الناطق الرسمي للإخوان المسلمين بمصر: ليس لنا مرشح للرئاسة ونسعي إلي حكومة توافق وطني في مصر
تجربة الإسلاميين في السودان حققت انجازات وواجهت اخفاقات
القاهرة- أفريقيا اليوم: صباح موسى و عزمي عبد الرازق
حوار خاطف استغرق نحو ثلث الساعة مع المتحدث الرسمي بإسم جماعة الإخوان المسلمين ونائب رئيس حزبها " الحرية والعدالة " الدكتور عصام العريان كشف خلاله العديد من المفجآت وتحدث عن تجربة الحركة الإسلامية في السودان ، حيث بدا أن الجماعة الأم في مصر لا تسرها أبدا تلك التجربة ، العريان ذلك الرجل الطموح لدرجة التفكير في الترشح لمنصب الرئيس بدا أنه متأثر بشخصية الزعيم الإخواني الراحل سيد قطب لدرجة التماهي إلا أنه كان جريئاً وهو يتصدى للأسئلة، فهو أحد أبرز رموز جماعة الأخوان في مصر. العريان طبيب، وأمين عام مساعد لنقابة الأطباء المصريين وإمام مسجد، وكان أصغر عضو بمجلس الشعب المصري عام 1987، تم الحكم عليه بالسجن خمس سنوات في محاكمة عسكرية بمصر عام 1995، بسبب انتمائه إلى جماعة الأخوان ، وقد ألقت الشرطة القبض عليه في منزله بحي الهرم متهمة إياه بـ«الإعداد لتظاهرات محظورة»، فكيف أجاب الرجل على الأسئلة دون تحفظ.. إلى نص الحوار مع "أفريقيا اليوم" www.africaalyom.com.
{ بين يوم وليلة كنتم الجماعة المحظورة وخرجتم للعلن فيما أصبح الحزب الوطني هو المحظور وقيادته في سجن (طرة) هل تخيلت دكتور عصام وأنت في المعتقل أن تتطور الأوضاع بهذا الشكل الدراماتيكي؟
- بالرغم من توالي وطول عهد المطاردات والمعتقلات لم نفقد الأمل في الله سبحانه وتعالى، لأن القرآن يعلمنا «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وبقاء الحال على ما هو عليه كان من المستحيلات، فقد كنا وصلنا إلى مستوى من تآكل الشرعية للنظام، وتدهور دور مصر وانقطاع علاقتها بأقرب الناس إليها بما فيها السودان، بالإضافة إلى أن النظام فقد كل مقومات البقاء، بالتزوير والفساد ومحاولات التوريث وهى الأمور التي تراكمت ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير وعجلت بالثورة كانت هى مشاركة الأخوان في انتخابات العام (2010) والتزوير الفاضح للانتخابات بعد ما كان للإخوان 88 مقعداً في البرلمان وأصبح ليس لهم مقعد وتفاخر قادة الحزب الوطني، بحيث إن خطتهم لم تكن تحقيق الاكتساح وإنما كانت إقصاء الأخوان والقضاء عليهم، فكان الله سبحانه وتعالى لهم بالمرصاد، وهم كانوا يقولون سوف نرث مقاعد الأخوان في البرلمان، ولكن شاءت إرادة الله أن يرثوا مواقعنا في سجن (ليمان طرة).
{ في ظل المعطيات الحالية للثورة ما رؤيتكم للعهد الجديد والطريقة المثلى لحكم مصر؟
-لا شك أن شكل مصر سوف تحدده إرادة الشعب المصري ولكن لا يمكن أن تعود مصر للعهود الغابرة، وبالتالي سوف يكون المستقبل أفضل بكثير مما كنا عليه، ولكن نحن أمام تحدٍ وهو أن تعود القوى السياسية للالتحام والوحدة نحو هدف محدد وهو أن يأتي البرلمان القادم بتمثيل متوازن للقوى السياسية (القوي يحمل الضعيف)، الأمر الثاني أن تأتي الجمعية التأسيسية معبرة عن الطيف الواسع في المجتمع المصري ثم أن يأتي الدستور نفسه معبراً عن هوية وحضارة وثقافة ومصالح المصريين جميعاً بتوافق وطني.
- خلافات
{ لكن المشهد الآن رمادي جداً فبمجرد أن أزيح نظام مبارك بدأت الخلافات تتصاعد حتى بين الثوار أنفسهم وتدهور الوضع الأمني لدرجة أن (خناقة) يمكن أن تعطل حركة الحياة؟
- هذه هى الصورة التي يعكسها الإعلام وأنتم عليكم مسؤولية كبيرة، الصورة الحقيقية هى التي يعيشها المصريون في القرى والمدن والمحافظات وفي الخارج، والصورة التي يشعر بها عامة المصريين وليس النخب السياسية التي قلتم بأنها تختلف شعوراً بالفخر والانتماء لمصر هى شعور بالثقة في الجيش أنه أدار المرحلة السابقة بكفاءة وأنه سوف يسلم السلطة للشعب، شعور بالتفاؤل بأن هذا الشعب الذي صنع الثورة قادر على إكمالها والوصول بالبلاد إلى بر الأمان، بحيث يكون عندنا سلطة تشريعية منتخبة تفرز حكومة جيدة ورئيساً منتخباً وقضاء مستقلاً، وهذا الخلاف الذي ينشب هو خلاف نخب موجود منذ العهود السابقة، فقد تناسى الثوريون من كافة الشباب والتيارات السياسية خلافاتهم أثناء الإعداد للثورة وأثناء الثورة، بعدها جاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية ليعكس من جديد طبيعة هذه الاختلافات وهى تتعلق بمدى ثقة كل تيار في نفسه وقدرته على التعبير عن الشارع المصري وحجم وجوده ومدى اتصال هذه القوى الثورية بالشعب، فالمصريون والعرب عرفوا ثورات لم تكن ثورات وإنما كانت انقلابات في كل البلاد العربية، وهذه الانقلابات إما أن تكون قد عكست أحزاباً مثل حزب البعث، أو عندكم في السودان الحركة الإسلامية، وإما أنها كانت انقلابات لضباط محترفين، كما حدث في مصر واليمن، لم تعش الشعوب العربية حالة ثورة شعبية مثل ثورة الشعوب في أوروبا الشرقية (رومانيا)، ثورة إيران والثورة الفرنسية وهى ثورات أخذت مدى زمنياً حتى حققت مكاسبها، فالذي حفظ لمصر تماسكها وحمى الثورة هو تلاحم الشعب مع الجيش.
{ هنالك بوادر أزمة طائفية في مصر مثل أزمة محافظ قنا وحادثة كامليا وأزمة امبابة وغيرها من التوترات؟
- لا ما حدث في قنا ليس أزمة طائفية ولكن الإعلام لا يقوم بدوره على الوجه المطلوب، دور الإعلام توعوي ونقل الخبر على حقيقته ومن ثم نقل التحليلات والتعليقات المختلفة على هذا الخبر ومن ثم ينجح هذا الإعلام الموضوعي في توضيح ما يحدث في المجتمع، أنا أسمع كل يوم عن مخاوف وقلق يثيره الإعلام، وأي حديث عن خطف بنات مسيحيات غير صحيح وأي كلام عن هدم أضرحة (كذب كذب) «حد يصور لنا ضريحاً هدمه السلفيون»، هنالك حديث تحريم عيد شم النسيم من قبل ذات الجماعات السلفية، ولكنني أتساءل كم مليون مصري خرجوا في الشوارع والحدائق ليحتفلوا بشم النسيم، كل مصر خرجت، فالتخويف من السلفيين مبالغة إعلامية، فهنالك فريق سياسي يريد أن يتاجر بهذه القضية.
{ كانت هناك نصائح أسديت للمجلس العسكري بعدم حل جهاز أمن الدولة والشرطة كيف تقيمون تلك النصيحة؟
- غالبية الشعب والثوار لديهم مرارات مع هذا الجهاز، دعك من التعذيب وغيره، هذا الجهاز هو الذي كان يحمي وينفذ مشروع التوريث، وهو عمل ضد الجيش لأن الجيش كان يرفض مشروع التوريث، ولكن وزارة الداخلية في العشر سنوات الأخيرة كانت وظيفتها حماية هذا المشروع، وبما أن المشير طنطاوي لم يكن يحكم منفرداً فكان من الصعب عليه العمل بتلك النصائح لأنها كانت ستضعه في المعسكر المعادي للثورة.
{ كيف تقيّم تجربة الحركة الإسلامية في السودان؟ وهل من الممكن أن تستفيدوا منها في حالة وصولكم للحكم؟
- أنا طالبت الحركة الإسلامية على الهواء مباشرة وبشقيها (الشعبي) و(الوطني)، بأن يكتبوا تجربتهم ويعلنوها ويستخلصوا ما فيها من دروس لأن بقية الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي كلها تنتظر هذه المراجعة وهذه التجربة لكي تستفيد من دروسها ولكي تصحح أخطاءها.
{ دعنا نعيد عليك السؤال بشكل آخر هل من الممكن أن يستفيد الأخوان من تجربة الحركة الإسلامية في السودان باعتبارها أول حركة إسلامية تتمكن من الحكم في العالم السني؟
-هذا سياق مختلف تماماً، حيث يختلف الوضع في جوهره بين السودان ومصر، فالحركة الإسلامية في السودان يسيطر على تفكيرها هاجس إجهاض الانقلابات المضادة التي كانت ستجري على التجربة الديمقراطية فسارعوا بانقلاب، وهذا ما فهمناه منهم.، بينما حركة الأخوان المسلمين في مصر همها الأول الآن هو إحداث تغيير مجتمعي يؤدي إلى بناء نظام ديمقراطي حقيقي، وهو بالجهد المبذول سيؤدي إلى أن يختار الشعب بإرادته برلماناً حراً وحكومة حرة، فإذا كنا أهلاً للمسؤولية فسيختارنا الشعب وإذا لم نكن أهلاً لها فعلينا أن نبقى في المعارضة حتى نتمرن أكثر ويصبح لنا دور في المستقبل.
-انجازات وإخفاقات
{ ولكن من المعروف أن النظرية خضراء، بينما التجربة رمادية، فقد كانت الحركة تتحدث عن مشروع حضاري سرعان ما انقلبت عليه وأنتم أيضا تتحدثون..؟
- ( مقاطعة) لا يمكن بناء مشروع حضاري إسلامي إلا بمشاركة شعبية واسعة وتبني الشعوب لهذا المشروع، فالحضارات تبنيها الشعوب وليس الحكومات والحركات، وبالتالي نحن كإخوان مسلمين في مصر نعتز بتجربة الإخوة في السودان ونقول إنهم أنجزوا بعض الإنجازات وأخفقوا بعض الإخفاقات وكان ثمن استمرارهم في الحكومة هو الثمن الكبير الذي أدى في النهاية إلى تعطيل الحياة الديمقراطية في السودان حتى الآن وأدى إلى انفصال الجنوب وتفجر مشكلة دارفور وهذا هو ثمن الاستمرار في الحكم من أجل إنجاز مشروع حضاري.
{إذن ما المخرج لتلافى مزيد من الخسائر في السودان؟
- كما قلت لك الإصرار على الاستمرار في الحكم وتعطيل التجربة سيخلف المزيد من المشاكل، ولكن بعد انفصال الجنوب وواضح جداً أن القذافي هو الذي كان يمول الجنوب وهو الذي يمول الحركات المسلحة في دارفور، وبالتالي السودان سيستفيد من اختفاء العقيد القذافي وسوف تتحسن الأمور، وهنالك تحدي إعلان دولة الجنوب، ولكنني أعتقد أن السودان يمكن أن يستعيد دولة الجنوب.
{ كيف ذلك؟
- في ظل هذه التطورات الإقليمية المتسارعة لم يعد لدولة الجنوب المرتقبة حسب التخطيط العالمي دور كبير، سوف ينتهى دورها لأنها قامت من أجل مشاريع في القرن الأفريقي لدعم إسرائيل، ومؤامرة تستهدف إجهاد السودان ومصر، ولكن الآن الامور تتغير كلها، المناخ الجيوسياسي والاستراتيجي «انعدل» عقباً على رأس، فالسودان أمامه فرصة في استعادة الأمن في دارفور، استعادة الجنوب، بناء سودان حر ديمقراطي قادر على أن يكون سلة غذاء العالم.
{ ما دلالات الرسائل التي حملتها زيارة رئيس الحكومة المصرية للسودان قبل أيام بحسب تقديرات الأخوان؟
- دلالاتها تقول بأن رؤيتنا السياسية تغيرت وأصبح السودان بالنسبة لنا بعداً استراتيجياً مهماً، ليس فقط للمياه، وإنما للمياه والأمن والغذاء.
{ (الأهرام) المصرية نشرت استبياناً حصل فيه القيادي السابق بالجماعة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح على المركز الأول باعتباره الأقرب للرئاسة و...؟
- أنا لا أثق في كل هذه الاستطلاعات، لا أثق في النوايا التي من ورائها ولا كفاءة إجراءاتها، ولا في دقة ما توصلت له من نتائج.
{ هل ستدفعون بمرشح لرئاسة الجمهورية؟
- ليس لنا مرشح للرئاسة ولا نسعى إلى أغلبية في البرلمان وإنما نسعى إلى حكومة توافق وطني تنجز مهمة الدستور ومهمة إرساء قواعد وأسس النظام الديمقراطي، وقد طالبنا القوى السياسية بأن تتحد في قائمة واحدة في الانتخابات القادمة.
{ بحسب تقديركم من هو الأوفر حظاً في الوصول للحكم؟
- لا يوجد أحد حتى الآن من نستطيع أن نقول إنه الأوفر حظاً.
{ ألا يمكن أن يدفع الأخوان بمرشح للرئاسة في اللحظة الأخيرة؟
- لا لا ليس لدينا مرشح للرئاسة لا سري ولا علني.
{ إذا تقدم الجيش بمرشح مثل (عنان) ألا يمكن أن يربك الحسابات؟
- ليس لدى الجيش أي نية للتقدم بمرشح، والشعب سيرفض ذلك وستنتهى مصداقية الجيش.
{ سؤال أخير: دكتور الترابي أبدى رغبة في زيارة مصر بعد خروجه من المعتقل وهو كان أحد الممنوعين من دخول مصر لأسباب سياسية ما تعليقكم؟
- الجماعة ليس لديها أي مانع من دخول أي شخص إلى مصر، تحديداً الإخوة السودانيين، وبالنسبة للترابي فمن حقه أن يأتي إلى مصر من هذا المنطلق، إلا أن هذا الأمر بيد الجهات الرسمية، هي وحدها من تقرر دخوله وفق حساباتها.