ما جئتم به السحر …. علي يس الكنزي
20 May, 2010
بسم الله الرحمن الرحيم
من أبواب متفرقة
alkanzali@gmail.com
ما جئتم به السحر
ولا يفلح الساحر حيث آتى:
ما الفرق بين ذلك الساحر (صاحب التنزيل) الذي يطلب مالك ليضعه لك في مكان خفي ويعدك أن تأتيه في اليوم التالي لتجده أضعافاً مضاعفة. ليلتها سيجافي الكرى عينيك، فأنت موعود بثراء لن يعقبه فقراً. ما أن تشرق شمس يومك إلا وتسرع مهرولاً حتى تنقطع أنفاسك لتصل لمقر الساحر العجيب الذي جعلك تعيش أحلام يقظة وردية. وما أن تصله لا تجده شيئاً! لا ساحر ولا مخبأ ولا مال (ولا يحزنون).
قل لي بربك يا رعاك الله، ما الفرق بين الساحر التنزيل، وساحر سوق المواسير في فاشر السلطان؟ فالأخير وبشيك مصرفي آجل الدفع، يشتري سيارتك أو مقتنيات زوجتك، أو بيتك الذي تقيم فيه، أو أي شئ تملكه، فلا حرج ولا غضاضة، فهو على استعداد لشراء وبيع أي شيء، وكل شئ. فأنت موعود بالحصول على فائدة تزيد عن سعر السوق ب 30%. كل ذلك في بحر ستة اسابيع. وبعملية حسابية بسيطة يمكنك أن تحقق معه ثمانية علميات تجارية في السنة (52 أسبوع مقسومة على 6). ولنكون أقل طموحاً وطمعاً وجشعاً، ونقول ستقوم بستة عمليات تجارية، تحقق في كل عملية مكسباً مالياً يصل إلى 30%. ولنفرض أنك أودعت هذا الساحر الكذاب، ألف جنيه (مليون بالقديم) لتتاجر بها معه.
الجدول أدناه يبين لك كيف تتطور أموالك وتتضاعف بمتوالية لا يمكن أن يوفي بها حتى الساحر الكذاب. وبما أنك ستكون أكثر ذكاءً وطمعاً وجشعاً ليكون لك مالاً ممدوداً، لذا تعيد توظيف ربحك كجزءً من رأسمالك، مطبقاً لمبدأ الفائدة المركبة. هذا ما سيرحب به ساحر سوق المواسير، فيبدلك شيكاً بشيك. فتجد وفي ظرف عام من الزمان أن رأسمالك قد تضاعف لستة أضعافه بصكوك مصرفيه تذهب يوم استحقاقها كزبد البحر جفاءً ليس إلا. والجدول أدناه يبين لك هل يفلح الساحر حيث أتي؟
الدورة 6 أسابيع | رأس المال بالجنية | الربح % | الربح المكتسب | إجمالي رأس المال مع الربح المكتسب بالجنية |
1 | 1000 | 30% | 345 | 1345 |
2 | 1345 | 30% | 464 | 1809 |
3 | 1809 | 30% | 623 | 2432 |
4 | 2432 | 30% | 839 | 3271 |
5 | 3271 | 30% | 1128 | 4399 |
6 | 4399 | 30% | 1518 | 5917 |
؟
الأحلام الوردية:
تحضرني قصة قريب لي رد الله غربته، فقد اختفى هو الآخر، داخل ماسورة بحجم مواسير سوق الفاشر، فلم يجد من بديلٍ أمامه إلا الفرار من البنك الدائن، وهل ينفع الفرار يوم الزحف؟ فقريبي هذا أغرته وفتنته إدارة البنك فقيضوا له قرناء (الجوكية) زينوا له عظيم ما هو مقدم عليه، ووعدوه بالحصول على قرض زاد عن 7 مليون دولار (16 مليار جينه) لشراء آليات ثقيلة لتشييد الطرق، مقابل رهن منزله الذي لا يغطي 10% من قيمة الدين، مع الألتزام برد الدين في مدى عامين من تاريخ تسلم الآليات. وضحك قريبي طرباً حتى بانت نواجذه. وجاءني على استحياء يطلب مشورتي. فقلت له: يا فلان لا توجد أي جهة في الكون قادرة على رد رأسمال بهذا الحجم خلال عامين من الزمان حتى ولو أوقفت نشاطها وردت آلياتها، لأن هذا قرض استثماري رأسمالي وليس خدمي، فما بالك في السودان؟!!! وأردفته قائلاً: لو كان الأمر بهذه السهولة فما معنى أن نغترب نحن من أوطاننا لعقود ثلاث تزيد ولا تنقص؟ هذه يا أخي أحلام وردية، إياك أن تنام عليها، وأرضى بما قسمة الله لك من خير عظيم.
ولكن صديقي ربما حسبني لا أبق له خيراً، وإن شئت قل ربما أحسده على ما هو مقدم عليه. وكان ما توقعت. والآن لا البيت حفظ، ولا الدين أوفى. أما إدارة البنك فأكبر خسارتها كانت التضحية بمديرة الفرع، وإنهاء خدماتها بدعوى أنها هي التي صدقت بالغرض. ولكن هل يعقل أن غرض يعادل 7 مليون دولار يتم دون علم وموافقة الإدارة العليا؟
مضت الآن ثلاث سنوات ولم يحصل البنك على (فرطاقة) من أجمالي ديونه، وما زال البنك يطارد قريبي المختفي خارج البلاد عبر المحاكم، ليحصل على أحكام بالسجن لن تعوض المستثمرين ولا المودعين (ولا التكتح)، فهم الذين خسروا حقاً، فقد أوكلوا أموالهم لمن لم يرع الله فيها.
وكان عاقبةُ أمرنا خُسراً:
نحن امة لا تفهم إلا إذا رًزئت. وكأني باؤلئك الرجال، وتلكم النسوة أصحاب الشيكات المرتدة، التي ضاغت بهم وبهن سجون مدننا وعلى رأسها الخرطوم، لا يكفي أن يكون نذيراً ليصبح الأمر عاجلاً يستحق التداول والتدارس على مستوى الدولة بكافة أجهزتها، من أعلى منصبٍ مروراً بمجلس الوزراء، ومجلس النواب، لرعاياهم من اصحاب الشيكات المرتدة التي ضاقت بهم ساحات السجون والمحاكم.
رغم هذا البلاء العظيم، لم نسمع بأن الدولة خطت خطوة واحدة لإيقاف هذه الطامة الكبرى، حتى تفجرت مواسير الفاشر الصدئة الخربة وتصاعدت رائحتها النتنة لتسمم الأجواء، وتقضي على اليسير الذي بقى من جوٍ صحي معافاً في دارفور. وكان دارفور ما بها من أحن ومحن ليس بكاف عنها، فكان لزاماً علينا أن نحرق ما تبقى لها من أمل في العودة لحياة السلم والأمن.
عجبتُ لأصحاب الشأن في بلدي! كيف يسمحوا لشرطيين في القوات النظامية للشرطة ان يبدءآ أعمالهما الجهنمية وسحرهما الفتان، ويفتحا مكتباً لشراء وبيع السيارات، من مقر عملهما بشرطة الولاية؟ هذا ما صرح به وزيرالعدل الأستاذ عبدالباسط سبدرات، للصحف والإعلام عند قوله: "انهما لم يؤديا القسم، بالتالي ليست لهما حصانة، اضافة الى استقالتهما عن الشرطة بموجب طلب مدير شرطة الولاية قبل أربعة أشهر.”
تمهل قارئ العزيز وتوقف عند قوله: "إضافة إلى استقالتهما عن الشرطة بموجب طلب مدير شرطة الولاية قبل أربعة أشهر”. أي مأساة اعظم من هذه، عندما نعلم أن الشرطيين تقدما باستقالتهما في نهاية ديسمبر 2009، على أحسن الفروض. ولك أن تعجب ويزداد عجبك يا رعاك الله، من هذه الفتن وتلكم الإحن؟!!! مدير الشرطة (يسترجي) وإن أردت إفصاحاً فقل: (يستجدي) وبعد ماذا؟ بعد (خراب سوبا). يستجدي من عريف ومساعد شرطة وبعد مرور أكثر من عام على ممارستهما التجارية الجهنمية من موقع لا يبعد أكثر من خمسمائة متر من رئاسة الشرطة ويطلب منهما أن يستقيلا حتى لا يسببا حرجاً! حرجاً لمن سيدي؟ لست أدري؟ لمدير الشرطة؟ أم لجهاز الشرطة؟ ام لحكومة الولاية؟ أم الحكومة الاتحادية؟
ويأتي وزير العدل لا ليفقر فاك فحسب، بل ليجعلنا دون فاه وشفاه، فقد صدقنا ونحن عليه من الشاهدين، وأكد لنا فعلاً أن السودان بلد العجائب والغرائب، حيث تُحْقَقُ المستحيلات وتُنْجَزُ. وعليك أن تتبسم ضاحكاً قارئ العزيز من قول الوزير، وهو يسترسل في الشرح للصحفيين: "المتهم العريف شرطة آدم اسماعيل فتح حساباً تحت رقم الحساب «495» في يوم 22/9/2009م بلغت توريداته خلال اليوم «155» توريدة بما قيمتها «24» مليار جنيه، بجانب حسابات أخرى". أمسكوا الخشب، بل أمسكوا الألسن عن الهزيان فقد أباحت بالجنان –والجنان هو السر المكتوم في الجوف-.
سيدي الوزير هل حقاً تعي و تعني ما تقول؟ أم هي فلتة لسان ليس لها من الواقع حظ؟ سيدي الوزير، قولكم هذا يعني أن العريف شرطة آدم اسماعيل في يوم (22/9/2009) كان شرطياً نظامياً في القوات النظامية للشرطة، لأنكم قلتم أنه قد طُلِبَ منه الاستقالة قبل أربعة أشهر، أي نهاية ديسمبر 2009. هذا ما نسبته الصحف لكم، وهذا ما أكده والي شمال دارفور في حواره مع صحيفة الأحداث 5/5/2010، عند قوله: (... سوق المواسير عمره سنتان).
ثم أرجع البصر لقولك ثانية أخي الوزير، وكفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وأنت تقول: "أن سيادة العريف شرطة ورد في يوم واحد مائة وخمس وخمسين توريداً لحسابه بالبنك رقم 495 بمبلغ يعادل في اجماليه عشرة مليون دولار (24 مليار جنيه)، والله لو قيل لعريف الشرطة أجمع هذا الرقم من حصى دارفور فيما بقى لك من عمر لأعجزه الأمر، ولم يستطع إليه سبيلاً، فكيف يجمعه مالاً وفي يوم واحد؟ (الكترابا!!!) إن هذا لشيء عجاب؟
ثم أنظر لجهلنا وإن شئت قل تخاذلنا، ولأن قلمي خواف فلا أقول: (تواطئنا؟!) فبنك العميل لا يسأل ولا يتسأل عن من أين أتي عريف الشرطة بهذا المال. وبنك العميل سيدي الوزير لا يجهد نفسه لإبلاغ شرطة الأمن الإقتصادي او الجهات المسئولة في الولاية أو الدولة لحركة الحساب المريب. كل تلك الأرقام الفلكية لهذا الحساب الجهنمي لا تعد عملاً مريباً سيدي الوزير؟ إذن كيف تكون الريبة وكيف يكون غسيل الأموال؟ والله لو تسربت هذه الحقيقة للبنوك الخارجية لدفع نظامنا المصرفي ثمناً باهظاً لغياب الرقابة.
كم أنت مبدع يا إنسان بلادي:
أي إبداع وسحر مبين أعظم من هذا الذي ابتدعه إنسان السودان، فأنظر إليه وتابع سكناته وحركاته. ذلك المرء خالي الوفاض خالي الجيب الذي لا يملك بالكاد قوت يومه، فهو عبقري زمانه، يذهب لبنك السحرة العظيم فيفتح حساباً لا رصيد فيه غير صفر عريض ممتد إلى ما لا، نهاية ولا تجمعه مع الأرقام الصحيحة أو المعتلة، أي حدود أو صلة قرابة أو دم أو رحم. ثم أنظر إليه فتجده يُسلم ويََسْتَلِم على عجل دفتر شيكات من عشرين أو خمسين ورقة مصرفية. ثم يتوكل ويذهب لسوق الله أكبر، فيشتري سيارة أو ثلاجة أو تلفازاً، بثمن أعلى من ثمن السوق، ثم يذهب للزقاق المقابل ويبيع بضاعته بثمن بخس دراهم معدودات. وفي لمحة عين تجري الأموال بين يديه، ويصبح كأنه من سحرة فرعون، بل هو اشد سحراً. فسحرة فرعون خيل إليهم من سحرهم أنها تسعى، أما هو فلا مجال للخيال عنده. فها هو يََعِدُ نقوداً حقيقة تجري بين يديه، دون أن تحرقه هجير شمسها. لذا لا تجد لنقوده طعمٌ ولا لونٌ ولا رائحةٌ، فهي كالماءٌ المطلق ليس إلا. فينفقها كيف يشاء، على من يشاء ويرضى. فإن لاحقه صاحب الدين الأول يصطاد بدفتر شيكاته أول ضحية في طريقه، فيشتري منه سيارته، بيته، ذهب زوجته، أي شيء عنده، برقم يسيل له لعابه هو قبل لعاب بائعه. ثم يبيعها (بتراب القروش) لينفح ذلك المطالب ببعض حقه. أرأيتم سحرنا وعبقريتنا نحن أهل السودان؟!!!
أقلنا سيدي وزير العدل:
كما قلت في مقال سابق أن طامة أهل السودان الكبرى، هي السماح لهم بالتعامل والتداول بالشيكات بقواعد محلية ليس لها اي علاقة بقوانين ونظم البنوك في العالم. فليس من نظم البنوك ما يسمى بالشيك الآجل. فأي شيك وُقْعَ يجب أن يكون له رصيد وفي الحين، وتاريخه اللاحق لا يمنع تقديمه فوراً للسحب. إن أرتد شيك بسبب عدم وجود رصيد، يوضع أسم صاحب الحساب في القائمة السوداء لدى كل البنوك في البلد وليس المدينة، فلا يحصل على دفتر شيكات من أي بنك آخر إلا بعد مضي خمس سنوات كحد أدنى. ويطلب منه إعادة الشيكات غير المستخدمة للبنك، ولا يحق له استخدامها حتى ولو أصبح لديه رصيد.
دفاتر الشيكات في بلدي تُعطى لكل من هب ودب، وكأنها حق دستوري كالجنسية والجواز. لذا أصبحت رأس كل بلاء، وسرطان دمر الأسرة السودانية (بائع ومشتري).
سبق لي أن طالبت مدير عام بنك السودان بوضع حد لتداول الشيكات، ووضع شروط وقيود تقلل من التعامل بها، ولكنه لم يأبه لقولي. فهل لي أن أجدد طلبي لوزير العدل، الذي إن أراد عملاً يحسب له قبل مغادرته لمنصبه لموقع آخر أو العودة إليه معززاً مكرماً، عليه أن يتبنى مقترحي هذا الداعي للحد من التعامل بالشيكات المصرفية وإصدار قوانين ولوائح جديدة تتبنى ذلك.
أما سوق المواسير بفاشر السلطان، فقد كشف هشاشة إنسان السودان، فالكل في بلدي على عجل من أمره في تحقيق الثراء وبأي شكل أتى فلا حرج فيه ومنه. وما أظني متجنياً على أحد إن قلت: أن الدولة وعلى رأسها بنك السودان المركزي ومن ثم البنوك التجارية شريك خفي في مثل هذه الجرائم وذلك لتجاهلها معالجة الآثار السالبة للتعامل بالشيكات والتي ظهر رجسها -والرجس من عمل الشيطان- قبل سوق المواسير بسنين عدداً. فمأسي الشيكات المرتدة (والكسر) لم يعد خافياً على أحد من الناس، لا الأمن الاقتصادي، ولا بنك السودان، ولا حكومة السودان. ولكن رغم ذلك لم تتدخل أي جهة رسمية بوقف هذه التداعيات ولا أقول العاملات أو الحد منها لدرء المصيبة التي تفجرت في سوق المواسير في فاشر السلطان.