RSS قيمة إنسانية مضافة

 


 

 



سيشهد يوم 9 يوليو 2011م ميلاد دولة جديدة هي رقم 194 في الترتيب الدولي العالمي (الأعضاء في الأمم المتحدة، باستثناء الفاتيكان وكسوفو) كما ستصبح الرقم 54 في الاتحاد الإفريقي. يمكن للدولة الجديدة ان تصبح قيمة مضافة للإنسانية في التحرر والديمقراطية وحقوق الإنسان. سيتم ذلك اذا سارت دولة الجنوب في طريق إقامة دولة ديمقراطية تعددية ذات تمثيل حقيقي لجميع المكونات السياسية، العرقية، الاجتماعية والثقافية في الجنوب. اذا قامت بقسمة عادلة للسلطة والسير في اتجاه تنمية متوازنة تنهي التمييز والتهميش وتجنب إقامة مركز سلطوي قابض جديد يحل محل مركز الخرطوم. هذا الأمر من المفترض ان يكون بديهيا، اذ ان قسمة السلطة والثروة (عبر التنمية المتوازنة والتساوي في الفرص)، قد شكل سبب وجود الدولة الجديدة وهو نفس السبب الذي أشعل الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب لعقود من الزمان.
لم يكن شمال السودان مستعمرا للجنوب في يوم من الأيام، بل كان السودان دولة واحدة منذ استقلاله والي حين انقسامه الي دولتين. الأسباب التي أدت الي انفصال الجنوب معروفة وهي في المقام الأول فشل النخب السياسية التي تعاقبت علي حكم السودان في تحقيق متطلبات الوحدة بين أبناء الشعب الواحد. لقد تم ارتكاب سلسلة من الأخطاء الجسيمة التي أدت الي انفصال الجنوب ولا زالت تشعل كل يوم فتنة جديدة وترتكب أخطاء جديدة تزيد من تعقد وضع السودان كدولة مستقرة يمكن ان تحقق التنمية والازدهار وان تحتل مكانة مرموقة بين الأمم. تتحمل النخب الجنوبية المسئولية في الانفصال بدرجة ثانية من حيث انكفائها علي الجنوب وعدم الاندماج في النسيج السياسي القومي والنضال من اجل التخلص من المظالم وتحقيق أهداف اتفاقيات السلام الشامل بنصوصها المعروفة للجميع. كان من الممكن للجنوبيين خاصة الحركة الشعبية بعد ان أصبحت القوة السياسية والعسكرية الثانية في السودان ان تلعب دورا ايجابيا في التغيير نحو الأفضل لكنها فضلت الانكسار والانزواء نحو الجنوب مكتفية من الغنيمة (بالانفصال). في هذا الوضع لا يوجد أي سبب منطقي للعداء بين الدولتين من اجل مصلحة الشعبين الذين لا ذنب لهما فيما حدث ولأنهما في غالبيتهما العظمي يكنان الاحترام والمشاعر الإنسانية النبيلة لبعضهما، بالرغم من ما تقوم به بعض الجماعات الشاذة من الطرفين لإثارة العداء والبغضاء والكراهية، وتلك محاولات ستذهب مثل الزبد جفاء.
مادام استقلال الجنوب هو خيار شعبه بغالبيته الساحقة فليس هناك ما يدعو للمراهنة علي فشل دولته الوليدة قياسا علي التحديات التي تواجهها. أي دولة في العالم ولدت كاملة ونموذجية؟ وما هي الدولة التي لا تواجهها تحديات خطيرة خاصة في أفريقيا؟ للقياس انظروا لما تواجهه دولة السودان الشمالي. من المؤشرات المشجعة في طريق بناء الدولة الجديدة ضبط النفس ورباطة الجأش التي واجهت بها القيادة في الجنوب ما جري في آبيي وموقفها من الأحداث في جنوب كردفان. الكثيرون يعتبرون ما جري من القيادات الجنوبية علامات ضعف ألا أن جميع الشواهد والقراءات والنتائج تقول انه مؤشرات قوة، حنكة سياسية وثقة في المستقبل. من الأدلة علي ذلك ما تم التوصل إليه (مبدئيا) من اتفاقيات حول آبيي وجنوب كردفان وإرهاصات الاتفاق حول ملف البترول. لا داعي للمراهنة علي تحدي دولة لم تولد بعد. ان الارتكاز الي مثل هذا الانجاز يعتبر عبث محض.
يمكن توجيه سؤال للذين يراهنون علي عدم استقرار جمهورية جنوب السودان بسبب المشاكل والتحديات التي تواجهها. ما الذي كان جيدا في الجنوب قبل الانفصال؟ هل كان هناك استقرار سياسي وتنمية وامن اجتماعي؟ هل كانت هناك مؤسسات دولة ومؤسسات مدنية منظمة؟ ما هو نوع النشاط الاقتصادي الذي يمارسه الجنوبيون وما هي مستويات التنمية البشرية هناك؟ هل تم استغلال الموارد الضخمة من اجل الإنسان؟ حتي البترول الذي يشكل محور الحياة والموت لم يكن موجودا ولم يتم استخراجه بواسطة حكومة جنوبية بل تمت قسمته بفضل نيفاشا. في هذا الوضع كيف يمكن للاستقلال ان يكون أسوأ من ما كان؟ بالطبع يمكن للفشل ان يكون مأساويا ونهائيا إذا لم تتبع سياسات رشيدة تؤدي الي الاستقرار السياسي – الاقتصادي والاجتماعي بجميع المتطلبات اللازمة لذلك واحتواء كافة أشكال النزاعات والمرارات الجنوبية - الجنوبية. البداية من إقامة نظام ديمقراطي يضمن مشاركة الجميع في اتخاذ القرار، العمل بجد ووعي كبير لإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة التي تضمن العيش الكريم لجميع الجنوبيين وتخرجهم من حالة الفقر والتخلف الحالية. كذلك يتطلب الوضع ان يكون الجنوب دولة كاملة السيادة لها القول الفصل في كيفية التصرف في مواردها وبناء مجتمعها الداخلي وإقامة علاقات متكافئة مع الجيران والعالم.
بالتأكيد العلاقات البناءة بين الشمال والجنوب ضرورية لاستقرار البلدين. لكن مثلما يتطلب ذلك العقلانية وحساب المصالح من الجنوب وفقا للمتطلبات المشار إليها وغيرها، كذلك الحال في الشمال. يحتاج السودان لإصلاح حاله الذي لا يسر وتعترض الإصلاح الكثير من العقبات من إعادة هيكلة حقيقة للدولة وليست صورية، الإصلاح الدستوري بمشاركة واسعة، قانون انتخابات يغير قانون نيفاشا، التخلص من الصدمة الاقتصادية ولجم الغلاء الفاحش ومن ثم الاستعداد الي الاحتكام الي الشعب في انتخابات حرة نزيهة بمشاركة فعلية وشفافية تامة. الخطاب السياسي من الحزب الحاكم يؤكد انه لا يخشى الاحتكام الي الشعب وانه في كامل الثقة من التأييد الذي لا يدانيه تأييد لاي منافس له. في هذا الوضع يصبح من غير المفهوم لاي شخص عاقل السبب في الاعتراض علي وضع دستور وقوانين ديمقراطية تنتهي بانتخابات عامة بمشاركة أي حزب او شخص مؤهل للمشاركة وفقا للدستور والقانون الذي يتم وضعه بتوافق قومي شامل. تبقي هناك عقبات من الضروري تجاوزها قبل الوصول إلي هدف صياغة نظام سياسي جديد متكامل فيما يعرف (بالجمهورية الثانية). أهم العقبات هي مشكلة دارفور، حل الملفات العالقة مع الجنوب، بما فيها الاتفاقيتين حول آبيي وجنوب كردفان  بوصف ان تلك المستحقات ضرورية لتطبيع الوضع دوليا وإقليميا مما يضمن توفيق الأوضاع والسير بشكل طبيعي نحو التخلص من المشاكل التي تواجه البلاد ومن أهمها تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
نتمنى أن تنجح جمهورية جنوب السودان في أن تكون دولة حرة ديمقراطية مستقلة ينعم شعبها بالحرية والعيش الكريم وان تكون قيمة إنسانية مضافة في الحرية والسلم والتنمية، سيكون ذلك مكسبا للجنوب والشمال وللإنسانية وسيستحق بذلك الاستقلال التضحيات التي بذلت من اجله من الجنوب والشمال علي حد سواء، لان تلك التضحيات مشتركة في دولة واحدة كانت قائمة علي خارطة العالم حتي 9 يوليو 2011م.


Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء