شبكة الصحفيين السودانيين: ورقة عن الحريات الصحفية

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الورقة اعددتها سكرتارية الشبكة وقدمت في احتفالها بااليوم العالمي لحرية الصحافة
طيبة برس :الخميس 5\5\2011
 سيطرت تحولات عديدة على أوضاع الحريات الصحفية في السودان خلال الفترة من عام 2009 حتى نهاية عام 2010م، ،ففي حين شهدت تلك الفترة تقدما غير معهود لحرية الصحافة خلال مرحلة الانتخابات التي جرت في البلاد قبل عامين ،واجهت الصحافة السودانية أيضا أسوأ الأوقات، لجهة التراجع الحاد في أوضاع الحريات بعد انتهاء عملية الانتخابات وظهور نتائجها، حيث وقعت انتهاكات واسعة ضد الصحفيين وإجراءات قمعية من قبل الأجهزة الحكومية في مواجهة بعض الصحف، وقبلاً إجازة قانون للصحافة يثير معارضة شديدة ،إضافة إلى عقبات أخرى تتعلق بإقتصاديات صناعة الصحافة والتي تعتبر في رأي عديد من الخبراء تشكل مخاطر حقيقية على هذه المهنة السامية، وتضع الصحافة السودانية في "مهب الريح".
وفي هذه الفترة التي يغطيها التقرير وصل عدد الصحف الصادرة في السودان إلى 65 صحيفة ،تصدر حاليا خمسين صحيفة والتي لم تصدر كانت بسبب أوضاع خاصة بأصحابها ،وواحدة تمت مصادرتها من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني ثم إغلاقها بقرار قضائي بعد إدانة ثلاثة من صحفييها "صحيفة رأي الشعب" ،وأخرى توقفت عن الصدور بسبب قرار تعليق من مجلس الصحافة والمطبوعات على خلفية مشكلات إدارية "صحيفة الحقيقة" ،ولا توجد حاليا صحف حزبية تعمل بشكل مستمر عدا صحيفة "الميدان" الناطق باسم الحزب الشيوعي التي تتعرض أيضا إلى مضايقات كثيرة ،وصحيفة الرائد المملوكة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم.
ويقر قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009م ،لمجلس الصحافة والمطبوعات بحق منح التصديق للصحف بعد استيفاءها شروط منصوص عليها في القانون وأخرى في اللوائح الداخلية للمجلس ،وعلى هذا الأساس صادق المجلس لعدد آخر من الصحف ولكنها لم تستطيع مواصلة الصدور بسبب عوائق اقتصادية وهي مملوكة لشركات أو أفراد بالقطاع الخاص.   
وكانت مسودة قانون الصحافة والمطبوعات  لسنة 2009 التي أعدها المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، قد أثارت جدلا واسعا، وتم إيداعها منضدة المجلس الوطني  في 20 ابريل 2009  في دورته الطارئة التي بدأت في الثاني عشر من ابريل 2009، وقد تمت إجازته رغم تحفظات واسعة على بنود القانون.
وأبدت شبكة الصحافيين السودانيين ونخبة من كبار الصحفيين وعدد من القانونيين ملاحظاتهم حول مسودة القانون، ورأى هؤلاء أن القانون أعده الشريكان "المؤتمر الوطني والحركة الشعبية" رغم المطالبات المتكررة بضرورة تحرير الصحافة من الوصاية وتركها لتقوم بدورها المهني والأخلاقي بمسؤولية وشرف، وقال بيان للشبكة إن القانون يتعارض تعارضاً جوهرياً مع الدستور الانتقالي.
وقد أجرى المجلس الوطني تعديلات تسقط عقوبة السجن للصحفيين التي وردت بمشروع القانون؛ إلاَّ أنه توجد قوانين أخرى ستجعلها سيفًا مسلطًا على رقاب الصحفيين. وكان مجلس الصحافة يمتلك صلاحية فرض غرامات مالية باهظة على الصحف والصحفيين تصل إلى 50 ألف جنيه سوداني (أي ما يعادل نحو 21 ألف دولار أمريكي)، وقد أسقطها القانون الجديد إلاَّ أنه ترك الباب موارباً لفرض الغرامات وترك تقديرها للقضاء.
ومنح القانون مجلس الصحافة صلاحية إصدار قرارات إغلاق الصحف لمدة ثلاثة أيام دون تفويض من القضاء، ومن المثير للقلق أن هذا المجلس الذي يتكون من (21) عضوًا، يقوم رئيس الجمهورية بتعيين (6) منهم من بينهم الأمين العام ؛مما يفسح المجال لمزيد من سيطرة الدولة على مجلس الصحافة.
ولم يقدّم القانون الجديد تنظيمًا لآليات تدفق المعلومات بين الجهات الرسمية والصحفيين الذين يقع علي عاتقهم البحث عن المعلومات و الاعتماد بشكل كامل على مصادرهم الذاتية، في بيئة معادية لحرية تدفق المعلومات.
وبموجب هذا القانون يوكل للسلطات الحكومية القدرة على فرض القيود على الصحافة لاعتبارات الأمن القومي والحفاظ على النظام العام.
و لم يخلو القانون من العبارات الفضفاضة التي تحتمل تأويلات وتفسيرات عدة من قبيل حظر نشر كل ما من شأنه "إثارة الفتن الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الدعوة للحرب أو العنف"، والتأكيد أن على الصحف "احترام وحماية الأخلاق العامة، والقيم الدينية".
وهناك بعض القوانين التي تسمح بتجريم أنشطة الصحفيين، مثل القانون الجنائي السوداني لعام 1991، وقد تُستخدم لاتهام الصحفيين والمحررين بهذه الجرائم الخاصة بنشر معلومات تُرى على أنها تنتقد السلطات، وقانون الأمن الذي يمنح الجهاز سلطات موسعة قد تشمل العاملين في مجال الإعلام.
وقد اتسم مطلع عام 2009 بانتهاكات متفرقة لبعض الصحفيين والصحفيات ،حيث تم الاعتداء من قبل مجهولين على الصحفي عباس محمد إبراهيم بالسيخ وأطواق حديد أمام مباني الجناح الغربي ،واعتقلت سلطات الامن بمدينة جوبا اسحق واني الصحافي اثناء تغطيته اعمال المجلس التشريعي بالجنوب بسبب أخبار ومقالات كتبها عن الأوضاع في الجنوب وخاصة انباء عن انهيار بنك النيل التجاري ومشاركة دراجة بخارية تابعة لرئاسة حكومة الجنوب في حادثة سير.
ونشرت صحيفة الخرطوم الصادرة يوم 22 اكتوبر 2009 إن الصحافيون بالبرلمان تعرضوا للتفتيش من امن الاستقبال كما تعرض احد الزملاء للمضايقة. ،وجاء في صحيفة التيار الصادرة يوم 8 ديسمبر 2009م إن المحرر في الصحيفة احمد عمر خوجلي تعرض لاعتقال غير قانوني وتم ترحيله الى جهة غير معلومة بـ"ركشة" ومنع من الاتصال باهله او بمقر صحيفته لأكثر من ست ساعات دون توجيه اتهام له مع الاحتفاظ بكاميرا التصوير الخاصة به.
وفي 27 اكتوبر من ذات العام تهجم شخص على مجموعة صحافيي صحيفة حكايات الاجتماعية واشهر سكينا في مواجهتهم فيما احدث حالة من الهلع والخوف وسط العاملين بالصحيفة.
وفي يوم 14 يونيو منعت الصحافية بجريدة "اخر لحظة" احلام الطيب من دخول وزارة الخارجية بتعليمات من المتحدث الرسمي باسم الوزارة.
كما جاء في صحيفة الانتباهة يوم الثلاثاء العاشر من اكتوبر أن المحررة بالصحيفة هادية قاسم تعرضت لاعتداء من شرطة محلية الكاملين اثناء تغطيتها لاحداث منطقة الباقير التي شهدت صدامات بين المواطنين وشرطة المحلية.
ورصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان أنه في يوم الخميس 4 يونيو 2009م، إعتقلت الإستخبارات العسكرية بمدينة جوبا الصحفي عادل بدر للمرة الثانية ،وإحتجزته لمدة خمسة أيام بدون تحقيق وبدون توجيه أية تهمة له وقد تم اطلاق سراح بدر بعد خمسة أيام.
في يوم 29 يوليو 2009 م، احتجزت الشرطة مراسلي كل من وكالة أنباء رويترز وقناة الحرة وصحف الميدان وأجراس الحرية أثناء تغطيتهم لمحاكمة الصحفية لبني الحسين ، وذلك عقب اشتباك الشرطة مع ناشطين وصحفيين تجمهروا إمام المحكمة فرقتهم الشرطة بالقوة عقب تأجيل المحاكمة.
وفي صباح الاثنين 7 ديسمبر 2009 ، قامت الشرطة بإطلاق أطنان من الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين تجمعوا أمام البرلمان ،وكان هنالك صحفيين وصحفيات تعرضوا للإعتقال التعسفى و الضرب و الإذلال، وهم يقومون بواجباتهم المهنية تجاه نشر الأخبار والمعلومات وهم: ( حمزة بلول و درة قمبو صحيفة الاجراس، بطرس يعقوب و قمر دلمان صحيفة أجراس الحرية، اتيم سايمون صحيفة الاخبار،  هنادي عثمان صحية الرأي العام، فريق تغطية تلفزيون جنوب السودان، فريق تغطية قناة الجزيرة)
وفي يوم الاثنين 14 ديسمبر 2009 م – وفي إعقاب فض المظاهرة السلمية لتحالف قوي المعارضة ،اعتقلت الشرطة عدد كبير من الصحفيين والصحفيات، وهم: (  لوشيا جون أبوي قناة الشروق، هاشم حسن رحمة الله و آدم محمد بشر و ليلي الصادق محمد علي فزاري والفاضل الصادق "صحيفة صوت الأمة"، رشان أوشي "صحيفة التيار"، فريق تغطية قناة العربية).
وأثناء وقبل مرحلة الانتخابات بوقت قصير؛ أشتكى كثير من المعارضين من سيطرة أحزاب سياسية بعينها على أجهزة الإعلام الرسمية، فيما وجدت الصحف الحزبية مساحة حرية أوسع، أما الصحف الغير حزبية، فقد جاء في تقرير لمنظمة سودان برس ووتش أن هذه الصحف كان فيها من يميل نحو دعم حزب المؤتمر الوطني مثل (الوفاق)، وفيها من يميل لدعم القوى الأخرى مثل (الأيام) وفيها ثلاثة صحف رؤساء تحريرها مرشحون في الانتخابات وهي التيار (عثمان ميرغني) السوداني (محجوب عروة) والأهرام (الهندي عز الدين)، ورأى التقرير أنه من الطبيعي أن تدعم تلك الصحف مرشحيها.
ورأى التقرير إن الصحف المستقلة كانت تتصرف أثناء الانتخابات بأن تنقل الأخبار والمواقف لمختلف القوى السياسية وتركز أكثر على أخبار المعارضة والمقاطعة والاتهامات بالتزوير وانتقاد المفوضية القومية للانتخابات وأنها أجرت حوارات مع قيادات القوى السياسية المشتركة في الانتخابات والمقاطعة على السواء.
لكن تلك الأوضاع التي شهدت تحولا نحو مزيد من الحريات ،عادت وتغيرت بشكل كبير مع نهاية العام 2009م وبداية عام 2010م ،حيث تعرضت حرية الصحافة في البلاد إلى انتكاسات عديدة خلال هذه الفترة ،في مقدمتها الإجراءات الاستثنائية المفروضة على الصحف (الرقابة القبلية) وغير القبلية وعن طريق الضغوط الممارسة على رؤساء تحرير الصحف أو الناشرين ،كما رصدت منظمات ( محلية ودولية) معنية بحرية الصحافة والتعبير وحقوق الإنسان ،وقائع عديدة جرى فيها انتهاك حرية الصحافة في أبشع الصور ،حيث تعرضت صحف سياسية ورياضية مثل (سودان تربيون) و(سيتزن) الناطقتين باللغة الإنجليزية للإيقاف عن الصدور لأيام، وأوقفت صحيفة (الوفاق) عن الصدور لمدة خمس أيام، ومنع رئيس تحريرها عن الكتابة، وكذلك صحيفة (الكورة" المتخصصة في مجال الرياضة"، وصحيفة (فنون) المتخصصة في المجال الفني، فيما سمح لصحيفة (ألوان) بالصدور بعد أن كانت قد توقفت بشكل إجباري.
كما بدأت السلطات في ملاحقة الصحفيين المعارضين وصحفهم ،فقد تعرض رئيسي تحرير صحيفتا أجراس الحرية و"رأي الشعب" إلى التحقيق معهما بتهمة اهانة رئيس الجمهورية ،واستجوب مجلس الصحافة والمطبوعات رئيسي تحرير الصحيفتين ووجهت لهما تهمة بخرق القانون واهانة الرئيس عمر حسن احمد البشير وهو اتهام تصل عقوبته إلى الإيقاف المؤقت الذي يمكن أن يصيب الصحيفتين بالشلل ماديا نظرا لاعتمادهما على التوزيع وليس الإعلان الذي يأتي معظمه من المؤسسات الحكومية أو بإيعاز منها.
وخلال هذه الفترة التي أعقبت ظهور نتائج الانتخابات بفوز كبير لحزب المؤتمر الوطني بالشمال والحركة الشعبية بالجنوب ،اشتدت وطأة محاصرة الصحفيين بالشكاوي تارة والاعتقال تارة أخرى ،حيث واجه الكاتب الصحفي الحاج وراق وفايز السليك تهمة الجرائم الموجهة ضد الدولة  بسبب مقال لوراق نشر بصحيفة "أجراس الحرية" بعنوان ( القائد الحقيقي لن يكون ديوثا) دافع فيه الكاتب عن مقاطعة مرشح الحركة الشعبية للانتخابات رئاسة الجمهورية ووصف الانتخابات بـ"المسخرة".
ولم تقتصر الملاحقات القضائية والإدارية على صحيفة "أجراس الحرية" ؛فقد تعرضت أكثر من صحيفة بما فيها تلك التي توصف بأنها موالية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم ،إلى استدعاءات للنيابة الخاصة أو استدعاءات لرؤساء تحرير تلك الصحف من قبل إدارة الإعلام في جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
وجرى استدعاء عدد من رؤساء تحرير الصحف من قبل نيابة أمن الدولة على خلفية نشر الصحف لأخبار عن وجود نفايات الكترونية دخلت البلاد اعتمدت فيها الصحف على مصادر مؤكدة.
ومن بين كثير من الأمثلة لتعرض الصحفيين لانتهاكات قصد بها عرقلة مهامهم ،ما جرى من قبل امانة حكومة ولاية الجزيرة التي منعت مراسلي الصحف من الدخول الى الامانة العامة لتغطية توقيع عقد بين ولاية شاندونغ الصينية وولاية الجزيرة ،وهو عقد اثارت الصحافة العديد من الاستفهانت حوله ،كما جرى انتهاك مماثل للصحفيين من قبل والي ولاية جنوب دارافور عبد الحميد موسى كاشا الذي قام بطرد الصحافيين من اجتماع حول إحداث دامية وقعت في جامعة نبالا وملابسات كشف امتحانات بالجامعة ،ومنعت صحيفة "أجراس الحرية" من تغطية زيارة وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط ومدير المخابرات عمر سليمان.
وقام مجلس الصحافة والمطبوعات بتعليق صدور صحيفتي "الأهرام اليوم" و"الحرة" لمدة ثلاث ايام اعمالا بمواد في قانون الصحافة تتعلق بما سمي في بيان للمجلس إساءة للقيم المتصلة بأخلاقيات المهنة ومخالفة للسلوك المهني ،كما اصدر قرارا بتعليق صدور "الحقيقة" التي كانت تقوم بنشر ملفات عن حالات فساد مالي في بعض المؤسسات، واعتبرت ادارة تحرير الصحيفة أن قرار تعليقها "غير مبرر" ،لكن مجلس الصحافة عاد وانهي تعليق صدور الصحيفة بعد "اكتمال الترتيبات الادارية  الخاصة بالشركة الصادرة عنها الصحيفة".
وعلى صعيد وسائل الاعلام الاجنبية العاملة في السودان ،فقد علقت الحكومة الاتفاقية الموقعة بين هيئة الاذاعة البريطانية "البي بي سي" والهيئة القومية للاذاعة ، واتهمت الهيئة بافعال تخالف نصوص القانون ، واعربت البي بي سي عن اسفها لقرار الحكومة السودانية وقال حمدي فرج الله مدير التعاون الدولي في الاذاعة أن القرار يحرم المستمعين الذين يحتلون مكان الصدارة لدينا، داعيا الحكومة الى اعادة النظر في قرارها، وكانت الحكومة قد رفضت ايضا تجديد ترخيص اذاعة مونت كارلو وقال مسؤول في الحكومة ان القرار ليس سياسيا وانما معاملة بالمثل.
لكن الطامة الكبرى تعرضت لها حرية الصحافة خلال هذا العام ،كانت في عودة الرقابة "القبلية" في التاسعة عشر من مايو 2010، حيث يحضر – يومياً- وفي أول كل مساء، ضباط من جهاز الأمن إلي مكاتب الصحف، ويطلبون من رؤساء التحرير أو مديري التحرير، أو من ينوب عنهم أن يقدموا لهم مواد الصحيفة كاملة قبل مثولها للطبع. ويقوم ضباط جهاز الأمن بقراءة الصحيفة كاملة، وينزعون منها مواد صحفية معدة للنشر ،و يأمرون باستبدالها بمواد أخري بديلة لتلك التي تم نزعها من الصحيفة..و في أغلب الأحيان يرفض ضباط الأمن المواد البديلة، ويعملون علي تعطيل الصحف ومنعها من الصدور.
وكانت الرقابة القبلية في بعض الأحيان استثنائية تفرض على بعض الصحف من بينها "صحيفة الصحافة" و"الإحداث" و"الميدان" التي تعرضت لمصادرة بعض إعدادها.
لكن هذا الوضع الشاذ لم يستمر طويلا هذه المرة ،فقد أعلن المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات رفع الرقابة عن الصحف في الثامن من اغسطس 2010م، ونقل "المركز السوداني للخدمات الصحفية" عن مدير جهاز الامن قوله ان الخطوة جاءت بعد انتفاء الدوافع والاسباب التي اوجدتها وهي المعلومات المغلوطة التي تداولتها بعض الصحف حول علاقة السودان بدول الجوار واستهداف هذه العلاقة فضلا عن الدعوة للانفصال واثارة الفتن والنعرات القبلية.
وقبل هذا التاريخ بنحو شهر ،علقت السلطات الامنية صحيفة الانتباهة الى اجل غير مسمى وقال مدير الاعلام بجهاز الامن والمخابرات أن القرار يأتي في سياق تحجيم الدور السالب الذي تقوم به الصحيفة في تقوية الاتجاهات الانفصالية في الجنوب والشمال بما يتعارض مع الدستور واتفاقية السلام الشامل التي تحض على خيار الوحدة.
وفي الثالث من اكتوبر اصدر مدير جهاز الامن والمخابرات الوطني الفريق محمد عطا المولى قرارا بفك حظر صدور صحيفة الانتباهة وقال ان القرار استجابة من رئيس الجمهورية للالتماس الذي تقدم به الاتحاد العام للصحفيين السودانيين والتعهد الكتابي من ادارة الصحيفة بالالتزام بميثاق الشرف الصحفي.
 
وفي ذات العام قامت قوة من جهاز الأمن والمخابرات بدهم ومصادرة صحيفة "رأي الشعب" المتحدثة باسم حزب المؤتمر الشعبي ،واعتقلت السلطات أربع صحافيين والمدير العام للصحيفة ،وجرى لاحقا إطلاق سراح المدير العام الناجي دهب وسكرتير التحرير رمضان محجوب ،وقالت الحكومة أن الخطوة جاءت لتامين سلامة البلاد وامنها بعد نشر اخبار عن ضلوع ايران في بناء قسم بمصنع جياد للانتاج الاسلحة لدعم حماس والحوثيين والصوماليين، وقد اصدر رئيس تحرير الصحيفة يسن عمر الامام بيانا انتقد فيه الخطوة واعتبر أن الامن تجاوز للدستور والقانون.
وجرى اعتقال الصحافيين (ابوذر علي الامين، اشرف عبد العزيز ، والطاهر ابو جوهرة) وقالت زوجة الصحافي ابوذر علي الأمين أنه قد تعرض لتعذيب وان السلطات لم تسمح بتقديمه الى طبيب الا بعد الحاح من اسرته وضغوط مجموعة من الصحفيين وهيئة الدفاع عن المعتقلين، ونشرت على مواقع الكترونية صورا تظهر الصحافي ابوزر وقد تعرض لضرب مبرح على ظهره.
وايدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر في مواجهة الصحافيين الثلاث اباذر علي الامين والطاهر ابو جوهرة واشرف عبد العزيز بمخالفة المواد 50 و66 من القانون الجنائي والمتعلقة بتقويض النظام الدستوري ونشر اخبار كاذبة الى جانب مواد من قانون الصحافة والمطبوعات والغت قرار مصادرة ممتلكات الصحيفة بينما امرت بتوقيف صدورها لمدة عام اخر ابتداء من نوفمبر 2010م.
كما اصدرت ذات المحكمة قرارا خفضت من خلاله عقوبة السجن الصادرة في مواجهة اباذر علي الامين الى عامين بدلا عن خمسة اعوام وقضت بعقوبة السجن لمدة عام لكل من الصحافي اشرف عبد العزيز والطاهر ابو جوهرة من تاريخ دخولهم الحراسة في مايو من عام 2010م.
ولم ينتهي العام هكذا ،فقد أوقفت السلطات الامنية الصحافي جعفر السبكي مسؤول ملف دارفور في جريدة الصحافة واقتيد السبكي من صالة التحرير ،وظل معتقلا قيد التحقيق ولم يقدم الى محاكمة ،ولم يسمح لاسرته بزيارته إلا بعد مرور أيام من اعتقاله ،وبعد جهود قام بها رئيس تحرير الصحيفة ،ونشرت إنباء مؤخرا عن تعرضت صحته للاعتلال.
وعلى الرغم من اعتقاد البعض بأن الفترة السابقة قد شهدت انفراجا نسبي في الحريات الصحفية واستطاع الصحفيون عبر نضال دؤوب ومثابرة ان يضعوا حدا للرقابة القبلية، لكن هذا لا يمثل المطمح فأكبر مشكلة حرية تدفق المعلومات، وواضح أن هنالك قيد على تداول المعلومات وبات أهم إشكال يواجهه الصحفيين يتمثل في عدم وجود قانون لتدفق المعلومات، وبالتالي فإن هنالك طائفة من المحظورات.
وغير بعيد عن ذلك، فقد ساهمت تدهور الأوضاع الاقتصادية للصحف في تشريد عدد كبير من الصحافيين المحترفين ،وتعرض بعضهم لأزمات مالية جراء تأخر صرف رواتبهم واستحقاقاتهم المالية لعدة أشهر ،وازدادت وطأت الأزمة الاقتصادية مؤخرا بشكل لافت ،الأمر الذي دعا عدد من الناشرين وشركات النشر لإعادة النظر في الاستمرار في هذا القطاع ،كما خلقت هذه الأوضاع مناخا يبعدُ الراغبين في الاستثمار بمجال صناعة الصحافة.
ويُعتقد أن أسباب المخاطر الاقتصادية التي تتعرض لها الصحف الان تعود إلى تاريخ نشأتها ، إذ يلاحظ أن نشأة الصحافة السودانية إتسمت بمجهودات شخصية ولم تك مجهودات ذات صفة مؤسسة مثلما يحدث الان في الدول الاخرى المتقدمة من نواحي التأسيس الاقتصادية، والمفارقة ان الاوضاع الاقتصادية للصحف شهدت استقرارا خلال عهود الانظمة الشمولية خاصة في عهد التأميم أثناء حكم الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، لكنها أيضا لم تتصف في تلك الحقبة بالاستقلالية، ويوصف هذا الأمر بـ"التناقض".
لكن أبرز المعوقات والمهددات التي تحول دون مواصلة الصحف لصدورها، عزوف رجال الاعمال عن اقتحام مجال الاستثمار في المجال الصحفي اضافة الى افتقار الصحف للاستثمارات التجارية الاخري وضعف رساميلها وقلة المساهمين فيها، وان الاستثمار في الصحافة يحتاج الى صبر طويل لانها استثمار معقد ومركب مهنيا وسياسيا واقتصاديا وصناعيا، وبينما رأس المال اما جبان اومتعجل لجني الارباح الامر الذي اضطر بعض الصحف للاندماج.
وهنالك اشارة مهمة في هذا السياق ،وهي ضعف انتشار الصحف وتوزيعها بتركيز توزيعها حوالى الثلثين في العاصمة والثلث الاخير في الاقاليم نسبة الى توريد عائد بيع العاصمة يوميا بينما يتأخر عائد توزيع الاقاليم لشهر ونصف الشهر مع العلم ان الصحف تحتاج للعائد اليومي لمقابلة تكاليف اصدار الصحيفة.
وجدير بالذكر انسحاب جميع الصحف عدا واحدة هي "صحيفة الخرطوم" من التوزيع خارج السودان نتيجة ضعف العائد مقارنة بتكاليف الاصدار والشحن وتأخر خطوط الطيران.
ويرى ناشرين أن المهددات الاقتصادية التي تواجه مجال الصحافة، تعزى لكونها تعتمد على موردين اساسيين فقط؛ التوزيع والاعلان، وهي موارد ضعيفة، مع إزدياد عدد الصحف الصادرة بالبلاد الامر الذي يساهم في تاكل قاعدة التوزيع، الى جانب إنتشار وسائل الاعلام الاخرى مثل القنوات الفضائية والمحطات الاذاعية والانترنت.
وبشأن اعتماد الصحف على الاعلان في تمويلها، فإن مورد الاعلان يواجه بمشكلات عديدة في مقدمتها تعاقدات الاذعان ( بدون ضمانات سداد) والتي تجعل الصحف تحت رحمة المعلن، خصوصا وأن أكبر المعلنين ( شركات الاتصالات) تنتظر الصحف للحصول منها على إستحقاقتها  لفترة تتراوح بين 40 الى 60 يوما.
و من المخاطر التي يتسبب فيها الاعلان على الصحف، الضغوط التي يمكن ان تمارس عبر حجب الاعلانات الحكومية عن بعض الصحف ( إعلانات الدولة تفوق 50% من حجم الاعلان المنشور حاليا)، أو الايعاز لمعلنين اخرين من القطاع الخاص بعدم نشر اعلانتهم في بعض الصحف، وزاد: ان الاعلان خاضع لضغوطات الربط بين الاعلان والسياسة التحريرية للصحف.
ومن بين الضغوطات الاقتصادية التي تواجه الصحافة في البلاد، حجم الجبايات والرسوم المفروضة على الشركات التي تصدر عنها الصحف، والجبايات تشمل ضرائب ارباح الاعمال والتي تقدر على اساس الميزانية السنوية للشركة – غالبا تتجاهل السلطات تقديرات ميزانية إدارة الشركة- وضريبة القيمة المضافة على الاعلان المنشور على الصحف بنسبة 15% ورسم الدمغة البالغ 5%.
وهنالك من يعتقد بأن ملاك الصحف – بعيدا عن حالات استثنائية- لا يحصلون على عائدات مالية ربحية من مساهتمهم في انشاء الصحف.     
على صعيد توزيع الصحف، يشتكي مسؤولي شركات التوزيع من طرق التوزيع التقليدية، ويعتبرونها واحدة من معيقات عمليه.
ويلاحظ حامد عملية التوزيع غير منظمة، وأن مكتبات او اكشاك بيع الصحف منتشرة بشكل عشوائي، الى جانب ان حجمها الصغير لا يساهم في عرض أكبر عدد من الصحف، خاصة وان البلاد تصدر فيها اكثر من 50 صحيفة سياسية واقتصادية واجتماعية ورياضية ومجلات دورية، الامر الي يسبب حالة من " التكديس " في المكتبات، (العاصمة تضم 8 مراكز توزيع فقط.
وهنالك ظاهرة ايجار الصحف خاصة بعد الزيادة في سعر بعض الصحف (جنيه) للنسخة الواحدة.
وقالت معلومات نشرتها صحيفة (الأخبار) اليومية المستقلة أن حجم الاستهلاك السنوي من ورق الصحف يصل إلى 50 ألف طن، مما يستدعي من أجهزة الدولة ذات الصلة، الاهتمام بتسيير إجراءات الورق بالصورة التي تدعم دور الصحافة في بث الوعي المنشود في الحياة، وإن تشجع الاستثمار في صناعة الورق، خاصة مع توفر مدخلات صناعة الورق في أنحاء كثيرة من البلاد.
وتوجد في البلاد تسع مطابع تقريبا تقوم بطباعة الصحف يوميا، وحسب ممثل المطابع الصحفية بالمجلس القومي للصحافة والمطبوعات الاستاذ احمد حامد رحمة، فإن صناعة الطباعة لها اشكالات مثلما تواجه الصحافة معوقات، فالاثنان وجهان لعملة واحدة، وان ما يصيب احدهما من معضلات ينعكس على الاخر.
ويضيف رحمة ان المطابع في طباعة الصحف تعتمد على مدخلات اهمها الورق( الجورنال)، ومنذ عام ونيف ارتفعت اسعار الورق ارتفاعا كبيرا إذ ارتفع سعر الطن من 700 دولار الى 1100 دولار وهذا بدوره ادى الى ارتفاع سعر الصحيفة من خمسين قرش الى واحد جنيه، وهذا الارتفاع أدى الى معضلة أخرى وهي انخفاض نسبة التوزيع وبالتالي دخلت صحف كثيرة في ازمات مالية.
ويشير رحمة الى ظهور بعض الصحف بطباعة فاخرة واخرى بطباعة باهتة، يتم بواسطة تقنية متطورة لكنها مكلفة من الناحية المالية لا تستطيع كافة الصحف العمل بها، بل ان صحيفة مثل الاهرام المصرية لم تنخرط حتى الان في مثل هذا العالم المتطور من الطباعة.
ويقول ممثل المطابع الصحفية بالمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، ان المطابع تشكو أيضا من تعامل الهيئة القومية للكهرباء ووزارة الصناعة، كصناعة تجارية وليس صناعة دمية لذا لم تتمتع المطابع حتى الان بانتياز الصناعة الخدمية، وعلى الرغم من ان صناعة الطباعة تدخل ضمن مدخلات الثقافة.
أخيرا ، وفي ظل كل هذه الظروف؛ يتوقع خبراء في مجال الصحافة والحريات الصحفية، أن يزداد الوضع سوءا رغم التطورات السياسية المتعلقة بمرحلة ما بعد إجراء الانتخابات، وفي حال لم تطبق إجراءات جادة لحماية الصحافيين من الانتهاكات المتعددة، أو سن تشريع قانوني جديد يحظى بإجماع القاعدة الصحفية، وتوسيع مشاركة الصحافيين في ميثاق الشرف الصحفي، والتشجيع على صناعة الصحافة، وانشاء مؤسسات راسخة، فإن مستقبل الصحافة السودانية في خطر.
 
المصادر:
1- بيانات صادرة عن شبكة الصحفيين السودانيين.
2-  صحف سودانية ووكالات إنباء عالمية.
3-  تقارير وبيانات الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
4-  التقرير السنوي للحريات الصحفية في السودان لعام 2009م (صادر عن منظمة سودان برس ووتش)
5- التقرير السنوي للحريات الصحفية في السودان لعام 2010 (صادر عن منظمة سودان برس ووتش)
6-  مقابلات أجر تها الشبكة مع عدد من رؤساء التحرير.
7-  ورقة (اقتصاديات الصحف) من إعداد الأستاذ محجوب عروة.
8-  مقابلات أجرتها الشبكة مع عدد من الناشرين ومسؤولي المطابع ومدراء شركات توزيع.
 
 

 

آراء