كردفان,الانتخابات ورعاية المصالح …. بقلم: سيف الدين عبد العزيز ابراهيم
2 February, 2010
سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
Aburoba04@gmail.com
فى محاضراته وجولاته الترويجيه التى أعقبت نشر كتابه القيم (لغز أو غموض الرأسماليه) ساق الاقتصادى الشهير هرناندو ديسوتو (وهو اقتصادى من دولة بيرو تدرب بالولايات المتحدة وتعتبر سياساته التى روج لها فى التسعينات من أهم أسباب نهضة الاقتصاد فى بيرو فى تلك الحقبة) عشرات الأمثلة والمواقف لتقريب المعنى للقارئ فى مسعاه لفهم اسباب نجاح الرأسمالية فى معظم الدول الغربية وفشلها أو محدودية نجاحها فى معظم البلدان الأخرى وبالأخص دول الجنوب. دلل ذلك الاقتصادى المتميز على بحثه ( الذى شمل أكثر من عشرة دول فى مختلف القارات بالاضافة للاستدلاله بكمية من البحوث المنشورة لبقية الدول التى لم يجرى عليها بحثه بنفسه أو من خلال فريقه من الباحثين الذين أعانوه على ذلك المشروع) بكثير من الأمثله الحية والمواقف التى تدعو الى التأمل فى مقدرة الانسان البسيط على التأقلم وتسخير الموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة لديه والاستعانة بوسائل حديثة لسد النقص الناتج عن غياب أو ندرة موارد أخرى. من تلك الأمثلة التى استحضرها هى ذكره (هرناندو ديسوتو) لموقفين أود الاشارة اليهم لتشابههم مع ما أود تناوله. المثال الأول حدث فى الهند حيث زار هو وفريقه مجموعة قرى فى الهند مدقعة فى الفقر فى منطقة (كارلا) وهى منطقة متطورة نسبيا لوجود طبقة متوسطة محترمة ولكن يشكو أهل الريف من تدنى الخدمات واتهام القائمين على الأمور بتجاهلهم وفى اعتقادهم أن ذلك التجاهل يعود الى سيطرة المسيحين فى تلك المنطقة على زمام الأمور وتجاهلهم الهندوس (وبغض النظر عن صحة و حقيقة ذلك الاتهام أو عدمه) الا أن وجود الاحساس بالظلم يدعو الى التأمل ولكن مالفت نظر ديسوتو وفريقه أن تلك المجموعات التى ترى نفسها مهمشه تتعاون مع الطبقة الحاكمة فى كارلا ويوجد تنسيق مفيد بينها وبين تلك الطبقة الحاكمة رغم انتقادهم المرير لسياساتها. ذلك التعاون ساعد فى التطور النسبى لتلك المجموعات فى فترة وجيزة ولاحظ فريق الباحثين أن المرشحين فى تلك الولاية يحظون بالتأييد من قبل المهمشين وعند تقصى الأمر بدقة توصل فريق الباحثين أنه وقبل كل انتخابات يتم توقيع اتفاق تفاهم بين الناخبين والمترشحين والذى ينص على وثيقة أو مذكرة تفاهم تنص على مطالب محددة مرقمة فى الشأن العام والمصلحة العامة المختصة بتنمية المنطقة واذا وافق حاكم المنطقة أو المترشح بتنفيذها يتم وعده بضمان الغالبية من أصوات تلك المنطقة له ولكن وبمجرد انتهاء فترة ولايته يتم جرد الحساب واذا رأت الأغلبية أن أداء ذلك المنتخب لم يحقق معظم بنود الاتفاق ولم يفى بما وعد به يتم اقصائه وهكذا. هناك منهج آخر وقريب جدا من هذا المنهج أشار اليه فريق ديسوتو ووددت ذكره أيضا من بيرو حيث تتم كتابة الاتفاق وتعليقه على لوحات على امتداد المنطقة الجغرافية ليتسنى لكل مواطن الالمام بماوعد به المترشح وكذلك تتم المحاسبة عند انتها فترة توليه المنصب العام.
فى شمال وجنوب كردفان استأسد المؤتمر الوطنى بمنصب الوالى وكل الوظائف الدستورية وغير الدستوريه ولم يتبقى له سوى تعيين لاعبى الكرة والمبدعين وستات الشاى وطوال العشرين عاما الفائته لم نرى طحينا ولم نسمع جعحعه تسبقه أيضا ولايحزنون وظل اقليم بأهمية اقليم كردفان الاستراتيجية (بشقيه شماله وجنوبه) وتنوع ثقافاته مما يجعله سودان مصغر عاش فى تسامح معظم الوقت وبالذات شمال كردفان (جنوب كردفان ظل متسامحا مع نفسه الى أن أتى عليه من لايخاف الله وزرع بذور من الفتنه طالت أثارها الجميع) ولكن لم يحظى ذلك الجزء من الوطن بأى استراتيجية تنموية حيث ظلت صرف المرتبات للمعلمين نوع من الانجاز للولاه واستنباط المحليات الجديدة الذى يضاعف من اثقال الهيكل الوظيفى ويضيف اعباء مالية لاقبل للاقليم بها نوع من الابتكار الادارى. لقد ( من ) الله وابتلانا بحكام يشكون قلة الابداع فى مخيلاتهم ويشكرون الله على محدودية سقف عقلى لاتضاهيها أخرى. تلك فقط قليل من كثير تجعل الاتفاق على وثيقة تفاهم أو اتفاق مع المؤتمر الوطنى غير واردة وذلك لفشله فى ابداء الرغبة أو استحساس المسؤليه تجاه المنطقة أساسا ولذا تراودنى شكوك ويدفعنى اليقين المدعم بالدلائل أن المؤتمر الوطنى ليست لديه الرغبة فى تطوير المنطقة وكل الذى قام ويقوم به هو عملية عزومة مراكبية.
الان البلاد على مشارف الانتخابات فى أبريل باذن الله وبغض النظر عما نحسه تجاه الانتخابات والنقد الدائر لها والتشكيك فى نزاهتها الا أنها واقع ولابد من التعامل معها حيث يجب أن لا نكون كالرومانسيين وعلينا أن نتعامل مع الواقع. عندما سأل مارتن لوثر كينغ زعيم وقائد الحقوق المدنية فى الولايات المتحدة فى الستينات لماذا تتعامل مع الانسان الأبيض والحكومة التى تحمى ظلم الانسان الأبيض للاقليات السوداء والملونة وانت تدافع عن المظلوم وهو الظالم فكان رده أنها الحقيقة على أرض الواقع ولو رفضت التعامل مع الواقع لتحسينه لازداد الوضع سوءا على وضع أهلى. أذا كانت الانتخابات قائمة ولامحالة فلابد لنا من انتهاج اسلوب المصالح بغض النظر عن المترشح (هذا بالطبع يستثنى المؤتمر الوطنى للأسباب التى ذكرتها ولأنه استنفذ فرصته) فلننظر لأولوياتنا والتى تتمثل فى الكثير الذى يحتاجه الاقليم الجغرافى (شمال وجنوب كردفان) وعلى سبيل المثال يجب أن لاننخدع أمام تشدق المترشحين ووعودهم بالتنمية. يجب أن نكتب كما كتب سكان القرى فى الهند وفى بيرو ماذا تعنى التنمية بالنسبة لنا انها تعنى تخصيص نسبة من الميزانية للتعليم وهنا لا أعنى أى نسبه يتم (نجرها) من رأس سطحى للمترشحين وانما تبنى على عملية حساب أو نظرية اقتصادية محددة ومتبعة فى معظم دول العالم التى استعانت بها لتنمو وتحقق الرفاهية كما حدث فى ماليزيا, كوريا الجنوبية, البرازيل والهند. واذا استعصى ذلك على عباقرتنا السياسيين فلننظر الى مافعلت دول الخليج وفى فترة وجيزة بتعليمها الذى تتسابق اليه الآن الجامعات العالمية من أوروبا وأمريكا لفتح أفرع لجامعاتها هناك وذلك ليس لتوفر المقدرة فقط ولكن لارتفاع مستوى أداء الطالب من التعليم الأساسى بها. وثيقة التفاهم أو عهد التصويت للمترشح الفلانى يجب أن يتضمن مضاعفة الصرف على الصحة وتحديدا صيانة واعمار المستشفيات وتخصيص مبلغ أو بند محدد لجذب وتوطين الاخصائيين واغرائهم للعمل والرغبة فى البقاء سواء كان ذلك فى حمرة الشيخ, بارا, غبيش, المجلد. الدلنج, تلودى, كادقلى, رشاد. تقلى, أو ابوجبيهه أو أى من مدن وأرياف كردفان. التنمية لاتتم بدون وجود المياه ولذا ما هى الخطة المحدد لذلك المترشح لمد المياه من النيل الى قرى ومدن كردفان ونعم وبالحيل أعنى مدينتى الحبيبة الأبيض التى ظلت ولازالت تعانى العطش والكدب. هذه فقط أمثلة فى منتهى البساطة لدواعى الاختزال فى هذا المقال لما يجب أن يكون فى ذلك العقد بين المواطن الكردفانى والمترشح للولاية أو أى منصب وبالطبع ذلك يشمل رئاسة الجمهورية.
السؤال البديهى هو( يا أستاذ الناس ديل ممكن يقولوا ليك الكلام العاوز تسمعوا وبعد مايفوزوا ماحتشوفهم وبعدين حتكون أكلت نيم وحتعمل شنو؟) ولكن الرد أسهل وأبسط مما نتصور وهو أن عبقرية الديمقراطية أنها تتيح لك الفرصة للتخلص من المسؤول الذى ضحك على دقنك وخدعك قبل انتخابه هنا يأتى جرد الحساب واذا لم تفى بما اتفقنا عليه أو الغالبيه العظمى مما اتفقنا عليه فمصيرك هو عدم العودة الى ذلك المنصب. هذه هى الديمقراطيه, قد تكون بطيئة وفيها من الهرج والمرج والخرمجه مايجعلها منفرة وينقصها الجمال ولكنها من أكثر الوسائل فعالية فى ادارة الحكم والارتقاء بالبلدان ومحاسبة المسؤول ومراقبة أداء المؤسسات. بالطبع لن تكون هذه الديمقراطية القادمة تشبه أو تقارن بالديمقراطية التى ننشدها ولكن لابد أن نبدأ من مكانا ما. وبالرغم أن المقارنة بين السودان والعراق تفتقد للمقومات الابجدية للمقارنة من نفس النوع ولكن يمكننا استقراء الدروس منها حيث رفض السنيين ولأسباب موضوعية المشاركة فى العملية الانتخابية الأولى والتى جرت ببلادهم والنتيجة كانت استأساد الأغلبية الشيعية والاستئثار بكل مراكز القرار دون أى تأثير أو اعتبار للأقلية السنية وهى درس عانوا منه كثير ولذلك عادوا وشاركوا وبقوة فى الانتخابات التى تلتها مستفيدين من أخطاء قراراتهم. تنبيهى هنا ليس كحامل الطبول الذى يحاول تزيين العملية الديمقراطية ولكن اذا لم نتحدث عن قضايانا فسنتركها لغيرنا ليتحدث بالانابة عنا ولقد تحدث المؤتمر الوطنى بالانابة عننا (وعن كل السودان ) لعشرين عاما ولم نجنى غير التجاهل. يجب أن لانركز على من هو المترشح بقدر مانركز على من هو من المترشحين على أتم الاستعداد للتوقيع على عقد المصادقة على الوفاء بمتطلبات المنطقة. أتذكر حادثة طريفة أن أحدى عماتنا أطال الله عمرها ومتعها بالعافيه والتى تنتمى الى الحزب الاتحادى الديمقراطى قامت بالتصويت لمرشح حزب الامة فى احدى دوائر الابيض خلال انتخابات 1985 وعندما سألها الجميع ( ليه يا حاجة انتى اديتى صوتك لحزب الأمة؟) فكان ردها بسيطا ولكنه يجسد أعلى مراتب الديمقراطية والمصلحة حيث قالت لهم ( أنا أديت صوتى للولد ده لأنو شال لى الآبرى وحاجات رمضان لبنتى البتقرأ فى مصر وخدمنى كثير وأنا مالى ومال مرشح الحزب الديمقراطى) رد الحاجة هو صميم التصويت من أجل المصلحة وليس الولاء الأعمى وبما أننى أدرى مدى الولاء الأعمى للحزبيين التقليديين فى تلك المنطقة (وفى مناطق كثيرة من السودان) الا أنى أرى أن مهمة بعضنا هو التوضيح وتبصير أهلنا بمصلحتهم والتى تنصب فى خدمة المنطقة وليست مصالح الاحزاب التى تنتمى اليها ولنا عودة باذن الله.