تغيير النظام في مصر وهدية أمريكية جديدة لإيران
قرات تقريراً عن السيد/محمد البرادعي في صحيفة الإيكونومست عام 2009 ، يشير هذا التقرير أن السيد/البرادعي تحوم حوله ظنون بأنه عميل لإيران أو لأمريكا ، عميل لإيران لأن السيد/الأمريكي كان متساهلاً مع الحكومة الإيرانية ومنحها الوقت الكافي للتسويف مع المجتمع الدولي ، ولا ننسى أنه لم يكن حاسماً أمام التقارير المفبركة التي قدمتها الولايات المتحدة لتبرير غزوها للعراق ، وعلينا أن ندرك أن منصب الأمين العام للطاقة النووية لا يُمكن أن يصل إليه البرادعي من غير دعم الولايات المتحدة وإسرائيل ، وربما يقول قائلٌ أنه من الصعب الجمع بين العمالتين الأمريكية والإيرانية ، لكن الدكتور أحمد الجلبي فعلها في العراق ، فهو دخل العراق على دبابة أمريكية وخرج منه وهو محروسٌ بقوات الحرس الثوري الإيراني .
فقد أخطأ الرئيس مبارك في العديد في الحسابات ولكنه ليس بسيد الشياطين ، أخطأ مبارك عندما جمع حوله رجال الأعمال وحوّلهم لنواب ووزراء ومستشارين ، وأخطأ عند شرع في توريث نجله جمال ليكون الرئيس المحتمل ، وبيت الكوارث كان الإنتخابات الأخيرة ، فقد صنع السامري برلماناً من غير معارضة ، وكانت هذه سابقة في الحياة النيابية المصرية ، وبالفعل على النظام المصري أن يجيب على هذا السؤال .. أين 89% الذين صوتوا للحزب الوطني ؟؟؟ فكانت عاقبة التزوير هي ما رأيناه في ميدان التحرير وإنفراط الأمن وحوادث النهب والسلب ، فقد كان هناك شامتين على النظام المصري ومن بينهم نظام قطر وقناة الجزيرة ، من بينهم حركة حماس والتي نجحت في تحرير سجنائها في مصر من غير نصب ، ومن بين الشامتين النظام السوري والذي جمع الحشود حول السفارة المصرية في دمشق ، وقد نسى هؤلاء أن سوريا تحكمها أقلية الطائفة العلوية ، وفي سوريا وصل السيد/بشار لسدة الحكم عن طريق التوريث ، والرئيس بشار هو نموذج للتسلط ومثالٌ حي لقمع الحريات وهو ينأى بنفسه عن هذه الثورة ويظن أنه قد نجا .
نعم ، ولا يخفى علينا دعم الولايات المتحدة للسيد/البرادعي ، وهو دعمٌ طالما فضحته تصريحات هيلاري كلنتون والتي توعدت الجيش بقطع المعونات إذا تدخل لحماية نظام الرئيس مبارك ، لذلك بقى الجيش المصري على الحياد ، والمعضلة الاساسية هي : إن خرج الناس من أجل لقمة العيش وطلب الوظيفة ..وكانت النتيجة هي إهدار أموال البورصة ، وذهاب ريع السياحة التي يقتات من نشاطها ثلاثة ملايين شخص ، وعلينا أن نلاحظ هبوط سعر الصرف وتخفيض قيمة المستوى الإئتماني للإقتصاد المصري ، وهذا لا يشمل خسارة المواطنين الذين تعرضوا للنهب والسرقة ، من المعادلة السابقة علينا أن نعترف أن مصر أهدرت من مالها الخاص أكثر من مائة مليار دولار من أجل الإطاحة بنظام الرئيس مبارك ، وهذا المبلغ هو اقلّ بكثير من المبلغ الذي خصتته الولايات المتحدة لغزو العراق . فلا البرادعي ولا الأخوان المسلمون يستطيعون تعويض هذه الخسائر ، بل أن النظام المُحتمل سوف يدخل مصر في دائرة محاور يحرمها من المساعدات الدولية ، وربما تتحول مصر لغزة جديدة تنتظر الدعم من نشطاء السلام الأوربيين . وسوف يختلف الشركاء المقبلون قبل أن ينضج الطبيخ ، وميدان التحرير سوف يتحول لحالة لبنانية مثل ميدان رياض الصلح في بيروت ، فيهرع إليها النشطاء كلما أشتد بهم الخلاف في البرلمان .
فالمصريون يخربون بيوتهم بايديهم ، فالتتار لم يستطيعوا دخول مصر بعد أن عاثوا الفساد في سمرقند وبغداد والشام ، ولكن رؤيتي لمحتويات المتحف الوطني في مصر وهي مبعثرة جعلتني أيقن أنه ليس بالضرورة أن يأتي التتار من الخارج ويقوموا بتدمير الحياة المدنية ، فيُمكن أن نتحول بأنفسنا لتتار ونهرق كل ما حبانا الله به من كنوز تاريخية ونعم ، نعم حققت الإنتفاضة الشعبية العديد من المطالب وقطعت خطط توريث العرش وأفزعت قلوب رجال الأعمال وقلبت مائدة الحكومة ، لكن العبرة بالنتائج ، ولا أظن أن السيد/البرادعي هو البديل المناسب للرئيس مبارك ، ولا أظن أن المحتشدون في ميدان التحرير يعرفون ما يخبئه لهم الغيب من مصائب ، هم مبهورون الآن بوهج الثورة وبريق وسائل الإعلام ، وهذه مقولها للدكتور الترابي يجب أن نتأملها : أن الثورة في فرنسا أتت بالحروب ونابليون والمقصلة ، فليست كل الثورات تأتي بالخير للناس ... وأقول اصبر علي مجنونك قبل أن يصعدك إليك الأجنّ منه.
sara_issa_1@yahoo.com