التشاؤم ما بين المسلمين والمسيحيين
كمال الدين بلال
17 May, 2011
17 May, 2011
kamalbilal@gmail.com
كنت أظن أنني أتمتع بحصانة دينية من تأثيرات الثقافة الغربية بالرغم من عيشي لمدة عقدين من الزمان بين ظهراني النصارى، ولكن هذا اليقين أهتز عندي بعد أن انتابني توجس غريب صباح يوم الجمعة الماضية حيث أدركت أنه يوافق الثالث عشر من شهر مايو، فقد سبق وأن طرق طارق باب بيتي في لاهاي قبل حوالي (12) عاما في يوم جمعة صادف الثالث عشر من أغسطس ليبلغني بوفاة والدي العزيز عليه رحمة الله. هذا الشعور المزعج لم أستطع التخلص منه إلا بالاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم وهمزاته واستحضار عظمة يوم الجمعة بصفته عيدنا الأسبوعي.
المجتمع الغربي بالرغم من علمانيته وزعمه بأن المسيحية لا تلعب دوراً بارزاً في الحياة العامة إلا أن المتأمل في جذور ثقافته السائدة يجد أن كثيراً من مفاهيمه الراسخة لها علاقة وثيقة بالدين المسيحي، حيث تسوده بعض الخرافات التي لها مرجعية مسيحية حقيقية أو متوهمة. فمن الملاحظ أن معظم الغربيين يتشاءمون ويرهبون يوم الجمعة إذا صادف الثالث عشر من أي شهر ميلادي ويعتبرنه طالع نحس، وتصل حالة الرهاب من الرقم (13) عند بعضهم لدرجة الإصابة بمرض يعرف بـ (Triskaidekaphobia)، وقد صورت سينما هوليوود هذا الخوف في فيلم رعب حقق ايرادات خيالية بعنوان (الجمعة 13).
ينعكس خوف الغربيين من هذا التاريخ جلياً في أنهم لا يختارونه لعقد زيجاتهم خوفا من أن تصبح فتاة الأحلام فتاة كوابيس، وتحاول نساؤهم تجنب ولادة أبنائهن فيه إذا كن يلدن بعمليات قيصرية لظنهن أنهن فيه يكن أقرب ما يكون لتخوم الموت، كما لا تشتمل كثير من المستشفيات على غرف تحمل الرقم 13 لعلمهم بأن معظم المرضى سيرفضون دخولها، وتلغي كثير من المطارات البوابة رقم (13) لخشيتهم من رفض المسافرين السفر عبرها، وتقل عدد رحلات الطيران في هذا اليوم، ويتغيب عادة كثير من العاملين عن أماكن عملهم وتقل حركة السير فيه نتيجة لعدم مغادرة الكثيرين لبيوتهم خوفا من أن يصيبهم مكروه، ويترتب على ذلك تسجيل الشركات لخسائر كبيرة فيه لقلة الزبائن. وفي كرة القدم يرفض معظم اللاعبين ارتداء الرقم (13) لاعتقادهم بأنه رقم نحس لا يكون حامله موفقا في احراز الأهداف.
يتضح بالرجوع للتأريخ المسيحي سبب هذا التشاؤم والرهاب المتغلغل في نفوس الغربيين من الرقم (13) إذا وافق يوم جمعة، فآخر اجتماع سري جمع المسيح عليه السلام بحوارييه قبل أن يقوم يهوذا بخيانته وكشف مكانه (على حسب اعتقادهم) كان يوم جمعة وكان عدد الحاضرين ثلاثة عشر، وهو ما وثقه ليوناردو دافينشي في لوحته الشهيرة (العشاء الأخير)، وتطرف البعض لدرجة زعمهم بأن تلك اللوحة تتضمن رموزاً وشفرات سرية إلى عقيدة مخالفة للعقيدة المسيحية تشير إلى موعد نهاية الكون. وقد قام علماء الفلك الغربيين بترسيخ مفهوم التشاؤم من الرقم (13) حيث أشاروا إلى أنه يلي الرقم (12) الذي يعتبرونه رقماً كاملاً لأن السنة مؤلفة من (12) شهراً والأبراج (12) مما يعني أن الرقم (13) يشير إلى ما بعد الكمال وهو الموت عندهم. وقد تواتر هذا الاعتقاد وتم توارثه جيلاً بعد جيل مما جعله يترسخ بقوة في الوعي الجمعي للغربيين. وجدير بالذكر أن هذا الأمر لا ينحصر على عوام الشعب ودهمائه بل يعم المجتمع بكل فئاته ومستوياته مما يجعلهم يعيشون في ازدواجية غريبة يتماهى فيها التمدن بالتخلف في لوحة واقعية تجمع بين الملهاة والمأساة، فعلى سبيل المثال نشرت وكالة (BBC)البريطانية للأنباء العام الماضي أن طفلا يبلغ من العمر (13) عاما تعرض اثناء عرض طيران بمنطقة ويستوفت في سوفولك لصاعقة في تمام الساعة 13:13 بتوقيت جرينتش في يوم الجمعة الثالث عشر من أغسطس.
من حسن حظنا كمسلمين أن ديننا الحنيف أمر بالتوكل على الله ومحاربة الخرافة والتشاؤم من بعض الأزمان والأفعال وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ، وَلا صَفَرَ). فقد نفى الحديث الشريف صحة تشاؤم أهل الجاهلية من شهر صفر، حيث كان العرب يظنون أن في بطن الإنسان ثعباناً يصيبه ويؤذيه إذا جامع زوجته في ذلك الشهر، فنهاهم الإسلام عن التشاؤم وأعلمهم بأن كل ما يقع أو لا يقع إنما هو بقضاء وقدر وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد وليس للتشاؤم أي تأثير في جلب نفع أو دفع ضرر. ولكن للأسف وبالرغم من وضوح الأمر من المنظور الإسلامي ألا أننا نجد أن بعض المفاهيم الأوابد ما زالت تمارس إلى يومنا هذا مما يهدد ممارسيها بالوقوع في حمى الشرك الخفي، فتجد مثلا مقولة (شهر مارس شهر الكوارث)، كما يتشاءم البعض من رفة العين اليسرى، ويظن البعض أن العريس الذي لا يتخضب بالحناء ليلة زفافه سيصاب بالعقم ويحرم من الذرية، وللمعلومة فإن لفظ الأوابد يقصد به الطقوس الباقية من اعتقادات سابقة بائدة كالعادة الفرعونية السائدة في شمال السودان بوجوب غسل المختون والعريس في مياه النيل لمباركتهما.
تسود ممارسة في غاية من الخطورة في بعض بقاع السودان آن أوان إيداعها خزانة التاريخ، حيث يتشاءم البعض من زواج أية امرأة سبق وتزوجها شيخ طريقة صوفية وطلقها بعد أن قضى وطره منها، كما أن بعض أهل تلك المرأة يقومون بعضلها ومنعها من الزواج من أي رجل آخر خوفا من أن تحل بهم لعنة الشيخ، ويقولون في ذلك مثلاً مفاده (لا يجوز ربط حمار مكان حصان). ولكي ندرك حجم المشكلة لا بد لنا من الإقرار بتفشي ظاهرة تعدد الزيجات بين معظم المشايخ لارتباط ذلك بممارسة أخرى هي قيام بعض المريدين بهبة بناتهم للشيخ ليتزوجهن إن رغب فيهن خاصة إذا أسهم الشيخ في علاجهن من مرض ما، وكما هو معلوم وبحكم أن الشريعة الإسلامية لا تجيز أن يكون في عصمة الرجل أكثر من أربع زوجات يترتب على ذلك كثرة عدد المطلقات من نساء المشايخ. ولا يخفى على أحد أن في ممارسة حرمان مطلقات المشايخ من الزواج مرة أخرى نوع من القياس الفاسد والتشبه بالرسول الكريم في أمر أختصه الله به وهو عدم جواز نكاح زوجاته من بعده مصداقا لقوله تعالى (ومَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً). ويظهر هذا التشبه جليا في تسمية زوجة الشيخ (بأم الفقرا) على وزن أم المؤمنين.