الجلابة … الماضي يحاكم الحاضر !! … تقرير: حسن بركية
26 April, 2010
في إطار الصراع السياسي والإجتماعي المتصل لأكثر من نصف قرن من الزمان شاعت مصطلحات وعبارات وإتخذت أبعادا غير الأبعاد اللغوية وصارت تعبر عن مواقف ثقافية واجتماعية وبعضها تم إستردادها من ذمة الماضي لتحاكم الحاضر والمستقبل،علي سبيل المثال ترددت كلمة (الجلابة) بشكل لافت في الادبيات السياسية في الأونة الأخيرة وكثر إستخدامها خاصة من قبل قيادات الحركة الشعبية وكان مفهوم (الجلابة )عرضة لتقلبات عدة ناتجة عن السياقات التي جاء فيها.
ويعتقد علي نطاق واسع أن الكلمة أخرجت من سياقها التاريخي والإجتماعي ووضعت في قوالب سياسية معبئة بمضامين عرقية وعنصرية،الإستخدام المتكرر لكلمة الجلابة من قيادات نافذه في الحركة أثار العديد من ردود الأفعال وفرضت ضفيرة متشابكة ومتقاطعة من الأسئلة نفسها عن دواعي وأهداف ودلالات هذا الإستخدام المتصل والمتصاعد لعبارة( الجلابة).
في أكثر من مناسبة حاولت الحركة الشعبية تبديد الشكوك وإبعاد تهم العنصرية والإستعلاء المضاد وذلك بتقديم شروحات وإيضاحات لكلمة (الجلابة)بأنها تعني في أدبيات الحركة الشعبية المؤسسة الحاكمة وليس أهل الشمال النيلي ولكن في المقابل هناك من إستنكر إستخدام المصطلح من داخل الحركة الشعبية ولاتزال الذاكرة منتعشة بالحديث المنسوب لعضو الحركة الكاتب الصحفي دوت مجاك الذي ناشد باقان أموم لسحب كلمة الجلابة من قاموسه السياسي.
يقول الدكتور حيدر إبراهيم كلمة الجلابة نزعت من سياقها التاريخي، بعض الجلابة ساهموا في دعم الوحدة الوطنية والبعض الاخر حاول إستغلال ظروف التخلف في الجنوب لتحقيق مكاسب شخصية ولكن التعميم الذي يشوب إستخدام المصطلح يؤدي إلي عنصرية مضادة.وهناك من يري أن الإستخدام المتكرر للكلمة يأتي في سياق الذم والقدح وتدخل مجموعات سكانية واسعة وكبيرة تحت مظلة الصفات السالبة الملتصقة بالمفهوم، وهنا تجد الحركة الشعبية نفسها في موقف المدافع عن نفسها وتسعي لنفي تهم العنصرية والجهوية والجلابة بحسب تعريف القيادي بالحركة الشعبية إدوارد لينو:هي شريحة إستأثرت بالثروة والسلطة وليس كل اهل الشمال جلابة ولايوجد عرق إسمه الجلابة والجلابة الان هم المد افعون عن اطروحات المؤتمر الوطني.
وتتعدد زوايا النظر إلي مفهوم الكلمة بإختلاف المشارب الثقافية والمواقف الفكرية ويرجع البعض مفهوم الجلابة لمجموعة اجتماعية تعمل بمهنة معينة وبالتالي هي ليست مجموعة عرقية أو اثنية وإن كانت هناك قراءات تشير إلي ان الجلابة هم مجموعة من التجار الشماليين ظهروا في القرن السادس الميلادي علي أيام دولة الفونج والفور.
يطالب عبد الرسول النور بسحب مصطلح الجلابة من القاموس السياسي ويضيف الجلابة والبقارة والمندكرو وغيرها مصطلحات تثير النعرات العنصرية والجهوية ولذلك من الأفضل إبعادها من القاموس السياسي.علي عكس مايري عبد الرسول النور يعتقد القيادي بالحركة الشعبية عبد العزيز الحلو ان المقصود بكلمة الجلابة شريحة إجتماعية لها مصالح سياسية وإقتصادية محددة وتتبني العروبة والإسلام كأيدولوجية لبسط هيمنتها وإستمراريتها في السلطة.
رغم المحاولات العديدة لقادة الحركة الشعبية لتفسير دلالات عبارة الجلابة تظل الصورة السالبة لها عالقة في إذهان قطاعات واسعة في الشمال ويذهب البعض أبعد من ذلك ويري ان الإستخدام المتصل للكلمة يعيق عمل الحركة في الشمال وينشئ اجسام مضادة لمشروعها السياسي والفكري. يقول القيادي البعثي كمال بولاد مايقال عن سيطرة الجلابة علي المركز غير دقيق لأن الذين يسيطرون علي المركز هم فئات سياسية مرتبطة بمصالح معينة وينحدرون من جهات عديدة ولذلك مصطلح الجلابة يستخدم في أحايين كثيرة سياسيا دون وعي عميق بمدلولات المصطلح وتاريخيته.ويمضي الدكتور حيد ر إبراهيم في ذات الإتجاه,إستخدام قادة الحركة الشعبية لمصطلح الجلابة من الأخطاء الكبيرة لأن المطلح ليس مصطلحا علميا وليس له مضمون اجتماعي اقتصادي محدد.وإلي حين إشعار أخر سوف تصطرع الرؤي والأفكار حول دلالات المصطلح ولكن تظل الحقيقة التاريخية ان المصطلح قديم وتاريخيا أستخدم في المناطق التي تبعد عن المركز حنوبا وغربا وكان يطلق علي التجار الجوالون الذين ينقلون البضائع من المدن إلي الأرياف.ويضيف كمال بولاد بعض التجار( الجلابة)إستقروا في مناطق عديدة من غرب السودان تحديدا في مناطق المجلد وبابنوسة وبالمستوي المعيشي الذي كانوا عليه صار لهم نفوذ في تلك المناطق وساهموا في خلق أسواق مستقرة في تلك المناطق ونقلوا بعض عادات الحضر إلي الأرياف ولكن لطبيعة الصراع الإجتماعي في السودان تضرر بعضهم من الصراعات كماحدث في توريت 1955 علي سبيل المثال.
وفي بعض القراءات تفهم كلمة (الجلابة)بأنها سلوك إنتهازي مارسته بعض المجموعات وهي ليست مرتبطة بقبيلة معينة ولكن بعض القبائل نتيجة لعملها بالتجارة إشتهرت بها أكثر من غيرها.
hassan mohmmed [hsn455@hotmail.com]