عرمان في أول حوار بعد الانتخابات 4-4 : من استقبلوا قرنق في الساحة الخضراء ودعموا حملة الأمل والتغيير حتما سيغيرون السودان

 


 

 

حوار/ رشا عوض

حملنا كل ما يتردد من تساؤلات في الشارع السياسي السوداني المعارض  حول تجربة الانتخابات ووضعناها بين يدي مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية(المقاطع) صاحب شعار(الأمل والتغيير)، ياسر سعيد عرمان فوجدنا لديه مائدة سياسية وفكرية مضيافة، كما وجدنا روح التحدي والتصميم لم تفارقه، فما زال مراهنا على التغيير، مستعصما باعتقاده في السودان الجديد، مبديا مهارة فائقة في المزاوجة بين التحليق في الفضاءات الثورية بأفكارها وأحلامها والسير باتزان في واقع مثقل بالمثبطات والمتاريس ومحاط بالتحديات،    فقلّبنا معه أوراق التجربة الانتخابية منذ الترشيح مرورا بالانسحاب وصولا إلى الموقف من النتيجة، كما توقفنا معه كثيرا عند محطة الاستفتاء ومعركة تقرير المصير، وكيفية التعامل مع الحزب الحاكم في هذه المرحلة ومستقبل تحالف جوبا، ومستقبل الحركة الشعبية ومشروع السودان الجديد في حالة الانفصال فكان هذا الحوار،

 

* هنالك اتهام للحركة الشعبية بأن اساليبها في الحكم في كثير من المجالات شبيهة بأساليب السودان القديم.. فمثلاً ليست هناك أولوية للتنمية والخدمات والالتفات لقضايا المهمشين مما يعني أن الحركة حكمت بذات الطريقة التقليدية؟

ـ هذا غير صحيح، الحركة الشعبية تواجهها معضلات كبيرة فالجنوب خرج من حرب طويلة، والحديث عن الجنوب بالصورة التي ترسمها "الانتباهة" غير صحيح فيمكنك الذهاب الى الجنوب وملاحظة الفرق بين مدينة جوبا مثلاً، قبل مجئ الحركة الشعبية والآن، ستجدين الصورة مختلفة تماماً، لا يوجد صحفي أجرى تحقيقاً جاداً بأن يذهب الى الجنوب ويرصد كم من المدارس تم افتتاحها بعد اتفاقية السلام، وكم مستشفى كان موجوداً قبل اتفاقية السلام وكم مستشفى موجود الآن.. وكم من الطرق كانت معبدة ومرصوفة قبل اتفاقية السلام وكم من هذه الطرق تم تعبيدها الآن.. وما هو التغيير الذي طرأ على حياة المواطنين، هنالك دعاية مسمومة لا ترى أي عمل إيجابي قامت به الحركة الشعبية، رؤية الحركة الشعبية غير تقليدية وقد نجحت في أشياء كثيرة جداً، وأيضاً فشلت في قضايا عديدة، لكن طريقة التعامل مع حكومة الجنوب (كضرة) من الحكومة المركزية ومن المؤتمر الوطني أضرت بصورة الحركة الشعبية، وأنا كشخص أمضيت سنوات في الجنوب أرى أن هنالك تغييراً وأرى أن الجنوبيين الآن ولأول مرة تمكنوا من حكم أنفسهم بأنفسهم، ولأول مرة منذ استقلال السودان أجروا انتخابات بصورة متكاملة شارك فيها شعب الجنوب وترشحت فيها قيادات الجنوب، فالانتخابات السابقة التي أجريت كانت تأت الى البرلمان بأشخاص من الجنوب ولكنهم لم يكونوا ممثلين حقيقيين له، فهناك تغيير كبير قد تم والجنوب استطاع أن يوفر ادارة معقولة والحركة الشعبية أول حركة في تاريخ الجنوب استطاعت أن توحد شعوب وقبائل ومجموعات كبيرة من الجنوبيين ، الحركة الشعبية هي أول حركة نشأت في الجنوب وعبرت الى كامل أجزاء السودان، فما هو التقليدي في أن ترشح الحركة الشعبية شخصاً مثلي لرئاسة الجمهورية، هذا عمل غير مسبوق في تاريخ السودان، وما هو التقليدي في أن يصوت شعب الجنوب لشخص من الشمال، وما هو التقليدي في أن تكون الحركة الشعبية ذات وجود من نمولي إلى حلفا ومن الجنينة إلى كسلا، وما هو التقليدي في ترشيح أربعة نساء لمنصب الوالي في أربع من ولايات السودان، ومنهن الآن من فازت وأصبحت والية في واراب وهي منطقة النائب الأول ورئيس حكومة الجنوب، لا يوجد حزب واحد في السودان رشح أربعة نساء لمنصب والي فالحركة الشعبية لها مساهمات كبيرة يجب أن يقتدى بها الآخرون ولا سيما المؤتمر الوطني ، فالمؤتمر الوطني الآن يحارب الذين يدعون إلى وحدة السودان على أسس جديدة أكثر من الانفصاليين، ويشن حرباً قائمة على الكراهية والفتن تستهدف الشخصيات التي تدعو إلى توحيد السودان على أسس جديدة، وهذا يوضح الخطل والخلل الكبير عند المؤتمر الوطني الذي نقض غزله بنفسه ويكرس صوراً غير صحيحة مبنية على الأكاذيب والفبركة اليومية وتشويه صورة حكومة الجنوب،  والحركة الشعبية أكبر حزب قدم مرشحين في الشمال والجنوب وفي كل أنحاء السودان شمالاً وجنوباً والحركة الشعبية رفعت نسبة مشاركة النساء الى 30% في حكومة الجنوب، والحركة الشعبية هي التي أتت بنسبة الـ 25% لمشاركة المرأة فما هو التقليدي في كل ذلك؟

ـ هذه عبارات عامة تطلق ويصدقها البعض ولكن عند فحصها بدقة يتضح أنها غير صحيحة.

*ماذا تقول لمن تعلقت آمالهم بشعار "التغيير والأمل" وأصابهم الإحباط بعد انسحابكم؟

ـ نحن خضنا معركة انتخابية جذبت أعداداً كبيرة من المتطوعين، من النساء والشباب ومن الفقراء والمهمشين، ونحن نشعر بامتنان عظيم وشكر كبير لكل هذه القوى، وهذه القوى مازالت موجودة، فهي ليست قوى معركة محدودة ينتهي دورها بانتهاء الانتخابات، فالقوى التي دعمتنا في حملة التغيير والأمل هي نفس القوى التي أتت إلى جون قرنق في الساحة الخضراء ، فهذه هي القوى التي سوف تغير السودان إن لم يكن اليوم فسوف تغيره غداً، ونحن نراهن على هذه القوى وسوف نعمل من أجلها ومعها وسوف تواجهنا مصاعب ومطبات وخيبات واشكاليات ولكن بالعمل مع بعضنا البعض سنحل هذه القضايا، وأكرر الشكر والإمتنان لهذه القوى التي عملت معنا وسوف نستمر في العمل معها يوما بعد يوم، وسوف نكون أمناء تجاه قضايا التحول الديمقراطي وقضايا دارفور وقضايا الاستفتاء على حق تقرير المصير والمشورة الشعبية، وقضايا السلام والطعام، وقضايا المزارعين وقضايا عمال الشحن والتفريغ في بورتسودان، وقضايا السدود، ستظل كل هذه القضايا في مركز اهتمامنا مع قضايا أخرى، قضايا النساء والشباب، سنستمر في حملة واسعة ضد التهميش وسنعمل على بناء مركز جديد للسلطة في السودان لأن "المركز الجديد" وحده القادر على الحفاظ على بنية السودان وإلا فإن السودان سوف يتمزق ويعود مرة أخرى إلى الحرب.

* في حديثك عن تحالف جوبا ذكرت أن هذا التحالف جاء متأخراً وكان يجب أن يتكون منذ التوقيع على اتفاقية السلام، فهل نتوقع من تحالف جوبا حراكاً سياسياً كبيراً في المرحلة المقبلة وما هي رؤية الحركة الشعبية لدور التحالف في هذه المرحلة؟

ـ هناك حوار يدور الآن حول ضرورة عمل "جوبا 2" أي مؤتمر جوبا الثاني، فيجب أن نتحاور ونستفيد من أخطاءنا هذا التحالف مهم ويجب توسيعه ليشمل قوى سياسية أخرى ومنظمات مجتمع مدني، ويجب أن يلتئم شمله بين الذين شاركوا والذين قاطعوا ليعملوا معاً، لأن الفترة المقبلة ستكون فترة صعبة للسودان ككل ونحتاج فيها إلى التجميع والعمل المشترك لا إلى الفرقة والتشتيت وعلى تحالف جوبا أن تمضي في نفس الطريق، والمؤتمر الوطني إذا حالفه الذكاء سيتجه نحو تحالف جوبا لحوار حقيقي، ليس حواراً حول قسمة الوزارات والمناصب فهذا لن يحل قضايا السودان الذي يواجه مرحلة صعبة، المؤتمر الوطني لديه السلطة ولكن ليست لديه رؤية، وأما خيارات أن يكتب نفسه في صفحة تمزيق السودان والعودة إلى الحرب أو في صفحة السلام والتحول الديمقراطي، والسلطة لن تدوم فعليه أن يستخدم هذه السلطة حتى وان كانت أتته بالتزوير، لمصلحة العباد والبلاد، والمؤتمر الوطني كلما انغمس في السلطة كلما زاد ابتعاداً من الدين والجماهير وان لم يكن يرى ذلك فهو يحتاج إلى "نظارة".

والطريق الذي يمضي فيه مجرب، حوارات قوى جوبا يجب أن تستمر وتتوسع ويمكن أن تمتد تلك الحوارات على أسس مبدئية وموضوعية وجادة للحوار مع المؤتمر الوطني كسلطة أمر واقع عسى ولعل أن يخدم ذلك القضايا الكبرى وعلى رأسها الوحدة الطوعية.

< لو أن عقارب الساعة عادت بك الى الوراء الى ما قبل التحاقك بالحركة الشعبية واستقبلت من أمرك ما استدبرت في مسيرة الربع قرن الذي أمضيته في الحركة الشعبية ما هو أهم ما كنت ستفعله وأهم ما لم تفعله؟

ـ للإجابة على هذا السؤال أجد نفسي متنازعاً بين عبارتين موحيتين وموجعتين، الأولى لقبريال ببري وهو أحد أبطال المقاومة الفرنسية قال للجنرال جونج في المحاكمات التي عقدها لأسرى المقاومة حيث قال في تلك المحاكمة "لو قدر لأمي أن تلدني من جديد لأخترت نفس الطريق الذي سوف يوصلني الى حبل المشنقة" والثانية قالها الشاعر الكبير رسول حمزاتوف ابن "داغستان" وهو بالمناسبة أشهر من وطنه نفسه، قال رسول حمزا توف (كم تمنيت لو كانت حياتي مسودة كتاب لأصححها من جديد) وهي عبارة تحمل عذابات الحياة الإنسانية وأوجاعها وآلامها، والرغبة في التبديل والتغيير والرغبة في تحسين السيرة الشخصية والعامة للإنسان، فأجد نفسي موزعاً بين الضفتين ضفة ببري وضفة حمزا توف، وأقول في طريق غير طريق حمزانوف أشعر برضا تام، صحيح من الصعب الوصول إلى الرضا في هذه الحياة بما فيها من صعود وهبوط وما فيها من أمور عظيمة وأمور تافهة، ولكنني أجد الرضا فيما اخترته من الانحياز للبسطاء والفقراء والمهمشين وأجد الرضا عن المحاولات المستمرة ما نجح منها وما لم ينجح في أن نغير الحياة التي وجدناها من أجل أن نتركها بصورة أفضل من تلك التي وجدناها عليها ولا سيما في بلادنا التي هي جزء من هذا العالم الفسيح، وكل ما هو وطني هو عالمي وانساني ولذلك اعتقد أن خياراتنا بالانضمام للحركة الشعبية كان خياراً صائباً، ولو عادت بنا عقارب الساعة للوراء لأخترنا طريق فبرياك ببري "بلا تردد وفي نفس الوقت فإن الرغبة في التجديد والتحسين والرغبة في تجاوز بعض الخيبات الى نهر النجاحات رغبة انسانية آسرة تقود الى رسول حمزانوف الى مسودة كتابه حيث تحسر على أن حياته لم تكن مسودة كتاب فيتمكن من تصحيحها، وعلى كل فإن حياة البشر لن تكون مسودة كتاب، فيجب أن نعيشها كما ينبغي ويجب أن نكون مرفوعين دائماً الى ما نعتقد أنه بحق يخدم الإنسان ويجعل الحياة أفضل وهذا ما حاولنا أن نفعله، وفي نهاية المطاف فإن الإنسان كائن عابر محدود الإضاءات والإشراقات والعذابات والظلامات في هذه الأرض، وعليه أن يمضي بخطى واثقة تجاه الخير والخير خير وإن طال الزمان به والشر شر وإن طال الزمان به فطول الغياب لن يجعل الخير شراً وطول البقاء لن يجعل الشر خيراً.. ولذلك أشعر بالرضا من الاختيارات ولدي قناعة بأنه رغم الصورة القاتمة فإن السودان قادر على أن يكون وطناً عظيماً ورغم العقبات التي تعترض طريقنا لابد أن نتمسك بالأمل والرغبة الحقيقية في التغيير.

 

آراء