محنة مدينة الابيض وشمال كردفان مع (العباقره) ؟
سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
Aburoba04@gmail.com
ضيق الأفق الادارى, غياب الابتكار, ومحدودية السقف العقلى للمؤسسات والادارات سمه ظلت تلازم الكثير من الوحدات أو الادارت التى رفضت تجديد دمائها الفكريه أى بمعنى انتهاج منحى بتبنى افكار خارج نطاق التفكير التقليدى الذى يأتى به المقربين من صناع القرار والذين يستميتون فى الجهد والاجتهاد لابعاد كل ماهو جديد وساعى للتغيير لما له من خطوره على مصالحهم الضيقه. انتهجت الجامعات العالميه و المتقدمه فى تناولها الغير تقليدى لعلوم الاداره المستحدثه وبالخصوص فى تدريبها للمدراء والقاده الجدد الذين يلتحقون بالدراسات العليا لديها, انتهجت اسلوب التركيز على تدريبهم بتقبل التغييرات الايجابيه وتدريبهم على القدره على تحليل الجديد حتى فى حالة عدم الالمام بالميكانيزم أو الآليه الجديده المطروحه ولكن ذلك التدريب الذى ترتكز عليه نظم الاداره المستحدثه يمكن القاده الجدد من انتهاج قبول الافكار الجديده بواسطة الاحتكام أو الارتكاز على بعد النظر والتمعن فى منحى الاخفاقات وليس الاخفاقات نفسها وانما منحاها لأن المنحى يحدد المسار الذى يمكن رسم خارطته وبالتالى التكهن العلمى بما يمكن أن يحدث اسوة بما يفعل فى مجال التنبؤات الماليه والاقتصاديه فى علم الاقتصاد حيث يعتمد الكثير من المحللين على الاحصائيات البيانيه السابقه والمؤثرات خارج تلك الاحصائيات اضافه الى كل طارئ لم يحتسب له وفنيات وتقنيات حسابيه معقده للوصول الى التنبؤات التى تنشر ويعتمد عليها فى اصدار الاحكام على مايتوقع له ولكن علم التحليل و التنبأ الاقتصادى علم لايرحم من يصدره لأن ما تتنبأ به اليوم يوضع على المحك غدا وفى اقرب فرصه ليتبين مدى (صدق) او صحة ما زعمت. علم الاداره المستحدثه لايدرب المدير على اتخاذ القرارات الصائبه بنفسه ولكن يمكنه من تمحيض الافكار الجيده من الباليه بالارتكاز على السوابق والوتيره المتبعه من قبل وبالتالى النظر الى نتائجها مما يعطى الاشاره أو الدلاله على أن مسار الحلول سيكون صائبا أو خائبا. المدير الجيد من له القابليه على استقراء الستقبل بدراسة الماضى بتمعن للتكهن بالمستقبل.
سمة غياب الابتكار والتفكير الخلاق الذى يعانى منه الكثيرين أصبحت صفه وليست سمه ملازمه لكثيرين ان لم يكن جل الادارات فى افريقيا وفى كثير من دول العالم الناميه وبالخصوص عندنا فى السودان. سبب هذه المقدمه هو أن مدينة الابيض وولاية شمال كردفان ككل ظلت تعانى من مشكلة نقص مزمنه للمياه نسبة لنمؤ مضطرد وغير مخطط له فى عدد السكان لاسباب عده أهمها النزوح اليها من جراء الجفاف الذى اجتاح شمال كردفان فى ثماينات القرن الماضى واللجوء اليها فى ظل الاضطرابات والتفلتات الامنيه فى جنوب وغرب كردفان فى التسعينات ومؤخرا فى شمال كردفان . تلك الهجره زادت الضغط على كل الخدمات فى كل المدن وخصوصا فى مدينه الابيض وأهم تلك الخدمات هى مصادر المياه. ايضا شح وتذبذب نسبة هطولالأمطار فى المنطقه اثر كثيرا على المخزون الجوفى والسطحى للمياه كما سنرى من الدراسات التى سنشير اليها لاحقا فى هذا المقال ولقد كتبنا وكتب غيرنا بضرورة التحول من الحلول الاسعافيه والتى تنم عن ضيق الافق وغياب الابتكار للحلول واللجوء الى الحل الاستراتيجى وهو مد شمال كردفان ومدينة الابيض بخط مياه من النيل الابيض يوفر المياه للعديد من المدن فى شرق وشمال كردفان ويساعد على نهضه زراعيه طالما تشدقت بها حكومة الخرطوم. لقد ظللت أكتب عن عدم جدوى الحلول التى تنم عن محدودية السقف العقلى والتى داوم على الظهور بها القائمين على الامور بالابيض والخرطوم على حد سواء حيث أثبتت تلك الحلول فشلها الذريع. اذا كانت الحكومه المركزيه لها المقدره على ضخ النفط عبر الانابيب من جنوب السودان وغرب كردفان مرورا بالابيض الى بورتسودان فالبتالى يمكنها أن تضخ المياه من النيل الابيض الى شمال كردفان. جدوى الاستفاده من مياه النيل شيئا سلمت به الحكومه المركزيه بتخصيصها لمبلغ 500 مليون دولار لايصال المياه من النيل الى مدينة بورتسودان وهو شئ استحسناه وفرحنا لفرح أهل البحر الأحمر وكتبت عن ذلك ولكن غياب الاراده السياسيه لايجاد حل لمشكلة مياه الابيض وشمال كردفان اصابنا بالدهشه والغبن قبل الغثيان؟ لأننا سبق وأبنا من قبل ان نسبة استهلاك السودان من مياه النيل أقل بكثير من حصته المتفق عليها فى اتفاقية مياه النيل, هل هناك رساله تريد الانقاذ ايصالها لأهل الابيض؟
أصرت حكومة الانقاذ على التمحور والاكتفاء بمد الابيض بحوض بارا الجوفى والذى كان قد اقترح لمدينة تساوى ثلث المدينه الحاليه وهومشروع تناولته بالبحث فى السابق وأوفيته حقه, ثم واصل هؤلاء (العباقره) فى اقتراح الحلول التى نسميها فى علم الاداره بالمبسطه أو الساذجه حيث سمعت اخيرا وفى زيارة الرئيس للمنطقه سمعت من بعض المسؤولين يهللون ويكبرون ويدعون الى مايسمى بحصاد مياه الامطار وهو لعمرى أمرا لا أدرى هل هو دعوه للضحك أم البكاء؟ معظم الدراسات التى اطلعت عليها وابرزها دراسات الباحث السودانى القدير دكتور محمد بابكر من جامعة نيويورك والذى تخصص فى دراسة حزام الجفاف من دارفور الى كردفان والذى خصص رسالته للدكتوراه لدراسة الجفاف والتصحر فى السودان والذى ظل ينشر فى هذا الشان منذ الثمانينات وللآن حيث نشرت له دراسه حديثه جدا لمشكلات التنميه فى قرى شرق كردفان, تشير تلك الدراسات ودراسات أخرى اضطلعت عليها أن تغييرات المناخ تشير الى أن وتيرة الجفاف فى مناطق كردفان ودارفور تزداد حده وان حظيت المنطقه بخريف او خريفين جيدين فان ذلك لايعنى أن المنطقه ستتحول الى الاستوائيه وان الاعتمادعلى مياه الامطار لمدينه ضخمه بحجم الابيض لهو ضحك على الدقون وسذاجه مفرطه ونوع من الاهمال والاستخفاف بحياة المواطن. وكما يعلم هؤلاء (العباقره) الذين نصبوا انفسهم كصانعى للأفكار ومحتكرين للحلول فان العالم اصبح يزحف ويتمحور ويتمركز فى وحول المدن وقبل الخوض فى وصف تفصيلى للزياده السكانيه لتلك المدن فلنعد قليلا الى الوراء وننظر الى احصائيات صندوق التعداد السكانى التابع للأمم المتحده, وبل انظر الى التعداد السكانى الذى أجرى بالبلاد مؤخرا رغم علاته حيث نرى أن وتيرة الهجره من الريف الى المدن الرئيسيه ليست بوتيره حكرا على السودان حيث ذكر صندوق التعداد السكانى للأمم المتحده أنه وفى منتصف القرن الحالى أن ثلثى سكان العالم سيكونون فى المدن أو حولها وليس ذلك بالخبر, وانما الخبر أن هذه الوتيره ستكون فى سرعه متناميه فى مناطق النزاعات السكانيه والحروب ونقص أو عدم توازن توزيع الثروه حيث يرتحل سكان الارياف الى المدن للهروب من أماكن النزاع وقلة الموارد والخدمات وهى ميزات أو نقمات ابتليت بها مناطق عديده فى أفريقيا والسودان ليس بمعزل عن هذه الوتيره وبالتالى هذه المدينه التى تنوى حفر آبار لها أو حفائر أو تنشيط الاعتماد على حوض بارا الجوفى أو آخر شطحات (العباقره) الحاليين بما سموه حصاد المياه فتلك الخطوات لن تحل المشكله وانما مسكنات وقتيه وانصاف حلول تغطى على المشكله لفتره قصيره ومن ثم تبدا فى الظهور مره أخرى وان حصاد المياه وكما ذكرت فى اكثر من مقال من قبل هو احد وسائل التحوطات للكوارث فقط وليست بحلول دائمه وهو بمثابة وضع صندوق اسعافات بمنزلك ولكن ذلك لن يغنيك عن الذهاب الى الطبيب اذا تبين ان ماتعانى منه هو سرطان وليس صداع. الحل أيها (العباقره) لابد أن يكون حلا استراتيجيا وهو كما ذكرنا وذكر غيرنا مرارا وتكرارا يكمن فى مد المنطقه بخط انابيب مياه من النيل الابيض عن طريق شرق كردفان أو من النيل فى شمال أم درمان عن طريق الصحراء الى بارا ومنها الى الابيض ومابعدها وهو مشروع سيدفع ثمن تكلفته بنفسه كما يعرف فى علم الاقتصاد لما له من مرورد اقتصادى وتنموى فاعل, مباشر, وسريع لتجنى ثماره المنطقه. لانه مشروع تنموى وبالتالى له عائد مضمون يدريه طلاب الاقتصاد قبل الخبراء.
صحيح أننى أوليت امر مياه الابيض الكثير من الكتابه والمعالجه والاقتراحات والصراخ وصحيح أنه لم يعرنى أحد أى اهتمام ليس لانهم لم يروا ماكتبت حيث أنهم قرأوا ماكتبت وتصلنى ردودهم الخاصه ليتجنبوا الخوض والدخول فى عراك فكرى علنى كنت اتمناه أولا لاثراء الحوار الفكرى وثانيا لتكليل هذا المشروع بالنجاح ولكن رغم تلك الاحباطات الا اننى لم ولن أتوقف عن التحدث عن جدوى هذ الامر لايمانى بعدالة ما أدعو له ولانى افعل هذا لوجه الله حيث هو ليس بعراك من أجل سلطه كما يتعارك الساسه الجدد والقدامى حول المناصب كما نرى فى الساحه السودانيه الآن ولكن ليس هناك من يتعارك ايجابيا من اجل هذه المدينه الوفيه ولأنى على قناعه تامه أن سمة غياب الابتكار والتفكير خارج الاطار المألوف هى مرض لازم هذه الفئه التى تتولى الامور ولكن هناك عامل آخر كان قد سبق واشرت اليه وهو غياب الاراده السياسيه لدى الفئه الحاكمه والمسيطره على الامور فى الخرطوم حيث اننا قد أوفينا هذ المشروع حقه من الحشد والدراسات فى متناول يدهم أو يمكنهم الحصول عليها ولكن ماينقصنا هو وجود تلك الاراده لسياسيه لان نظام الحكم فى السودان هو نظام مركزى وتتركز كل القرارات الهامه به عند المركز وهو ما أوجه حديثى له والله المستعان .
\\