإخراج كل نساء الحي. ندوة حول قوانين الإيجارات أو الميراث وتبصير المواطن حول حقوقه وواجباته. محاضرة حول التراث الغنائي لمناطق السودان المختلفة... أيضاً لا بأس من السياسة كعقد مناظرة بين ممثلي قوى سياسية متنافرة حول قضية سياسية محددة مثل تعقيدات الإنتخابات القادمة أو قضية دارفور وقضايا سياسية أخرى.
إن نجاح هذا التوجه يتوقف على طرح المواضيع الجاذبة وليس بالضرورة أن كل ما هو جاد غير مؤهل لأن يكون جاذباً... المهم غياب النظرة الإستعلائية في تقديم الموضوع وإتاحة كامل الحرية للمواطن في المشاركة.
دعوا المدارس تقرع أجراس الوعي والتنوير في أمسيات الأحياء الساكنة.