الانتخابات القادمة في السودان هل تؤدي إلى تحول ديمقراطي حقيقي!؟ .. تقديم: فتحي الضَّـو
20 January, 2010
ندوة
الانتخابات القادمة في السودان هل تؤدي
إلى تحول ديمقراطي حقيقي!؟
الجالية السودانية الأمريكية بمنطقة
واشنطن الكبرى
تقديم
فتحي الضَّـو
تمهيد:
إن الاجابة البديهية والمباشرة للسؤال عنوان الندوة هي نعم بلا شك. ذلك لأن الهدف من إجراء أي انتخابات هو أن تؤدي إلى تمثيل ديمقراطي، عبر إنتخاب مرشحين في مناصب معينة مثل السلطات التشريعية في الحكومات الديمقراطية، وكذلك في الولايات والهيئات والمنظمات والاتحادات والمجالس ...ألخ (على سبيل المثال تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية في صدارة الدول التي تجرى فيها أكثر إنتخابات في العالم وتفوق الخمسة آلاف سنوياً ودورياً. ولعل أكثر الانماط شيوعاً هي ما درج على تسميته بديمقراطية وستمنستر، وهي الديمقراطية التي يتم فيها التمثيل الانتخابي بمبدأ صوت واحد لكل مواطن One man one vote وفي ذلك يتساوى جميع المواطنين في الحقوق، أي صوت الغني والفقير والرئيس والعامل والرجل والمرأة كلها واحد، بيد ان ممارسة هذا الحق دائما ما يكون مرتبط بضوابط تتفق وتختلف من بلد إلى آخر، مثل السن المحددة فهناك من يحددها ب 18 عاماً أو 17 أو 16 وهناك من تمترس خلف سن ال 21 إلى جانب ضوابط أخرى بحسب ما تقدره أي بلد وفقاً لطبيعتها. وتجدر الاشارة إلى ان الممارسة الديمقراطية النيابية كما في الحال في بريطانيا منذ أن كانت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس تراكمت تجاربها إلى أن بلغت أكثر من ثلاثة عقود زمنية، وفي امريكا مثلا كانت بدايات ظهور الحزب الديمقراطي تحت مسمى الحزب الديمقراطي الجمهوري في عهد الرئيس أندرو جاكسون العام 1792 أما الحزب الجمهوري فقد تأسس منتصف عقد الخمسينات من القرن التاسع عشر، وهما الركيزيتان اللتان تستند عليهما الديمقراطية النيابية الأمريكية، منذ أول انتخابات اقيمت في العام 1856 وفي فرنسا التي تأسست ديمقراطيتها على قيم الثورة 1786 يتم ترشيح الرئيس بالاقتراع الحر المباشر لمدة خمس سنوات (كانت سبعة سنوات وتم تعديلها في عام 2002) ومن خلال هذه النماذج نتوصل لحقيقة أن الديمقراطية النيابية ليست ترفاً عند اللزوم، هي تراكم خبرات وممارسات راشدة الهدف منها دمقرطة Democratization المجتمع حتى ينهض ويتقدم ويزدهر بالقيم الديمقراطية.
بالعودة إلى سؤال البداية، فإن كانت الصيغة: هل تؤدي الانتخابات القادمة في السودان إلى تحول ديمقراطي حقيقي؟ تكون الاجابة لا . أما لماذا فهو محور هذه الندوة والتي نأمل أن نصل فيها إلى قواسم مشتركة في الطرح على هدى الديمقراطية نفسها التي تستند على مبدأ الرأي والرأي الآخر. من المفارقات أن عمر الديمقراطية النيابية السودانية في الحقب الثلاثة لم تصل في حصيلتها إلى عقد كامل من الزمن، في الوقت الذي بلغت فيه سنوات الأنظمة العسكرية والتي هي أنظمة شمولية وديكتاتورية نحو 42 عاماً أي 4 أضعاف الحقب الديمقراطية النيابية، ولسنا بصدد الاجابة على سؤال قد يتوارد للذهن حول الكيفية التي قصرت بها حقب الديمقراطية واستطالت بها حقب الشمولية الديكتاتورية، فذلك قد يقود إلى متاهات كثيرة، لكنها حتماً ستضيء بعض أسباب الأزمة التي تشكو منها الحياة السياسية السودانية بشكل عام، والتي أدت إلى عدم استقرار حقيقي.
في تقديري بشيء من الشجاعة ينبغي مواجهة واقعنا، واسمحوا لي بشيء من التعميم، أن أقول إننا شعب ظل يتوسل الديمقراطية غاية، ولكننا لم نتعلم أن الوصول إلى الديمقراطية لا يتأتي إلا بالحوار واحترام الآخر في معتقداته الدينية والفكرية والسياسية، وإنطلاقاً من هذا المفهوم أقول بكل صدق نحن شعب لم يعرف كيف يتحاور، فالحوار بين اثنين أشبه بمصارعة ثيران، حيث الغلبة للحناجر الراعدة وليس لقوة البيان والمنطق، الغلبة للفهلوي والمخادع لا الصادق المنطقي. الحوار يعني أن يكون كل طرف متحفزاً لطرح الآخر أرضاً والتمثيل به، بل انظر لما يمكن تسميته بالعنف اللفظي الذي يلازم الحوار...كقول البعض (فلان مسح بعلان الأرض، فلان مرمط فلان، فلان شرشح علان)، هذا ترهيب لا يجوز بل لا يستقيم واسس الحوار العقلاني الرشيد الذي يؤدي إلى نتائج منطقية مثمرة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، انظر لقول فليسوف الثورة الفرنسية فولتير قد اختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد للدفاع عن رأئك، وانظر لقول الأمام الشافعي والله ما ناظرت أحداً قط حتى تمنيت ان يجري الله الحق على لسانه. ذلك في ابجديات التشخيص، ونحن لسنا بصدد توجيه أصابع الاتهام فذلك أيضاً سيأتي تفصيله لاحقاً.
الحوار مسألة ضرورية في المجتمع السوداني لأننا نعيش في ظل دولة لم تتحدد معالمها الوطنية بعد، ونعيش تحت مظلة مجتمع تعددي في أفكاره السياسية والعقائدية، مجتمع متباين في ثقافاته ويتحدث بألسنة عدة في ما يناهز المائة وأربعين لغة ولهجة محلية، نعيش في كنف دولة يختلف سادتها على عدد سكانها بل يزورنه، دولة تبعثر الملايين من ابنائها في فجاج الأرض ولا أحد يعرف كم عددهم ناهيك عن حقوقهم الضائعة وواجباتهم المهضومة، بالرغم من أن مسألة التعداد السكاني هذه قضية أساسية للدول لأنها تعتمد عليها التنمية وتوزيع الثروة والسلطة. هذا يعتبر منتهي الاستهانة بمصير الشعوب السودانية، ونعيش في حرم دولة تقبض الأمية بخناقها، بل أيضاً من المفارقات عجزت الحكومات المختلفة عن تحديد نسبة هذه الأمية، وصارت كل منها ترجم بالغيب، وبعضها يسعده بل يساهم مساهمة كبيرة في تجهيل المجتمع فهل يرجي منه أن يحدد نسبة هذه الأمية أو يعمل على إزالتها، والشعوب المتحضرة الآن تتحدث عن الأمية التقنية أي التعامل مع التنكلوجيا مثل اليابان التي إحتفلت قبل سنين بإزالة أمية آخر ياباني، وحكومة المشروع الحضاري في السودان تتحدث عن تدشين الحكومة الإلكترونية وتتحدث عن بناء مفاعل نووي وعن صناعة طيارة من غير طيار، هذا ما يسمونه في قاموس الدول بالاستهبال السياسي. فرغم التباين والتناقضات التي كانت تحتم الحوار، إلا أنه لم يجر على ألسنتنا بالصورة التي تفرضها التوجهات الديمقراطية، كان حرياً بنا أن نقول أن الانسان السوداني هو أس هذه الأزمة، فالديمقراطية التي ننادي بها لم تتمثل حقيقة في واقعنا لا معايشة ولا سلوك ولا منهج، وعليه كان ينبغي علينا أن نبحث عن الأزمة في ذواتنا أولاً.
النقطة الثانية تتمثل في دخول العاطفة طرفاً في القضايا التي تفترض تحكيم العقل والمنطق وهذا بالضرورة قد يشير إلى عدم الثبات في المواقف. فقد تجد على سبيل المثال رجلاً كالسيد الصادق يقول بملء فمه عند الاطاحة بنظام نميري أن قوانين سبتمبر لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، وعندما تدول له السلطة يصبح كلامه هو لا يساوي ثمن الوقت الذي أهدره في قوله، وكذلك بقية السياسيين تجد مواقفهم كلها متناقضة بين وجودهم خارج السلطة ووجودهم داخلها سياسية.
النقطة الثالثة إن عدم الثبات على المواقف وتخليط قضايا العقل والمنطق بالعاطفة هو الذي يفسر ظاهرة المهرولين من حزب إلى آخر، والحقيقة هذه ظاهرة عجيبة لأنه إنعدم فيها الحياء السياسي، فتجد شخصاً كفتحي شيلا مثلاً الذي أصبح مسؤول الاعلام في الحزب الوطني، يتغزل بمحاسن الحزب وقادته الديمقراطيون، وهم أنفسهم الذين نعتهم بالأمس القريب بأسوأ نعوت الديكتاتورية والشمولية، ومثله فاروق أحمد آدم الذي تقلب بين الأحزاب، وآخر العنقود غازي سليمان، وقبلهم الفرسان الثلاثة الذين تقلدوا منصب المستشارين الاعلاميين، هم يبصقون الآن على الآناء الذي أكلوا منهم، هم في واقع الأمر لا يستخفون بالشعب السوداني إنما يستخفون بتاريخهم وبأمانة القلم، وفي الواقع هذه الظاهرة ليست وليدة ظروف اليوم فهي تكاد أن تكون كبروتوكلات آل صهيون في أجندة الأحزاب، ولابد من أنها تحتم إعادة النظر في القول الذي يزكي ويعلي محاسن الشخصية السودانية كأنها مبرأة من كل عيب ولا يأتيها الباطل مطلقاً!
النقطة الرابعة في تقديري نحن نقع في خطأ كبير حينما نخلط بين مفاهيم بعينها، على سبيل المثال هناك تعمية متعمدة فيما نسميه في السودان بالتسامح السياسي السوداني، وهو في واقع الأمر عبارة عن فرية أو غطاء لتمرير أخطاء تاريخية بعينها كان ينبغي أن تخضع للمحاسبة، لأن بعضها يتعلق بالمال العام وانتهاك الحريات العامة وجرائم جنائية نتيجة القتل والتعذيب والتشريد ، نحن نعلم أن شعوب العالم والأمم مرة بفترات عصيبة في تاريخها، ولم تتجاوزها إلا بعد أن احتكمت لمباديء عرفية أدت إلى التسامح الديني ومن ثم التسامح الاجتماعي، كان ذلك هو الحال في أوروبا بعد العصور المظلمة والولايات المتحدة الأمريكية بعد سياسيات الفصل العنصري واسبانيا بعد الحرب الأهلية وأخيرا جنوب أفريقيا التي خرجت من الأزمة بمنهج تاريخي تحاول كثير من الأمم والشعوب الاحتذاء به، وبالمقابل لم نسمع عن امة من الأمم نادت بالتسامح السياسي لأن السياسة عبارة عن ممارسات حقوق وواجبات في اطار دولة القانون. بل أنظروا لسياسة الهرم المقلوب، نحن لا نتبع منهج التسامح الديني بدليل اعدام الاستاذ محمود محمد طه، وبدليل سياسة المشروع الحضاري التي أدت إلى قهر الآخر، وانتجت حربا ضروساً في جنوب البلاد، وحولتها من حرب بأسباب ظلامات سياسية واجتماعية إلى حرب دينية. ومع ذلك تقاطعت مع التسامح الديني المزعوم، ولا نود أن نضرب مثلاً في الخلخلة الاجتماعية التي حدثت في غضون السنوات الماضية، وعصفت بالتسامح الاجتماعي، والأمثلة تعجز عنها هذه الندوة.
النقطة الخامسة، تتمثل في انعدام الديمقراطية داخل الكيانات التي تنادي بالديمقراطية، وهو واقع أليم نعيشه بمرارة وهو ماثل أمام أعيننا نراه ولا نستطيع أن نفعل حياله شيئاً، وانعدام الديمقراطية داخل الكيانات الحزبية ظاهرة تكاد تكون قاسماً مشتركاً. علماً بأن التحول الديمقراطي يستوجب على الأحزاب أن تكون ديمقراطية في تركيبتها وفي بنيتها التنظيمية، فحزب المؤتمر أو الحزب الحاكم لا تنطبق عليه هذه القيمة السياسية الجميلة، فهو في الأساس هو حزب الجبهة القومية الاسلامية، والمعروف تماماً بعدائه الايدولوجي ضد الديمقراطية، إذ يعتبرونها رجس من عمل الشيطان أو عمل الغرب سيان، ويحاولون التحايل عليها بما يسمونه بتأصيل مفهوم الديمقراطية بالشورى، مع أنهم يجدون صعوبة بالغة في تطبيق ما ينادون به في مجتمع متعدد ثقافيا ودينيا وأثنيا، ثم تحول هذا الحزب وفق التحولات السياسية إلى حزب المؤتمر الوطني، وبالرغم من تلاشي مرجعيته، فهو حاليا حزب لا هوية له لا تستطيع أن تقول إنه حزب اسلامي ولا علماني ولا أي شيء من هذا القبيل، هو حزب خليط هويته ومرجعيته المصلحة لا غير، ومن المفارقات أن سدنة هذا الحزب هم من ملأ الدنيا عويلا وبكاءا على شرع الله المهدور في الديمقراطية الثالثة ونظموا المظاهرات الليلية وقدموا المذكرات وحرضوا الجماهير وإنسحبوا مرات ومرات من الجمعية التأسيسة بدعوى أن الحكومة لم تتطبق شرع الله، الذي حدث ان شرع الله هذا اصبح في خبر كان عندما دانت لهم السلطة، لا يوجد مظهر من المظاهر التي كانوا ينادون بها سوى المادة 132 من القانون الجنائي التي جعلت غاية همها بنطلون لبني، من جهة أخري ليسوا هموا وحدهم فحتى الذين يتطلعون لوراثتهم من الأحزاب المعارضة لم تعرف الديمقراطية الطريق نحو أبوابهم، وليس أدل على أن قياداتها جميعا، ظلت على عرش الرئاسة بوضع اليد، كأنهم لويس السادس عشر يقولون أنا الحزب والحزب أنا، فالسيد محمد عثمان الميرغني جاء إلى الرئاسة بلا انتخابات، وظل متربعاً عرش الحزب لأكثر من أربعين عاما، تتغير الأوضاع وهو صامد كالجبل الأشم، وسيكون أبنه في طريقه وكذلك السيد الصادق المهدي الذي يتحايل على الرئاسة المستدامة بالقول أخصموا منها سنوات الاعتقال، ودكتور حسن الترابي اسبقهم وأطولهم باعا منذ العام 1964 والسيد محمد ابراهيم نقد منذ العام 1971 بل حتى احد القادمين الجدد وهو العميد عبد العزيز خالد عمل ما يمكن تسميته (بلعبة قردية سياسية) حيث تنازل من الرئاسة فكان ذلك خير وبركة وهو سنه حميده لو صدق فيها لأصبح له أجرها إلى يوم القيامة، ولكنها دخل بالشباك رئيسا للمجلس المركزي وهو بمثابة هيئة تشريعية، والحركة الشعبية اساسا حركة عسكرية في مرحلة انتقال عسير لم تمارس الديمقراطية من قبل حتى في الأحلام. إن واحداً من مآسي الديمقراطية عدم إيمان قادة العمل السياسي بمبدأ تداول السلطة، فالسلطة في عرفهم امر خالد لا يفارقها المرء إلا في القبر.
النقطة الأخيرة، من الأشياء اللافته للنظر إننا ننفر من العمل الجماعيTeam work ونركن للعمل الفردي أو الفرداني، وذلك بالطبع يعود لأسباب سلوكية وتربوية بعضها متوارث وبعضها مكتسب، وسواء هذا أو ذاك فنحن مصابون بداء الكسل الذهني لا نريد أن نخضع المسألة للعلاج، نحن نتحجج بمبررات واهية، على سبيل المثال نحن برغم الامكانات البشرية الهائلة ما زلنا نشكل قوى هامشية في دول المهجر، لم نستطيع أن نرتقى بثقافاتنا، وتأتي أمريكا وكندا واستراليا نموذج لدول التعدد الثقافي، فأين السودانيون من ذلك؟ في الوقت الذي أرتقت فيه شعوب وتعاملت مع هذا الواقع وفق نصوصه واصبحت تشكل رقماً في المجتمع كالجالية الأثيوبية في المجتمع الأمريكي مثلاً.
ما العمل؟
هذا سؤال أزلي، ونحن أمام واقع معقد، وقد تكثر الاجتهادات ويمكن للمرء أن يحصي مئات الحلول ولكني مثلما أشرت إلى أن الانسان السوداني يمثل أس الأزمة، كذلك اضع افتراضا واحداً واسميه أس الحلول. ففي تقديري لن يستقيم الحال إلا بتحويل نسبة الستين في المائة التي ظلت تخصص في الميزانية السنوية للأمن والدفاع طيلة العقدين الماضيين، إلى قطاعي الصحة والتعليم، حيث أن المؤسف أن كليهما حظيا بنسبة تقل عن 10% في المائة في الوقت الذي خصصت فيه ميزانية شاغلي المناصب السيادية بنحو 10.3% وبالطبع نحن في حل عن ذكر مردود الصحة والتعليم على المجتمع، ذلك ما أختصره القول المأثور (الجسم السليم في العقل السليم) بل حتى إذا تثنى تخصيص ميزانية ضخمة للصحة والتعليم، ينبغي علينا الانتظار لعقدين حتى يؤدي هذا الاصلاح أكله، فالديمقراطية تبدأ من مقاعد الدرس، لا انسى قبل سنوات خلت برنامجاً استمعت له في الاذاعة السودانية، أسمه من الأمس، وكان حواراً مع الفنان ابراهيم الكاشف سجل في العام 1959 سأله المذيع كيف نطور الأغنية السودانية؟ فقال له الاجابة بسيطة لا تحتاج لعبقرية وهو أن نتبع الطريقة التي اتبعتها امم قبلنا وهي تدريس النشء الموسيقي في المدارس الابتدائية، لأن ذلك بحسب قوله إن كان الطالب موهوباً فهذا من شأنه ان يصقل موهبته، وإن لم يكن موهوباً فإن الدراسة من شأنها أن تساهم في ترقية حسه وذوقه الفني. فتأمل يا هذا عبقرية هذا الرجل وكان أمياً. والاصلاح التعليمي لا يعني المناهج وحدها، فذلك قد يشمل أشياء سلوكية وتربوية كثيرة، هل رأيتم الزي الذي يرتديه الطلاب، وهوعبارة عن زي شبية بالزي العسكري، أنا شخصيا ما زلت مرعوباً من رؤية هذا المنظر، هل يمكن ان تتصور شاباً يافعاً تبذر في رأسه وعقله مفاهيم العنف التي يوحيها له هذا الزي، ناهيك عما يقال من شعارات كانت تدعو لتأجيج الحروب، وأخري توغر الأحقاد والضغائن في النفوس ما زالت تعج بها المقررات المدرسية، وكنت قد قرأت أن السيد على عثمان طه وجه بإعادة النظر في هذا المنهج ليتواكب مع اتفاقية السلام، هل كان الأمر يحتاج لفرمان.
واقع الأمر أن الأنظمة الشمولية والديكتاتورية لا تساعد في تعميم هذه القيم ، لأن هذه القيم تدعو إلى تنوير العقل وهي تريد إظلام العقول، وقد ثبتت لي حقيقة بسيطة هي أن الفساد تتزداد وتائره في ظل الأنظمة التى تحاول حماية نفسها بالآلة الأمنية الضخمة، فكلما زادت مخصصات الأمن والدفاع زاد الفساد
الانتخابات عبر المراحل التاريخية
لابد من القاء نظرة عابرة على عملية الانتخابات النيابية في السودان في الثلاثة مراحل التي تمت فيها منذ الاستقلال، فقد اجريت ثلاثة انتخابات نيابية الأخيرة كانت في ابريل من العام 1986 حيث أخذ حوالي 5978000 التوجه نحو صناديق الاقتراع للادلاء باصواتهم في 260 دائرة وأجلت في 37 دائرة في الجنوب بسبب الأحوال الأمنية وعدم الاستقرار (كان سكان السكان وفقا لتقديرات الاحصاء 20368000 ) كان المقترعين في انتخابات عام 1968 حوالي 1898000 وعدد السكان 11372000 وعدد المقترعين في انتخابات 1965 حوالي 1270000 ونفس عدد السكان تقريبا او بتغيير طفيف، جاءت النتائج في الانتخابات البرلمانية الثالثة فوز حزب الأمة ب 105 مقعدا، الحزب الاتحادي 63 مقعدا ، الجبهة الاسلامية 51 مقعدا (لعبت فيها انتخابات دوائر الخريجين زائدا الاتقسامات في الحزب الاتحادي دورا) الحزب القومي السوداني 8 مقاعد الحزب الشيوعي 3 مقاعد المستقلون 4 مقاعد والأحزاب الجنوبية 26 مقعداً
صحيح أن الانتخابات الماضية كلها كانت تشوبها ممارسات خاطئة وهذه تعود في الأصل إلى عاملين هامين الأول نسبة الأمية الكبيرة التي تطبق بخناق المجتمع وكانت بعد الاستقلال تبلغ أكثر من 95% في المائة ولكنها مع تقدم السنين وانتشار أدوات الوعي والمعرفة وإزدياد المدارس بدأت هذه النسبة في التناقص ، ومعلوم أنه في ظل الأمية لا يستطيع المواطن التعرف على حقيقة حقوقه وواجباته بالصورة التي حددتها الأديان السماوية والقوانين الوضعية والدساتير والأعراف، ولهذا كثيرا ما تتعرض للابتزاز من قبل النخب المتعلمة والتي تبوأت مناصب قياديه في الحكم. أما الأمر الثاني فيتمثل في التحكم الطائفي والقبلي الذي لعب دورا مؤثرا في توجهات الناخبين، لاسيما، وأن ظاهرة الولاء الطائفي قد تدفع بأسرة كاملة للتصويت دون قناعات. كان من الطبيعي أن يكون علاج أدواء الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية مثلما حدث في بلدان كثيرة في العالم ومنها دول لها باع طويل في مضمار الريادة الديمقراطية، لكن الذي حدث أن صبر السياسيين قد عيل في الديمقراطية الأولي فقدموا السلطة لقمة سائغة للعسكر، الذين دشنوا بدخولهم في السياسة ظاهرة تتقاطع تماما وطبيعة الجيوش في العالم، والمفارقة أن الجيش السوداني الذي قدر أن يكون سندا لحماية البلاد رغم انها تحيط بها 9 دول لم يخض حربا واحدة ضد أي بلد مجاور، وظل في حالة حروب داخلية وأهليه مع شعبه، ولسنا بصدد وضع اللوم على كاهله بقدر ما أن اللوم موضوع سلفا على كاهل النخب السياسية، فهى التي فتحت الباب على مصراعية، وهي التي جعلت الجيش يتورط في السياسة، وهي التي جعلت كل مغامر يحلم بإمتطاء السلطة بمجرد تخرجه من الكلية الحربية، وهذا ما حدث في الانقلاب الأول العام 1958 والثاني العام 1969 والثالث 1989 والمسؤولة عنهم بصورة مباشرة على التوالي أحزاب الأمة والشيوعي والجبهة الاسلامية، وبالطبع لكل سبب لكنها لا ترقى لمستوى أن تختطف فيه بلد بالكامل ويدفع غالبية شعبها ثمنا باهظا
وقد كان الانقلاب الأخير أكثرها فظاظة ودموية وممارسات ديكتاتورية شموليه تضررت منها البلاد ودفعت الثمن غاليا وما زال مكتوب عليها أن تدفع اكثر، ولسنا بصدد تفصيل ممارسات قميئة من قتل وتنكيل وسحل وتعذيب وتشريد وفصل تعسفي وفساد واستخدام سيء للدين في السياسة وتاجيج لحرب دفعت البلاد أثمانها ماديا ومعنويا، والمحصلة ان البلاد أصبحت الآن تقف على شفا حفرة من الانفصال الذي سيطال جنوب البلاد ويهدد مناطق أخري في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وشرق البلاد، ولربما بقى ما سمي بمثلث حمدي. ممارسات النظام دفعت الآخرين لتكوين كيان معارض وضعت لبناته في اكتوبر من العام 1989 في سجن كوبر وفي اطار سياسية التفريغ الذي اتبعتها السلطة تواصلت التجربة في الخارج ، صحيح إنها مرت بعثرات كثيرة حتى إنتظمت في أسمرا العام 1995 لكن أهم معلم فيها فيها إلتقاء الإرادتين الشمالية والجنوبية في هذا الكيان للمرة الأولي في العام 1990 حيث انضمت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل قرنق للتجمع الوطني بعد تعديل ميثاقه واضافة العمل المسلح، وهي ثقافة جديدة على الشماليين الذين كانوا يستنكفون حمل السلاح (تجربة 1976 ليست نموذجا على الاطلاق) ولسنا بصدد محاكمة تجربة التجمع الوطني الأخيرة فلها حسناتها ولها سيئاتها ومازال كتابها مفتوح للتقييم ولم ترفع الأقلام ولم تجف الصحف بعد.
السنان وليس اللسان:
ما يهمنا أن هذا الكيان ونتيجة لظروف اقليمية ودوليه خاض عملياً تجربة الكفاح المسلح في العام 1997 وهو العام الذي استولت فيه قوات المعارضة على طول الشريط الحدودي في الجبهة الشرقية على مناطق هامة بدءا من قرورة وعقيق وعتيربة مرورا بهمشكوريب في الوسط وانتهاءا بمينزا في شمال النيل الأزرق والكرمك وقيسان في جنوب النيل الأزرق، وقد استغلت المعارضة بصورة عملية ما نطق به رئيس النظام في حديث غير مسؤول قال فيه (نحن استلمنا السلطة بالقوة والعايزها يجيب بندقيته ويستلمها) والحقيقة الهامة آنذاك كان النظام يراوغ حول اتفاقية الايغاد منذ أن طرحت في العام 1994 وفجأة ونتيجة للضغط العسكري والسياسي والدبلوماسي قبل النظام فجأة بهذه الاتفاقية في العام 1997 وهو قبول مكلف لأنه اضافة إلى كونه كان نعيا حقيقيا للمشروع الحضاري وفقا لبنوده السبعة، كان ايضا سببا لاحقاً في الانشقاق أو الانقسام الكبير الذي تعرضت له الجبهة الحاكمة في العام 1999 والضغط العسكري نفسه هو الذي أدى إلى دخول أحد طرفي النظام في اتفاق مع الحركة الشعبية وفق أتفاقية التفاهم الموقعة بين الطرفين في جنيف. ومن ثم دخول الطرف الثاني في مزايدة بدأت بالاتفاق الاطاري في مشاكوس العام 2002 واستمر التداعي إلى أن ادى إلى توقيع أتفاقية السلام الشامل في العام 2005 وما نريد ان نلخص إليه هو ان كل هذه التنازلات جاءت نتيجة الضغط العسكري وليس نتيجة ايمان أهل النظام بالحل السياسي السلمي، ولا نتيجة لشعور وطني زائد، ولا احساس بالمسؤولية من أن وطناً أصبح قابل للتشرذم، مثلما لم يكن نتيجة ايمان بالديمقراطية نفسها.
بعد ان ضمن النظام جانب الحركة الشعبية بثمن باهظ راح إلى محاولة تفتيت القوى الآخرى، فتعددت المنابر حيث دخل في اتفاق مع التجمع الوطني الديمقراطي سمى باتفاق القاهرة في العام 2005 وابرم أيضا مع فصيل من حركة تحرير السودان اتفاقية أبوجا وابرم مع مؤتمر البجا والرشايدة اتفاقية الشرق 2006، وفق استراتيجة معينة تهدف إلى تحنيط هذه الاتفاقيات إن جاز التعبير، ويمكن لشخص مثل منى اركوي أن يصل لمساعد رئيس الجمهورية ولكنه لا يستطيع ان يحرك حجرا في ظل دولة شمولية قابضة، والحال نفسه أنطبق على الحركة الشعبية وعليه اصبحت الاتفاقيات جميعها حبر على ورق، وظل اهل النظام يناورون ويتلكأون في اجازة قوانين التحول الديمقراطي التي صنعتها هذه الاتفاقيات، واستمرت المراوغة لعدة سنوات إلى ان انفجر الوضع في الشهر الماضي بمظاهرات هدفت إلى توصيل صوت احتجاجي إلى المجلس الوطني ولكنها جوبهت بترسانة امنية لم يشهد السودان لها مثيلا، المهم أنه حدثت سرقة وتسويف لكثير من القوانين بعضها اجيز بليل وبعضها أجيز بالاغلبية الميكانيكية بعلاتها، وبعضها ما زال ينتظر وبعضها خضع لمساومات في الكواليس، وعليه لا يمكن لانتخابات ديمقراطية أن تقام في ظل قوانين قمعية، النظام لا يؤمن بالديمقراطية ولا يريد انتخابات حرة ونزيهة لعدة اسباب منها أن وزنه السياسي لا يؤهله للفوز بأغلبية تؤهله للحكم، فالجبهة الاسلامية وفق آخر انتخابات ديمقراطية كان عدد الأصوات التي نالتها تقدر بحوالي 700 ألف صوت من جملة ما يناهز الستة ملايين ناخب، وحاليا أدعى حزب المؤتمر ان عضويته وفق انتخابات صورية استخدمت فيها كل أمكانات الدولة ان عضويته بلغت حوالي 6 ملايين عضو، ويقولون الآن ان عدد الذين سجلوا للانتخابات القادمة تجاوز الخمسة عشر مليون مواطن، والسجل الانتخابي هذا هو بداية التزوير فقد رصدت القوى السياسية المختلفة حالات عديدة وكثيرة مثل تسجيل القوات النظامية في اماكن عملها وتسجيل الموظفين ايضا في اماكن عملهم بالتسجيل المتحرك الذي يسهل فيه التزوير وهكذا، بالاضافة إلى ان التزوير الحقيقي تجلي في اختيار مفوضية الانتخابات وهي التي يحق أن يطلق عليها المثل السوداني الدارج (باب النجار مخلع) وهي تمثل قمة التناقض إذا ان الوجوه التي اختيرت لها موغلة في الشمولية ولم يعرف عنها إنها كانت في تاريخها مدافعة عن الديمقراطية أو اي من خيارات الشعب الوطنية، بل على العكس كانت داعمة للشمولية والديكتاتورية فكيف ينتظر منها أن تشرف على انتخابات ديمقراطية. وثالثاً التزوير تجلي في عملية الانتخابات حيث أن المواطن سيدلي بصوته لنحو سبع جهات، بما فيها إنتخاب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب والمجلس التشريعي والولاة...ألخ، وهذا يحدث في بلد ما تزال فيه نسبة الأمية تشكل نسبة عالية جدا، ويصعب عليه التفريق بين علامات المرشحين ناهيك عن تعددها، رابعاً الانتخابات الحرة والنزيهة تعني خسارة الحزب الحاكم والخسارة تعني مواجهة رئيس الجمهورية لمصير ينتظره في المحكمة الجنائية، وكذلك قائمة ال 51 التي تقبع في اضابير المحكمة، ولهذا سيقاتل حزب السلطة من اجل ألا تحدث هذه التداعيات، وخامساً الانتخابات الحرة والنزيهة تعني خسارة الحزب الحاكم، والخسارة تعني فتح ملفات الفساد، والمحاسبة على جرائم تمت خلال العشرين عاما الماضية، وذلك دونه خرط القتاد.
إذا ما الذي سيحدث المؤتمر الوطني يريد إنتخابات تكسبه شرعية مفقودة ظل يبحث عنها طيلة العشرين عاما الماضية، ويؤرق سدنته إنهم جاءوا بإنقلاب عسكري وظلوا في السلطة بالطرق الملتوية، مرة باحزاب التوالي ومرة بإنتخابات وهمية لرئيس الجمهورية ، وقد جربوا كل الحيل ولم تجد نفعا وعليه يريد أن يجربوا أنتخابات سيعملوا ما وسعهم لتزويرها فهم متمرسون على ذلك رغم أنها ستراقب بواسطة بعض هيئات من المجتمع الدولي.
ولكن ما موقف القوى المعارضة؟ تبدو الصورة ليست وردية أيضاً، فهذه القوى يفتت من عضدها إن تبدو موحدة بقلوب شتى، فهى لها عللها الخاصة ولها مطامعها ومطامحها وأهدافها التي تتناقض مع بعضها البعض، كما ان تركيبتها تلازمها بعض الضبابية والخلل ، فهو تجمع نقائض وبينها ما صنع الحداد، ويبدو ان وجود المؤتمر الشعبي اصبح بالضبط كمسمار جحا كما يقال عنه في الامثولة الشعبية، فهو يحمل ماض مترع بالآثام غضت عنه القوى السياسية الطرف بإعتبار أن معارضته لنظام تعارضه جبت ما قبلها، والحقيقة هذا خطأ كبير فإذا قدر للطرفين ان يتحالفا مرحليا كان ينبغي ان يكون هناك وضوح من القوى السياسية للشعب السوداني، كأن يبرم الاثنان اتفاق يرهن التنفيذ بعد سقوط النظام، ويتحدث عن مسؤولية المؤتمر الشعبي فيما مضي إذا لم يكن بمقدور هذه القوي محاسبته الان بإعتبار إنها لا تملك سلطة، الشيء الثاني أن القوى المعارضة كان يجمعها تحالف في اطار التجمع الوطني الديمقراطي والطبيعي كان يتفترض على هذه القوى أن تقبل على دراسة هذه التجربة لاستخلاص عبرها وهذا ما لم يتم، واقبلت على بعضها وهي ايضا محملة بآثام تلك المرحلة، هذا وذاك قللا من فاعلية الكيان المعارض، وقلل من حماس الشعب حياله ومؤازرته بصورة مقنعة لأنه ما زال عند البعض لا يشكل بديلا مقنعاً.
المفارقة أن رؤى هذه القوى منقسمه أو متباينة حيال الانتخابات نفسها، وهذا عامل ثالث يخدم الطرف الآخر، فمن هذه القوى من لا يؤمن مطلقا بخوض تجربة الانتخابات حتى ولو جاءت مبرأة من كل عيب، ومن بين هذه القوى هناك من لا يزال يتدثر بشروط يضعها للمؤتمر الوطني ويرهن بها مشاركته، بالرغم من ان عامل الزمن اصبح في غير صالحه، ومن بين هذا القوى هناك من يرى ضرورة خوضها بقضها وقضيضها وهذه القوى لا تضع أي اعتبار لجاهزيتها، وهناك من يريد ان يتخذها وسيلة لزعزعة النظام كالمؤتمر الشعبي الذي لا يؤمن بالديمقراطية مثله مثل النظام تماما، وهناك من يتحدث عن تحالف الحد الأدني ويدعو صراحة لتجربة الرينبو الكينية مثل قوات التحالف وهناك من يتحدث عن فرز الكيمان مثلما ذكر الاستاذ نقد مؤخرا وهناك من عنده عصا نائمة وعصا قائمة كالحزب الاتحادي الذي تتحدث المجالس عن صفقة أبرمت بينه وبين المؤتمر الوطني، هذا التيابن سوف ينعكس لمصلحة المؤتمر الوطني الذي لا يريدها قوى متفقة ومتحالفة في اطار جبهوي عريض، فذلك ما يهدد مصالحه ووجوده، والحقيقة ان استراتيجة المؤتمر الوطني في كل هذه القضية فصل الحركة الشعبية عن هذه القوى السياسية حتى ولو كان ثمن ذلك باهظاً، وعندما اقول باهظاً عليك أن تتخيل أقصى التنازلات، المهم ألا يجتمع الضدان، واستراتيجية المؤتمر الوطني تقوم على تقديم رشوة سياسية للحزبين التقليديين إما بتحالف معها أو بتحييدها، واستراتيجية المؤتمر الوطني تقوم على امكانية التفريط في كل شيء بما في ذلك وحدة البلاد بشرط عدم التفريط في السلطة نفسها، الانتخابات بالصورة التي يرتئيها المؤتمر الوطني قائمة على مخاطرة كبيرة وهي من الممكن أن يصاحبها عنف لا تستطيع السلطة احتوائه وقد لا يتوقف بسقوطها، وليس بعيداً أن يستمر ليهدد البلاد بأكملها، ويدخلها في فاصل أسوأ من الصوملة والأفغنة والعرقنة، خاصة وان البلاد تعج بإحتقانات رهيبة ومرارات ومشحونة بتوترات عرقية وقبلية وسياسية!